It's the first time for both of us - 104
قبل تتويج آروميا كوليٍّ للعهد، لم يكن ترتيب لقاءٍ معه أمرًا صعبًا.
لكن التصرّف وكأنني ألتقي به للمرة الأولى، والردّ عليه بآدابٍ لائقة، كان أمرًا في غاية الصعوبة.
الحفاظ على مسافةٍ مناسبةٍ في ردودي، بحيث لا يُثير ذلك شكوكَ أيِّ أحد، كان يبدو غريبًا في البداية، لكن مع مرور الوقت، صار اسم “أربيل” مألوفًا لي لدرجة أنه صار يجري على لساني بسلاسة.
حسنًا، في النهاية، هذا هو اسمه الحقيقي.
بالنسبة لي، آروميا مجرد جنيٍّ ذهبيٍّ في ذكريات طفولتي.
أما أربيل، فقد كان على وشك أن يخطو أولى خطواته ليُصبح الإمبراطور القادم، وهذا يعني أنني لن أتمكّن من البقاءِ صديقةً له بعد الآن. ( أيوا هتصيرين ام العيال )
لم أستطع التخلّص من الشعور بأن هذا اللقاء قد يكون آخر لقاءٍ لنا كصديقين.
بمجرد أن أرسلتُ ردّي على دعوته، جاءني ردّه على الفور.
كنتُ قد أرسلتُ رسالتي في الصباح، لكن ردَّه وصل في فترةِ بعد الظهر؛ إجابةٌ سريعةٌ للغاية.
افترضت، بطبيعة الحال، أنني سأذهب إلى القصرِ الإمبراطوريّ للقائه، لكن بدلًا من ذلك، قال آروميا أنه سيأتي إلى قصر الدوق الأكبر.
بدا أبي، الذي أعلن على مضضٍ أنه سيحترمُ قراري، متفاجئًا بعض الشيء.
كان واضحًا أنهُ ما زال لا يُحبّ الأمير.
حتى وإن بدا أبي مُستاءً ومتضايقًا بشدة، لم يكن بوسعي فعل شيءٍ حيال ذلك.
‘عندما ألتقي بآروميا، هل سيشرحُ لي بوضوحٍ سببَ رغبته في رؤيتي؟’
من خلال هيلا، سمعت أن الإمبراطور كان يُظهر اهتمامًا بالغًا بأربيل خلال السنوات القليلة الماضية.
اختفت آثار سوء المعاملة التي كانت منقوشةً على ذراعه بصمتٍ، ومع ذلك، لم يُسمع عن أيِّ شخصٍ عوقبَ على إساءةِ معاملته.
عندما رأيتُ آروميا مجدَّدًا في مأدبة القصر، بدا بحالٍ جيدة، لكن لم أستطع منعَ نفسي من القلق؛ هل كان يُخفي جراحه؟
ثم، أخيرًا، حان يوم لقائنا.
“بين…؟”
أملتُ رأسي بينما كنتُ أتأمّل الفستان الذي أعدّته بين.
“نعم، آنستي.”
استدرتُ نحو بين، التي كانت تُحدِّق بي بنظرةٍ غريبة.
“أمم، هذا الفستان…”
“هل هو غيرُ مريحٍ لكِ؟”
هززتُ رأسي بينما أمسكتُ بالقماش بين يدي.
“لا، ولكن… ألا يبدو بسيطًا جدًا لمقابلة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية؟ ثم إنه يبدو… غريبًا بعض الشيءِ.”
كان أشبه بفستان حدادٍ. ( يا كالين أنت مخليها ارملة قبل لا تتزوج ولا شنو )
اعتدت منذ صغري على ارتداء الملابس ذات الألوان الداكنة، وما زلت أفضل الألوان الغامقة حتى الآن.
ولا يزال الفستان الأسود الذي صنعته لي أمي هو المفضّل لديّ في هذا العالم.
“لكن، مع ذلك، كيف يمكن أن يكونَ هذا مناسبًا؟ فستانٌ رماديٌّ باهتٌ بلا أيِّ زينة؟”
ثمَّ في يوم استقبال الإمبراطور المستقبلي؟
لم أذكر أنني رأيت هذا الفستان في خزانتي من قبل، فلم أكن أعلم من أينَ جاء.
عندما نظرتُ إلى بين، تردّدت قليلًا قبلَ أن تتحدث أخيرًا.
“حسنًا، آنستي … والدكِ هو من أمرَ بذلك …”
“أبي؟ لماذا؟”
“في الواقع… لقد طلبَ مني أن أخفي جمالكِ قدرَ الإمكان…”
ماذا؟ ماذا يعني هذا الكلام؟
تلعثمت بين في نهايةِ حديثها.
“أبي قالَ ذلك؟”
“نعم. لكن، بصراحة، أظن أن ذلك مستحيل. آنستي، إذا كان الأمر يُزعجكِ، ربما يمكنكِ ارتداء قناعٍ-آه! لقد تكلّمت أكثرَ مما ينبغي! في الحقيقة، أنا أريد أن أُزيّنكِ بشكلٍ جميل، لكن دانتي ظلّ يُؤيّد صاحب السعادة ….”
