It's the first time for both of us - 73
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- It's the first time for both of us
- 73 - الجانب المظلم للمعبد والبابا (٣)
بعد فترةٍ وجيزة.
فتحت ريڤيتا عينيها على أرضٍ باردةٍ ورطبة.
حاولت أن تتحرّك بصعوبة، لكن أطرافها كانت مقيّدة، ولم تستطع سوى رفع رأسها بالكاد.
من خلال رؤيتها الضبابيّة، رأت ضوء الشموع المتراقص، وشخصًا يرقص كأنه يؤدي طقسًا شعائريًّا.
تردّدت أغنيةٌ خفيفةٌ في الأرجاء.
“…….”
عندما بدأت رؤيتها تتّضح، توقّفت حركات الراقص فجأةً.
“……هَك!”
في تلك اللحظة، انحبس نَفَسُها في حلقها، وتسرّبت القوة من جسدها.
“غَهْك.”
عاد صوتها، لكن بسبب اللجام في فمها، لم تخرج سوى أصواتٍ أشبه بأصوات الوحوش.
ثم شعرت بسائلٍ دافئٍ يغمر جسدها. ارتعشت ريڤيتا ونظرت إلى أسفلها.
بدأ الدمُ يتسرّب من جسدها ببطء.
سائلٌ أحمرٌ قانٍ تجمّع تحتها وبدأ ينتشر شيئًا فشيئًا.
اجتاحها الرعبُ المطلق، فبدأت تتخبّط بعنف. جرى دمُها متدفّقًا في الأخاديد المحفورة على الأرض.
وكأن يدًا غير مرئيّة كانت ترسم تعويذةً سحريّةً بدمها.
“……أُغْه! أُغْه!”
كلّما فقدت المزيد من الدم، شعرت بجسدها يسخن على نحوٍ غريب.
اجتاحها دوارٌ شديد، وكأنها ستحترق بالكامل.
ومن خلال رؤيتها التي بدأت تبهت، رأت شخصًا يرتدي الأبيض بالكامل يقترب منها.
‘أرجوك… أنقذني…’
في اللحظة ذاتها، اخترق شيءٌ جسدها.
لم تستطع ريڤيتا تحمّل الألم، فأغلقت عينيها على الفور.
* * *
بعد ثلاثة أيام.
استفاق موركال أخيرًا، بعد أن ظلّ غائبًا عن الوعي لأكثر من يومين بسبب الآثار الجانبيّة لامتصاص الطاقة السحريّة.
جلس بهدوء وأخذ يقبض ويفرد يده اليسرى.
كانت يده متصلّبةً كالصخر، لكنّها الآن تتحرّك بلا أيّ انزعاج.
لو تأخّر أكثر، كان التيبّس ليمتدّ إلى كتفه أيضًا.
أغمض عينيه، ثم رفع رأسه وأخذ نفسًا عميقًا.
‘لن تكون هناك أيُّ مشكلاتٍ في الوقت الحالي.’
بفضل الأُضحية التي وجدها بمحض الصدفة، كسب بعض الوقت، ممّا جعله يشعر بالراحة في تحرّكاته القادمة.
نهض موركال تمامًا من مقعده، واستدعى الخدم ليبدّل ملابسه.
وأثناء سيره في الممرّات، كان الكهنة يحيّونه بفرحةٍ غامرة.
كلّ من يعيش في المعبد، من كهنةٍ وخدم، كانوا ينظرون إليه بإجلالٍ وكأنهم ينظرون إلى الحاكم نفسه.
لقد أُلقي القبض على ساحرةٍ، وخُتمت قواها بالقوّة المقدسة، بل وأُعدمت بوحشيّةٍ قبل شروق الشمس اليوم.
ورغم ذلك، لم يظهر أيُّ تغييرٍ على وجوه الناس.
بل كانوا ينظرون إلى البابا بتقديسٍ أشدّ.
وبعد وصوله إلى جناحه بوقتٍ قصير، جاء روديل ليبلّغه بانتهاء صومه وصلاته التي دامت ثلاثة أيّام.
“بنور لابرك، أحيّيك، أيها الحمل المقدس. قدِمتُ فور سماعي بانتهاء صلواتك، يا قداستك.”
ابتسم موركال لروديل بلُطفٍ أكبر من المعتاد.
“لقد أُحرقت الساحرةُ على المِحرقة. أعلِنوا لشعب الإمبراطوريّة أنّهم في أمان. هل تمّ مكافأة المُبلِّغ؟”
كان روديل على علمٍ تامٍّ بما جرى للساحرة، لكنّه تظاهر بعدم المعرفة وأومأ برأسه.
وكأنّه غرق في مشهدٍ من مسرحيّةٍ مُتقنة الإخراج.
“نعم، لقد تمّ توزيع جميع المكافآت. وسأصدر الإعلان اليوم.”
“جيد. إذًا، يجب أن أرى صاحب السموّ الأمير قبل أن يَتأخّر الوقت أكثر.”
