If you pass through the revolving door 13 times, you'll enter a musical world. - 9
السقوط كان مرعبًا.
لكنها استيقظت دون أن تصطدم بشيء، كما لو كانت قد أفاقت من كابوسٍ مرَّ بسلام. انكمشت غريزيًا، وأخذت تلهث بأنفاسٍ متلاحقة.
تذكرت عينَيْ إدوارد المتألقتين في الظلام، زرقاوان كالجليد، باردتان حدَّ القسوة.
كانت ترتجف، فمسحت دموعها بظاهر يدها، ثم عضت شفتها بقوة حتى شعرت بالألم.
أي تصرفٍ ارتكبته هذه المرة ليزرع الشك في قلبه ويدفعه إلى قتلها مجددًا؟
تنهدت بإحباط، وهي تتساءل ما إذا كان سعيها للحصول على وِدِّه مجرد حلمٍ مستحيل. لقد باتت مقتنعةً أن تحقيق تقاربٍ يتجاوز ما حصلت عليه إليزابيث الأصلية، أمرٌ بعيد المنال.
عبست وهي تعض باطن شفتيها.
شعرت بالاشمئزاز من حقيقة أنها مجبرةٌ على تكرار الأمر، رغم معرفتها بأنها ستفشل. ولكن، إن لم تفعل، فستظل عالقةً في هذه الدوامة الزمنية إلى الأبد
ليس أمامها خيارٌ آخر.
بوجهٍ يعلوه الاستسلام، ركبت العربة المتجهة مجددًا نحو أرض الصيد. لقد كانت هذه رحلتها الرابعة إلى هناك.
برنارد ليدل، كما في كل مرة، جلس مستقيماً، بوجهٍ لا تشوبه أيُّ حياة. كان كذلك في جميع الدورات السابقة.
نظرت إليه مطولًا قبل أن تخفض رأسها.
هل ستموت مجددًا هذه المرة؟
تملكتها الفكرة، فحنت رأسها قليلاً. أصابعها كانت ترتجف عند رؤية البندقية، كما أن مجرد التفكير في الشمبانيا كان يجعلها تشعر بالغثيان. حتى عند صعود الدرج، لم تستطع منع ساقيها من الارتجاف قليلاً.
جسدها يتذكر الخطر، ويتفاعل لا إراديًا. لكن رغم ذلك، لم تعد تشعر بالخوف في كل لحظة. فالرعب الحاد يصبح مع التكرار شيئًا باهتًا. حتى الكوابيس، عندما تتكرر، لا تثير إلا التعب.
كانت أون كيونغ مُنهكة بالفعل.
وربما لهذا السبب، عندما واجهت إدوارد مجددًا وهو يحمل بندقيته، بدت تصرفاتها مختلفة قليلًا عن المرات السابقة.
“في لقائنا السابق، كنت قد وافقت على كلامي، حين سألتك عمّا إذا كنت تكره قتل حياة بريئة، أليس كذلك؟”
كررت السؤال نفسه. لمحت بفزعٍ كيف كانت البندقية على وشك أن تُصَوَّب نحوها، لكنها أخفت ارتعاشها وأخذت نفسًا هادئًا قبل أن ترفع عينيها بثبات.
“ربما، أنت تتذكر بشكلٍ خاطئ.”
قالتها بصوتٍ هادئ، مع ابتسامةٍ خفيفة.
ابتسم إدوارد بدوره، لكنه لم يبدُ مرتاحًا تمامًا. عيناه كانتا قاسيتين، تراقبانها دون أن تُظهرَا أي أثرٍ للضحك.
تابعت كلامها قبل أن يُعطي نفسه وقتًا للتفكير أكثر:
“وأنا أيضًا كنت أُخطئ في تذكُّري أحيانًا. لكن عندما أخبرتني ما كنت أفكر فيه، ارتبكت للحظة.”
بذلت جهدًا حتى يبدو صوتها طبيعياً، بل وملأته بلمسةٍ من المزاح، وكأنها تمازحه.
ربما في الدورات السابقة، كانت تبالغ في الحذر. والتصرف بحذرٍ مفرط قد يثير الشكوك. لذا، قررت هذه المرة ألا تنظر في عينيه مباشرة. فقد تخشى ما سترى هناك، وتعود إلى التوجس والارتباك.
“أرى… يبدو أنني كنت مخطئًا. آسف.”
