It's the first time for both of us - 98
“ما هذا؟”
قلَّبتُ الورقة، ونظرتُ إلى الأمام والخلف كما لو كان هناك رمزٌ مخفي، لكن لم يكن هناك شيءٌ مكتوبٌ سوى العنوان.
“بيرزيوم؟ هذا مكانٌ داخل العاصمة.”
ضيَّق هيلا عينيه وهو يتفحّص الورقة بعناية.
في تلك اللحظة، لاحظت أن الظرف الذي كنتُ قد وضعته بلا مبالاةٍ على الطاولة كان يبدو أكثر سُمكًا قليلًا.
“هل كان هناك شيءٌ آخر بداخله؟”
التقطتُ الظرف وهززته. سقط مفتاحٌ صغيرٌ بحجم إصبعي في راحة يدي.
اتّسعت عيناي ونظرتُ إلى هيلا.
“هذا أيضًا كان بالداخل!”
“هذا مفتاح بنك بلمونت.”
قال هيلا وهو يأخذ المفتاح. وبعد أن فحصه بعناية، أومأ برأسه تأكيدًا.
“نعم، هذا مفتاحٌ لفتح خزنةٍ في البنك. إذًا، هذا العنوان لا بد أن يكون لبنك بلمونت، أليس كذلك؟”
أعاد المفتاح إليّ وهو يتحدث.
“بنك؟ هل يمكن أن يكون له علاقةٌ بالساحرات؟ لم يصلنا أيُّ خبرِ منذ مدة طويلة.”
“لستُ متأكدًا. لا يبدو أن له علاقةً مباشرةً بالساحرة التي ذكرتها قبل قليل …. إلا إذا كان الأمر يتعلق بخزنةٍ خاصة. علينا الذهاب والتحقق لنكون متأكدين.”
“إذًا، سأحتاج إلى تخصيص وقتٍ لذلك.”
وضعتُ المفتاح والملاحظة مجددًا داخل الظرف وقمتُ بطيّه.
ثم نقرتُ بأصابعي برفقٍ على الطاولة.
“حسنًا، هل يمكنني المغادرة الآن؟”
أوقفت هيلا وهو على وشك الخروج.
“انتظر لحظة.”
“هل هناك شيءٌ تريدين مني القيام به؟”
“أريد أن أسألك شيئًا، هيلا.”
“نعم، تفضَّلي.”
ترددتُ قليلًا قبل أن أسأل.
“هل الأولاد يكبرون بسرعةٍ دائمًا؟”
“يعتمد الأمر على الفتى المعنيّ. بعضهم ينمو بسرعة، والبعض الآخر لا. لماذا تسألين؟ ما الفئة العمرية التي تتحدثين عنها؟”
“أم… شخصٌ يكبرني بثلاث أو أربع سنواتٍ تقريبًا؟”
أدار هيلا عينيه قليلًا وهو يفكر، ثم أومأ برأسه.
“نعم، هذا عمرٌ مناسبٌ للنمو السريع. لكن لماذا تسألين؟ هل تشاجرتِ مع ابن أحد النبلاء في الحفل أمس؟”
“لا! لماذا قد أتشاجر؟”
“لقد كان سؤالكِ مفاجئًا، فظننتُ أنكِ ربما لم تحبي أحدهم. هل هذا يجيب على سؤالكِ؟”
“أمم، نوعًا ما… لكن، هيلا، إذًا —”
توقف هيلا، الذي كان على وشك المغادرة، في مكانه.
“نعم؟”
“هل يمكن أن تتغيّر شخصية الشخص فجأةً أيضًا؟”
أمال رأسه في حيرة، ثم حدَّق بي بتركيز.
شعرتُ كأنه يحاول قراءة أفكاري، فالتفتُّ بسرعة.
“لا بأس، لا تجيب.”
“آنستي… هل التقيتِ بصاحب السمو الأمير في القصر أمس؟”
قفزتُ واقفةً.
“ك-كيف عرفت؟”
ساد الصمت للحظة. جلستُ وكأن شيئًا لم يحدث.
“أوه، لقد كشفتُ نفسي تمامًا ….”
“إذن، لهذا كنتِ تسألين.”
أومأتُ باستسلام.
“نعم.”
“لقد كبر فجأة وتغيَّرت شخصيته أيضًا؟”
“أمم… صحيح.”
