Julie's law - 5
اهتزت عيون مورفي كما اهتز جسده المتجمد من البرد. كان الشعور بدفء شخصٍ آخر، شخصٍ غير إيلين، أمرًا لم يشعر به منذ فترةٍ طويلة. الجميع كان يتجنب الاقتراب منه وكأن لمس جسده سيجلب عليهم لعنة.
شعر وكأن دموعه على وشك السقوط، فحوّل نظره وغيّر الموضوع.
“أوه، يبدو أن اليوم ليس يومًا جيدًا للتجول في المدينة، أليس كذلك؟”
كان مورفي يبدو كئيبًا بعض الشيء. أما جوليانا، وهي تحمل علبة هدايا، فقد شعرت بشيءٍ من الذنب، فابتسمت بشكلٍ غير مباشر بينما كانت تحدق في الشريط على العلبة.
“غدًا…”
“ماذا؟”
“سنلتقي في مثل هذا الوقت غدًا.”
التقت عيون جوليانا بعينيّ مورفي، وعند اقتراحها، ارتسمت ابتسامةٌ واسعةٌ على وجه مورفي.
“حسنًا! لنلتقي غدًا!”
“إذًا، وداعًا.”
دون تردد، استدارت جوليانا ومضت مبتعدة.
كان لديها شعورٌ غريبٌ بأنها قد تورطت في شيءٍ مزعج، لكنها بطريقةٍ غريبة لم تشعر بأن ذلك كان مزعجًا.
بعدما عادت إلى المنزل متجاهلةً الرياح والأمطار، فتحت علبة الهدايا التي قدّمها مورفي. داخلها، وجدت قارورةً من عصير الفراولة مع ورقةٍ صغيرة.
[إلى صديقتي الأولى، جوليانا.]
‘ما هذا؟’
أدارت جوليانا الزجاجة في يديها وتفحصتها من جميع الزوايا.
لم تبدو وكأنها شيءٌ اشتراه من متجر.
هل يمكن أن يكون قد صنعه بنفسه؟
لقد التقيا لبعض الوقت فقط، لكن كيف يمكنه أن يكون بهذه الدرجة من الإخلاص؟
كان الأمر محيرًا بالنسبة لجوليانا.
هو كان عكسها تمامًا.
جوليانا لا تهتم بشيءٍ تقريبًا، ولا يهمها كيف يعاملها الآخرون. ولهذا السبب، رغم أنها لم تتلقَّ نبوءة، لم تكن تهتم كثيرًا لذلك.
ومع ذلك، كان مورفي يشغل بالها بطريقةٍ غريبة.
هل لأنه عكسها تمامًا؟
بالنسبة لجوليانا، التي نادرًا ما تهتم بالآخرين، كان هذا أمرًا غير عادي.
وهي الآن تميل على الطاولة وتدير الزجاجة بإصبعها.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوت الباب وهو يُفتح. كانت ساليتا.
“هل أنتِ في علاقة حب؟”
“ماذا تقولين؟”
نظرت عينا ساليتا إلى شراب الفراولة الموضوع أمام جوليانا.
“يبدو كأن شخصًا ما قد صنعه لكِ.”
“أعطاني إياه شخصٌ ما.”
“من؟”
ها هي البداية مجددًا.
كانت جوليانا ترغب في أن تسدّ أذنيها.
كانت تكره الحديث عن نفسها، بل كانت تكره هذا النوع من “الثرثرة” تمامًا.
“لا أشعر برغبةٍ في الكلام.”
“أنتِ تتعبين من كل شيء، فكيف تتنفسين؟”
ضمت ساليتا شفتيها ونظرت إليها بنظرةٍ غاضبة.
عندما كانت والدتها حاملًا بجوليانا، كانت ساليتا في الثالثة من عمرها.
وعندما وُلدت أختها دون أن تتلقى نبوءة، سمعت ساليتا ما كان يقوله الوالدان.
– أشعر بالحزن الشديد!
– لكن لدينا ساليتا، لا بأس.
– نعم، نحن محظوظان لإمتلاك ساليتا المولودة بالحظ. طالما أن لدينا ساليتا، لا حاجة لجوليانا.
كانت تلك الكلمات صدمةً كبيرةً لــ ساليتا الصغيرة.
وفي ذلك اليوم، قررت أن تحب أختها الصغيرة وتعتني بها طوال حياتها.
لكن أختها كانت غير مهتمةٍ تمامًا بالآخرين!
أشياء مثل قضاء الليل في تناول الوجبات الخفيفة والتحدث سويًّا ستكون بالنسبة لجوليانا شيئًا لا تفهمه أبدًا.
وفي الحقيقة، حتى الكتاب الذي أعطته جوليانا في المرة السابقة، كانت ساليتا قد طلبت من خادمةٍ أن تجده أولًا لأنّها كانت تعلم بأن جوليانا ستحبه.
لكن سواءًا أدركت جوليانا ذلك أم لا، كانت هي نفسها لا تهتم.
فكيف يمكن لــ ساليتا أن تتحدث بلطفٍ معها؟
“هممم.”
