أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 98
الفصل 98 : عقدٌ مع الشيطان ⁹
***
تطايرت كُرةٌ نارية نحو فرسان إيمبلي، ومرت بشكلٍ مُهدد فوق رأس أنطون. لَمْ تكُن مُجرد لهبٍ عادي.
“سيدي، هل أنتَ بخير؟”
“هَذا سحر. اقبض على الساحر أولاً.”
كان الظلام قد حل، مما جعل مِن الصعب تحديد مكان العدو. بذل أنطون جهدهُ لفهم الوضع. ومِن البديهي أنهُ مِن الصعب أنْ ينظر إليهم على أنهم مُجرد لصوص. فلا يوجد عاقلٌ يتجرأ على مُهاجمة مجموعةٍ مِن الفرسان المُسلحين.
مرةً أخرى، انطلق صوتٌ صريرٍ في الهواء مع إطلاق السهام. رفع الفرسان دروعهم بسرعة.
“احمِ سيدك!”
لَمْ يكُن هًناك حاجةً للتفكير في مَن هم لفترةِ طويلة.
“إنهُ أتيلي! مِن المؤكد أنْ هَذا الساحر تابعٌ لأتيلي!”
بدت الإجابة وكأنْ ماكسيميليان يقرأ أفكاره. تبع أنطون إصبع ماكسيميليان، ورأى رجُلًا ذو شعرٍ بني ينظرُ إليهم ويتمتم بشيء.
“امسكوا بهِ على الفور. أسرع!”
عند صرخات أنطون، تقدم الفرسان إلى الأمام.
حاول الساحر الهرب، لكنهُ لَمْ يستطع قطع بضعة خطواتٍ قبل أنْ يُمسك بهِ الفرسان. سار أنطون نحو الساحر ليتأكد مِن وجهه.
“أتجرؤ على مهاجمة إيمبلي؟ هل كنتَ تعتقدُ أنكَ ستنجو مِن ذَلك؟”
“إنكَ تفعل شيئًا أحمق، أيُها الدوق. ماكسيميليان هو الكارثةٌ بحد ذاته. يجبُ أنْ يُمحى مِن هَذا العالم!”
“كارثة؟”
قال الساحر هَذهِ الكلمات وبدأ جسدهُ في التحلل. حاول أحد الفرسان رفعهُ بشكلٍ مُستقيم لكنهُ تردد. انبعث ضوءٌ غريبٌ مِن جسد الساحر.
لاحظ ماكسيميليان هَذا الضوء قبل أيِّ شخص آخر.
“يجب أنْ تبتعدوا!”
احتضن ماكسيميليان أنطون وألقى بهِ على الأرض. في نفس اللحظة، انفجر الضوء المُنبعث مِن جسد الساحر ليُغطي الغابة بأكملها.
اهتزّت الأشجار مع ضغطٍ قوي. مَن نظر مُباشرةً إلى الضوء سقط صرخًا مِن الألم.
بعد بضع دقائق، بدأ الضوء في التلاشي. فتح أنطون عينيهِ بعد فترة.
كانت المكان في حالة فوضى عارمة. أسرع أحد الجنود الناجين نحو أنطون ليُساعده.
“سيدي. هل أنتَ بخير؟”
“أه.”
قوى نفسهُ على الوقوف بصعوبة. عند الالتفات، رأى ماكسيميليان مُتخبطًا ومُلقى على الأرض. لَمْ يكُن وحدهُ. كان أكثر مِن نصف الجنود الذين أحضرهم غير واعيّن.
كان الساحر الذي أطلق الضوء قد مات، بالطبع، وتحول إلى حالةٍ مُزرية.
على الرغم مِن أنهُ كان رجُلًا مثيرًا للقلق، إلا أنهُ بالتأكيد لو لَمْ يكُن ماكسيميليان، لكان أنطون قد تعرض للأذى. مدّ أنطون يدهُ نحو ماكسيميليان، الذي استند إليها ووقف بتعثر.
“شكرًا، سيدي. ولكن، هل سيكون دانيال بخير؟”
“دانيال. دانيال!”
تذكر أنطون حفيدهُ الذي نسيه بسبب انفجار الضوء. في نفس الوقت، أدرك ما تعنيه الكلمات الغامضة التي تركها الساحر. دفع أنطون الجُندي بعيدًا وركض نحو العربة.
“لا، لا!”
عندما فتح باب العربة بسرعة، وجد المُربية ميتةً. شعر أنطون وكأنْ قدميهِ قد انهارتا. لَمْ يكُن هُناك أملٌ في أنْ يكون الطفلُ قد نجى عندما كانت المرأة البالغة قد توفيت.
