I'm done being a hero, even if I'm retired - 39
عندما رآى طفلةً لم تكن حتى في نصف عمره، استرخى.
“ما هذا… إنها مجرد طفلة؟”
“أعتقد أنها أحد الأطفال الذين كانوا في تلك العربة.”
“إذًا، لنأخذها رهينة.”
“ألن يكون من الأفضل قتلها فورًا؟”
في تلك اللحظة، تكلَّم رجلٌ بدا وكأنَّه قائدهم.
“انتظروا. …تلك الطفلة شقَّت طريقها إلى هنا، ومع ذلك، لم يستشعر أحدٌ وجودها.”
عندها، صمت الرجال الذين كانوا يتحدثون، وبدأوا يحدّقون في أديليا.
سأل الرجل.
“أنتِ… لستِ طفلةً عادية، أليس كذلك؟”
[أوه، يبدو أن هناك واحدًا على الأقل لديه نظرةٌ ثاقبة.]
قهقه ريكهارت، ظنًّا منه أنهم مجرد مجموعةٍ من الهواة.
سحبت أديليا قلنسوتها حتى وصلت إلى طرف أنفها، كاشفةً عن ابتسامةٍ مشرقة تُظهر أسنانها البيضاء.
“نعم، إنكَ سريع البديهة.”
واصلت كلامها بنبرةٍ مرحةٍ مليئةٍ بالمكر.
“لِنَرَ… من طريقة تحرُّكِكم الصامتة، تبدو مجموعتكم متخصِّصة في الاغتيالات.”
ألقت أديليا نظرةً خاطفة على الأسلحة المتدلية من خصر الرجال.
“سيفٌ طويلٌ واحد، وثلاثة خناجر لكل شخص.”
“…….”
“أنتم…”
كما لو أنها قد فهمت كل شيء، أومأت أديليا برأسها.
“آبل وايت؟”
“ها…!”
شعر الرجال بالاضطراب.
“هاه! سيدي! هذه الفتاة تعرف من نَحن!”
“اخرس، أيها الأحمق!”
أغبياء.
[أغبياء!]
انفجر ريكهارت بالضحك وكأنه سيموت من الضحك.
كانت آبل وايت مجموعة مرتزقةٍ ذات تاريخٍ طويل، تمامًا مثل غريزل.
والفرق الوحيد بينهما هو أن غريزل كانت تتحرك وفقًا للطلبات التي تتلقاها، بينما كانت آبل وايت تتحرك بهدف توسيع نفوذها.
‘لكن في النهاية، حتى تلك الطلبات ما هي إلّا وسيلةٌ لتعزيز قوتهم.’
تثاءبت أديليا وهي تتحدث.
“أيها الرجال العجائز، عليَّ أن أنام مبكرًا، لذا… لماذا لا تهاجمونني جميعًا دفعةً واحدة، هاه؟”
“ماذا قالت هذه الفتاة اللعينة؟ هل تأمرنا بالهجوم عليها؟”
“…….”
استلَّت أديليا خنجرها، وما إن أخرجته من غمده حتى تلألأت هالةٌ ذهبيةٌ خافتة على نصله.
“س-سيدي! أليست هذه هالة؟ كيف يمكن… كيف تمتلك طفلة مثلها الهالة…؟”
عندها، رمقهم الرجل الذي نادوه بـ”سيدي” بنظرةٍ حادة، وتحدث.
“إنه سِحر التَّنَكُّر.”
“هاه؟”
أمالت أديليا رأسها قليلًا.
“لقد سمعتُ بذلك من قبل. هناك سحرةٌ رفيعو المستوى يستطيعون استخدام السحر لتغيير مظهرهم.”
“حقًّا؟”
“هذا من اختصاصي، كيف لا يمكنني كشف حيلتها؟”
حتى دون أن تتدخل أديليا، كانوا يركِّبون قطع الأحجية بأنفسهم.
مع أنهم وضعوا أول قطعة في المكان الخطأ تمامًا.
لكن، هل هناك داعٍ لتصحيحهم؟
“هذا صحيح.”
حين أجابت أديليا بصوت أكثر عمقًا، توترت الأجواء على الفور.
“لم أتوقع أن يتمكَّن أحد من التعرُّف عليَّ، لكن يبدو أن هناك شخصًا ذكيًّا بينكم.”
قهقهت أديليا وضحكت ببرود.
ومن بعيد، كان كارسيس يراقب المشهد، يغطي فمه بيده محاولًا كبح ضحكته.
