It's the first time for both of us - 89
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- It's the first time for both of us
- 89 - توائم ديميا الثلاثة (٢)
“هاه؟”
كان كوهن يراقب الثلاثة بحذر، متيقظًا. نظرتُ إلى كوهن بحيرة، ثم حولتُ نظري مرة أخرى إلى النساء الثلاث.
كان هيلا لا يزال متجمّدًا في مكانه. كان جسده مبللًا بالكامل من المطر، وتقطّرت المياه من أسفل ذقنه.
كانت الحصيرة والوسائد المتناثرة على الأرض تزداد ابتلالًا.
لم ينطق أحدٌ بكلمةٍ بسهولة.
لو لم يكن المطر يهطل، لظننتُ أن الزمن قد توقّف.
كانت تانيا أول من كسر الصمت.
“لننتقل إلى مكانٍ آخر أولًا. لا يمكننا الاستمرار بالوقوف هكذا تحت المطر.”
استعاد هيلا وعيه على الفور وسارع بجمع الوسائد والحصيرة. كانت المياه تتساقط من الوسائد المبللة.
“لنذهب إلى منزلي في الوقت الحالي.”
عند كلام تانيا، أومأ هيلا برأسه وتقدّم بخطواته.
أما النساء الثلاث اللواتي كنّ يراقبننا بصمتٍ، فقد تبعننا بعد فترةٍ طويلة دون أن ينطقنّ بكلمة.
* * *
كان منزل تانيا مزدحمًا بالناس. الجميع كانوا مبللين تمامًا، وكانت المياه تغمر الأرضية.
أسرعت تانيا بإضافة الحطب إلى الموقد وإشعال النار، ثم أحضرت كل المماسح في المنزل لمسح الأرض.
أما كوهن، فظل ملتصقًا بي طوال الوقت كما لو كان يحاول حمايتي.
لكن هيلا، الذي كان لا يزال في الخارج تحت المطر، لم يدخل حتى الآن.
رغم ازدحام المنزل بالناس، عمّ الصمت المكان.
كان التوائم الثلاثة، المتطابقون في ملامحهم، يجلسون متصلّبين وهم يراقبوننا بحذر.
بل كانوا يلقون نظراتٍ خاطفة نحو الباب، وكأنهم ينتظرون دخول هيلا.
كنتُ أتوقّع أن يكون الموقف محرجًا، لكن الجو كان أكثر كآبةً مما تخيّلت، شعرتُ وكأنني أجلس على أشواك.
“آنسة مارييت، ألا تشعرين بالجوع؟ لنذهب لتناول شيءٍ ما.”
أمسكت تانيا بيدي وسألتني، غمزت لي قليلًا. كان من الواضح أنها تريد مغادرة المكان.
حسنًا، إنهم عائلة، ويحتاجون إلى وقتٍ لــ لمّ الشمل مجددًا.
أومأت برأسي وأمسكت بيد تانيا.
“لمَ لا؟”
“سنخرج قليلًا ثم نعود. هناك ماءٌ دافئٌ على الموقد، استخدموه للتدفئة. يمكنكم أيضًا استخدام هذه المناشف. أما الشخص الذي في الخارج، فسوف نحاول إقناعه بالدخول.”
“…شكرًا لكما.”
“شكرًا.”
“شكرًا حقًا.”
تمتم التوائم الثلاثة بكلمات امتنانٍ ضعيفة. مررنا بجانبهم وفتحنا الباب للخروج.
في الخارج، كان هيلا لا يزال واقفًا عند المدخل، غير قادرٍ على الدخول، غارقًا في المطر.
ناديتُه بدهشة.
“هيلا! لماذا لا تزال تحت المطر؟!”
“هاها. سؤالٌ وجيه…”
ضحك هيلا ضحكةً متكلفة وهو يقترب منا. لو لم أنادِه، لكان بقي هناك لساعات.
تأملته للحظة، ثم أمسكت بيده المبللة.
رأيت عينيه تتسعان بدهشة، لكنني كنتُ أكثر قلقًا بشأن برودة جسده، كان مثل الجليد.