“دانيال، دانيال…”
“سيدي. دانيال على قيد الحياة.”
أنقذ ماكسيميليان أنطون مِن هاوية اليأس. أخذ الطفل الذي كان بين ذراعي المربية بحذرٍ وعرضهُ على أنطون. ولحُسن الحظ، لَمْ يكُن هُناك خدشٌ واحد على جسد دانيال.
“يا إلهي، شكرًا لكِ. شكرًا لكَ.”
احتضن أنطون الطفل بسرعةٍ ورفع صلواتهِ إلى السماء. بينما كان ماكسيميليان يًراقب هَذا المشهد، انفجر بالغضب.
“ما الذي فعلهُ هَذا الطفل حتى يتعرض لهَذا؟”
“هل مِن المؤكد أنْ الساحر التابع لأتيلي هو مُن قام بهَذا؟”
“نعم. مِن السحر الذي استخدمهُ في النهاية، مِن الواضح أنهُ كان يهدُف إلى قتل الجميع هُنا، بما في ذَلك دانيال.”
شعر أنطون بالخوف رغم معرفتهِ أنْ الطفل بخير. كان دانيال هو الوحيد المُتبقي مِن ابنته. لَمْ يستطع تحمُل فقدانهِ أيضًا. استغل ماكسيميليان هَذهِ الفرصة الضعيفة.
“لَن يتخلوا عن الأمر. حتى لو قُتلت، سيًحاول أتيلي قتل دانيال أيضًا.”
“… يبدو أنهُ كذَلك.”
بالنظر إلى مَن هو دانيال، كان مِن الصعب أنْ يُطلب أنْ يُعتبر كاملًا مِن إمبلي. زادت التجاعيد في جبين أنطون. كان لديهِ شكوكٌ بشأن انخراط دانيال، لكن لَمْ يكُن يتوقع أنْ الأمور ستسيرُ بهَذهِ السرعة.
“لذا، سيدي، علينا أنْ نكون نحنُ مَن نتخذُ الخطوة الأولى.”
“خطوة أولى؟”
“أعني كورديليا فاسكويز التي تحدثتُ عنها سابقًا. ماذا عن مُبادلتها بحياة دانيال؟”
“كيف تُريد استخدام تلكَ المرأة؟”
احتضن أنطون دانيال بقوةٍ وركز انتباههُ على كلمات ماكسيميليان. لو كان في الظروف عادية، لما كان ليهتم، لكنهُ كان في حالةٍ مِن الرعب والخوف وفقدان عقله.
“سمعتُ أنْ هُناك سمًا قاتلاً يُسمى تارشيا في إيمبلي. إذا لِمْ تتناول الترياق كُل عشرة أيام، ستموت مِن ألم تمزق الأمعاء.”
“كيف عرفتَ ذَلك؟”
“روزالين أخبرتني بذَلك.”
على الرغم مِن أنهُ كان مشبوهًا قليلاً، إلا أنهُ تجاوز ذَلك. لأن روزالين كانت تعرفُ أيضًا عن تارشيا.
“أطعم تلكَ المرأة السم واستبدل حياتها بحياة دانيال. طالما أنْ الدوق يمتلكُ الترياق، فإنْ دانيال سيكون بأمانٍ مِن أتيلي.”
إرثُ عائلة إيمبلي لا يحتوي فقط على الرسومات والمجوهرات. إنهُ يتضمن أيضًا السم القاتل المُسمى “تارشيا” وترياقهُ الذي لا يُعطى إلا مِن خلال رئيس عائلة إيمبلي.
“ماذا لو تخلى أتيلي عن تلميذته؟”
“لقد اختار فاسكويز كخليفةٍ لهُ مؤخرًا. بالنسبة للساحر، فإنْ الخليفة هو أشبهُ بصورةٍ عن نفسه لا يُمكن استبدالها إلا بحياته. أتيلي لَن يتخلى عنها أبدًا.”
غرق أنطون في التفكير. إنهُ لا يُمسك السيف بنفسه، لكنهُ يواجه أتيلي بشكلٍ مُباشر. على الرغم مِن أنْ إيمبلي هي واحدةٌ مِن العائلات المُقدسة الثمانية، فإنْ احتمالية انتصارهم في مواجهة أتيلي في حربٍ شاملة ضعيفة.
في تلكَ اللحظة، انفجر دانيال في البكاء وكأنهُ يوبخ أنطون على تردُده. أسرع أنطون لتهدئة الطفل بمُداعبة ظهره.
أضاف ماكسيميليان بقوةٍ مؤكدة:
“دعني أتعامل مع الأمر، أيها الدوق. سأقوم باختطافها.”
