I'm the villains' favorite - 3
لم تخفض لوميـنا رأسها، بل رفعت رأسها بعزة وشموخ، بينما ارتعدت السيدة فاليس كالطير المذعور بعدما تلقت صفعة مدوية، وكأنها قد تعرضت لأكبر إهانة. فقالت: “أتعنين بهذا التصرف أن وفاة والديك قد جعلتك تعتقدين أنك ستتولين قيادة العائلة؟ إن كان هذا ظنك، فأنت تفتقرين إلى البصيرة!”
فردت لوميـنا، “ولكن، لا أعتقد أن خالتي هي الأخرى قادرة على قيادة العائلة.”
لوميـنا، التي لم تعد تحمل اسم “لانشيوس”، باتت تُعد من خارج العائلة، ولن تستطيع إدارة شؤونها إلا إن تخلت عن زواجها. وأضافت: “إذا نظرنا إلى الأمور بموضوعية، فأنا أملك فرصة أكبر من خالتي لتولي منصب الزعامة.” ثم أكملت بنبرة تهكمية، “لكنها مجرد أفكار قصيرة النظر، لذا إن كانت خاطئة، يمكنك تجاهلها بكل بساطة.”
عند سماع هذا الكلام، شعرت السيدة فاليس بارتفاع ضغط دمها بشكل ملحوظ، ولكنها لم تجد ما ترد به، إذ لم يكن في كلام لوميـنا ما يُخالف الحقيقة. ولمّا لم تستطع السيدة فاليس إنكار ما قيل، احمرت وجهها غضباً وصاحت، “لنرَ كم ستتحملين العيش دون مساعدتنا. حتى إن جئتِ لاحقاً مستغفرة وراكعة عند قدميّ، فلن أقدم لكِ يد العون!” فردت لوميـنا بخفة ومرح: “أعتقد أنني سأعيش أفضل مما تتوقعين يا خالتي، لذا أرجو أن تتابعي حياتي عن كثب حتى النهاية!” لم تجد السيدة فاليس ما تقوله بعد ذلك، فاستدارت وانصرفت بغضب.
أما الحضور الذين كانوا يشاهدون هذا الشجار، فقد غمرتهم الدهشة، وبدأوا يتهامسون فيما بينهم بذهول. “الآن نعلم لماذا كان كونت لانشيوس يرتجف من الغضب كلما ذُكرت ابنته.” وأضاف آخر: “هل رأيت كيف ردت على خالتها؟ إنها طفلة، لكنها تحمل من القوة والشدة ما يفوق عمرها بكثير.” رغم أن الهمسات كانت خافتة، إلا أن لوميـنا سمعتها بوضوح. ومع ذلك، تجاهلت نظراتهم المليئة بالشر والكلمات المسمومة، وسارت بخطى ثابتة نحو أخيها غير الشقيق، إنديميون.
كان الفتى قد تعرض لحادث عربة، مما أدى إلى إصابة ساقه وتثبيتها بعصا دعم. نادته لوميـنا بصوت ناعم: “إنديميون.” فأخذ الجميع نفساً عميقاً، متوقعين الأسوأ. لم تكن نبرتها قاسية، لكنها بنفس النبرة واجهت السيدة فاليس ولم ترمش بعينها. وقد سبق لها أن صفعت خالتها، فهل من الممكن أن تصفع أخاها أيضاً؟
كل من كان هناك اعتقد أن توقعاتهم منطقية تماماً. ولكن عندما مدت لوميـنا يدها، كان ذلك لاستقباله لا لضربه. بسطت يدها وقالت: “لنتعايش بسلام من الآن فصاعداً.”
نظر إليها إنديميون بنظرة غريبة. كيف يمكن لأختٍ غير شقيقة كانت تتجنب الحديث معه أن تتصرف بهذه الألفة فجأة؟ شعور من الحذر انتابه، وهو ما كان متوقعاً. فكرت لوميـنا: “ليست هذه اللحظة المناسبة لتقديم مثل هذا الطلب. سينتهي به الأمر إلى معرفتي تدريجياً. على الأقل مع إنديميون، سألتزم بواجباتي العائلية.”