فتح رود فمه، متجهمًا.
“سمّوك، ما الذي يجري هنا بالضبط؟”
“إنها فقط تُضفي لمسةً ممتعة على الأحداث.”
“ألّا ينبغي أن نتدخل؟ يبدو الأمر خطيرًا بعض الشيء.”
“لا، لنراقب قليلًا بعد.”
“إنهم ماهرون بما يكفي لتمييز الهالة على الفور. إذا اكتشفوا أن الآنسة إستر تستطيع استخدامها، فماذا سنفعل؟”
“سننتظر، وإذا حاول أحدهم الفرار، فسنتكفل به.”
“أمرك، سمّوك.”
بعد أن أنهى عشاءه البسيط وعاد إلى خيمته، شعر كارسيس بحركةٍ بالقرب من موقع المخيم.
اصطحب معه رود وأستين، وساروا لتتبُّع مصدر الحركة، ليكتشفوا أن أديليا كانت قد وصلت قبلهم، وبدأت في إثارة المشاكل مع القتلة.
“إذا أظهرت الهالة، فهذا يعني أنها تعتبر هؤلاء الرجال غير جديرين بالحذر.”
“هل تخطط لقتلهم لإسكاتهم؟”
في تلك اللحظة—
تشششك—!
دوَّى صوت تصادم المعادن السريع في أنحاء الغابة.
وتراجع الرجال إلى الخلف بلا حولٍ ولا قوة أمام هجماتٍ سريعة لم تُرَ بالعين المجرَّدة.
“……سمّوك، هذا ليس أسلوب مبارزتها المعتاد.”
“…….”
قال رود بوجهٍ جاد. كان قد رأى من قبل مبارزاتٍ بين أديليا وكارسيس.
برغم صِغَر سنها، كانت تقنيتها في المبارزة مثالية، وكأنها مأخوذة حرفيًا من كتابٍ مدرسي.
‘كم يا ترى تدربت حتى أصبح أسلوبها في القتال منقوشًا في جسدها بهذه السلاسة؟’
كان من المذهل تقريبًا التفكير بهذه الطريقة.
لكن المشهد الذي أمامهم الآن…
“م-ما هذا؟”
انفتح فم أستين على مصراعيه وهو يراقب أديليا حركات لأول مرة.
هل هذه حقًّا هي نفس النبيلة الصغيرة التي كانت تجلس برزانة قبل لحظات فقط؟
بالطبع، كان قد سمع من رود أن الآنسة إستر كانت شريكة الأمير في فن المبارزة.
لكن ….
‘لم يقل أبدًا أنها وحش.’
للحظة، خيّم الصمت بين الرجال. ولم يكن يُسمع سوى صوت احتكاك الشفرات البعيد.
ثم تمتم أستين بوجهٍ شاحب.
“لم أرَ مثل هذه الحركات من قبل.”
الطريقة التي كانت تتلاعب بها بالسيف بحرية لمواجهة هؤلاء الرجال الضخام كانت تتجاوز حدود الإعجاب—كانت صادمةً تمامًا.
على عكس أسلوب الفروسية المستقيم والمنهجي الذي يتبعه فرسان الإمبراطورية، كان أسلوبها شرسًا، همجيًّا، وقاسيًا بلا حدود.
في بعض الأحيان، بدت مليئة بالثغرات، ولكن في الوقت نفسه، بدت وكأنها بلا أيِّ ثغرةٍ على الإطلاق.
تحدث أستين بوجهٍ أكثر جدّية.
“هذا ليس أسلوب مبارزة فرسان روثيانت.”
“تبدو سيدتنا الصغيرة ماهرةً في الاغتيال أيضًا.”
عندها، التفت رود إلى كارسيس وسأله.
“سبع سنوات ها؟”
“نعم، تلك الطفلة بعمر سبع سنوات.”
استمر الهجوم الأحادي الجانب لبعض الوقت.
انتشرت رائحة الدماء في الهواء مع الرياح التي حرّكت أوراق الأشجار.
ومر الوقت مجددًا.
سبع جثث مرمية على طول طريق الغابة.
في وسط الغابة، وقفت أديليا تلتقط أنفاسها، ثم خطت إلى الأمام.
راقب كارسيس ظهرها للحظة قبل أن يستدير نحو العربة.
“ألن نتبعها؟”
“ستعود قريبًا. كما أنها على الأرجح عرفت أننا كنا نراقبها.”
