كانت فيلوميل تصارع حرجها وتحاول قول شيء لكايين، عندما حدث التالي:
“الدوق؟ سيدتي؟”
ظهر سيباستيان فجأة.
لم تكن هناك حاجة فعلية للاختباء، لكن فيلوميل دون وعي منها، التقطت الورقة التي سقطت على الأرض وركضت نحو غرفتها.
في منتصف الطريق، فقدت توازنها بشكل كبير، مما دفع سيباستيان وكايين لمد أيديهما عفويًا للإمساك بها. ومع ذلك، تمكنت فيلوميل من استعادة توازنها بأعجوبة.
“أنا، أنا بخير.”
قالت ذلك دون أن توجّه كلامها إلى شخص محدد، ثم هرولت عائدة إلى غرفتها.
“………هل حدث شيء للسيدة الشابة؟”
تردد كايين للحظة، ثم هزّ رأسه.
“………لا، لم يحدث شيء على أي حال، لماذا صعدت إلى هنا؟ أليس من المفترض أنك نائم؟”
“آه، جئت على عجل لأبلغك بشيء مهم.”
“ما هو؟”
“………الأمير الثالث قد عاد.”
تجمد وجه كايين فجأة.
“في النهاية… لقد عاد مرة أخرى.”
كان وجه كايين، وهو ينطق بتلك الكلمات، ممتزجًا بمشاعر لا تخفى من الكراهية والغضب.
***
كان كايين يستمع إلى تقرير جيو في القاعة.
“………كما ذكرت سابقًا، سأتعامل مع هذه المسألة بالطريقة التي أوصيت بها.”
أثناء حديثه، شعر جيو بوجود شخص قادم، فتراجع قليلًا.
كانت فيلوميل، وقد انتهت من تجهيز نفسها، تنزل السلم.
شعرها البني الفاتح، الذي يكاد يميل إلى الأشقر، انسدل على كتفيها، عندما رفعت عينيها قليلًا ونظرت نحوه، تلاقت أعينهما، عيناها الخضراوات الشفافتان، اللتان تبدوان أكثر وضوحًا من الزمرد، كانت تلفت الأنظار بوجهها الجميل بشكل خاص.
عندما تلاقت عيناها مع كايين، تحركت نظراتها قليلاً بارتباك، يبدو أن أحداث الأمس لا تزال تخطر ببالها.
كايين، الذي كتم ضحكة داخله، مد يده نحو فيلوميل.
بخلاف تصرفاتها في اليوم السابق، أمسكت فيلوميل يده بهدوء هذه المرة، حتى عندما ركبا العربة، لم يجر بينهما أي حوار يُذكر.
“آه.”
تذكر كايين شيئًا فجأة، مما جعل يد فيلوميل ترتجف بوضوح.
“………ما الأمر؟”
نظراتها المليئة بالتوتر أوضحت أنها كانت تخشى أن يتحدث عن أحداث الأمس، كتم كايين ابتسامته بصعوبة.
“سيدتي، هل تودين معرفة مكان خطيبك السابق؟ وأيضًا مكان صديقك؟”
اتسعت عينا فيلوميل بدهشة غير متوقعة.
“كنت أتوقع أنك ستتعقبهم إلى حد ما… لكن الأمر حدث أسرع مما توقعت، ظننت أنني لن أسمع بذلك حتى بعد حفل الزفاف.”
“لم يحاولا التواري عن الأنظار حتى ، لذا كان من السهل العثور تعقبهم.”
“هذا متوقع من ناديا.”
“إذن، هل تريدين سماع ما حدث؟”
انحنى كايين وكأنه مستعد للتحدث في الحال.
لكن، على غير المتوقع، هزّت فيلوميل رأسها رافضة.
“لا بأس، لا أريد سماعه.”
“لماذا؟”
“لأنه لن يغير شيئًا، وليس لدي فضول كبير بشأنهم.”
“ألستِ فضولية لمعرفة كيف يعاني خطيبك السابق الذي تركك؟”
“حسنًا، ربما يثير ذلك اهتمامي قليلاً.”
قهقهت فيلوميل بخفة.
“لكن على الأرجح، لم يكونا غبيين تمامًا، لابد أنهما أخذوا معهما كل الأموال والأشياء الثمينة، لذا من المحتمل أنهما لا يزالان يعيشان بشكل جيد، عندما يتحولان إلى متشردين وينتهي بهما الحال في الشارع، أخبرني بذلك.”