تذكرت لوميـنا آخر لحظات حياتها السابقة. كانت حينها مقيدة ومعصوبة العينين، متنقلة إلى مكان مجهول بسبب مكيدة دبرها جوزيف.
تحركت العربة بتأرجح. كانت لوميـنا تشعر بالعجز. لم تستطع رؤية شيء، لكن قصصاً كثيرة سمعتها عن عبيد الريجيون التعساء الذين يُباعون بثمن بخس ليعيشوا حياة بائسة، حياة تفضل الموت على عيشها.
في تلك اللحظة، سمعت صراخاً: “هجوم! الجميع توقف… أآه!” تبع ذلك أصوات فوضى وصرخات غير مفهومة. فجأة توقفت العربة. شعرت لوميـنا بأن شيئاً ما قد حدث. شعرت بوخز قلق في ظهرها، لكنها لم تستطع فعل شيء سوى البقاء ساكنة. ثم سمعت صوتاً آخر، صوت فتح باب العربة. أزيلت العصابة من على عينيها، واندفع الضوء إلى داخل العربة. أمامها، رأت وجهاً مألوفاً. كان إنديميون، شقيقها غير الشقيق، الذي يشبه والدهما كثيراً لدرجة أن هويته كانت واضحة.
أول ما خطر ببالها هو احتمال أن يكون متواطئاً مع خالها. لكن سرعان ما زالت هذه الفكرة عندما لاحظت تعابير الراحة على وجهه وهو يرى أنها لم تُصب بأذى.
قال لها: “اهربي بسرعة. اختبئي في مكان لا يمكن أن يعثر عليكِ فيه أحد.” لم تفهم لوميـنا كلماته في البداية، بل اكتفت بالرمش بعينيها. ثم أضاف: “لقد فعلتُ ما يمليه عليَّ واجبي كأخٍ.”
أمام هذا الكلام، بقيت لوميـنا مترددة. لم يكن هذا الشقيق الذي عرفتْه في حياتها السابقة. لكنه قبل أن تطرح عليه أي سؤال، سقط إنديميون أرضاً، مغطى بدمائه التي كانت تشير إلى مدى جروحه الكثيرة.
“أ-أنديميون…” لامست لومينا وجنته المتجمدة، حيث ظلت بها بعض الحرارة. كان شعورها بلمس الدفء في كفها يوحي بأنه حي، على الرغم من توقف أنفاسه.
استدارت لومينا ببطء لترى الأجساد المتناثرة لمن كانوا يرافقونها في الرحلة. يبدو أن أنديميون قد تكفل بهم جميعًا بمفرده، إذ لم يبقَ أحدٌ حيًّا سواها في هذا المكان. المشهد كان غير واقعي.
“لماذا؟” سألت لومينا بصوت مرتعش.
“لماذا فعلت ذلك؟” لم تستطع فهم السبب.
لقد خُذلت من قِبَل عمها الذي وثقت به، بينما لاقت المساعدة من أخيها غير الشقيق الذي تجاهلته طوال الوقت.
“لم نكن عائلة حقًا! لقد كنا مجرد إخوة من نفس الأب!” صرخت لومينا، وكانت صرخاتها ترتد في فضاء لا نهائي من الفراغ.
في تلك اللحظة، انكشفت لها حقيقتها البشعة بوضوح شديد.
“لطالما كرِهت أنديميون” اعترفت لومينا أخيرًا بالغيرة التي لطالما كتمتها. لم تظهر ذلك، لكنها كانت تشعر بالكراهية تجاه أخيها غير الشقيق الذي ظهر فجأة في حياتها. كانت تربطه بطبيعة الحال مع زوجة أبيها، وكأنهما فريق واحد. لذا، لجأت إلى عمها الذي ظنت أنه سيكون في صفها.
“لو كنت مكانك لما فعلت ذلك.”
“……”
“لو كنت مكانك لما ساعدتك حتى لو كنت في خطر. لكنك…”.
على الرغم من أن لومينا كانت تفرغ مشاعرها الحقيقية، لم تجد إجابة من أنديميون
“لا، لا! لقد سألتك! يجب أن تخبرني لماذا ساعدتني.”