عاد كارسيس إلى العربة ودخل إلى الخيمة وكأن شيئًا لم يحدث.
جلس على سريره القماشي، وسرح في أفكاره.
‘لم تتردد في القتل.’
كما لو أنها كانت تفعل ذلك منذ سنوات.
بغض النظر عن سنها، حتى لو أمسكت بالسيف منذ صغرها، فإن حركاتها الحادة وقدرتها القاسية على اتخاذ القرارات ليستا شيئًا يمكن أن يمتلكه طفلٌ في السابعة من عمره.
عبقرية.
لكن حتى كلمة “عبقرية” لم تكن كافية لشرح ما كانت عليه.
‘آنسة إستر، من أنتِ؟ ما هي حقيقتكِ؟’
***
اتبعت أديليا صوت المياه القريبة.
وجدت جدولًا يجري بلطف وبدأت في غسل الدم عن يديها.
“هاه…”
عندما غمست يديها في الماء البارد، زفرت تنهيدة طويلة.
وبينما كانت تنظف السائل الأحمر المزعج الذي لطخ يديها، تمتمت.
“ما هذا اليوم الأول لي بعيدًا عن القصر؟!”
[أنتِ تعلمين أن ولي العهد كان يراقب، صحيح؟]
“نعم، أعلم.”
[شكوكه ستزداد أكثر.]
“لم يكن لديَّ خيار آخر. لو لم أفعل هذا، لكنا قد أضعنا المزيد من الوقت.”
في الحلبة، لم يكن القتل ضروريًّا، لكن الأمر كان مختلفًا هذه المرة.
بحلول الفجر، كان لا بد أن تتحرك العربة مجددًا.
في العادة، كان من الأفضل القبض على القتلة واستجوابهم لمعرفة من أرسلهم.
لكن الآن، كان الحصول على الترياق بسرعةٍ أكثر أهميةً من ذلك.
‘إضافةً إلى ذلك، جماعة آبل وايت كتومونٌ للغاية. هم أغبياء بعض الشيء، لكنهم ليسوا عديمي الولاء إلى حد كشف هوية عملائهم.’
حتى لو قبضت عليهم وعذبتهم، فلن يؤدي ذلك إلّا إلى إضاعة الوقت.
لذا، اتخذت أديليا قرارها.
‘التخلص منهم بسرعة والمغادرة.’
بعد أن غسلت آخر بقايا الدم، عادت أديليا إلى العربة.
بدلت ملابسها ثم توجّهت إلى خيمة ولي العهد.
“سموك؟ هل أنت مستيقظ؟”
“ادخلي.”
مع إجابته، أُضيء المصباح داخل الخيمة.
دخلت أديليا وانحنت برفق.
“لماذا لم تنَمْ بعد؟”
“هناك الكثير من الجرذان في الجوار.”
لم يحاول كارسيس إخفاء حقيقة أنه كان يراقب، فعبست أديليا بانزعاج.
“تسك، كان بإمكانكَ مساعدتي قليلًا.”
“لا أحب أن تتلطخ ملابسي بالدماء.”
“هل أبدو لك أنني أحب ذلك أيضًا؟!”
“بدوتِ وكأنكِ مستمتعةٌ قبل قليل.”
“……”
ابتسم كارسيس بهدوء.
زفرت أديليا تنهيدةً خفيفة قبل أن تواصل الحديث.
“يجب أن نتحرك الآن. إذا لم يعد رفاقهم، فسيأتون للبحث عنهم، وعندما يجدون الجثث، سيهاجموننا بلا شك.”
“موافق.”
“…هكذا ببساطة؟”
“ألستِ أنتِ من قال ذلك؟”
“……”
‘لماذا لا يسأل عن أيّ شيء؟’
كانت أديليا متأكدةً من أن شكوك كارسيس قد ازدادت.
كانت تتوقع منه أن يستجوبها حول ما حدث قبل قليل.
لكن، لم يكن يبدو حتى مهتمًا.
[ذلك لأن الوضع حاليًّا عاجل. ولكن بمجرد العودة إلى القصر، سيستجوبكِ بلا رحمة.]
نصحها ريكهارت بأن تستعد جيدًا.
‘أجل، هذا صحيح. حسنًا، الأولوية الآن هي مغادرة هذا المكان.’
نهض كارسيس وسار باتجاه مدخل الخيمة.
“ماذا تنتظرين؟ يجب أن نتحرك.”
“آه، نعم! قادمة!”