“ولماذا حينها تحديدًا؟”
“لكي أذهب أمام ناديا وأنا في أبهى زينتي وأقول لها: ‘هذا كان مكانك في الأصل ، بناءً على شخصيتها، ستنهار بالبكاء وتبدأ بالصراخ.”
“مستحيل، ألم تكن الآنسة ناديا بالغة؟”
“بالغة… نعم.”
قالت فيلوميل ذلك بسخرية.
بدا وجه كايين وكأنه تلقى صدمة، كمن سمع أن خنزيرًا يمشي على قدمين ويتحدث كبشر.
‘لهذا السبب لم يناسبا بعضهما على الإطلاق، وتحولت القصة إلى ذلك النوع من الحبكة.’
فهمت فيلوميل ذلك وهي ترى تعبير الصدمة على وجه كايين.
وكأنها أدركت السبب وراء اتجاه القصة الأصلية لتأخذ ذلك المسار.
لم يكن بينهما أدنى توافق، حتى بمقدار تراب تحت الأظافر.
“الآن أفهم لماذا قال كايين تلك الكلمات القاسية لناديا، ولماذا هربت ناديا منه.”
على الأقل، الأمر الجيد أن كايين وفيلوميل كانا متفاهمين.
وبينما كانا يتبادلان الأحاديث الصغيرة، وصلت العربة إلى القصر الإمبراطوري.
أولئك الذين يعرفون بعض المعلومات كانوا يعلمون بالفعل هوية زوجة الدوق ويندفيل المستقبلية، ولكن، بما أن كايين لم يكشف عنها علنًا، ولم يظهرها أمام العامة، فمن الطبيعي أن تجذب الأنظار عند نزولها من العربة.
بدًأ من شعار عائلة دوق ويندفيل المنقوش على العربة، ثم بسبب مرافقة كايين لشخص ما، وأخيرًا بسبب إمكانية تخمين أن السيدة التي يرافقها كايين هي دوقة ويندفيل المستقبلية.
“… إنه أمر مربك للغاية، هل كان الدوق يواجه مثل هذه المواقف دائمًا؟”
“شيء مشابه.”
“إنه أمر مذهل حقًا…”
كانت فيلوميل تشعر بإعجاب حقيقي تجاه كايين.
إذا كان شخص عادي يواجه مثل هذه النظرات كل لحظة، فربما يصاب برهاب اجتماعي.
وعندما شعر كايين بأن راحة يد فيلوميل الممسكة بذراعه أصبحت متعرقة، أضاف:
“هذه الأمور ستصبح مألوفة مع الوقت، لذا لن أطلب منك أن تعتادي عليها فورًا لكن على الأقل، من بين جميع من يحدقون بك، هناك قلة قليلة جدًا يمكنها أن تتجرأ على معاملتك باستهانة باستثناء جلالته الإمبراطور، بالطبع.”
“حسنًا، أنا أحاول التظاهر بالثقة قدر المستطاع الآن.”
“أنتِ تفعلين ذلك جيدًا، فقط افعلي الشيء ذاته أمام جلالة الإمبراطور.”
لكن يبدو أن الأمر مختلف تمامًا…
لم يكن لدى فيلوميل حتى فرصة للإجابة بشكل صحيح، فاكتفت بإيماءة خفيفة.
عندما اتجهوا نحو قصر الإمبراطور، بدأ عدد الناس يتناقص، مما سمح لهم بالتحرر قليلًا من نظرات الآخرين.
لم يكن خدم القصر الإمبراطوري يتفحصونهم بوقاحة مثل الآخرين، بدلاً من ذلك، عندما كان فيلوميل وكايين يمران، كانوا يتركون ما بأيديهم وينحنون لهم.
بفضل ذلك، استطاعت فيلوميل الوصول إلى غرفة الاستقبال في القصر الإمبراطوري وهي تشعر بشيء من الراحة.
حتى لحظة فتح باب غرفة الاستقبال، كانت تعيد مراجعة قواعد الإتيكيت في ذهنها خطوة بخطوة.
وبينما كانت فيلوميل تمسك طرف فستانها برفق وتنحني، سمعت صوتًا وقورًا فوق رأسها.
“ارفعوا رؤوسكم.”
رفعت رأسها ببطء دون عجلة، لتجد إمبراطورًا مسنًا يبتسم بلطف.
الجدير بالذكر أن العلاقة بين الإمبراطور والبطل الرئيسي كانت جيدة، وهو أمر نادر في هذا النوع من الأدب، ومع أن فيلوميل توقعت ذلك إلى حد ما، إلا أن النظرة المليئة بالمودة التي كان الإمبراطور يوجهها إلى كايين فاقت توقعاتها وجعلتها تشعر بالارتباك.
