“إنهُ الصيفُ وفي موسمِ الصيف، بالطبع الليمون ولكن لا يوجد ليمون لا في الشاي ولا في الحلوى.”
كان تصريحاً يهدفُ إلى وصمِ المُضيفةِ بأنها عديمةُ الذوق ولا تُجيدُ مُواكبةَ المواسم فموضةُ الحمضياتِ في الصيف لها تقاليدُ عميقةُ الجذور وتاريخها الخاص، ولن يكونَ بمقدورها تجاوزُ الأمرِ بالاحتجاجِ بالتقاليدِ كما فعلتْ سابقاً.
في تلكَ اللحظةِ بالتحديدِ تكلَّمتْ بْلَانْش بادرتْ بالكلامِ قاطعةً ابنةَ الدُوقِ مَارْتِينَا التي كادتْ أنْ تصرخَ غضباً.
“(سمعتُ الكثيرَ عنْ ابنِ المارْكِيز أرغان).”
نظرَ ابنُ المارْكِيز أرغان إلى بْلانش بعينيهِ الحقودتين.
“أنهُ لا يستطيعُ أكلَ الليمون.”
آه أطلقَ أحدُهمْ صوتاً مكتوماً وبالفعلِ، بدا أنهُ لمْ يَرَ ابنَ أرغان في تجمُّعاتِ الصيفِ في كثيرٍ منَ الأحيان.
“لذلك، قامت المضيفة بإزالة الليمون عمداً.”
لو أن سبب غياب الليمون هو أنه يعاني حساسية تجاهه، لكان الأمر مفهوماً تماماً فقد يُخلط الليمون أحياناً مع أوراق الشاي أو يُستخدم لتعطيرها، وقد يشربه دون قصد
“آنسة مارتينا، حتى وإن كان الطعام لذيذاً، فلا معنى له إن لم نشاركه مع الجميع، أليس كذلك؟”
ظلَّ ميلتشزيدك يُقلِّبُ فنجانَ الشايِ أمامَهُ ولمْ ينهض حتى وهوَ يرى الأطفالَ يغادرونَ بملامحَ حزينة.
في النهايةِ، بعدَ أنْ غادَرَ جميعُ الأطفالِ، أومأتْ بلانش لِـتُولَا أنْ تُخرجَ الجميع فقطْ بعدَ أنْ بقِيَا وحدهما في غرفةِ الاستقبالِ فتحتْ بْلَانْشْ فمَها
“هلْ لديكَ ما تقولُه؟”
رفعَ ميلتشزيدك عينيهِ اللتينِ كانتا مُثبَّتتينِ على فنجانِ الشاي، وابتسم.
“يا.”
يا؟ ارتجفتْ حواجبُ بلانش لوهلةٍ قصيرةٍ جداً لولا هذا الجسدُ الطفوليُّ لكانَ الأمرُ مستحيلاً، لكنْ كانَ منَ الصعبِ إخفاءُ التعبيرِ على وجهِ الطفل.
“……هلْ ناديتَني؟”
على الرغمِ منْ أنهُ لا بدَّ أنهُ لاحظَ التعبيرَ المتذمر الذي مرَّ على وجهِها سريعاً، إلا أنَّ ميلتشزيدك كانَ هادئاً.
“ قولي : ليكن مزاجُك نقيًّا وصحّتُك في ازدهارٍ دائم يا سمو الأمير ؟؟”
[ طلب منها تحية رسمية قديمة بالكورية و صعبه حتى بالنسبة للبالغين ]
شكت بلانش في أُذُنيها للحظة ماذا قالَ الآن؟
“صعب.”
ما طلبَه الدوق كان على مستوى يجعل المرء يتساءل “حتى طفل في الخامسة منْ عمره يستطيع نطقَ ذلكَ دونَ تلعثم ؟”
وعلى الرغمِ منْ أنها مارستْ النطقَ بعنادٍ واضعةً قلماً بينَ أسنانها لأنها لمْ تُرِدْ أنْ تظهر تلفُّظا غير واضح أمامَ الآخَرين، إلا أنه كان من المستحيل على بلانش أنْ تنطقَهُ بشكلٍ صحيح
“لكنْ بإمكانِك فهم معناها، أليسَ كذلك؟”
ولكنْ، بالكلماتِ التي تلتْ، أغلقتْ بلانش فمَها كالمحارة.
لقدِ اكتشفَ الأمر.
