I'll try saving my dad - 20
“هنا.”
عند الجزء الخلفي من المبنى الذي يقيم فيه جدي، مررت عبر الممر الخارجي، لتنكشف أمامي صورة مبنى آخر. كان ذلك المبنى مخصصًا للتعليم، حيث يُدرَّب الورثة المباشرون.
سار عمي سيرفير بجانبي بخطوات متناسقة مع خطواتي، ثم انحنى قليلاً ليتحدث بصوت منخفض، لكنه واضح بما يكفي لأسمعه بوضوح.
رغم كل شيء، ما زلت أجد الأمر غريبًا. سيرفير عمي، لكنه أيضًا أحد أفراد عائلة عمي الأكبر.
“المعلمون يتغيرون حسب المواد، لكن الشخص الذي سأقدمه لك اليوم سيكون المشرف الأساسي على دراستك. بالطبع، هو أيضًا يدرّس بعض المواد بنفسه.”
لماذا يبدو لطيفًا معي إلى هذا الحد؟
على الرغم من أنني رمقته بعينين ممتلئتين بالشك، إلا أن ابتسامته ظلت ثابتة، وكأنها تتحدى حذري.
سرعان ما بدأ يتحدث عن أمور لم أسأله عنها، وكأن لسانه استبق أفكاري.
“حدث أمر كبير هذا الصباح، كما ترى. لذلك، حتى لو كنت تمتلك معلومات موثوقة من معارفك، عليك توخي الحذر عند الاستثمار… آه، عذرًا.”
بدت على وجهه علامة ندم خفيف، وكأنه أدرك فجأة أنه أفصح عما لا ينبغي.
أجبته بنبرة تحمل مزيجًا من البرود والتساؤل: “أها…”
ثم أضاف بنبرة متحفظة
“لقد هرب رئيس شركة إينسكا بالأموال إلى الخارج هذا الصباح.”
حاولت الحفاظ على مظهر الطفلة التي لا تفهم، ولكن داخلي كان يحتفل بفهمي لما حدث. بدا أنه باع أسهمه قبل الهروب. لم أكن أتوقع أن أمتلك هذا القدر من الذكاء!
غمرني شعور بالسعادة، ليس فقط لفهمي المفاجئ، بل أيضًا لأنني لن أضطر لرؤية ذلك الجشع، “جيكوب”، مرة أخرى.
ثم أردف قائلاً، بابتسامة غامضة
“من يمنحك معلومات مفيدة عن المال، يصبح شخصًا مخلصًا لك… ولو مؤقتًا.”
ضحكت في داخلي بهدوء.
على أي حال، هذه المشاعر ستتلاشى مع مرور الوقت. وحتى ذلك الحين، قررت أن أتقبل لطف عمي سيرفير براحة ودون تحفظ.
قلت لنفسي: “طالما لم يتجاوز الحدود، أعتقد أن عمي سيرفير لن يرفض طلبي.”
لا ضرر من أن أكون قريبة من شخص ذي نفوذ في عائلة البارون، أليس كذلك؟
ابتسمت بخفة وأنا أواصل السير خلفه.
عند دخولنا المبنى التعليمي، استوقفتني امرأة في منتصف العمر، تقف بوقار وثبات. شعرها كان مرتبًا بعناية تامة، بحيث لا يبدو أن شعرة واحدة قد خرجت عن مكانها.
كانت طويلة القامة، تضاهي عمي سيرفير في طولها تقريبًا.
“هذه هي السيدة هارونت، زوجة البارون. هي التي كنت أتحدث عنها في الطريق.”
“تشرفت بلقائك، بيري كوارتر ترافيل. يمكنك مناداتي بالسيدة فريا.”
“أهلاً.”
انحنيت برأسي مثلما كنت أفعل مع الكبار في قرية بونيول.
نظرت السيدة فريا إليَّ بنظرة صارمة.
“يبدو أنك بحاجة لتعلم آداب التحية. سمعت أنك بكيت دون تحية عندما قابلت البارون.”
آه. كانت ملاحظة عن الماضي قاسية بدون سابق إنذار.
نظر سيرفير عمي إليّ بحذر وحاول تهدئة السيدة فريا.