في النهاية، خرجت ساليتا وهي تغلق الباب بقوة.
‘ما بالها؟’
دون أن تفهم مشاعرها، ظلت جوليانا تنظر إلى الباب ثم نادت على آندي.
“آندي.”
“نعم، آنستي. هل ناديتِ؟”
“أحضر لي كوبين، وبعض الثلج، وحليب.”
“نعم، على الفور.”
عاد آندي بسرعةٍ وهو يحمل صينيةً بها حليبٌ وثلج.
وضعت جوليانا ملعقةً كبيرة من شراب الفراولة في كوبٍ زجاجي، ثم سكبته على الثلج والحليب.
كان ذلك اللاتيه بالفراولة، المشروب الرائج هذه الأيام.
ظنّت أن خادم الأمير يعرف تمامًا ما هو شائعٌ حاليًا.
كانت رائحة الفراولة الحلوة والمنعشة تملأ الجو.
كانت الرائحة كفيلةً بأن تغيّر مزاج أيِّ شخص.
“ممم.”
كان من الطبيعي أن تعبّر عن إعجابها برائحة هذا المشروب الحلو.
في الحقيقة، تحب جوليانا الأشياء الحلوة.
لكنها كانت تكره الأماكن المزدحمة مثل المقاهي، ولذلك لم تكن تذهب إليها، كانت فقط تتساءل عنها.
أمالت جوليانا بالكوب ببطء، وتذوقت المذاق الطازج والحامض الذي يلفُّ لسانها برقة.
ثم أعطت الكوب الآخر لآندي.
“أعطه إلى أختي.”
“نعم، آنستي! ستسعد الآنسة ساليتا جدًا!”
“فقط أخبرها أن لا ترميه.”
كان آندي يعرف تمامًا ما تشعر به ساليتا، فأسرع نحوها بحماس.
تمددت جوليا على سريرها.
تذكرت مورفي وهو يبتسم وهو ينظر إليها.
لسببٍ ما، كان لديها شعورٌ غريبٌ أنها ستتورط في شيءٍ مزعجٍ جدًا غدًا.
“آه، يا لهذا الإزعاج.”
لكن رغم تذمرها، لم يكن وجهها يبدو غير راضٍ بشكلٍ كبير.
* * *
لحسن الحظ، كان اليوم يومًا صافيًا دون أن توجد غيمةٌ واحدةٌ في السماء. وبما أنها لم تكن تستطيع أن تبقيه منتظرًا مرة أخرى، سارعت جوليانا للاستعداد للخروج.
“إلى أين ستذهبين هذه المرة؟”
بدت أختها الكبرى وكأنها لا تملك ما تفعله؛ فهي دائمًا مهتمةٌ بما تفعله جوليانا.
قامت جوليانا بتمشيط شعرها بسرعة.
“إلى المكتبة.”
“لقد ذكرتيني بشيء ما.”
تألقت كريستالة ساليتا الخضراء وهي تحدق في جوليانا، ثم فجأةً أخرجت كرةً سحريةً من مكانٍ ما وقذفتها نحوها.
التقطتها جوليانا بسهولة، وحدقت في الكرة المستقرة في كفها باستغراب.
“ما هذا؟”
“فقط، شعرت أنه يجب أن أعطيكِ إياها.”
كانت الكرة تحتوي على سحر الرياح، وكان من الممكن رؤية زوبعةٍ صغيرةٍ تدور داخلها. حتى الأدوات السحرية من الدرجة الأدنى كانت ذات قيمةٍ كبيرة.
“إنها غالية الثمن.”
“اعتبريها مقابل لاتيه الفراولة.”
لكن ذلك بدا مبالغًا فيه.
أملت جوليانا رأسها متعجبةً من لطف أختها غير المعتاد.
لكن حدس ساليتا المبارك بالحظ كان دائمًا صائبًا. ولم يكن هناك ضررٌ من الاحتفاظ بالكرة معها.
“حسنا، شكرًا لكِ.”
“لا تنسي أن تأخذيها معكِ.”
قالت ساليتا ذلك ببرود، ثم خرجت من الغرفة بسرعة.
بعد أن أخذت الكرة وأكملت استعداداتها، اتجهت جوليانا نحو الزقاق حيث كانت ستلتقي بمورفي.
وكما هو متوقع، كان مورفي هناك في الوقت المحدد تمامًا.
كان يحمل علبة هدايا، ويبدو أنه كان قد أعد شيئًا ما مرةً أخرى. نظر إلى جوليانا وهي تقترب منه، وبمجرد أن تلاقت أعينهما، ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ مشرقةٌ وصامتة.
“مرحبًا.”
ألقت جوليانا التحية بصوتٍ جاف. وعلى عكسها، رد مورفي بلطف.
“جولي، هل حلمتِ بحلمٍ جميل؟”
شعرت بإحساسٍ غريب.
لم تكن تميل إلى الأنشطة الاجتماعية، لذا لم يكن لها أصدقاء يذكرون، كما أن عائلتها لم تكن طيبةً معها.
