أنا على وشك أن ألتهم من قبل الشرير الذي قمت تربيته || i’m about to be devoured by the villain i raised - 14
“ما رأيك بالبدء من جديد ونسيان كل ما مضى؟”
بداية أخرى…
اتسعت عينا إديل المظلمتان بدهشة، تفيض بشيء أقرب للصدمة.
لم تكن تلك النظرة المعتادة التي تتوقعها عند مواجهة السحر الأسود.
لا اشمئزاز، لا نفور…
بل شفقة خالصة، وكأنها شعرت بثقله وألمه.
مدّ إديل يدها نحو العقد الذي يطوّق عنق سييلا برقة غريبة.
بالنسبة له، لم تكن كلمة “توقعات” سوى مرادفٍ للخيانة.
ومع ذلك، لم يستطع كبح رغبته الخفية في التعلق بشيء معها، ولو للحظة.
يده التي أبعدها في البداية، عادت لتقبض على يدها بتملك يشوبه التردد.
لو كانت ستبقى وفيّة له، فقد أدرك بوضوح أنه عليه جعل الخيانة أمرًا مستحيلاً.
“لو كان بإمكاني فقط أن أمحو الماضي الذي يثقلني، وأتحرر منه لأصبح طفلًا عاديًا، وأبدأ من جديد، كما حلمت دائمًا…”
—
لم أرفض إديل حين اقترب مني وعانقني.
دفن وجهه في ذراعي، وكنت أشعر بذلك الخفقان المؤلم في صدري.
لا أدري كم من الوقت مرّ.
فجأة شعرت بالدوار، كأنني انتقلت إلى عالم آخر.
عبير الغابة الذي كان يملأ أنفي اختفى، والنسيم الذي كان يداعب وجنتي انقطع.
حين فتحت عيني ببطء، ظهرت أمامي معالم المكان المألوف، متجرنا القديم.
“أ هذا هو الانتقال الفوري؟”
تلفّتُ حولي، مشوشة الأفكار.
الظلمة التي كانت تسيطر على المشهد بدأت تتبدد تدريجيًا، وأشعة ضوء القمر تسللت عبر النافذة، لتضيء المكان بهدوء مخيف.
رأيت الملابس المتناثرة على الأرض، وعادت حواسي تدريجيًا لاستيعاب الواقع.
من غياب أثر ملابس فيليب، كان واضحًا أنه غادر على عجل.
“ما الذي يجب أن أفعله الآن؟”
صوت داخلي حذرني من أن حقيقة كون إديل ساحرًا مظلمًا قد تنكشف للعالم.
“أعتقد أن كل شيء أصبح مكشوفًا الآن”
كان صوته، حين استدعى الظل، حزينًا ووحيدًا.
“إديل”
أمسكت بذراعه، وواجهته بنظرة حازمة.
“هل استعادت ذاكرتك الضائعة؟”
لو عادت ذكرياته كـ”يوري سينكلير”، الرجل الذي عرف الوحدة والانتقام، فكيف لي أن أغير هذا اليأس الذي يغلفه؟
“لا، التفاصيل لا تزال غير واضحة.
لكنني أعتقد أنني كنت وحيدًا، بسبب هذه القدرة اللعينة”
كانت عيناه تحملان ألمًا طويلاً، وابتسامة باهتة،
وكأن الحاضر والماضي يتداخلان في داخله.
“نونا، منذ متى علمت أنني ساحر مظلم؟”
ترددت لوهلة، ثم قررت قول الحقيقة.
“منذ تلك الليلة التي كنت ابحث عنك فيها.
رأيتك…
تؤذي ذلك الشخص في الزقاق المظلم”
رغم اعترافي، لم أكن أظن أنه قد يحاول قتلي.
لو أراد ذلك، لفعلها حينها.
لكنه، في تلك اللحظة، بدا كطفل خائف، يخشى أن يُترك وحيدًا.
استدعى إديل ظلًا صغيرًا على الأرض، تشكّل على هيئة جرو، يحاول أن يبدو غير مؤذٍ.
“هل تحاول أن تُقنعني أنك لطيف بهذه الطريقة؟” سألته بابتسامة خفيفة، بينما عقلي كان يضج بأسئلة لم أستطع طرحها.
رفع إديل عينيه إليّ، وقال بصوت مرتجف:
“نونا سييلا،
أخبريني… كنتِ تخططين للتخلي عني، أليس كذلك؟”
شعرت بتلك الكلمات تمزقني من الداخل، بينما حدقت في القلم الحبر الذي ما زالت بقع الدم عليه شاهدة على ما حدث.
“نعم… كنت أفكر بذلك.
أنا آسفة”
اعترفت بصوت خافت، دون تبريرات.
لكن بدلاً من الغضب، بدت عليه علامات الحزن العميق.
“لا تتخلي عني، أرجوك”
حين انهمرت دموعه، شعرت بقلبي يعتصر ألمًا.
مهما كانت الحقيقة، لم يكن أمامي سوى طفل صغير، تائه وبريء بطريقة مؤلمة.
“لا! لن أتركك أبدًا!”
احتضنته بقوة، محاوِلة أن أمنحه شعورًا بالأمان. شعرت بارتجاف كتفيه الصغيرين تحت يدي، وكأنه كان يحارب ألمًا لا يُطاق.
“إديل، السحر المظلم ليس سوى أداة.
