Julie's law - 9
ابتسم إيفرارد بخبثٍ، كما لو كان راضيًا عن ردِّ الفعل.
“سمعت أن حارسكَ الشخصيَّ لم يكن يعلم حتى أين كنتَ، لذا أنزلت عليه بعض العقاب.”
“كيف يمكنكَ أن تعاملَ شخصًا بهذه الطريقة؟!”
اندفع مورفي نحو إيلين واحتضنه بإحكام. في العادة، كان إيلين سيشعر بالفزع ويدفعه بعيدًا بسبب هذا التلامس الجسدي، لكنه الآن انهار في أحضان مورفي، بلا قوّة.
“إيلين!”
“ابتعد.”
قام إيفرارد بانتزاع مورفي بخشونةٍ بعيدًا عن إيلين، ثم أمسك بشعره بقوة.
“ذنب عدم حماية وليِّ العهد، الذي يجلب المصائب أينما ذهب، كبيرٌ. ينبغي أن تنال عقوبةً شديدة.”
صفع الإمبراطور إيلين على وجنته بيده الضخمة. دوّى صوت الصفعة في الهواء، واستدار وجهه بقوةٍ.
في اللحظة نفسها، تورّمت وجنته المتكدّمة بالفعل أكثر فأكثر.
“توقف عن هذا!”
وقف مورفي أمام إيلين ليحميه. تمتم إيلين بكلماتٍ غير واضحةٍ من شفتيه المتورّمتين.
“أنا بخير… ابتعد…”
تساقطت دموع مورفي أخيرًا. كان صوت إيلين خافتًا بالكاد يُسمع، لكنه التقطه بوضوح. حتى في هذا الموقف، كان لا يزال يقلق عليه.
“إذًا، أخبرني، من سيتحمّل المسؤولية؟”
“…سأتحمَّلها. لقد كان خطئي.”
مسح إيفرارد ذقنه ببطءٍ، وكأنه يفكر في الأمر.
إيلين، الذي كان مقيدَ اليدينِ من قبل الفرسان، التقط أنفاسه بصعوبة قبل أن يتمكّن من التكلّم.
“أنتَ… لا يُمكن… أن… أنا…”
“اصمُت، إيلين.”
قالها مورفي بحزمٍ، ثم اقتربَ من أذنِهِ وهمسَ بصوتٍ منخفض.
“…أنا آسف.”
“…سموك …”
إيفرارد، الذي كان يُراقبهما، أدار عينيه ببطءٍ، ثم ابتسم ابتسامةً ماكرة.
“حسناً. بما أنكَ ستصبح بالغًا قريبًا، ينبغي أنْ تتعلم تحمّل مسؤولية أخطائكَ.”
كان مورفي يعلم بالفعل؛ أنّ والده لن يسامحه أبدًا. ومنذ البداية، لم يكن إيلين هو الهدف، بل مورفي.
أغمض مورفي عينيه، مستسلمًا لقدرهِ.
ثم دوَّى صوت الإمبراطور.
“خذوا وليَّ العهد.”
“أمركَ، جلالتكَ!”
الفرسان الذين كانوا يُمسكون بإيلين ألقوه أرضًا، ثم أمسكوا بذراعيْ مورفي. ورغمَ أنّهم كانوا مجبرين على ذلكَ بسبب أمر الإمبراطور، إلّا أنهم عبسوا باشمئزازٍ، خائفين من أن تُصيبهم عدواه. تعاملوا معه وكأنه شيءٌ قذر.
“اسحبوه بعيدًا.”
ومع أمر الإمبراطور، اختفى هو والفرسان الذين يمسكون بمورفي من مجال رؤية إيلين.
تشبّث إيلين بجسده المليء بالجروح وتقدّم بصعوبة. لم يكن هناكَ سوى طريقةٍ واحدةٍ لإنقاذ مورفي.
مقابلة الإمبراطورة.