إذًا، لماذا كان لطيفًا معها إلى هذا الحد؟
كان هذا الفتى المدعو مورفي، خادم ولي العهد، يثير فضولها أكثر فأكثر.
لأول مرة في حياتها، شعرت جوليانا بالفضول تجاه شخصٍ ما، وليس تجاه الكتب.
“هيّا بنا؟”
كان صوت مورفي مفعمًا بالحماس.
“إلى أين تريد أن تذهب؟”
“إلى أيِّ مكان تحبينه.”
“…حسنًا، إذًا لنذهب إلى المكتبة.”
قادَت جوليانا مورفي إلى وسط المدينة المزدحم. وكما هو متوقع من عاصمةٍ تحتضن القصر الملكي، كانت الأسواق تعج بالحركة والنشاط.
“كم هو مذهلٌ أن يكون هناك كل هذا العدد من الناس!”
كان مورفي، الذي أمضى حياته محبوسًا في قصر الأمير، يزور مكانًا مكتظًا بالناس لأول مرة. فحتى الأشخاص الذين يسمح لهم بدخول القصر كانوا محدودين، ولذلك لم تكن لديه الكثير من الفرص لرؤية هذا التنوع الكبير من الناس.
تألقت عيناه وهو يراقب المتجولين في السوق.
بدا وكأنه يرى أناس الأسواق للمرة الأولى. وبينما كانت جوليانا تراقبه، طرحت عليه فجأةً سؤالًا.
“ألست خادمًا؟ ألم تخرج إلى الخارج من قبل؟”
“هاه؟ آه، في الواقع…”
تردد مورفي، غير قادرٍ على الإجابة. لم يكن بارعًا في الكذب، وكان ارتباكه واضحًا على وجهه.
“حسنًا، الأمر هو…”
بدأ العرق البارد يتصبب منه. ماذا عساه يقول لتصدقه؟
إن اعترف الآن بأنه في الحقيقة ولي العهد المنحوس، وأنه خرج إلى الخارج لأول مرةٍ في حياته، فهل ستصدقه؟
ماذا لو قالت إنها لا تريد أن تصادق كاذبًا؟ كان ذلك آخر شيء يريده.
“إذا كان من الصعب الإجابة، فلا داعي لذلك.”
حولت جوليانا نظرها بعيدا عنه، غير مباليةٍ بالحصول على إجابة. لم يكن فضولها قويًا أصلًا، ولابد أنه لديه سببٌ لعدم الإجابة.
لحسن الحظ، طبيعة جوليانا غير المكترثة أنقذت مورفي من الاضطرار إلى الكذب مرةً أخرى. ولم يكن يريد خداعها أكثر من ذلك.
تنفس الصعداء، ثم تقدم خطوةً إلى الأمام.
“آه! ما هذا؟”
“ماذا؟”
أشار مورفي بإصبعه إلى شيء ما، إلى عربةٍ صغيرةٍ تبيع الطعام في الشارع.
“إنه طعام الشارع.”
“طعام الشارع؟”
لم يكن مورفي قد تناول طعام الشارع من قبل، بل لم يذق أيَّ طعامٍ من خارج القصر أصلًا.
بدافع الفضول، اقترب من العربة، لكنه لم يكن قد فكر في إنفاق المال، لذا لم يكن معه فلسٌ واحد.
كان بإمكانه رؤية أسياخ اللحم المتبلة وهي تشوى على النار. ابتلع ريقه وهو يشاهد الطعام الذي لم يسبق له رؤيته.
“هل تريد أن تأكل؟”
وجد مورفي جوليانا تقف خلفه دون أن يشعر بها. لوّح بيديه نافيًا بسرعة، فلم يرد أن يزعجها.
“لا، أبدًا! لا أرغب في أكل شيءٍ شهي كهذا على الإطلاق!”
“أعطني اثنين، من فضلك.”
أخرجت جوليانا بضع قطع نقدية وأعطتها للبائع. في غضون لحظات، حصلت على سيخين حارين من اللحم.
“لكنني قلت إنني لا أريد—”
“أنا أريد أن آكل، لذا سأأكل.”
قالت جوليانا ذلك بلا اكتراث، ثم عضت قطعة من السيخ، قبل أن تقدم الآخر إليه.
رغم ملامحها الباردة دائمًا، إلا أنها في الواقع كانت شخصًا طيبًا للغاية. ابتسم مورفي وهو يأخذ السيخ منها.
لم يتقاسم الطعام مع أحدٍ منذ وقتٍ طويل. كان ذلك مؤثرًا بالنسبة له.
تناول طعام الشارع مع أول صديقةٍ له—يا له من شيءٍ رائع!
قضم مورفي قطعةً كبيرةً من السيخ. رغم أنه كان يعرف أن طعام القصر أعلى جودة، إلا أن هذا الطعام كان لذيذًا على نحو غريب.
لا بد أن السبب هو أن جوليانا كانت بجانبه.
[ يُتبع في الفصل القادم …… ]
ترجمة خلود