‘يبدو أن علاقتهما أفضل مما كنت أعتقد.’
بينما كانت تفكر في ذلك، وجه الإمبراطور نظره إلى فيلوميل.
“إذن، آنسة فيلوميل.”
عندما نادى الإمبراطور باسمها، توترت فيلوميل وتجمدت مكانها.
“نعم، جلالتك.”
لحسن الحظ، لم يظهر التوتر في صوتها.
“أشكرك على بقائك بجانب رجل مثل الدوق.”
“لا على الإطلاق، الزواج ليس شيئًا يجب أن يكون فيه الشكر من طرف واحد فقط، أنا أيضًا ممتنة للدوق.”
“هاها، يبدو أنني أخطأت التعبير، كما تقولين، الزواج هو قرار يتخذه الطرفان عن حب.”
وبما أن فيلوميل لم تكن بارعة في الكذب، فقد تظاهرت بابتسامة خجولة وأشاحت بنظرها عن الإمبراطور.
“حسنًا، متى موعد حفل الخطوبة إذن؟”
“حفل الخطوبة بعد أربعة أيام، أما الزفاف، فمخطط له في الربيع المقبل.”
“أربعة أيام فقط؟ كان عليك أن تخبرني مسبقًا، أيها الدوق كنت سأفرغ جدولي.”
“هذا هو السبب الذي جعلني لا أخبرك، جلالتك ليس عليك حضور حفل الخطوبة ، رجاءً لا تأتي.”
نظرت فيلوميل إلى كايين بارتباك، كان كايين يتحدث إلى الإمبراطور بنبرة فيها شيء من الضيق دون أن يبالي.
كما يُقال، عندما تتصارع الحيتان، يتضرر ظهر الجمبري، وبدأ العرق البارد يتصبب من ظهر فيلوميل.
“همم، مؤسف، لكن يبدو أنني سأضطر لإرسال ممثل لحفل الخطوبة أما الزفاف، فسأحضره بنفسي، لذا كن على علم بذلك، مفهوم؟”
“أجل أجل، كما تشاء.”
كان جوابه عابرًا وغير مكترث.
“هل كانت علاقتهما جيدة إلى هذا الحد؟”
مع أنها لا تذكر التفاصيل بدقة، إلا أنها شعرت بأنهما لم يكونا على هذا المستوى من الألفة، أحست فيلوميل بحرارة تتصاعد إلى رأسها وأغمضت عينيها ببطء قبل أن تفتحهما مجددًا.
في هذه الأثناء، كان الاثنان يخوضان حديثًا جانبيًا.
وأثناء تبادلهما أطراف الحديث، سمعت كايين يقول إن الوقت قد حان للعودة، بالكاد استعادت فيلوميل تركيزها وانحنت مودّعة.
بعد مغادرتهم غرفة الاستقبال، تنفست فيلوميل براحة.
رؤية كايين يتحدث إلى الإمبراطور بمثل هذه العفوية جعلها تشعر وكأنها أصبحت أبعد عن كايين مرتين مما كانت عليه.
ابتسم كايين بخفة وهو ينظر إلى وجه فيلوميل الذي بدا أكثر حيوية.
“آنستي، أرأيتِ؟ المقابلة لم تكن بالأمر العظيم كما توقعتِ، صحيح؟”
“من قال ذلك؟ بالنسبة لي كانت تجربة صعبة للغاية…”
“ميل؟”
توقفت فيلوميل فجأة عند سماع صوت مفاجئ.
أما كايين، فتوقف هو الآخر، لكن لسبب مختلف.
انحنى كايين للشخص الذي ظهر أمامهم قريبًا.
“أحيي المجد الثالث لبيرنيوم.”
“آه، أيها الدوق، مضى وقت طويل.”
بدأ قلب فيلوميل ينبض بعنف.
“أيها الدوق، هل كان هناك أي أمرأة أخرى هنا؟”
“لم تكن هناك أي امرأة أخرى، كنت هنا مع خطيبتي فقط.”
“خطيبتك؟ آه، إذن هذه الآنسة هي خطيبة الدوق التي سمعت عنها في الشائعات؟ سررت بلقائك.”
كما يُقال، يلتقي الأعداء دائمًا عند الجسر الضيق.
‘أن أقابل حبيبي السابق هكذا؟’
شعرت فيلوميل أنها تود أن تفقد وعيها من شدة الإحراج.