ليس الخير أو الشر في قدراتنا، بل في اختياراتنا. يمكنك أن تستخدمه للخير، أن تصبح شخصًا يُحدث فرقًا في حياة الآخرين”
رأيت في عينيه الحزينة بريق أمل ضعيف، وكأن كلماتي كانت ضوءًا صغيرًا في ظلامه العميق.
“كيف يمكنني أن أصبح شخصًا صالحًا؟”
“ابدأ بأن تكون طفلًا صالحًا”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خجولة، لكنها كانت محملة بشيء أعمق…
تعلق، ربما، أو بداية هوسٍ لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه.
نظرت إلى الملابس المبعثرة حولنا، وتوقفت لحظة في تأمل عميق.
هل يجب عليّ أن أكون قدوة للبالغين وأقوم بتأديب إديل على ما فعله؟
لقد قتل للتو رجلاً، تمامًا كما فعل سابقًا.
لكن، لو لم يكن قد فعل ذلك، لكانت نهايتي الآن.
من الغريب أنني تلقيت مساعدته، وطمس الأدلة، ثم أعود وأحدثه عن المثل العليا مثل
“لا يجب أن تقتل الناس”.
لو قلت هذا، لما كنتُ قديسة، بل مجرد منافقة.
إن القاعدة الاجتماعية غير المكتوبة التي تقول بعدم قتل الآخرين، هي بمثابة وعدٍ ضمني باحترام حياة الآخر وحقه في الوجود، ما لم يكسر الآخر هذا الحق أولاً، كما في حالات الدفاع عن النفس.
لستُ شخصًا صالحًا بما يكفي لأشعر بالذنب أو الحزن على موت شخص كان ينوي قتلي.
ورغم ذلك، كنتُ أبحث عن تبرير داخلي لهذا الفعل.
“إديل، دعنا نكتشف معًا ما سيكون عليه الحال
في المستقبل”
على الرغم من الظروف القاسية التي نعيشها، شعرت بضرورة بذل كل ما في وسعي لمنعه من السقوط في ظلمات اليأس.
حتى الكائنات التي خلقها بسحره الأسود، مثل الذئب والجرو، كانت تحمل لمسة من اللطف المدهش.
بينما كنتُ أُربت على رأس الجرو الظلي، لاحظت كيف أضاء وجه إديل بابتسامة لم أرها من قبل، كما لو أنها أشرقت في لحظة غير متوقعة.
“نونا، هل ستبقين معي إلى الأبد؟”
ابتسمت له وأجبته بخفة
“هل سنعيش معًا لبقية حياتنا؟
في المستقبل، ستتزوج، وستنجب أطفالًا لطيفيين مثل الأرانب…”
توقف إديل عن النظر إليّ عند حديثي عن هذه التفاصيل العادية في الحياة، ثم هزّ رأسه بجدية.
“إذن، تزوجيني أنتِ.
يمكننا تربية أرنب أو طفل،
أيًّا كان”
“أنا في العشرين من عمري”
“لا بأس، سأنتظر حتى أصبح بالغًا
للزواج منكِ”
هذا غير مقبول! ولماذا عليَّ أن أنتظر أنا تحديدًا؟
اقتراحه البريء
–الذي بدا خارجًا عن سياق اللحظة –
جعل رأسي يدور من المفاجأة.
“فرق العمر بيننا…”
“لا تموتي قبلي.
خذي إذنًا مني أولًا قبل أن تفكري في ذلك”
أوقف حديثه المشؤوم!
ليس هناك وقت محدد لمن يموت أولًا، أليس كذلك؟
صرخت في داخلي.
وضع إديل إصبعه على الشامة الموجودة تحت عيني اليمنى.
“إذا ضغطت على هذه الشامة، هل ستخرج دموعكِ؟”
“لا”
“قرأت في كتاب أن الأشخاص الذين لديهم شامات دموع يميلون للبكاء كثيرًا”
“إذن، هل تبكين كثيرًا؟”
إديل، الذي كان يمسح المنطقة حول عيني بلطف، رفع رأسه قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة.
“سأحرص على ألا تذرفين دمعة واحدة أبدًا طوال حياتكِ”
كانت كلماته مختلفة تمامًا عن براءة الأطفال الذين يقولون:
“سأتزوج معلمتي عندما أكبر!”
لماذا يتصرف وكأنما في حياة ثانية، كما لو كان يُغازلني؟
شعرت بشيء غريب يملأ قلبي بلا سبب واضح، فقررت محاولة تخفيف هذا الجو المشحون.
“نونا سيلا ، أرجوكِ لا تتركيني وحدي”
نظرت إليه وهو يفرك خده بظهر يديه كقطة حنونة. هل من الممكن أن نكون قد شكلنا رابطًا لا يمكن فصمه؟
“إذا هربتِ مني، فلن يوقفني شيء، سأجوب الأرض وأغزو السماء بحثًا عنكِ.
لن أترك شيئًا لم أبحث فيه، ولن أرتاح حتى أجدكِ، حتى لو اضطررتُ لمسح كل أثر خلفي، وتضحية بكل شيء في طريقي”
فوجئت بكلماته ودهشت.
تجدني، ماذا؟ هل ستعاقبني إذا فررت؟
بدت تعابير وجهي صادمة له، فأجاب ضاحكًا بهدوء:
“هذا حقيقي، سأجدكِ يا سييلا”
ربما كان مجرد خيال، لكن تلك الكلمات بدت لي وكأنها أكثر من مجرد تعبير عاطفي، بل هوس غير مُعلن.
تساءلت في نفسي:
هل سأصبح يومًا ما فريسته عندما ينتهي
من اعتماده عليّ؟