كلُّ خطوةٍ كانت تعني ألمًا لا يُطاق، لكنه لم يكن يعلم ما الذي قد يفعله الإمبراطور القاسي بمورفي.
أسرع إيلين قدر استطاعته. كانت قطرات الدماء تتساقط معَ كلِّ خطوةٍ.
“آه!”
“سير أكويلا!”
صرخت خادمات جناح الإمبراطورة بفزعٍ واندفعنَّ نحوه. بصق إيلين الدم الذي تجمّع في فمه.
“عليَّ مقابلة جلالتها… حالاً…”
“أرجوكَ، انتظر لحظة!”
سارعت الخادمات إلى مساعدته وأخذنه إلى غرفة الإمبراطورة.
“جلالتُكِ، السير أكويلا هنا!”
“إيلين؟”
فُتِحَ الباب سريعًا، وحين رأت الإمبراطورة حالة إيلين، تراجعت شفتاها في صدمة.
“إيلين!”
نهضَتْ بارڤانا من مقعدها بفزعٍ. أسرعت الخادمات وأجلسنه على الأريكة، التي سرعان ما تلطّخت بدمائه.
“أحضروا الطبيب فورًا!”
“أمركِ، يا صاحبة الجلالة!”
“إيلين، هل أنتَ بخير؟”
سألتْ بارڤانا بلطفٍ، وكان وجهُها شبيهًا بوجه مورفي تمامًا. ابتلع إيلين ريقه بصعوبةٍ قبل أن يتحدّث مباشرةً.
“جلالتُكِ، صاحبُ السموِّ وليُّ العهد في خطرٍ …”
“ماذا؟ ماذا تعني؟!”
اتسعت عيناها في ذهول. كيف يمكن لهذا الطفل البائس أنْ يُواجهَ خطرًا أكبرَ بعد؟!
“جلالةُ الإمبراطور… أخذه بعيدًا. يجب أنْ يُنقذه أحدٌ ما…”
“الإمبراطور؟!”
ارتجفتْ يدا بارڤانا بشدّة، وبدا الغضبُ واضحًا على وجهِها.
“ابقَ هنا وتلقَّ العلاج وارتحْ. سأذهب بنفسي.”
غادرت الإمبراطورة الغرفة على الفور. ما دامت قد ذهبت، فلا شكَّ أنها ستفعل شيئًا لإنقاذ مورفي.
أطلقَ إيلين تنهيدة ارتياحٍ. ثم، بصوتٍ خافتٍ، تساءلَ عن السؤال الذي لم يجرؤ على طرحه عليها مباشرةً.
‘لماذا… تغيَّر الإمبراطور إلى هذا الحدِّ…؟’
بأسىً، أغمضَ عينيهِ بإحكام.
* * *
– جولي، هل راودَكِ حُلمٌ جميل؟
صدى صوته كان يتردَّد في أذنيها.
– تصبحينَ على خير، جولي.
مورفي، الذي كان يتبعُها بإلحاحٍ أينما ذهبت، اختفى وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس.
لقد مضت بالفعل ثلاثة أيامٍ منذ آخر مرةٍ رأتهُ فيها.
كانت جوليانا متكئةً على الطاولة، تدير زجاجاتٍ فارغةٍ بأطراف أصابعِها.
الطريق إلى المكتبة كان هادئًا جدًا. لم يعد بإمكانها تناول الحلوى.
لقد قضت معه أسبوعًا واحدًا. ومعَ ذلك، أصبح مورفي جزءًا من حياتها اليوميّة. كان غياب صوته مزعجًا لدرجةٍ غريبةٍ.
“مورفي، إلى أينَ ذهبت؟”
خرج التساؤل منها دونَ وعيٍ. كانت تشعر بالفضول.
أين اختفى؟
هل سبق أن اهتمَّت بشخصٍ ما بهذه الطريقة؟
شعرت بالمفاجأة من تغيُّرها، لكنها سرعان ما أوجدت لنفسها عذرًا.
