Julie's law - 7
كان جسدي كلُّه مُبتَلًّا تمامًا، وكذلك كانت جوليانا.
أتذكَّر أنني انجرفتُ في الدوَّامة، لكن كلَّ شيءٍ بعد ذلك كان ضبابيًّا.
من حالتي، كان واضحًا أنني سقطتُ في البُحيرة، ويبدو أن جوليانا قد أنقذتني.
لم يسبق لي أن هربتُ من سوء الحظ. فكما يتهرَّب المرء فضلات الطيور ليجد نفسه تحت وَابِلٍ من المطر، كان سوء الحظ دائمًا يجد طريقه إليَّ. لم يكن بإمكاني الهروب من قَدَري التعيس.
لكن اليوم، على الرَّغم من أنني لم أتمكَّن من تجنُّب المصيبة القادمة، إلا أنني خرجتُ منها سليمًا تمامًا. صحيحٌ أنني لم أستطع تفادي النحس، لكن لم يكن الأمر بهذه السوء.
بل على العكس، فقد جعلني الانجراف في العاصفة السِّحرية أشعر بأنني أقرب إلى جوليانا. لقد كانَت لحظة تحوَّل فيها سوء حظِّي إلى سعادة.
* * *
بشعورٍ من الإحراج، بدأ مورفي بِلَفِّ أصابعه، وتردَّد قليلًا قبل أن يتحدَّث.
“جولي، أنا أدين لكِ بحياتي. شكرًا لكِ.”
“لا بأس، هذا لا يستحقُّ الشكر.”
“كنتُ متأكدًا أنني ميتٌ لا محالة… ربما تكونين سيدة حظِّي، جولي.”
‘في عائلة سيرين، سيدة الحظ هي دائمًا أُختي. أمَّا أنا، فلم أكن سوى “الطِّفلة التي لم تتلقَّ نبوءةً”؛ مجرد شخصٍ عاديٍّ تمامًا.’
“عندما أكون معكِ، يبدو أن كلَّ المصائب التي تَحُلُّ بي تتحوَّل إلى نِعَم.”
كان ذلك أمرًا مضحكًا.
جوليانا لم تكن سوى فتاةٍ عادية، لكن في عينيّ مورفي، كانت أشبه بسيدة الحظ. لم تجد كلماتٍ مناسبةً للرد، فاكتفت بإغلاق شفتيها.
كانت خُصلات شعرها المبلَّلة تلتصق باستمرار بجبهتها، فدفعَتها إلى الخلف بلا وعيٍ منها.
“هاه…؟”
في تلك اللحظة، وقعَت نظرةُ مورفي على عَينها اليمنى.
كانت عينُ جوليانا اليمنى قد تحوَّلت إلى لونٍ ذهبيٍّ براق، يلمع كالعسل النَّقي أو الذَّهب المتألِّق. فظلَّ مورفي يُحدِّق بها مأخوذًا بسحرها.
كانت فتاةً جميلةً بحق. على الرَّغم من أنها كانت تُخفي ملامحها خلف غُرَّتها، إلا أن بشرتَها الصافية، ورموشَها الطويلة الكثيفة، وعينيها اللَّتين تَحملان زرقةَ البحر، جعلَتها فاتنة.
أحبَّ كونها لا تسأله أيَّ شيء. كانت تبدو غير مُبالية، لكن في الواقع، كانت شخصًا مُراعِيًا للآخرين.
خفقَ قلبُه بشدة. هذه الفتاةُ الجميلة التي قفزَت في البُحيرة لإنقاذه كانت تُحرِّك مشاعرَه.
“آه…”
أدركَت جوليانا أخيرًا أن غُرَّتها قد انزاحت كلِّيًّا عن وجهها. بسرعةٍ، هزَّت شعرَها المبلَّل وأعادت خُصلاتها إلى مكانها، مُحاولةً إخفاء عينيها.
لم تُرِدْ أن يراها أحد. لم تعتدِ الشعورَ بالتوتُّر، لكن هذه المرَّة، بدا عليها الاضطرابُ وهي تُرتِّب شعرها.
نظر إليها مورفي بنظرةٍ متسائلة، ثم سألها بحذرٍ.
“لماذا تُخفين عينيكِ دائمًا؟”
هل هو جادٌّ في سؤاله؟
العيونُ مُختلفة الألوان نادرةٌ للغاية. كانَت خاصيَّةً تُرى أحيانًا لدى الوحوش. تخيُّل أن تصبحَ حديثَ الناس جعلها تشعرُ بالانزعاج.