“السيدة، بما أن اليوم هو اليوم الأول، من فضلك لا تكوني قاسية للغاية…”
“هذا واجبي.”
ضغط سيرفير شفتيه بإحكام، وكأن الحديث أكثر مما ينبغي ليس من طبيعته.
“اتبعيني. سنذهب إلى مكان دراستك، حيث ستتلقين الدروس مع أقاربك.”
“نعم…”
“أجيبي بوضوح وبصوت مسموع، ولا تدعي كلماتك تتلاشى.”
“حاضر”
إيهه…
لم أشعر بشدة بالاختناق مثلما شعرت عندما تم استدعائي إلى غرفة قائد الحرس من قبل جدي. كنت أمشي بخطوات ثقيلة وراء السيدة فريا.
* * *
عندما فتحت السيدة فريا الباب، انكشف أمامي مشهد الفصل الدراسي.
في المقدمة، كانت هناك سبورة وطاولة المعلم، بينما توزعت ستة مكاتب واسعة بشكل منظم، مع رفوف كتب مرتبة بعناية. كانت المكاتب مصطفة في صفين، كل صف يحتوي على ثلاثة مكاتب تواجه المنصة.
كان الفصل مليئًا بالأطفال، باستثناء المكتبين الأماميين اللذين بقيا فارغين. الأطفال الجالسون كانوا من أقاربي، جميعهم في مثل سني تقريبًا، باستثناء كاين، الابن الأكبر لعمي الأكبر، الذي كان طالبًا في الأكاديمية.
شعرت بالأعين الأربعة الموجهة إليّ فور دخولي. النظرات كانت حادة، مليئة بالفضول أو ربما الترقب.
“…ما الذي تفعلينه هنا؟”
– “ششش!”
– “يا إلهي… ما هذه الرائحة؟”
– “يبدو أن أدنى رتبة غسلت شعرها بحليب فاسد.”
– “بالتوت الفَاسد لا الحليب، بففتت~”
ابتسمت بخجل ووضعت يدي بسرعة.
“كان شعري يثير الحكة.”
حاولت تبرير حركتي المرتبكة، بينما لم يكن هذا هو الوقت المناسب لتوقع سقوط شيء من فوق الباب.
في تلك اللحظة، التقطت أذناي صوت ضحك مكتوم. التفت لأرى مصدره، واكتشفت أنه كاليب، ابن خالتي مارين، الذي كان يجلس في المقعد الخلفي بجانب النافذة.
كان كاليب يبلغ من العمر عشر سنوات هذا العام، أكبر بسنة واحدة من التوأم. شعره البني الداكن كان يميل إلى الأعلى بطريقة عشوائية، وعيناه البنيتان الداكنتان تحملان لمحة من التمرد الواضح. جلس بوضعية غير مريحة، تعكس قلة رضاه عن هذا المكان أو ربما الموقف.
وحين التقت نظراتنا، تحرك بسرعة ووضع يده على الطاولة، وكأنه يخفي شيئًا. لكن ما كان يخفيه سرعان ما انكشف، إذ انزلقت ورقة مطوية واستقرت مسطحة أمامه.
“حـ ـمـ ـقـ ـا ء . . .”
قالها بحركة فمه.
كنت أفكر في كيفية التعامل مع شخصيته، لكن السيدة فريا قدمتني للأقارب.
“يرجى الانتباه قليلاً. هذه هي بيري كوارتر ترافيل، التي ستدرس معنا من اليوم. هي ابنة السيد رايتان، والدها من عائلة ترافيل. هي أصغر الأقارب سناً، عمرها سبع سنوات.”
“مرحبًا! تشرفت بلقائكم!”
“سنعلّمك آداب التحية لاحقًا.”
ابتسمت بابتسامة حيوية، لكن كاليب سخر مني، بينما أدار التوأم نظرهما بعيدًا. الوحيد الذي رد على تحيتي كان سيل، الذي جلس بجانب كاليب.
كان شعره الأشقر الطويل يتلألأ بشكل رائع.
“مرحبًا، أنتِ بيري أليس كذلك؟ أنا سيل، عمري ثلاث عشرة سنة. والدي هو هيوان ترافيل، الابن الأكبر للبارون.”