“إذا نظرنا للأمر من هذا الجانب، فأنتِ أيضًا قد كبرتِ كثيرًا، آنستي.”
اتخذتُ تعبيرًا كئيبًا.
“لكني لم أكبر سوى بهذا القدر، بينما هو أصبح بهذا الطول! لقد كان أقصر مني من قبل! هذا غير عادل.”
انفجر هيلا بالضحك بسبب تذمُّري. نظرتُ إليه بغضب.
“لم أكن أعلم أنكِ حساسةٌ بشأن هذا الأمر، آنستي. سأخبر غوردون أن يولي اهتمامًا أكبر لنظامكِ الغذائي لمساعدتكِ على النمو.”
واصل هيلا كتم ضحكته، ثم توقف عند الباب ونظر إليّ.
“آنستي.”
“نعم؟”
“أنتِ من أخرجتِ ذلك الطفل إلى النور. لذا، بالطبع، لقد تغيّر.”
“هاه؟”
ماذا كان معنى ذلك؟
“أوه، لا شيء. سأعود إلى أبحاثي الآن.”
حدَّقتُ به بعينين متسعتين، لكنه لوَّح بيده ببساطةٍ وغادر.
* * *
في اليوم التالي.
خرجتُ فورًا. ارتديتُ الملابس الأقل لفتًا للانتباه التي أملكها.
ولكي لا أبدو صغيرة جدًا، صففتُ شعري ببساطةٍ دون أيّ زينة.
منذ الصباح، أصرّت بين على أن ترتب لي مظهري، لذلك اضطررتُ إلى التشديد مرارًا على أني لن أرتدي أيّ مجوهرات. في النهاية، خرجتُ بالكاد مرتديةً فستانًا فقط.
قبل التوجه إلى العنوان المكتوب في الملاحظة، زرتُ أولًا متجر التحف، وهو في الواقع متجر اعتاد هيلا على التعامل معه.
لطالما كنتُ أستخدم هذا المكان من خلال هيلا، لذا كانت هذه أول مرةٍ أزوره بنفسي.
من الخارج، بدا وكأنه متجرٌ عادي تمامًا، وكان يتمتع بجوٍ مفتوحٍ يرحبّ بكلٍّ من النبلاء والعامة.
كان يضم كلّ شيء، من التحف القديمة التي تعود لعشرات السنين إلى تلك التي تعود لمئات السنين. كلّ شيء ما عدا المعلومات التي تُباع للساحرات.
كان هناك زبونٌ آخر في المتجر قبلنا.
بدا أنه كان يبيع شيئًا احتفظ به لفترةٍ طويلة.
تجولتُ بين التحف، منتظرةً أن يفرغ المكان قليلًا.
وأخيرًا، خرج الزبون بابتسامةٍ راضية.
وقفتُ بجانب هيلا، بانتظار ما سيحدث، بينما بدأ يتحدث مع صاحب المتجر.
“هل لا يزال لديكم بيتشا 171 سنة؟”
واو، قلبي يخفق بشدة.
كان الأمر أشبه بمهمةٍ سرية.
كان صاحب المتجر يستمع إلى هيلا، ثم فتح فمه.
“بالنسبة للمقبلات…”
لكنه توقف فجأةً وحدّق بي.
تقابلت أعيننا، عيناه البنيّتان التقتا بعينيّ.
“إنها معي.”
تحدث هيلا بالنيابة عني، مما جعل صاحب المتجر يخفّف من حذره.
“فهمت. إنها أول مرة تزورنا فيها زبونةٌ صغيرة. ما الذي ستطلبه للمقبلات؟”
إذن، الأمر حقيقي.
كل شيء كان يسير تمامًا كما علّمني هيلا، مما زاد الأمر تشويقًا.
“أودّ أن أطلب دميةً من المالكة.”
أظهر صاحب المتجر تعبيرًا متحيرًا.
“أعتقد أنني أخبرتك من قبل أننا لا نقبل مثل هذه الطلبات.”
“أعلم. ولهذا أخبرتكَ أنني سأظل أعود حتى تقبل.”
ردّ هيلا بنفس نبرة صوته، مما جعله يطلق تنهيدةً وهو يضغط بأصابعه على جبهته.
ثم مرّر يده عبر شعره الناعم المنسدل، وقال.