كانت بين على الرغم من ارتباكها، ما تزال تبحث عن طريقةٍ لجعلي أبدو أكثر بساطةً.
كان واضحًا أنها تأثّرت بسوء فهم أبي الغريب، ودانتي لم يكن أفضل حالًا.
نظرتُ إلى بين بدهشةٍ، ثم أدرت وجهي نحو المرآة، وأطلقت ضحكةً يائسة.
“هذا لا يُناسبني أبدًا. بين، جهّزي لي ملابسي المعتادة. أخبري أبي أنني أصريتُ على ذلك، ولم تستطيعي الرفض.”
“هل أنتِ متأكدة؟”
أومأتُ برأسي بينما بدأت في نزعِ الفستان.
“نعم، لا بأس. دائمًا ما أنتصرُ على أبي.”
“حسنًا، سأذهب بسرعةٍ لأُحضر لكِ فستانًا آخر!”
ركضتْ بين بحماسٍ نحو غرفة الملابس. أملت رأسي بيأس.
“إنها لا تُقاوم.”
بعد أن انتهيت أخيرًا من ارتداء ملابسي المعتادة، قضيت بعض الوقت في الحديقة مع كوهن حتى يحين موعد وصول آروميا.
وبعد مرور ساعة، توجّهت إلى مكتب أيي، فقد أصرّ على أن أُرافقه لاستقبال آروميا.
“أبي، سموّه سيصل قري- ها؟!”
بمجرد أن دخلت المكتب ورأيت أبي، فقدت القدرة على الكلام.
كان يقف أمام المرآة. لم أرهُ هكذا من قبل. ( معقولة هيقابل صهره وهو فرحان؟)
حدَّقتُ به بذهول.
على الرغم من أن هذا لم يكنْ حدثًا رسميًّا، كان أبي يرتدي زيَّه الرسميّ الكامل.
ليس هذا فحسب، بل كان يضع وسام الصدر والوشاح الكتفيّ الذي لم يرتده حتى في مأدبة القصر الأخيرة.
بدا مذهلًا أكثر من أيِّ لوحةٍ فنيةٍ؛ لكن منظره كان مثيرًا للرهبة.
“أبي، أنت تبدو وسيمًا للغاية!”
لكن إعجابي لم يدم طويلًا.
بعد أن ضبط آخر أزراره، أمسكَ أبي بالسيف الذي كان موضوعًا بجانبه، وربطه عند خصره.
“……؟”
سيف؟
“أبي… آه … لماذا ستأخذ هذا معك؟”
سألته بقلقٍ بينما التقت أعيننا.
“إنه أول زائرٍ لابنتي، ويجب أن أُرحّب به كما ينبغي.”
“حسنًا، هذا صحيح… ولكن السيف يبدو مبالغًا فيه.”
“إن حمل السيف أثناء استقبال الضيوف يُعدّ من الآداب.”
لم يكن كلامه خاطئًا تمامًا، لذا لم أجد ما أردّ به.
“لكن، رغم ذلك، هذا غير مناسب.”
اعتقدت أن السيف داخل غمده لم يكن سوى سيفٍ احتفاليٍّ ذا نصلٍ غيرِ حاد، لكنه كان سيفًا مسنونًا لدرجةٍ خطيرة.
كان لديّ شعورٌ سيئٌ بأن أبي يُفكر بشيءٍ آخر.
وكما توقعت تمامًا ….
– سررنك.
حتى أن أبي استلّ سيفه من غمده ليتفحّص النصل.
كنتُ أستطيع أن أشعر بوضوحٍ بمدى استياءِ أبي من الأمير.
حتى إن القلق بدأ يتسلّل إليّ، خوفًا من أن ينتهي به الأمر إلى القتال مع الإمبراطور.
بحذرٍ، اقترحت على أبي.
“أليس هذا مُرهقًا؟ أنت لا تُحبّ هذه الأشياء، أبي. أنت رائعٌ للغاية حتى دون أن تحمل سيفًا!”
عند كلماتي، توقف أبي، الذي كان يعبث بغمد السيف، للحظةٍ.
فاغتنمت الفرصة وضغطتُ أكثر.
“أظن أن عدم وجود السيف يجعل حضوركَ يتألّق أكثر! ذلك السيف يُغطي حضورك المهيب.”
“…حقًا؟”
شعرت وكأن أصابعي وأطراف قدميّ تنكمش من الإحراج، لكنني واصلت الكلام بثباتٍ.
“نعم، ثمّة شيءٌ آخر، فبمجرد أن يلتقي صاحبُ السموّ بعينيكَ، سيفقد توازنه فورًا.”
أنا آسفة يا آروميا هذا كله لأجل مصلحتكَ!
عندما تحدثت بنبرةٍ شبه شاعرية، بدا أن أبي اقتنع على مضضٍ، ثم وضع غمد السيف جانبًا.