كان شخصًا نادرًا بين الأقارب المباشرين في كونه لطيفًا. ابتسمت له وأهويت يدي بتحية.
بالطبع، تم تصحيحي من قبل السيدة فريا على الفور.
“الآن، يمكنك اختيار المكان الذي تريدين الجلوس فيه. تم ترتيب الأثاث بما يتناسب مع حجم جسمك. هناك مكانين في الصف الأمامي يمكنك الجلوس فيهما.”
“نعم، سأجلس بجانب النافذة!”
“حسنًا.”
لم أحتج إلى الكثير من التفكير قبل أن أتوجه إلى المقعد بجانب النافذة. وبينما كنت أسير نحوه، التقت عيناي بعيني التوأم، لكنهما سرعان ما أشاحا بنظريهمَا وابتعدا عني وكأنهما يهربان.
“هل يتجنبانني بسبب حادثة الضفدع بالأمس؟”
ارتسمت على وجهي ابتسامة ماكرة، إذ لم أكن لأدع هذه الفرصة تضيع هباءً.
جلست في مكاني بهدوء، ثم استدرت للخلف ونظرت إلى التوأم، وابتسمت بخفة
“مرحبًا! نلتقي مرة أخرى بعد أن رأينا بعضنا بالأمس!”
“هييييك!”
لكن رد فعلهما كان غريبًا، أكثر مما توقعت.
تراجعت هاتي بخوف وقلق واضحين، بينما نظر إليّ ماتي بوجه مشحون بالرعب وسألني بصوت مرتجف:
“أ..أنتِ؟ أنتِ ا..الـ..لتِي قامت بـ..بذلك في الصباح؟..”
“…الصباح؟”
حاولت أن أتذكر، مستعرضة ما حدث أثناء تجوالي في الصباح. ربما صادفت ضفدعًا أو شيئًا مشابهًا؟ لكن لا أظن أن ذلك وحده سبب كافٍ لجعلهما يرتعبان هكذا.
“…ماذا؟”
“أنتِ…!”
“ما الذي فعلته؟”
“أعني، أنتِ…!”
قبل أن يتمكن ماتي من إكمال جملته، قاطعته السيدة فريا بصوت صارم وحازم
“توقفوا، من فضلكم. سنبدأ الدرس الآن.”
كان ماتي قد بدأ يضرب الطاولة بيديه بعصبية، لكن مع إعلان السيدة فريا بداية الدرس، لم يجد بدًا من التوقف وإغلاق فمه.
أما أنا، فقد تملكني الفضول. ما الذي يمكن أن أكون قد فعلته هذا الصباح ليجعلهما يتصرفان بهذه الطريقة؟
* * *
ل
كن هذه المرة، لم أكن أنا من يشعر بالارتباك.
بدأ الدرس، لكن لم تمضِ عشر دقائق حتى بدأت ملامح السيدة فريا تتجمد بوضوح.
“ماذا درستِ مع معلمكِ السابق؟”
سألت بنبرة متحفظة.
أجبتها ببساطة
“معلم؟ لم يكن هناك معلم!”
حدقت فيّ للحظة قبل أن تضيف، وقد بدا عليها بعض القلق
“هل درستِ الرياضيات أو اللغات الأجنبية؟”
“آه، نعم! عمي بيتر كان يعطيني أرقامًا…”
“إذًا تعلمتِ الأرقام؟ هذا يعني أنكِ كنتِ تدرسين، أليس كذلك؟ كيف كانت دروسكِ؟”
ابتسمتُ بفخر صغير وأجبت
“عندما يظهر نفس الشكل، نكتب الأرقام بالتتابع! وحتى إذا كان الرقم 10 مع بطاقة شخص…”
قاطعتني وقد بدأت نبرتها تميل إلى الحدة
“لحظة، بطاقات؟ أشكال؟”
“نعم! وهناك أيضًا ألوان حمراء وسوداء! وأشكال القلوب والماس…”
أوقفتني بصرامة
“يكفي!.”
رفعت نظارتها قليلاً، وكأنها تحاول استيعاب الصدمة التي أحدثتها إجاباتي.