قطَّبَت جوليانا حاجبيها قليلًا قبل أن تردَّ.
“…لأنها غريبة.”
لكن مورفي أمالَ رأسه في حيرةٍ، وردّ ببساطة.
“إنها جميلةٌ فقط.”
كانت كلماته صادقةً تمامًا، لم يكن يُجاملها أو يُحاول إرضاءها.
شعرت بحرارةٍ تتصاعد إلى وَجنتيها. لم يسبق لها أن ظنَّت نفسها جميلةً يومًا. كانت أُختها ساليتا دائمًا الأجمل بينهما.
ولم يسبق أن قال لها أحدٌ إنها جميلة، خاصَّةً بسبب عينيها التي لطالما كرهَتها. لم يسبق أن رآها أحدٌ هكذا من قبل، أصلًا.
“…كلامٌ فارغ.”
تفوَّهَت بالكلمات بحدَّةٍ دون أن تُدرك، ثم نهضَت من مكانها، وعصَرت فستانها. تساقطَت المياه من الفستان المبلَّل بغزارة.
قام مورفي هو الآخر بنَفْض الماء عن ثيابه.
“بهذه الحالة، قد تُصاب جولي خاصتي بالزُّكام.”
‘مُنذ متى أصبحتُ “جولي الخاصة به”؟’
ابتسمَت جوليانا بسُخريةٍ خفيفة، لكنها لم تُكلِّف نفسها عناءَ الرد. لم يكن الأمرُ يستحقُّ الجدال.
“هيا بنا، سأُرافقكِ اليوم إلى المنزل!”
“لا داعي، يمكنني الذهاب وحدي.”
“ماذا؟ لكنَّكِ من أنقذَ حياتي! كيف لي أن أتركَ آنسةً تمشي وحدها…؟”
“لطالما عدتُ وحدي.”
في الحقيقة، كان من المُفترض أن يصل إيلين في هذا الوقت. إذا لم يذهب إلى القصر قريبًا، فقد يُكشفُ أمرُه.
لكن مورفي أراد قضاء المزيد من الوقت معها، ولو للحظاتٍ إضافية.
“آه، فقط اسمحي لي بمرافقتكِ!”
“…حسنًا، افعل ما شئت.”
في النهاية، توقَّفت عن الجدال، إذ لم يكن يهمُّها إن رافقها أم لا.
سار مورفي إلى جانبها وهو يشعر بفرحٍ غامر. كانت هذه أوَّلَ مرَّة يُرافق فيها أحدًا إلى المنزل، وكاد قلبه أن ينفخر من السعادة.
لم يتحدَّثا كثيرًا، لكن الصَّمت لم يكن مُزعجًا. على العكس، شعرت جوليانا براحةٍ لم تَعهَدها من قبل مع مورفي.
بعد مدَّة، وصلا أمام قصرٍ أبيضَ أنيق. على اللَّوحة الفاخرة عند البوابة، كُتب اسم “سيرين”.
‘سيرين، إذًا؟’
تذكَّر مورفي أن إيلين أخبره عن فتاةٍ من عائلة سيرين تستعدُّ لحفلةِ ظهورها الأول إلى المجتمع الأرستقراطي. هل كانت تلك الفتاة جوليانا؟
تأمَّلَ القصر للحظاتٍ، ثم استدارَ لينظرَ إليها.
إذًا، كانت نبيلةً حقًّا. لا عجب أنَّها تبدو أنيقةً ومُترفَّعة.
لاحظ أن الخدمَ يُلقون التحيَّةَ عليها باحترام.
لكن مكانتَها لم تكن تُهمُّه. بالنسبة إليها، هو ليس سوى خادم وليِّ العهد.
“هل أنتِ نبيلة؟”
“نعم.”
“يالَه من مكانٍ رائعٍ تعيشين فيه! لا بُدَّ أنه شعورٌ رائع!”
“لم أفكِّر في الأمر بهذه الطريقة من قبل.”
تحسَّس مورفي جيبَه، ثم تذكَّر شيئًا وصفَّق بيده.
“آه، صحيح!”
“ما الأمر؟”
“كنتُ على وشك نسيان هذا!”
أخرج صندوقًا مُبلَّلًا وناولها إيَّاه، وعلى وجهه ابتسامةٌ واسعة.
فتحت جوليانا الصندوق لترى بداخله ورقةً كُتب عليها:
[ إلى صديقتي، جوليانا. ]
نظر إليها مورفي مُترقِّبًا، بينما بقيَت هي على حالها، بلا أيِّ ردِّ فعلٍ يُذكر.
