If you pass through the revolving door 13 times, you'll enter a musical world. - 8
كان في الشامبانيا سُمٌّ إذن.
ما إن فتحت عينيها حتى بدأ الغثيان يطغى عليها، لتطلق “إون-كيونغ” أنينًا متألمًا. كان من الغريب أنها لم تشعر بأي ألم رغم شربها للسم، لكن ذلك لم يكن بالأمر المهم. كان من العبث التشكيك في واقعية ما يحدث، إذ إن دخولها في قلب المسرحية منذ البداية لم يكن منطقيًّا في حد ذاته.
سقطت دموع لم تكن تعلم حتى أنها تجمّعت في عينيها. لم تستطع حتى تخمين أي تصرف قامت به هذه المرة ليُثير شكوك “إدوارد”. هل كان ذلك لأنه لم يصدق تبريراتها مجددًا؟ وإن كان كذلك، فلماذا تكلف عناء نقلها إلى قصر “أندرسون” قبل أن يقدم على قتلها بطريقة معقدة عبر السم؟
أغمضت “إون-كيونغ” عينيها بقوة بينما تحاول تحليل أسباب موتها، شعورٌ خانق بالعجز كان ينهشها ببطء. كان من المهين أن تجد نفسها في موقف تبحث فيه عن أسباب موتها.
هل ستتمكن من الخروج من هذه المسرحية؟ باتت لا تعلم حتى ذلك. كانت تظن أن كل ما عليها فعله هو تجنب الخطأ في الحوار لتعود إلى الواقع بسهولة، لكنها أدركت أن ثقتها في قدرتها على الهروب بسرعة قد تلاشت، لتحل محلها قشعريرة خوف تجتاح كيانها.
لم تعد “إون-كيونغ” تعلم ماذا عليها أن تفعل. فمهما قالت، سيظل “إدوارد” يشكّ فيها. أهو الحل الوحيد إذن أن تعيد تكرار الأحداث مرارًا حتى تعود إلى الماضي الأبعد؟
ومع شروق الشمس، لم تكن قد اتخذت أي قرار.
ثم وجدت نفسها مجددًا وحدها معه في الساحة الخالية. وكما في المرات السابقة، قررت أن تتظاهر بالجهل.
رفعت رأسها لتنظر إلى “إدوارد”، يملؤها قلق من أن يسحب مسدسه ويطلق النار عليها في أي لحظة. لم تجرؤ على إبعاد عينيها عن حركاته، ولم تتنفس الصعداء إلا حين رأت أنه، كما في المرة السابقة، خفض مسدسه.
قال بصوت هادئ:
“لا بأس. حتى أنا أحيانًا أخطئ في تذكّر الأمور.”
بينما كانت تحاول استعادة أحداث الليلة السابقة وإعادة صياغة الحوار، أخذت تحدق في الرجل أمامها.
كان ضوء الصباح يلقي بظلاله على وجه “إدوارد”، مما جعله يبدو وكأنه لوحة فنية. عيناه الكبيرتان الحزينتان، ووجنتاه النحيلتان، وشفاهه الرقيقة—كل شيء فيه كان مطابقًا تمامًا لما تعرفه.
وبينما كانت تتأمل ملامحه، خطر لها وجه الممثل الذي كانت معجبة به. لكن على الرغم من الشبه الكبير، فإنها لم تعد تراهما الشخص ذاته. لقد انفصلت صورتهما في ذهنها تمامًا، كما لو كانا شخصين مختلفين تمامًا.
حينما لاحظت أن “إدوارد” يبادلها النظرات، ارتسمت على وجهها ابتسامة مترددة. كانت تراقبه بينما كان يدرس تعبيرها، ثم رفع حاجبًا واحدًا وسألها مازحًا:
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
أجابت متلعثمة وهي تحاول التبرير:
“فقط… كنت أنظر إلى عينيك. بدتا جميلتين للغاية.”
مالت برأسها قليلًا بعد كلامها، تتأمل كلماته أكثر. ربما، كانت عيناه السبب. كان هناك دائمًا شيء بارد وقاسٍ يتلألأ في أعماق نظراته، شيء مختلف تمامًا عن الدفء الذي كانت تراه في عيني الممثل وهو يبتسم على خشبة المسرح.