“……”
“هل ستذهب دون أن تخبرني الحقيقة؟ هذا غير عادل!”
كانت تعلم أن مطالبها غير معقولة. كانت تعلم أيضًا أنه لن يرد، لكنها كانت تصرّ على أن تعرف السبب.
في هدوء قاتل، بدأت الدموع تسيل على وجنتي لومينا.
في تلك اللحظة، ظهرت أجنحة فراشات من ظهر لومينا، وبدأت الفراشات الصغيرة تتجمع حول أنديميون. بعد لحظات، اختفت الفراشات المتلألئة، وعندما فتحت لومينا عينيها، رأت أنديميون أمامها.
رغم أنه كان لا يزال مغطى بالدماء، إلا أن جميع جراحه قد شُفيت.
لكن الجروح انتقلت إلى لومينا نفسها. يبدو أن جراح أنديميون قد انتقلت إليها، تاركة نفس العلامات في نفس المواضع.
“ريجيون ضعيفة“. جوزيف كان يصف لومينا بتلك العبارة مرارًا وتكرارًا.
حتى لومينا نفسها كانت تعتقد أنها بلا قوة، ريجيون لا تملك أي قدرة.
لكن الحقيقة أنها لم تكن بلا قوة. لقد كانت مختلفة فقط عن الريجيون الآخرين المتخصصين في الهجوم، ولم تظهر قوتها إلا بعد فوات الأوان.
“أوه…” لم تكن الجروح وحدها التي انتقلت إلى لومينا، بل الألم المبرح أيضًا. كان الألم يشبه الموت.
“الآن أتذكر، قال لي أن أهرب.”
ولكنها لم تكن قادرة على الهرب.
بفضل السم الذي أعطاها إياه عمها لسنوات، كانت تجد صعوبة في اتخاذ حتى خطوة واحدة، فما بالك بالهروب؟
كانت الألم لا تطاق، وبدأت لومينا تشعر بفقدان الوعي. سقطت بلا حول ولا قوة.
وفوق رأسها، سمعت صوت رجل غريب.
“لم أكن أعلم أن هناك ريجيون حقيقية للشفاء. لقد ظننتها أسطورة فقط.”
من؟ بعيون مغبشة، لمحت وجه رجل في منتصف العمر. كان وجهًا غريبًا بالنسبة لها.
“يبدو أنك تعرضت للسم لفترة طويلة جدًا. لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت لديك القدرة على الشفاء الذاتي.”
كانت عينيه الغريبتين تتسعان بشكل عمودي، مظهره كان مرعبًا لدرجة أنه لو لم تر أنديميون في وقت سابق، لكانت قد اعتقدت أنه هو من قتل من كانوا حولها.
بصوت مليء بالأسف، قال:
“لو كانت لديك هذه القوة، لكنت قد أنقذت ابني. ولكن الآن، قد فات الأوان.”
وأغلق الرجل عيني لومينا الكبيرة بيده الضخمة.
لكن عندما رفع يده، كانت لومينا لا تزال تفتح عينيها، تنظر إليه بإصرار يعبر عن رغبتها في الحياة.
“هل تريدين أن تعيشي؟” سأل الرجل.
لو كانت تستطيع، لكانت لومينا قد أومأت برأسها.
لم تستطع أن تموت بهدوء وتترك جوزيف وأقاربها يتباهون بانتصارهم.
“في هذه الحالة…”
أخذت لومينا كل قواها المتبقية وأومأت برأسها مرة أخيرة.
وكان هذا آخر ما تذكرته لومينا قبل أن تنتهي حياتها.
***
“حينها، لم أكن أعرف من هو ذلك الرجل.”
كانت لومينا تعترف لنفسها بأنها لم تكن في وعيها الكامل حينها. ولكن الآن، بوضوح ذهني كامل، كانت تعلم جيدًا من كان.
“دوق هارت.”
كان واحدًا من أقوى الريجيون ونبيلًا رفيع المستوى. كان مفتاح بقاء العائلة بعيدًا عن سيطرة الأقارب الطامعين الذين كانوا يسعون فقط لتحقيق مصالحهم الشخصية.