“لقد اقترب وصول عربة صاحب السموّ.”
دخل دانتي من خلال الباب المفتوح جزئيًا ليُعلن عن الخبر.
“بالفعل؟ يجبُ أن أخرج لاستقبالِه.”
قبل أن يتمكن أبي من لمس الغمد مرةً أخرى، أمسكت بيده بسرعةٍ وسحبته خارجَ المكتب.
* * *
فُتِح باب العربة، وظهر آروميا.
تقدّم بخطواتٍ واثقةٍ، وتوقف أمام أبي.
“…….”
عند رؤيتهما وجهًا لوجهٍ، كتمت أنفاسي لا إراديًا.
“لقد مضى وقتٌ طويلٌ، أيها الدوق الأكبر. أشكركَ على قبول دعوتي.”
لا يزال آروميا يحمل ابتسامةً دافئةً كأشعة الشمس.
عندما رأيته عن قربٍ تحت الضوء الساطعِ، لاحظت أن وجهه المبتسم ما زال يحمل آثارًا من ملامح طفولته.
عيناه الذهبيّتان لا تزالان تلمعان كما كانتا في صِغره …
لكن، بالطبع، ملامحه قد نضجت كثيرًا.
عند آروميا الذي كبر بهذه السرعة، شعرت ببعض الحزن، وكأنني الوحيدة التي لم تنم بما يكفي.
“لقد كبرتَ كثيرًا.”
تحدث أبي وهو ينظر إلى آروميا من أعلى لأسفل.
“ذلكَ بفضل عنايتك، أيها الدوق الأكبر. كما أنني استلمت الهدايا التي أرسلتها كلّ عامٍ بامتنانٍ شديد.”
اتّسعت عيناي دهشةً عند سماع ذلك.
كلّ عام؟ أبي كان يُرسل له هدايا؟ منذ متى؟
“كان ذلك مجرد تحيّةٍ عابرة.”
لا بد أن بينهما معرفةً وثيقةً إلى حدٍ ما.
‘يجبُ أن أسألَ عن هذا لاحقًا.’
كنت أرغب في السؤال في الحال، لكنني أجبرت نفسي على كبح فضولي.
“سأكونُ ممتنًا إن عاملتني كما كنت تفعل من قبل.”
“لا يمكنني فعل ذلك مع سموّ وليّ العهد، منصبكَ ليس بلعبة. “
“…سآخذ ذلك بعين الاعتبار، أيها الدوق الأكبر.”
ما نوع هذا الحديث؟
يبدو أن بينهما علاقةً لم أكن على علمٍ بها.
متى اجتمعا خلف ظهري؟
شعرت بنوعٍ من التهميش الغريب، وانتظرت حتى ينتهي حديثهما.
‘هل انتهى؟’
عندما لاحظت توقّف حديثهما، خطوت للأمام قليلًا لألقي التحيّة.
“مرحبًا. يُشرّفني لقاء صاحب السموّ. شكرًا لكَ مرةً أخرى على تكبّد العناء للمجيء إلى هنا من أجلي.”
انحنيت قليلًا ممسكةً بفستاني بكلّ لباقةٍ.
لأن الجميع بدوا بالغين بينما شعرت أنني الطفلة الوحيدة هنا، حاولت جاهدةً أن أجعل صوتي يبدو أكثر نضجًا.
عندما رفعت رأسي بعد الانحناء، فوجئت برؤية آروميا يحدّق بي بعينين متّسعتين للحظةٍ، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ دافئة.
“…مرحبًا، يا أميرة. لا داعي لشكري. بما أنكِ خصّصتِ لي وقتًا، كان من الطبيعيّ أن آتي للقائكِ. أشكركِ على منحي هذا الوقتَ الثمين.”
“آه، لا داعي لذلك.”
بينما كنت أستقبل تحيّة آروميا، ألقيت نظرةً خاطفةً على أبي.
رأيتُه يقطّب حاجبيه قليلًا، فبادرت سريعًا بالكلام.
“إذًا، أظن أنه من الأفضل أن نتابع الحديث داخل المنزل.”
نظرت إلى دانتي، فرأيته يُومئ برأسه.
“نعم، آنستي. لقد تم تجهيز مكانٍ مريحٍ لكم بالداخل لتتحدثوا بحريةٍ.”
أحسنت يا دانتي!
“ذلك رائع. والدي، هيا بنا إلى الداخل.”
كنت قد استخدمت الأسلوب الرسميّ لنداء أبي، لكن ملامحه حملت إحساسًا واضحًا بالخيبة عند سماع ذلك.
تقدّمنا إلى داخل القصرفي جوٍّ متوترٍ قليلًا.
ولكن، عند اقترابنا من مكتب أبي، توقف فجأةً.
“دانتي، لديّ حديثٌ خاصٌ معَ صاحب السموّ، لذا اصطحب مارييت إلى مكانٍ آخر أولًا.”
[يُتبع في الفصل القادم …….]
– ترجمة خلود