رفع “إدوارد” حاجبيه قليلًا قبل أن يضحك بخفة، ثم تمتم كما لو كان يجد حديثها غريبًا:
“أنتِ غريبة الأطوار بعض الشيء، أتعلمين ذلك؟”
“غريبة…؟ ماذا تعني؟”
عقدت “إون-كيونغ” حاجبيها. لو أن شخصًا آخر قال ذلك، لاعتبرته تعليقًا عابرًا، لكنها عندما سمعته من “إدوارد”، لم تستطع إلا أن تتساءل عما يدور في رأسه. شعرت بالتوتر يجتاح جسدها للحظة، تتساءل إن كان سيخرج مسدسه فجأة. لكن بدلًا من ذلك، استمر في الحديث بنبرة خفيفة ممزوجة بالضحك:
“عادةً، لا يندفع الناس هكذا فجأة إلى الشارع.”
كان من الواضح أنه كان يحاول ممازحتها.
أخذت تحدق به للحظة، تتوقع منه أن يقول شيئًا مرعبًا مثل: “بما أنكِ غريبة، فعليكِ أن تموتي.” لكنها لم تسمع سوى نبرة مازحة، مما جعلها تتمتم بصوت خافت بنبرة شبه ممتعضة:
“كفى عن هذا الحديث، من فضلك.”
ضحك قليلًا، ثم تابع بنبرة هادئة:
“وأيضًا، أحيانًا تبدين… بسيطة للغاية.”
بسيطة؟ لم يكن ذلك صحيحًا أبدًا. لو كانت شخصًا بسيطًا، لما كانت تسهر ليلًا غارقة في دوامة من القلق والتفكير.
نظرت إليه بتعبير ينم عن اعتراض، لكنه لم يعطِ تفسيرًا لكلامه. فقط، ابتسم بهدوء وبقي صامتًا، لتسود بينهما لحظة من الصمت الحائر.
كانت نسمات الهواء تحرك خصلات شعرها البني بلطف. رفعت يدها لتعيد ترتيب شعرها، ثم سرقت نظرة خاطفة إلى “إدوارد”.
لكن عندما أحسّ بنظرتها والتفت نحوها، تراجعت سريعًا وخفضت رأسها، متظاهرة بالعبث بسيقان الأزهار البرية تحت يديها.
راقبها للحظة، ثم صرف نظره دون تعليق.
أخذت نفسًا خفيفًا، تواصل مداعبة الزهور بيدها، غير قادرة على فهم تقلباته—كيف يمكن لشخص أن يشكّ فيها لدرجة التفكير في قتلها، ثم يمازحها وكأن شيئًا لم يكن؟
كانا يجلسان متقابلين، كل منهما غارق في أفكاره الخاصة، حتى قرر “إدوارد” فجأة قطع الصمت.
“أعتقد أنه قد حان وقت العودة. انتهت رحلة الصيد على ما يبدو.”
لم تستطع “إون-كيونغ” منع نفسها من الشعور بأن هذا الجو المريح بينهما كان غريبًا جدًا. لكنها رغم ذلك، مدّت يدها وأمسكت بيده مرة أخرى.
“هناك شيء أريد التأكد منه، لذا يجب أن أعود الآن.”
كان من الواضح أنه كان يتحدث عن الصيد. لم تكن مهتمة بذلك كثيرًا، فقد كان ما يشغل بالها أكثر هو فكرة أنها تمسك بيده الآن.
كيف استطاعت ألا تشعر بالخوف من الرجل الذي قتلها مرتين؟ صحيح أنها باتت أكثر حذرًا معه، لكنها لم تفكر حتى في الهروب عند رؤيته.
ربما، كان ذلك تأثير المسرحية. أو ربما، لأنها لم تمت بالفعل، بل اقتربت من الموت فقط.
غارقة في أفكارها، لم تلحظ للحظة أن “إدوارد” قد أظهر تعبيرًا متصلبًا، قبل أن يخفيه بسرعة. وعندما استدارت نحوه، كان وجهه قد عاد إلى هدوئه المعتاد، فلم تشعر بشيء مريب.
بعد مغادرة ساحة الصيد، عادت إلى قاعة الاحتفال، حيث الأضواء المتلألئة والموسيقى الصاخبة.
نظرت إلى كأس الشامبانيا في يدها، ثم وضعتها على الطاولة بوجه متجمد.
مهما كان الأمر، لم تكن مستعدة لحمل سبب موتها في يدها.
لن يتمكن “إدوارد” من إعطائها كأسًا أخرى مسمومة إن لم تشرب من هذه.