“في هذه اللحظة؟”
سأل روديل بدهشة، فأمال موركال رأسه قليلًا.
“بالطبع. يجب أن يكون قد تحمّل الأمر جيدًا أثناء صلاتي.”
كان يشعر بالقلق حيال الشرخ الطفيف الذي أصاب تعويذة الختم، لكنه كان قد قمع طاقة الأمير المقدّسة بأقصى قوّةٍ لديه قبل بدء الطقوس.
لابدّ أنّه تحمّل لبضعة أيّامٍ على الأقل.
حان الوقت ليتأكّد بنفسه ممّا إذا كان الأمير لا يزال يتلوّى على الأرض.
فلن يكون يومه سعيدًا إلّا إذا رآه بعينيه.
“يا قداستك، أفهم مدى اهتمامك بصاحب السموّ الأمير، ولكن…”
“ما الأمر، أيها الكاهن روديل؟”
“الأمر أنّك لم تتناولا أيّ شيءٍ طوال ثلاثة أيّامٍ من الصلاة. أخشى أن يتأذّى جسدك.”
اتّسعت عينا موركال بتظاهرٍ بالمفاجأة.
“أمام لابريك، الجميع متساوون. وأنا أيضًا خادمٌ مخلصٌ لحاكمنا.”
“آه…”
“كيف لي، وأنا خادمٌ، أن أقدّم جسدي على واجبي؟ يجب أن تكون أكثر حذرًا في كلامك، أيها الكاهن روديل.”
رغم رقّة كلماته، كان التأنيب لاذعًا، فارتبك روديل وانحنى بعمق.
“أعتذر. لم أدرك مدى إخلاصك، وكان تفكيري قاصرًا. سأُرسل خبرًا إلى القصر الإمبراطوريّ على الفور.”
أجاب موركال بابتسامةٍ هادئةٍ، وكأنّ شيئًا لم يكن.
* * *
عندما سمع الإمبراطور بخبر زيارة البابا، أطلق تنهيدةً ثقيلةً من القلق.
فهو يعتمد على مساعدة البابا لإطالة عمر الأمير، لكن في المقابل، تضاءلت هيبة العائلة الإمبراطوريّة.
في الواقع، كانت مبالغ هائلة تُستنزف من الخزانة للحفاظ على الدين الرسميّ، وتزايدت التكلفة يومًا بعد يوم.
ومع ذلك، لم يكن لديه اليوم خيارٌ سوى اللجوء إلى البابا مجددًا.
لكن إلى متى عليه تحمّل هذه العلاقة غير المريحة؟
كان يدرك تمامًا أنّ ولاء الشعب للإمبراطوريّة لم يَعُد مُوجّهًا نحو العائلة الإمبراطورية، بل نحو المعبد الأعظم، أو بالأحرى، نحو البابا ذاته.
لقد أقسم ذات يومٍ ألّا يتّخذ زوجةً أخرى، وفاءً للإمبراطورة التي عانت بجانبه ثم رحلت قبله.
لكن الآن، بدأ يتساءل عمّا إذا كان ذلك القرار نابعًا من ضعفٍ عاطفيٍّ، وليس من بُعد نظر.
هل عليه، رغم كلّ شيءٍ، أن يتّخذ زوجةً جديدةً لإنجاب وريثٍ آخر؟
“اذهب وتفقّد حالة الأمير، واستعدّ لما هو قادم.”
“تحت أمرك، يا جلالة الإمبراطور.”
انحنى الوزيرُ وانسحب، متوجّهًا مباشرةً إلى قصر الأمير.
وبعد فترةٍ وجيزة، وصل البابا إلى قاعة الاستقبال الإمبراطوريّة.
“أسجدُ احترامًا لجلالة الإمبراطور، شمس بيرجي. في طريقي إلى هنا، تحقّقتُ من أنّ شعب الإمبراطوريّة لا يزال ينعم بالسلام، بفضل رحمتك الساهرة.”
نظر الإمبراطور إلى البابا بثبات، متفحّصًا وقفته الواثقة ومظهره الخالي من أيّ تردّد.
وعلى عكس البابا السابق، لم يُظهِر هذا الرجل أيّ علامةٍ على الضعف في إدارته للمعبد.
‘كم سنةً أخرى…؟’
ورغم أنّه هو من يجلس على العرش، إلّا أنّه شعر وكأنّه هو المحاصر.
فتح الإمبراطور فمه.
“بفضل تدبير الحاكم لابريك وبركات قداستك، لم تتمدّد الطاقة المشؤومة في بيرجي.”
انحنى البابا برأسه قليلًا.
“لم أفعل سوى ما يجب عليّ فعله، كخادمٍ للربّ.”
وبعد المجاملات القصيرة، بدأ الحديث الجدّي.
“مع ازدياد أضرار الوحوش في الشمال خلال الشتاء، يرغب معبدنا في المشاركة هذا العام.”