كانت يده باردةً كما لو كانت مغمورةً في الثلج.
“إنهنّ العائلة التي انتظرتها طويلًا.”
“……”
رفعتُ رأسي أنظر إليه بينما تحدثت. كان وجهه يبدو وكأنه على وشك الانهيار في أيّ لحظة.
“عندما التقيتُ بأبي لأول مرة، شعرتُ بإحراجٍ شديد. كنتُ ألومه لأنه لم يكن موجودًا لحماية أمي.”
“…آنستي.”
لفّت تانيا ذراعها الدافئة حول كتفي.
“لكنني لو لم أتبع أبي حينها، لكنتُ قد ندمت.”
“……”
فتح هيلا فمه قليلًا وكأنه يحاول البحث عن كلمات.
أشرت له بأن يقترب أكثر.
“هل تريد أن أخبرك بحيلةٍ جيدة؟”
“حيلة… جيدة؟”
اقترب هيلا أكثر وسألني. همست في أذنه بصوتٍ منخفض.
“الأمر بسيط. فقط ألقِ التحية أولًا. قُل: ‘مرحبًا، أخواتي.’ هذا كل شيء. عندها ستجد الطريق أمامك. لقد فعلتُ ذلك بنفسي.”
ضحك هيلا بخفةٍ وهو لا يزال منحنيًا.
“أنا جادة.”
أشرت إلى الباب.
“ادخل بسرعة. سنترككم لبعض الوقت.”
“نعم، وسنذهب لتناول شيءٍ لذيذ.”
لوّحت تانيا بيدها نحو هيلا. ابتسم، وكأن المشاعر كانت تتجاذبه بين الارتياح والتردد.
“…شكرًا لكما.”
انحنى شاكرًا، بينما ارتدينا معاطف المطر وانطلقنا نحو المخبز القريب.
* * *
كان صوت احتراق الحطب في المدفأة يتردد في الغرفة، مما جعل أكتاف التوائم ترتجف مع كل طقطقةٍ عالية.
على الموقد الصغير في وسط الغرفة، كانت الغلاية تغلي، تنفث البخار وكأنها غاضبة.
انفتح الباب الأمامي، ودخل هيلا مع صوت المطر، مبللًا بالكامل.
عند رؤية شقيقهم الأصغر مغمورًا بالماء، التقط التوائم مناشف في وقتٍ واحد.
لكن حتى بعد أن أمسك كل منهنّ بمنشفة، ترددنّ، غير قادراتٍ على تقديمها له.
مرر هيلا يده بين خصلات شعره المبلل بلا مبالاة. كانت نظارته مغطاة بالماء، مما جعل رؤيته غير واضحةٍ جزئيًا.
ظلّت المياه تتساقط من جسده.
أخيرًا، تنهد بعمق.
“مر وقتٌ طويل، أخواتي.”
أخيرًا، وقفت عائلة ديميا وجهًا لوجه، يواجهون بعضهم بعضًا بشكلٍ كامل.
بدأت حياة هيلا في الانهيار عندما تجاوز السادسة عشرة بقليلٍ، مترقبًا بفارغ الصبر اليوم الذي سيخطو فيه نحو مرحلة البلوغ.
كان الفارق العمري بينه وبين أخواته كبيرًا لدرجة أنه عندما وُلد، كانت أخواته قد أصبحنّ بالغاتٍ بالفعل.
كانت والدته وأخواته طبيباتٍ ماهرات، لم يكن لهنّ نظيرٌ في المنطقة.
أما والده، الذي فارق الحياة قبل ولادة هيلا، فلم يترك حتى صورةً واحدةً تذكارية.
ومع ذلك، لم يعرف هيلا معنى الوحدة أبدًا، فقد نشأ وسط فيضٍ من الحب من والدته وأخواته.
كانت أخواته جميعهنّ يتمتعنّ بذكاءٍ حاد، وكنّ يساعدنّ والدتهنّ المنشغلة دائمًا، كما أنهن كنّ بارعاتٍ في صناعة الأدوية.
حتى المرضى الذين كانوا يأتون دون معرفة مرضهم كانوا يتعافون سريعًا بفضل الأدوية التي تُعدّها عائلة هيلا.