لكن، حتى وإن تجنبت الشامبانيا، لم يكن بوسعها تجنب “إدوارد”. كان عليها أن تواجهه مجددًا.
تنهدت، وهي تدرك أنها كادت أن تنسى أمر الأغنية وسط انشغالها بالموت.
“حان الوقت للعثور على إدوارد.”
***
كانت تدرك أنه سيكون في مكانٍ منعزل، لكنها لم تستطع تخمين موقعه في القصر، إذ لم تره سوى على خشبة المسرح. راحت أون كيونغ تتلفت حولها باحثةً عنه، ثم غادرت قاعة الحفل وسارت ببطءٍ في الممر.
شقَّ صوتُ كعبِ حذائها الصمتَ السائد. وبينما كانت تسير، استرجعت اللحظة التي قدم لها فيها كأس الشراب، لتدرك فجأة أن هناك خطبًا ما. في المسرحية، لم يكن إدوارد هو من جاء يبحث عن إليزابيث، بل كانت إليزابيث هي من سعت إليه.
“… إليزابيث.”
وفي اللحظة التي استوعبت فيها ذلك، ناداها إدوارد بصوتٍ خافتٍ غارقٍ في الظلمة.
كانت الدَّرَجَاتُ الضخمةُ تمتد خلفه كالشلال، وبدا وكأنه يقف على حافة هاوية. لم تستطع أون كيونغ أن تتقدم نحوه بسهولة، لكنها، بعد أن دعاها مجددًا باسْمها، خطت نحوه بتردد.
راقبها إدوارد بصمتٍ، وهي تقترب بوجهٍ يحمل مزيجًا من الخوف والتردد، ثم ابتسم بخفة.
“تعالي إلى هنا. اقتربي أكثر.”
اقتربت منه بحذرٍ، وقد انكمشت كتفيها قليلاً، ثم فتحت فمها لتسأل:
“… ما الذي تفعله في مكانٍ كهذا؟”
كانت هذه أول جملةٍ نطقت بها إليزابيث بعد أن عثرت على إدوارد في المسرحية، وكان السياق يتطابق مع الحبكة الأصلية. شعرت أون كيونغ بالارتياح، وبدأت تنسى غرابة ما حدث في العروض السابقة.
“كنتُ أفكر في بعض الأمور.”
كان إدوارد مستندًا إلى الدرابزين بتراخٍ، وبدا وضعه غير مستقرٍ لدرجة جعلتها تقترب منه لا شعوريًا، وكأنها تخشى أن يسقط.
“تفكر في ماذا؟”
“أشياءً متفرقة.”
أخفض عينيه وحدق في شيءٍ غير معلوم. رغم أن نظره كان مسلطًا على الأرض، إلا أن تفكيره كان يجوب أماكن مجهولة.
كانت أون كيونغ على وشك سؤاله مجددًا عندما قطع أفكارها قائلاً:
“على سبيل المثال، أفكر فيكِ.”
انتقلت عيناه الزرقاوان المتوهجتان نحوها، فأحسَّت غريزيًا بالخطر وتراجعت خطوةً إلى الوراء.
أبعد جسده عن الدرابزين ببطء. عندها فقط أدركت أنهم يقفون في ممرٍ مظلم، حيث لا أحد يمرُّ بالقرب منهم. شهقت بصوتٍ مسموع.
انطفأت الشموع التي كانت تُضيء الممرّ بخفوت.
سادت العتمة في لحظة. بالكاد استطاعت تمييز الظلال، لكن عينيها المرتبكتين لم تريا شيئًا، حتى الدرجات التي كانت بجوارهما اختفت في الظلام.
حاولت التراجع بسرعة، لكن فجأة شعرت أن قدمها لم تلامس الأرض. فقط عندها، تذكرت الدرجات الشاهقة التي رأتها سابقًا.
مال جسدها إلى الأسفل على الفور. كانت حواف الدرج الرخامية في انتظارها بصمتٍ، متأهبةً لاستقبالها بحدةٍ قاتلة.
أغمضت عينيها بإحكام، لكن في اللحظة التالية، غمرها ظلامٌ مختلفٌ عن الظلام الذي سببه انطفاء الشموع.
وعندما فتحت عينيها مجددًا، وجدت نفسها في غرفة إليزابيث.
______________
ترجمة: ميسا⋆. 𐙚 ˚