حين تلقّت بلانش أوّل محاولةٍ شجار ، تكلّمت بلفظٍ غامضٍ ومبهمٍ قدر المستطاع حتى يصعب على الأطفال فهمها وبينما توقّفوا متحيّرين لما قالت، انتهزت الفرصة لتغيّر الموضوع بدعوتهم إلى الجلوس، مما يضطرُّ الأطفالَ إلى قبولِ الهزيمةِ والانتهاءِ منَ الأمرِ.
“إذن، لستِ عاجزةً تمامًا عن الكلام، أليس كذلك؟”
وكان محقًّا فقد أصبحت بلانش الآن قادرةً على النطق بدرجةٍ لا بأس بها، وربما لو استخدمت كلماتٍ تناسب عمرها لتمكّنت من الكلام بوضوحٍ تام.
وكلّ ذلك ثمرةُ جهدٍ بذلته لأنها كانت تكره أن يُرى ضعفُ نطقها أمام الآخرين لذا، في الأحوال العادية، كان ينبغي أن تكون قادرةً الآن على الكلام بوضوحٍ تامٍّ وفصاحةٍ كاملة.
لكنّ للفصاحة المتعثّرة ميزاتٍ كبيرة وأهمّها أنّها تُبرز براءة الطفولة فيها.
فـلي بايك ريون لم تُعامَل يومًا كطفلةٍ حقيقية، ولهذا كانت بلانش، رغم ما تلقّته من محبةٍ من حولها، لا تفهم لِمَ يحبّها الناس أو يجدونها ظريفة وما دامت لا تعرف السبب، فكيف يمكنها التحكّم في تلك المعادلة؟
لذلك كانت تُحلّل السبب في أنّ بلانش تُعامَل بعطفٍ ودفءٍ لم تعرفهما بايك ريون ربما لأنّ بايك ريون ــ رغم سقوط شأن أسرتها ــ كانت تستظلّ بهالةِ اسمٍ عريق، بينما بلانش، على كونها أميرة، لم يكن لها سندٌ قويّ وربما لأنّ قدراتها التي أظهرتها تختلف، أو لأنّ توقّعات من حولها منها ليست هي ذاتها.
وبعد طول تفكيرٍ توصّلت إلى نتيجةٍ واحدة الناس يحبّون بلانش لأنّها تبدو وديعةً لا تؤذي أحدًا، ويسهل التعامل معها، ولهذا يأنسون بها ومن هذا المنطلق، فإنّ نُطقها المتعثّر كان وسيلةً فعّالةً لتأكيد تلك الصورة الوديعة الضعيفة وإنْ كان في الأمر ما يجرح كبرياءها، إلّا أنّها لا تزال في الثالثة من عمرها، ومن الطبيعي ألا تتقن النطق بعد.
وفوق ذلك، فإنّها حين تكون بين أقرانها يمكنها استخدام هذا التعثّر في الكلام وسيلةً لقطع حديث خصومها، فهو سلاحٌ فعّال من وجوهٍ عدّة.
وفعلًا، حين تتحدّث بسرعةٍ مستخدمةً كلماتٍ صعبة، يضطرب نطقها من تلقاء نفسه، فلا يكون الأمر تمثيلًا منها.
ولعلّ هذا من أثر التدريب المكثّف، أو ربما من علامات نضجها الطفيف لقد بلغت مرحلةً إن لم يكن نُطقها فيها كعبارةِ ، ليكن مزاجُك نقيًّا وصحّتُك في ازدهارٍ دائم فهو على الأقلّ مقبولٌ وواضح إذا لم تركز عند الكلام.
وكما أشار ملكيشيزدك سابقاً، فإن حديث كان واضحاً بما يكفي لو أنها قالت الجمل ببطء ووضوح.
إذن، نعم — كانت تفعل ذلك عمداً.
فإذا لم تُظهر أنها فهمت ما يقال، فلن يتمكن أحد من مهاجمتها مجدداً.
“إذن من الأفضل أن تعتادي دائماً على التحدث ببطءٍ وبحرصٍ عندما تكونين أمامي.”
لم تكن بلانش تحبّ نطق الكلمات بشكل متعمّد ومتباطئ، فهي لم تعتبر التلعثم شيئاً جميلاً، بل مجرد وسيلة تستخدمها عند الحاجة ولأن مطلبه لم يكن صعباً، أومأت برأسها في طاعة.
التعليقات لهذا الفصل " 19"