“ما أعنيه هو أنها لم تعد تستجيب للرسائل حتى الآن.”
استدار هيلا نحوي.
“يبدو أن الوقت لم يحن بعد.”
“لا بأس.”
لقد أمضينا سنوات نحاول التواصل معه، ولكننا كنا نُرفض في كل مرة.
الشخص الذي كنا نبحث عنه هو بيتشا، صاحبة شبكة معلومات الساحرات وساحرةً قادرةً على استعمال الدمى.
حتى أننا أخبرناها عن وجودي، لكن الرد ظلّ كما هو، لم يتغير.
التفت هيلا مجددًا إلى صاحب المتجر.
“على أيّ حال، أرجو منك محاولة إرسال الرسالة مرة أخرى. وهل لا يزال من المستحيل تعقب مرسل هذه الرسالة؟”
“لقد تعمّد إخفاء كل الآثار، لذا لا يمكن تعقبه. إلا إذا ظهر المرسل بنفسه.”
“فهمت. آنستي، هل ننتقل إلى الموقع التالي؟”
“هل تحب زبونتنا الصغيرة الشوكولاتة؟ هذه هديةٌ لكِ.”
مدّ صاحب المتجر إليّ قطعة شوكولاتة. أخذتُ الحلوى الملفوفة بعناية وقلت.
“لستُ طفلة. عمري ثلاثة عشر عامًا، كما تعلَم. لكنني سأستمتع بها، شكرًا لك.”
اتّسعت عينا صاحب المتجر للحظة، ثم انفجر ضاحكًا.
“تعالي لزيارتنا مجددًا.”
بمجرد خروجي من المتجر، فتحت غلاف الشوكولاتة ووضعتها في فمي.
عندما قضمتها، انسكب منها عصير الفاكهة ببطء.
كان بطعم الكرز.
” الشارع بونهوا 126 هو شارع الازدهار … أتمنى أن نجد شيئًا مفيدًا هناك.”
“سنرى.”
“كيف جرى الأمر في الداخل؟”
سأل آرون وهو يفتح باب العربة.
بدلًا من الإجابة، عقدت حاجبي وهززت رأسي.
أمسك آرون يدي بلطفٍ، مساعدًا إياي على الصعود إلى العربة.
“يا للخسارة. إذًا، هل نتوجه مباشرةً إلى العنوان الذي أعطيتِني إياه؟”
“نعم، شكرًا لك.”
أُغلق باب العربة، وانطلقت بنا متوجهة إلى بونهوا 126 شارع الازدهار، المنطقة 6، في بيرزيوم روستيغو.
كما توقعت، كان المكان فرعًا لبنك بلمونت في المنطقة التجارية.
بنكٌ يؤجر خزائن خاصةً للنبلاء والتجار.
من المحتمل أن يكون هذا المفتاح هو الحل للغزنا.
نظرًا لأنها زيارتي الأولى لهذا المكان، رافقني آرون.
بما أن هذا بنك، فإن الأمن سيكون مشددًا، والحراس يقظين، لذا لم يكن هناك مجالٌ للتهاون.
“مرحبًا بكم في بنك بلمونت.”
بمجرد دخولنا، استقبلنا الموظفون، الذين يرتدون أزياء رسمية أنيقة، بتحيةٍ مهذبة.
رغم ذلك، لم يُظهر أيُّ منهم نظراتٍ فضوليةً تجاهي.
ربما لأن زيارة النبلاء الصغار للبنوك برفقة خدمهم أمرٌ شائعٌ جدًا.
اتجهتُ إلى النافذة الأقل ازدحامًا، وقدمت المفتاح الموجود في الرسالة إلى الموظف.
“جئتُ للتحقق من الخزانة التي تخص هذا المفتاح.”
تفحص الموظف المفتاح بعدسةٍ مكبّرة، ثم رسم على وجهه ابتسامةً قبل أن يقف من مقعده.
وهذا يعني أن الخزانة قد تم التحقق منها.
“من فضلكِ، اتبعيني.”
أومأتُ برأسي، وسار الموظف بخطواتٍ واثقة، يقودنا عبر الممرات.
أخيرًا، اجتزنا ممرًا ثم نزلنا عبر درج يؤدي إلى الطابق السفلي.
[ يُتبع في الفصل القادم ……]
– ترجمة خلود