فقط بعد سماع هذه الكلمات، تنفست أون كيونغ الصعداء.
خفض إدوارد بندقيته ببطء.
“لا بأس، فأنا أيضًا أخطئ أحيانًا.”
لكنها تعلم أن هذه الدورة لن تكون الأخيرة، وأنها ستموت مرتين أخريين على الأقل.
بدأت أصوات الطلقات النارية تخفت تدريجياً، ولم ينهض إدوارد من مكانه إلا قبيل الانتقال إلى المشهد التالي، حينها مدّ يده نحوها بصمت. لم تجد داعياً للكلام، فاكتفت بالإمساك بيده الممدودة.
لو كان هذا في الحلقات السابقة، لكانت قد ارتعدت خوفاً لا محالة، وكانت ستشعر بالذعر من صمته فتبدأ بالكلام وحدها، محاولةً كسر حاجز الصمت.
أمعنت النظر في ظهر إدوارد وهو يسير أمامها بخطوة، لكنها أبطأت خطواتها عن قصد.
لم تكن ترغب في السير إلى جانبه.
**
لم يتحدث إدوارد معها حتى وصلا إلى قصر أندرسون.
ولأنها لم تكن تودّ مبادرته بالكلام قبل بدء الأغنية، بقي الصمت سائداً بينهما حتى بعد دخولهما قاعة الحفل. وما إن تقاطعت حشود المتحدثين بينهما، حتى فقدت أثره تماماً. بالطبع، كانت قادرة على تخمين مكانه…
وقفت في زاوية القاعة، تمسح المكان بنظراتها، قبل أن ترفع عينيها نحو برنارد ريديل الذي اقترب منها دون أن تشعر. كانت تماطل، راغبة في تأجيل لحظة لقائها بإدوارد قدر الإمكان، وكأن برنارد التقط نواياها المخفية، فحدّق بها بصرامة قبل أن يهمس بتحذير بطيء:
“إليزابيث، ألا ينتظرك خطيبك؟”
رفع يده الثقيلة ودفعها برفق على كتفها، ثم حرّك شفتيه كمن يهمّ بإضافة شيء آخر.
“اذهبي إليه حالاً. تذكري ما ينبغي عليك فعله.”
كانت جميع الأنظار في القاعة مثبتة عليها.
شقّت طريقها بين تلك النظرات الحادة التي بدت كسكاكين مسلطة عليها، ثم بدأت تخطو ببطء نحو المخرج. وما إن بلغت المدخل، حتى ألقت نظرة خاطفة إلى الخلف.
كانت عيون الجوقة لا تزال تحدّق بها بإلحاح، تحثّها على التحرك.
خرجت من القاعة.
ظلت نظراتهم كالأشواك العالقة في ظهرها، فبدأت تُسرع في خطواتها، وكأن الهمسات الخافتة من ورائها تدفعها للإسراع أكثر.
ولم يختفِ كل ذلك الضجيج إلا حينما وقفت مجدداً أمام إدوارد.
“إدوارد…”
تمتمت باسمه بصوت متحشرج وهي تحاول أن ترطّب حنجرتها الجافة.
أخذت تحدق في ملامحه المتصلبة كتمثال من الرخام، ثم ترددت قبل أن تقترب منه. لكنه لم يُظهر أي نية لتهديدها. كان أمراً غريباً.
بل إنه، على العكس…
“إليزابيث.”
انقطع سيل أفكارها الغامضة فجأة عند سماع صوته الرخيم وهو ينطق اسمها.
نظر إليها بصمت، بعينين يصعب قراءة ما يدور خلفهما، ثم رسم على شفتيه ابتسامة خاطفة، كأنها سراب.
“ما الذي كنتِ تفعلينه هنا؟”
“كنت أفكر لبعض الوقت.”
لم يعلّق على كلامها، بل راقب خطواتها المترددة وهي تقترب منه بحذر. شدّت كتفيها في توتر حين أدركت أن الدرج لم يكن بعيداً عنها، فتراجعت خطوة إلى الوراء.
لم يكن يبدو أنه ينوي إيذاءها. بالطبع، حتى في الحلقات السابقة لم يكن يبدو كذلك، لكن هذه المرة… الأمر مختلف.
بدلاً من أن تسأله عمّا كان يفكر فيه، ترددت لبرهة، ثم همست فجأة:
“أنا… لا أعتقد أنك في المكان الخاطئ.”