كان فخورًا بعائلته، لكنه في الوقت نفسه، كان يشعر بالخجل أحيانًا لعدم قدرته على مساعدتهم في انشغالهم الدائم.
لذلك، تولّى مهمةً بسيطة وهي طيّ الأوراق التي تُغلَّف بها الأدوية التي تصنعها أخواته.
كما أنه اجتهد في حفظ الوصفات الطبية السرية التي كانت أخواته يعلّمنه إياها من حينٍ لآخر.
كان يفشل في كل مرةّ يحاول فيها صناعة دواءٍ بنفسه، لكنه كان سعيدًا رغم ذلك.
إلى أن انتشرت شائعةٌ تفيد بأن هناك ساحراتٍ يصنعنّ جرعاتٍ سحرية ويسحرنَ أهل القرية.
وكان مصدر هذه الشائعة امرأةً جاءت تطلب علاجًا لزوجها، الذي كان جسده مغطًى بالكامل بأورامٍ خبيثة، يترنح على شفا الموت.
كان رجلاً لا أمل في نجاته.
“أرجوكم، أنقذوا زوجي. إن أنقذتموه، سأفعل أيّ شيء. سأقدّم أيّ شيء. حتى لو طلبتم مني الذهاب إلى الجحيم، سأذهب بكل رضا.”
كان تلبية نداء استغاثة تلك المرأة هو الخطأ الذي قاد إلى الكارثة.
بذلت والدة هيلا وأخواته كل جهدهنّ في محاولة علاجه.
كنّ ينظّفن جروحه المتقرّحة يوميًا ويعتنينّ به بالكامل.
وأخيرًا، بعد شهرٍ كامل، تمكنّ من القضاء تمامًا على الأورام الخبيثة التي كانت تنهش جسده وروحه.
لقد أنقذنّ حياته.
ولكن بعد ذلك، بدأت شائعاتٌ غريبةٌ في الانتشار؛ تقول إن ساحراتٍ يختبئنَ في القرية ويضلّلن الناس.
وأنهنّ أنقذن مريضًا لم يكن ليُشفى أبدًا بقدرة البشر، مستخدماتٍ عقاقير غامضة.
“الساحرات اللاتي يعشنّ تحت السقف الأسود.”
أدرك هيلا فورًا أن هذه الشائعات كانت تستهدف منزل عائلته؛ المنزل الوحيد الفريد من نوعه في القرية.
سخر من هذه الأقاويل واعتبرها محض هراء.
لكن والدته لم تفعل ذلك. وأخواته أصابهنّ القلق.
“لم نرتكب أيّ خطأ، لذا لسنا مذنبين.”
بدأت والدته بالتحرّك بسرعة، وكأنها كانت مستعدةً منذ زمنٍ لمثل هذا الخطر.
باعت كل شيءٍ في المنزل.
“هيلا، استمع إليّ جيدًا. لا يهم أين تذهب، ستظل دائمًا ابني الذي أفخر به. لقد كنتَ رائعًا بنظري وستظل كذلك للأبد. أُحبّكَ يا ابني.”
قالت تلك الكلمات ثم وضعت قبّلةً على معصم هيلا.
لم يكن يراها، لكن في تلك اللحظة، نُقِشت علامة ديميا على معصمه.
وهكذا، أُرسِل هيلا بعيدًا، مع ما تبقى من ثروة العائلة، إلى أقارب بعيدين، وكأنه قد وُكِل إليهم لرعايته.
لم ترافقه والدته ولا أخواته اللواتي ربّينه كواحدٍ منهن.
في لحظةٍ واحدة، تفرّقت عائلته بأكملها.
لم يخبره أقاربه بالحقيقة.
شعر هيلا بالاختناق. وفي النهاية، لم يستطع الاحتمال، فهرب متسلّلًا عائدًا إلى مسقط رأسه.
لكن منزله الوحيد، ملاذه الآمن، كان قد دُمِّر تمامًا.
وأثناء تجوله، سمع أن هناك محاكمةً لحرق ساحرةٍ في مكانٍ قريب.