لكن هذا لم يكن مهمًّا له. لم يفعل ذلك انتظارًا لشيءٍ منها.
على الرَّغم من برودها، لم يستطع إنكار أنَّ قلبه كان يخفق بشدَّة.
دون أن تشعر أطلقت جوليانا ابتسامةً خفيفة.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها مورفي ابتسامتها منذ أن التقى بها. رؤيتها جعلته عاجزًا عن الكلام. كان قلبه، الذي كان ينبض بسرعةٍ من قبل، يخفق الآن بعنفٍ شديد. وضع يده على قلبه، متفاجئًا، ثم صرخ.
“جولي، هذا أمرٌ خطير!”
“لماذا؟ هل تشعرُ بتوعك؟”
“قلبي ينبضُ بجنون!”
“ماذا تقول بالضبط—”
نظر مورفي مباشرةً إلى عينيّ جوليانا، واهتزّت حدقتاه قبل أن ينطق أخيرًا.
“أعتقد… أنني وقعتُ في حبّكِ.”
“…ماذا؟”
اتّسعت عينا جوليانا على اتّساعهما من صدمة اعتراف مورفي المباشر، الذي جاء بلا لفٍّ أو دوران.
“هذا هراء.”
“ماذا تقصدين بالهراء؟”
قفز مورفي من الإحباط، شعر وكأن صدقه يتم إنكاره تمامًا.
“إذًا، لماذا ينبض قلبي بهذه الطريقة؟”
“وكيف لي أن أعرف؟ ربما أُصِبْتَ بنزلة بردٍ أو شيءٍ من هذا القبيل؟”
“لا.”
قاطعها مورفي بحزم، ثم ضرب صدره كما لو كان يُلقي خطابًا عاطفيًا.
“جولي، عندما رأيتُ ابتسامتكِ قبل قليل، ظننتُ أن قلبي قد توقف عن النبض.”
ثم أشار إلى رجلٍ في منتصف العمر كان يمرُّ أمام القصر.
“ذلك الرجل هناك.”
تبعَت جوليانا نظره ببطء نحو الرجل، ثم عادت لتنظر إلى مورفي. حدّق مورفي مباشرةً في عينيها وسألها.
“إذا رأيتُ ذلك الرجل يبتسم، هل تعتقدين أن قلبي سيتوقف؟”
“بالطبع لا.”
كان واثقًا بنفسه إلى درجةٍ تصل إلى الوقاحة. ومع ذلك، قبل أن تدرك، وجدت جوليانا نفسها تتقبل منطقه بطريقةٍ طبيعية.
حسنًا، من الممكن أن يقع أحدهم في حب صديقته؛ فمشاعر الحب ليست جريمة.
نظرت إليه بوجهٍ خالٍ من التعبير.
على الرغم من برود ملامحها، لم يتأثّر مورفي أبدًا، بل استمر في التحدث بحماس، مستخدمًا يديه للتعبير عن مشاعره.
“أستطيع أن أقولها بكل ثقة! جولي، أنا أُحبّكِ!”
“…وماذا بعد؟”
“هاه؟”
“عليَّ أن أدخل الآن.”
رمشت جوليانا مرتين، ثم استدارت بصمت دون أيِّ تعليقٍ إضافي.
“ا-انتظري لحظة!”
“ماذا الآن؟”
“لقد قدّمتُ لكِ اعترافًا صادقًا ومؤثرًا، وأنتِ لن تعطي أيِّ إجابة؟!”
“آسفة، لكن—”
بدأت تشعر بالضيق. لو بقيت مع مورفي لفترةٍ أطول، شعرت بأنها ستنجرف مع طريقته الفريدة في التحدث بلا خجل.
يجب أن يكون هناك حدٌّ للمزاح.
ظنّت أن مورفي كان يمزح فحسب، فتنهّدت بصوتٍ خافت، ثم نظرت إليه بعينين باردتين قبل أن تفتح فمها.
“أنا لا أؤمن بالزواج. هل هذا جوابٌ كافٍ لك؟”
ثم، دون أيّ تردد، استدارت ودخلت القصر.
وقف مورفي في مكانه، يحدّق في ظهرها وهي تبتعد.
لكنّه قرر.
لن يستسلم بهذه السهولة.
عيناه الخضراوان، الممتلئتان بالعزيمة، تألّقتا بإصرارٍ لا يتزعزع.
[ يُتبع في الفصل القادم …… ]
– ترجمة خلود