لم تكن قد أنصتت لأحاديث القاعة، لا في الماضي ولا الآن، لكنها كانت على دراية تامة بما يُقال هناك.
“اليتيم المحظوظ.”
“لولا هنري هاميلتون، لكان قد بقي في الوحل إلى الأبد.”
كانت هذه هي العبارات التي ترددت في الحفل، تماماً كما حدث في المسرحية.
كم كانت تستمتع حينها بمشاهدة وجه الممثل الذي يؤدي دور إدوارد وهو يلتوي غضباً عند سماعه تلك الكلمات.
استعادت ذكرى غير بعيدة، فطبعت على شفتيها خطاً متصلباً.
عندها فقط، بدا وجه إدوارد بارداً. في تلك اللحظة، انسابت نغمات البيانو كضباب ناعم، تعلن بداية أغنية “حكاية إليزابيث”.
“أنت من علّمني أن لا حدود للإنسان، أليس كذلك؟”
تكلمت بصوت حالم، كأنها تقتفي أثر حلم بعيد، متجاهلةً النظرة القاتمة التي ارتسمت على ملامحه.
كتاب مليء بالمغامرات الساحرة والأساطير المظلمة. أردتُ أن أكتب قصصاً كهذه أيضاً.
رفعت ذراعيها كما لو كانت تحتضن شيئاً غير مرئي، ثم أسدلتهما ببطء.
لكن والدي وبّخني، قائلاً إن ذلك لا يليق بسيدة. لم يؤمن أحد بي، باستثنائك أنت.
كانت إليزابيث تعشق القراءة، وبقدر ذلك، كانت تحب كتابة القصص. لم يكن أحد يتطلع إلى قصصها، باستثناء شخص واحد فقط.
وحده هو، من قال لها إنه ينتظر حكاياتها بشوق.
“أنت وحدك.”
اقتربت أكثر، ناظرة إلى عينيه. كان يتجنب النظر إليها بإصرار، لكن حين وقفت على بُعد أنفاسٍ منه، لم يستطع مواصلة تجاهلها.
بتنهيدة مستسلمة، رفع عينيه أخيراً.
“وأنا أيضاً أشجعك، تماماً كما قلت لي ذات يوم.”
مدّت يدها المرتعشة وأحكمت قبضتها على طرف أصابعه، قبل أن تخفض عينيها باضطراب.
كانت تعرف الكلمات التالية جيداً، لكنها لم تستطع مواجهته بها وجهاً لوجه.
“سأظل أحبك دائماً.”
كيف سيكون رد فعله؟
“بكُل جوارحي، أتمنى لك السعادة والسلام.”
توقفت عن الغناء، ثم ابتلعت ريقها الجاف.
ترى، هل سيعتبرها منافقة ويقذف بها إلى أسفل الدرج؟ أم أنه سيحاول تسميمها مرة أخرى؟
خشية الموت جعلتها تحبس أنفاسها.
لكن، وعلى عكس توقعاتها، لم يحاول إدوارد قتلها.
نظر إليها بعينين غامضتين، ثم شدّ على يدها بصمت. كانت أصابعه الباردة ترتجف، أو ربما كانت رجفتها هي التي انتقلت إليه، لكنها لم تعرف الإجابة.
كل ما فعلته أنها تركت يدها بين يديه دون مقاومة.
مرت لحظات ثقيلة، قبل أن يفتح إدوارد شفتيه كما لو كان على وشك قول شيء ما. بدا وكأنه يناشدها بشيء، أو ربما كان على وشك مجادلتها، لكن في النهاية، أدار وجهه بعيداً عنها.
أغمض عينيه بقوة، ثم استنشق نفساً عميقاً.
وحين التفت إليها مجدداً، كانت ملامحه قد استعادت هدوءها القاتل.
“لنعد الآن.”
قالها بصوت خافت، كمن يجبر نفسه على نطق الكلمات.
ثم ترك يدها.
تراجعت يدها المرتخية ببطء، بينما تابعت بعينيها ظهره وهو يسير عائداً نحو قاعة الحفل.
شعرت بالصدمة، وكأنها تطفو فوق واقع غريب.
لقد نجحت.
طرفت بعينيها بذهول، قبل أن تكرر الفكرة مجدداً داخل رأسها.
لقد انتهى “موسم الصيد” الذي بدا وكأنه لن ينتهي أبداً.
________________
ترجمة: ميسا⋆. 𐙚 ˚