شعر بقشعريرةٍ زحفت على عموده الفقري. فانطلق راكضًا مباشرةً نحو ساحة الإعدام.
لحق به أحد أقاربه بصعوبةٍ وأمسكه، لكن الأوان كان قد فات.
انطبعت في ذاكرته صورةٌ لن تُمحى من ذاكرته مهما حصل.
لقد رأى والدته وهي تحترق.
لقد كانت النيران تلتهم والدته ومع ذلك لم تصرخ ولو لمرةٍ واحدة.
وفي لحظاتها الأخيرة، التقت عيناهما، وابتسمت بضعفٍ له.
حتى وسط العذاب المشتعل، أغلقت عينيها كما لو أنها تغفو بهدوء مع ابتسامةٍ هادئة.
فقد هيلا وعيه على الفور.
وحين استيقظ، وجد نفسه في منزل أقاربه.
“لقد وضعتك أمّنا في مكانٍ آمن، ثم أخذتنا مباشرةً نحو الحدود. لم نتحرك إلا في الظلام، عندما لم يكن حتى القمر ظاهرًا في السماء.”
“مشينا دون توقف. وعندما وصلنا إلى الحدود، كان الفجر قد أوشك على البزوغ. لم نأكل شيئًا لعدة أيام، وكدنا نفقد وعينا.”
“أمّنا دفعتنا إلى الأمام. قالت لنا أننا يجب أن نعيش بأيّ ثمن. لقد أعدّت كل شيءٍ مسبقًا؛ فقط من أجل إنقاذنا.”
“كانت أمنيتها أن ننجو. مهما كانت الطريقة، علينا البقاء على قيد الحياة. “
“وفي النهاية قالت أنها تحبّنا جميعًا. قالت أنه لو حدث ووُلدنا جميعًا من جديد فهي تتمنى أن نكون أبنائها وتكون هي أمّنا من جديد. أحبّتنا أمّنا جميعًا من أعماق قلبها.”
سجّل هيلا في ذاكرته كل كلمةٍ نطقت بها أخواته، دون أن يفوّت أيًّا منها.
كان قد أدرك سبب إبعاده؛ لماذا واجهت أمه الموت كساحرة.
لكن سماعه القصة مباشرةً من أخواته جعله يشعر وكأن الأشواك الحادة التي نمت داخله قد بدأت تتلاشى قليلًا.
كانت الدموع تتساقط بصمتٍ من هيلا.
ذلك القلب المتعفن، الذي تآكل بفعل الألم، احترق بالسواد مرة أخرى.
“هيل، لطالما أردتُ أن أكون أختًا صالحةً بالنبسة لكَ. لكنني لم أتمكن من ذلك، وأنا آسفةٌ حقًا. أنا آسفةٌ لأننا أخفينا وجودنا عنك عندما كنت صغيرًا، وآسفةٌ لأننا لم نجدك في وقتٍ أبكر.”
ركعت كيركي أمام هيلا.
كما انحنت كيسي ورونيا أمامه، يطلبنّ المغفرة.
وفي النهاية، انهمرت دموعه بشدة.
لم يكن قادرًا على إلقاء اللوم على أخواته.
لأنه لم يرتكب أحدٌ أيُّ خطأ.
“…أخواتي، انهضنّ رجاءً. ألستنّ مدركاتٍ لسنكنّ؟ عليكنّ الاهتمام بأجسادكنّ جيدًا. “
فتحت رونيا، التي كانت تبكي، عينيها على وسعهما.
فهي كانت الأكثر حساسيةً تجاه مسألة العمر بين الثلاثة.
مسح هيلا دموعه بعنفٍ، وأخرج تنهيدة صادقةً من قلبه.
ثم نطق أخيرًا بالكلمات التي لم يستطع قولها طوال تلك السنين.
الآن وقد اجتمعوا من جديد، يمكنهم البدء في التعافي من صدمة ماضيهم واحدةً تلو الأخرى.
“لقد اشتقت إليكنّ حقًا، يا أخواتي.”
[ يُتبع في الفصل القادم ……]
– ترجمة خلود
بكيت بجد …..