***
بفضل انطلاقهم قبل الفجر، وصلوا إلى بوابة إقليم ديكريد قبل الظهيرة.
“يبدو أننا وصلنا. هناك طابورٌ من الناس ينتظرون.”
كان إقليم ديكريد محاطًا بأسوارٍ عالية.
بُنيت من حجارةٍ متراصةٍ بشكلٍ منتظم، مما منحها مظهرًا صلبًا ومستقرًا.
“علينا الاصطفاف أيضًا، أليس كذلك؟”
“بالطبع.”
نزل كارسيس من العربة بهدوء.
لحقت به أديليا وسألته.
“لا تريد الكشف عن هويتكَ، أليس كذلك؟”
عندها التفت كارسيس نحوها.
“بالضبط.”
في الواقع، لو كشف عن كونه ولي العهد، لكان بإمكانه عبور البوابة بسهولة.
لكنه اضطر إلى إخفاء هويته لسببٍ آخر.
“القصر مغلقٌ حاليًّا.”
“بسبب صحة جلالة الإمبراطور؟”
“هذا صحيح. رسميًّا، أنا في القصر الإمبراطوري؛ لذا لا يمكنني الكشف عن هويتي في أيِّ مكانٍ آخر.”
هاه؟ إذن، ماذا عن القتلة الذين هاجموا الليلة الماضية؟
‘ألم يكونوا يستهدفون سمو ولي العهد؟’
[هل يمكن أن يكونوا قد اكتشفوا أنكِ قمتِ بإغلاق الحلبة؟!]
‘أغلقتها؟ من الذي فعل ذلك؟!’
لقد أنقذتُ أولئك الأطفال المساكين فقط.
[كلاهما نفس الشيء ……]
من غير المحتمل أن يكون هدف آبل وايت مجرد سرقةٍ تافهة.
بينما كانت أديليا غارقةً في التفكير، حان دورهم للتحقق من الهوية.
“حان دوركِ الآن، آنستي.”
“سأتولى الأمر بسرعة، لذا انتظروا هنا.”
“أنا متحمسٌ لرؤية ذلك.”
بخطواتٍ واثقة، تقدّمت أديليا نحو الفارس.
ألقى الفارس نظرةً خاطفةً خلفها قبل أن يسأل.
“هل هؤلاء الأشخاص برفقتكِ أيضًا؟”
“نعم.”
“يرجى كتابة سبب زيارتكِ وإبراز شارة الهوية.”
عند طلب الفارس، ابتسمت أديليا بهدوء.
ثم، وكأنها تكشف عن كنزٍ مخبّأ، رفعت غطاء رأس عباءتها ببطء.
كانت أشعة الشمس الصباحية دافئة. وتحت نورها، انكشفت خصلات شعرها الفضية المتلألئة، التي كانت أقرب ما تكون إلى الجمال الطبيعي الباهر.
تجمّدت أنظار الواقفين في الصف لدخول الإقليم، وكذلك الفارس الذي مدّ يده ليأخذ شارة الهوية، على شعرها الفضي اللامع.
شعرت أديليا بنظراتهم، فهزّت رأسها بثقة.
“هذا صحيح. أنا الحفيدة الوحيدة للكونت ديكريد …..”
“ماذا تفعلين؟ قلتُ لكِ، قدّمي شارة الهوية.”
“…هاه؟”
[نونا، هناك شيءٌ غير طبيعي هنا.]
نظر الفارس إليها بوجه خالٍ من التعبير، ومدّ كفّه مجددًا.
“شارة الهوية.”
“لا، أعني… انظر إلى شعري. فضيّ. متلألئ. ألا ترى ذلك؟”
“وما شأن ذلك؟ هل لديكِ شارة الهوية أم لا؟ بدونها، لا يمكنكِ العبور. التالي!”
“م-مهلًا! انتظر لحظة!”
“ألا ترين الناس المصطفّين خلفكِ؟ لا تعيقي الطريق. التالي!”
“أنتَ… ألا تتعرّف على هذا الشعر؟ هذا؟! ألا تعرفه حقًّا؟! ها؟!”
‘كيف يمكنهم عدم التعرّف عليه؟! ما نوع التدريب الرديء الذي يتلقاه فرسان ديكريد؟! هذا سخيف تمامًا!’
“أحضر قائدك لآن! فورًا!”
بدأت أديليا تُثير ضجةً كبيرة.
[ يُتبع في الفصل القادم ……. ]
– ترجمة خلود