أيُّ شخصٍ التقى مورفي مرةً واحدةً فقط، لا يمكنه أن يُنكر وجوده القويّ. حتى لو كان مجرّد غريب أطوار، فمن الطبيعيِّ أنْ يتساءل عنه المرء.
هذا ليس غريبًا.
وقفت جوليانا فجأة.
سارت نحو مكتب والدها.
“أبي.”
“سالي؟”
“إنها جوليانا.”
“آه، جولي.”
بما أن صوتها وصوت أختها كانا متشابهين، كان الناس يخلطون بينهما غالبًا.
تجاهلت جوليانا هذا الالتباس ودخلت إلى المكتب. كان من النادر أن تزورَ هي، وليسَ ساليتا، مكتب الكونت بمفردها.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟ أنتِ لا تأتينَ أبدًا إلى مكتبِي.”
وضع الدوق الأوراقَ التي كان يقلبُها جانبًا، ونظر إلى جوليانا. ترددت قليلًا قبل أن تتحدث.
“أردت أن أسألكَ عن شيء.”
“ما هو؟”
“هل حدث شيءٌ في القصر الإمبراطوري مؤخرًا؟”
بما أن مورفي كان مرافق وليِّ العهد، فمن الطبيعيّ أنه لن يستطيع المغادرة لو كان هناك أمرٌ ما في القصر.
“القصر الإمبراطوري؟”
“نعم، القصر.”
جعل سؤالها غير المتوقع الكونت يميل برأسه. هل حدث شيءٌ في القصر؟ فكَّر قليلًا، لكن لم يخطر بباله أيُّ شيءٍ مهم.
“لم يحدث شيء.”
“إذًا …. هل حدث شيءٌ في قصر وليِّ العهد؟”
ابنته، التي لم تُبدِ اهتمامًا بأيِّ شيءٍ من قبل، كانت الآنَ تُمطره بوابلٍ من الأسئلة. ضحك الكونت قليلًا وسألها بدوره.
“لماذا تسألين؟ هذا ما يُثير فضولي أكثر.”
“فقط أخبرني. هل حدث شيءٌ في قصر وليِّ العهد؟”
ألحّت عليه جوليانا، متشوقةً للحصول على إجابة. هزَّ الكونت رأسه نفيًا.
“ليسَ على حدِّ علمي، و…”
“و؟”
“كما تعلمين بالفعل، بسبب مرض سموِّه، لا يُسمح حتى للخدم الإمبراطوريين أو النبلاء بالاقتراب من مقر إقامته.”
“مرض؟”
لقد كانت معلومةً لم تسمعها من قبل. لطالما أحبّت الكتب ولم تكن تقرأ الصحف أبدًا، لذا لم تكن لديها أيُّ معرفةٍ بهذه الأمور. كما أنها لم تكن تهتم كثيرًا بالعالم الخارجي.
“… حقًا ليس لديكِ أيُّ اهتمامٍ على الإطلاق. هذه قصةٌ يعرفها جميع مواطني الإمبراطورية.”
“هل سمّو ولي العهد مريض؟”
“نعم. منذ الحادث الكبير الذي وقع في العائلة الإمبراطورية، لم يتمكن من مغادرة قصر وليِّ العهد. من المحتمل أنه في مثل سنكِ.”
“…فهمت.”
هل تفاقم مرض وليِّ العهد؟ هل لهذا السبب لم يتمكن مورفي من الخروج؟
“شكرًا لكَ على إجابتك، أبي.”
“بالطبع. إذا كان لديكِ أيُّ أسئلةٍ أخرى، فلا تترددِ في السؤال.”
بدا الكونت في مزاجٍ جيدٍ بشكلٍ غريب. انحنت جوليانا وخرجت من مكتب والدها.
“أنا سعيدة.”