كان الأمر يتعلّق بحملة الصيد السنويّة الكبرى ضدّ الوحوش.
وكان الإمبراطور قد سمع بالفعل عن مشاركة الدوق الأكبر ديكارت فيها.
“المعبد سيتدخّل مباشرةً؟”
“نعم. هل لا يروق لك ذلك، يا جلالة الإمبراطور؟”
تردد الإمبراطور للحظة عندما التقت عيناه بعينيّ البابا، ثم ما لبث أن هزّ رأسه.
بما أن الاقتراح قد خرج بالفعل من فم البابا، فلا سبيل لرفضه.
“كيف يكون ذلك؟ إن كان المعبد مستعدًا للتدخل، فسيكون ذلك شرفًا لا مثيل له.”
“أنا ممتنٌّ لأن جلالتك يرى الأمر بهذه الطريقة. بالإضافة إلى ذلك، أود أن أُكرِّس جهودي لتهدئة مخاوف مواطني الإمبراطورية في الشمال.”
“ماذا تعني؟”
“أنوي الإعلان عن حملةٍ لجمع التبرعات من أجل إغاثة المناطق المتخلفة، بما في ذلك الشمال.”
“ألم يُجرَ بالفعل حدثٌ كبيرٌ لجمع التبرعات مرةً هذا العام؟ لم يحدث أبدًا أن أُجريت أكثر من حملةٍ في سنةٍ واحدة، ومع حلول الشتاء القارس، سيثور سخطٌ كبيرٌ بين مواطني الإمبراطورية. العائلة الإمبراطورية تقوم بالفعل بتقديم المساعدات باستمرار.”
“ولكن، يا جلالتك…..”
قاطع البابا كلمات الإمبراطور.
ومع ذلك، لم يُبدِ الإمبراطور ولا وزراؤه أيَّ محاولةٍ لمنعه.
“…….”
“لا تزال هناك حشودٌ تصطفُّ عند أبواب المعبد، ولا يزال هناك أطفالٌ يتضوَّرون جوعًا بجوارنا في هذه اللحظة. أرجو أن لا تنسَ أنهم أيضًا من مواطني الإمبراطورية. إن قدَّمت العائلة الإمبراطورية قدوةً بدعمها للمعبد، فسيزداد ولاء شعب بيرجي.”
مع صمت الإمبراطور القصير، ازدادت مخاوفه.
لم يكن طلب المعبد للأموال أمرًا غير مألوف، لكن لم يحدث أن قدَّموا طلبًا بهذه الصراحة المباشرة من قبل.
علاوةً على ذلك، كان البابا قد وعد بمراقبة صحة الأمير يوميًا، لكنه اختفى لعدة أيام قبل أن يظهر فجأةً الآن.
كان الأمر أشبه بتهديدٍ واضح، كما لو أنه يشدُّ الحبل حول عنق الأمير.
طال صمت الإمبراطور.
أما البابا، فظلَّ ينظر إليه دون أن تتغيَّر ملامحه أدنى تغيير.
وأخيرًا، أطلق الإمبراطور تنهيدةً مرهقة.
“……ليكن كذلك.”
* * *
نظر أربيل إلى جسده بعدم تصديق.
كان يستطيع التنفس. لم يعد يشعر بأيِّ ألم. ومع اختفاء العذاب الذي كان يُكبِّله، شعر وكأنه يطفو في الهواء.
في الليلة الماضية، كان أربيل يتلوَّى من الألم الشديد، عند حافة الموت.
لقد أراد أن يتوسل من أجل حياته. خطرَت على باله مارييت.
– لا تحسبها بل أطلقها!
في اللحظة التي توقف فيها تنفسه، ترددت تلك الكلمات في ذهنه كصدى هلاوس سمعية. ثم، فجأةً، اختفى الألم بشكلٍ معجزي.
شعر وكأن السلاسل الضخمة التي كبَّلت جسده بالكامل قد تحطمت دفعةً واحدة، واندفعت القوة التي كانت مكبوتةً داخله.
والآن، كان أربيل يشعر وكأنه قد وُلِدَ من جديد.
ولم يدرك، إلا بعد أن تحرَّر من الألم؛
أن من أنقذه لم يكن الحاكم ولا البابا،
بل الذراعان الصغيرتان الرقيقتان اللتان احتضنتاه.
كانت يدا مارييت الصغيرتان، اليدان اللتان تمسَّكتا بيده ولم تتركاها أبدًا.
“قداسته البابا يرغب في لقاء سموِّك.”
استدار أربيل، وتحدث إلى خادمه بعينين تملؤهما العزيمة.
“أخبره أنني سأزور المعبد بنفسي لرؤية قداسته.”
بالنسبة له، لم يعد المنقذ “لابريك”.
لقد نُقِشَت تلك الحقيقة في عقله، كما لو أنها حُفِرت بداخله إلى الأبد.
[ يُتبع في الفصل القادم …….]
– ترجمة خلود