ثم تابعت بأسئلة أخرى
“هل تعرفين تاريخ إمبراطورية هيشال؟ وما هو رمز عائلة ترافيل البارونية؟”
فكرت للحظة قبل أن أجيب بتردد
“…المال؟”
“…”
صمتت، وبدت كأنها تحاول السيطرة على أعصابها.
بدأت بعدها بطرح سلسلة من الأسئلة العامة
“ما عدد الحروف الأبجدية؟ أين تشرق الشمس؟”
وأسئلة أخرى بدت بديهية.
أخيرًا، أطلقت تنهيدة طويلة وقالت
“يبدو أنكِ لا تعرفين شيئًا. ستبقين بعد الدرس لتأدية الواجب الذي سأكلفكِ به، ولن يُسمح لكِ بالمغادرة إلا بعد أن تنتهي منه.”
رُبما كان عليّ أن أجيب إجابتين صحيحتين على الأقل…
“حمقاء~”
همس لي كاليب بصوت خافت
* * *
عندما انتهى الدرس، وضعت السيدة فريا مجموعة من الأوراق على مكتبي وقالت بصوت جاف
“من الأفضل أن تبدأي من الأساس. اكتبي كل حرف مئة مرة، ثم قدميها إلى سيرفير بعد إنتهائك من كتابتها، بعدها يمكنكِ العودة إلى المنزل. بما أن اليوم هو اليوم الأول، سأكون متساهلة معكِ.”
همست بغضب
“إهدار للورق…”
“لا يوجد شيء اسمه إهدار في التعلم. عندما تنتهين، قدمي الواجب إلى سيرفير ثم غادري.”
“نعم…”
“يجب أن تكُون الإجابة مختصِرة.”
تركتني السيدة فريا مع ابتسامة غير راضية، وغادرت الغرفة، تاركةً إياي في الفصل الفارغ. لم يمضِ وقت طويل منذ أن قدمت مذكرتي إلى والدي، والآن يجب عليّ أن أبدأ في ممارسة الكتابة مرة أخرى.
“لا شيء أكثر مملًا من تكرار ما أعرفه مئة مرة.”
جلست في مكاني، أتأمل الفصل الفارغ من حولي. بمجرد انتهاء الدرس، كان أول من غادر هو كاليب. لم يكلف نفسه عناء ترتيب أغراضه، فترك كتبه مبعثرة على الطاولة كما هي.
‘لقد نعتني بالحمقاء مرتَين، أليس كذلك؟’
ابتسمت بخبث وأنا أفكر
“لنرَ مدى ذكائه.”
توجهت نحو طاولة كاليب، عازمة على التحقق من مذكراته.
“أها، يبدو أن كاليب لا يجيد الرياضيات.”
كان الكتاب الذي أمامي كتابًا تدريبيًا، لا نظريًا. وقد كانت الصفحات الأولى مليئة بتصحيحات واضحة. ومع تقدم الكتاب، كانت الأسئلة التي أجاب عليها تقل تدريجيًا، وكأنه توقف عن المحاولة عندما شعر بالإحباط.
الصفحة الأخيرة كانت مبللة ببقع من المطر، بينما كانت الصفحات التي تلتها لا تزال جديدة تمامًا، كما لو أنه لم يكلف نفسه بإكمالها.
لمحت سريعًا إلى طاولتي. كانت الورقة التي أعطتني إياها السيدة فريا عادية جدًا، يمكن العثور عليها في أي مكان داخل عائلة ترافيل.
‘ماذا لو جربت حلها؟’
شعرت بشيء من الفضول، وكأن فكرة حل الأسئلة تدفقت في ذِهنِي بسُرعة. رغبت في التأكد من صحة الإجابات التي توافقت مع ما يدور في ذهني.
أخذت الورقة والقلم من طاولتي، ثم أمسكت بالقلم بيدي اليسرى.
“إذا كتبت باليد اليسرى، لن يعرف أحد خطي.”
كنت قد تظاهرت باستخدام يدي اليمنى أمام السيدة فريا، لكن في الواقع، أنا أعسر.
همست وأنا ألوح بالقلم بين أصابعي
“لنرَ… هل يمكنني حلها؟”