عندما عادت إلى غرفتها، خرجت هذه الكلمات من فمها دون أن تدرك. سرعان ما وضعت يدها على شفتيها، مصدومةً مما قالته للتو.
‘يا للراحة، هناك سببٌ لعدم ظهور مورفي. هل سأتمكن من رؤيته غدًا؟’
مع هذا الأمل، ذهبت جوليانا إلى الفراش.
ارتفعت زوايا شفتيها قليلًا.
* * *
“إلى متى تنوي إبقاء مورفي على هذا الحال؟!”
“هذا ليس من شأنكِ، صاحبة الجلالة الإمبراطورة.”
“لقد مضى بالفعل ثلاثة أيام!”
على عكس توقعات إيلين بأن الإمبراطورة ستقوم فورًا بإطلاق سراح مورفي، أصرّ إيفرارد بعنادٍ على إبقائه محتجزًا.
لقد تحمّلت ما يكفي. حدقت بارڤانا فيه، وعيناها مملوءتان بالغضب الشديد.
“ماذا تنوين فعله بهذه النظرات؟ تبدين وكأنكِ تريدين قتلي.”
“لقد اتخذت القرار الخطأ.”
“ماذا؟”
اختفت الابتسامة الخبيثة التي كانت مرسومةً على وجه إيفرارد على الفور عند سماعه كلمات بارڤانا.
“كان يجب أن أموت في ذلك اليوم.”
عضّت على شفتيها بقوة.
“مع مورفي، في قصر وليِّ العهد!”
تدفق غضبها المتزايد وانفجرت صرختها كما لو كانت تُفرغ كل مشاعرها. عبس إيفرارد وأمسك بمعصمها بقوة.
“من سمح لكِ بقول مثل هذه الأشياء؟!”
“لا تتوهم أنك تمتلك قلبي أيضًا، جلالتك!”
رغم أنه كان يمسك بمعصمها، سخرت بارڤانا منه وردّت ببرود.
“أنت مجرد مزيف.”
ارتعشت حواجب إيفرارد المتجهمة. ولكن، بغض النظر عن تغيَّر تعابيره، لم تأبه بارڤانا وأمرت بحزم.
“أحضر مورفي.”
لم يخرج أيُّ ردٍّ من فم إيفرارد. كرّرت بارڤانا كلماتها مرةً أخرى، مشددة على كل حرف.
“أحضر مورفي، إيڤريل.”
انخفضت عينا إيفرارد—أو بالأحرى، إيڤريل—وأظلم تعبيره.
توجّهت الإمبراطورة وإيلين معًا إلى السجن الواقع تحت قصر وليِّ العهد، حيث كان مورفي محتجزًا.
كان هذا السجن مخصصًا للنبلاء رفيعي المستوى الذين ارتكبوا جرائم، ولم يكن مكانًا يُحتجز فيه وليُّ العهد بأيِّ حالٍ.
“أوه، مورفي!”
“جلالتكِ!”
كانت يدا مورفي مقيّدتين بأصفادٍ حديديةٍ ومعلّقةً بالجدار. كان جسده مغطى بالجروح، كما لو كان قد تعرض للتعذيب.
عند رؤية حالته البائسة، أغلق إيلين عينيه بإحكام. حتى كعقاب، كان هذا قاسيًا جدًا. لو كان العقاب موجّهًا له، لكان قد تحمّله بكل سهولة، لكن مورفي لم يكن كذلك؛ جسده لم يكن قويًا بما يكفي لتحمّل هذا الألم.
“مورفي…”
مدّت بارڤانا يدها المرتجفة ولمست وجنته. عند إحساسه بلمستها اللطيفة، فتح مورفي عينيه ببطء.
غير متأكدٍ مما إذا كان يحلم أم أنه في الواقع، رمش عدة مراتٍ قبل أن يفتح شفتيه الجافتين.
“…أمي…؟ إيلين…؟”
[ يُتبع في الفصل القادم …… ]
– ترجمة خلود