“اختطاف؟ يُمكننا تسميمُها، فلا حاجة لتضخيم الأمور.”
“مِن الصعب رشوة شخصٍ داخل جمعية السحرة لتسميم فاسكويز، والأهم مِن ذِلك أنْ تلكَ المرأة تعرفُ كيفية استخدام السحر للتحقق. ستكتشفُ السم فورًا. مِن الأفضل اختطافُها وإطعامُها السم بشكلٍ مؤكد.”
قدم ماكسيميليان خطةً مُفصلة وكأنهُ كان ينتظر هَذا اليوم. ومع ذَلك، لَمْ تخرُج كلمة الموافقة بسهولةٍ مِن فم أنطون، فقال ماكسيميليان وهو يُشير إلى دانيال:
“أيها الدوق، هَذهِ المرة قد نجا بفضل الحظ، لكن مَن يعلم متى سيُحاول أتيلي مُجددًا قتل دانيال؟ أليس دانيال هو الوريث لكُل ما يملكهُ إيمبلي الآن؟”
أثرت هَذهِ الكلمات الأخيرة على أنطون. إذا مات دانيال، فإن سلالتهُ ستنتهي.
لا يُمكنهُ أنْ يفقد الطفل الوحيد الذي تركتهُ روزالين.
وحتى لو فشلت الخطة وانقلبت الأمور، فيُمكنهُ الأدعاء بأنْ ماكسيميليان قد تصرف بمفردهِ وهرب.
على أيِّ حال، كان الشخصُ الذي سيُقتل. لذا، ليس مِن السيئ استغلال كًل شيء ثم قتلهُ.
بينما كان أنطون يهدهد الطفل، اتخذ قرارهُ أخيرًا.
“سأعطيكَ المال. استعن بأشخاصٍ ما. وإذا قبضوا عليكَ، انتحر. لا تذكًر اسم إيمبلي أبدًا.”
“سأفعلُ ذَلك.”
انحنى ماكسيميليان بعمقٍ. لهَذا السبب، لَمْ يرَ أنطون تعابير وجههِ.
***
لَمْ يمضِ سوى ساعةٌ منذُ أنْ افترقت عن روزنبلور، ومع ذَلك، لَمْ تستطع كورديليا العثور عليه رُغم البحث المُستمر. تجولت حول مُختبر روزنبلور، ثم توجهت إلى مُختبر كاينون.
عندما طرقت كورديليا الباب، استقبلها كاينون بابتسامةٍ مُشرقة.
“ما الأمر، كورديليا؟ هل تناولتِ الطعام؟ تبدين نحيفةً بعض الشيء.”
“مرحبًا، سيد كاينون. هل رأيت السيد روزنبلور؟”
“رأيتُه صباحًا. تفضلي بالجلوس. هل ترغبين في قطعةٍ مِن الحلوى؟”
“نعم، شكرًا لكَ.”
لَمْ تستطع رفض لطفهِ، فوضعت الحلوى في فمها وسألها:
“ماذا عن روزنبلور؟”
“أردتُ الحديث معهُ عن ليديا.”
“ليديا؟ لقد ذهبا معًا إلى الخارج على ما أظُن.”
“إلى الخارج؟ خارج الجمعية؟”
“نعم. هل ترغبين في المزيد مِن الحلوى؟”
أخرج كاينون قطعة حلوى أخرى ووضعها أمام كورديليا. رفضتها بأدب، فأعادها إلى الدرج بحزن.
“سيد كاينون، هل تم اكتشاف شيءٍ في ذَلك الانهيار؟”
“همم؟ هل أنتِ مُهتمةٌ بهَذا؟ حسنًا، حسب قول ماتيلدا… لكن هِذا سر، لا تُخبري أحدًا.”
“بالطبع، لَن أخبر أحدًا. أنا كتومةٌ للغاية.”
وضعت كورديليا يديها معًا وأومأت برأسها. ضحك كاينون بصوتٍ عالٍ ثم قال:
“يبدو أنْ آثار ماكسيميليان قد اكتُشفت في ذَلك الانهيار.”
“ماذا؟ ماكسيميليان؟”
ليس ليديا؟
تفاجأت كورديليا بالاسم الذي لَمْ تتوقع سماعهُ في هَذا الحديث.
“ألَمْ يفقد قوتهُ السحرية؟”
“نعم، ولذَلك يعتقدون أنْ ماكسيميليان لَمْ يكُن هو المُتعاقد. رُبما ساعد في الطقوس، لكن المُتعاقد هو شخصٌ آخر.”
“مَن هو المُتعاقد إذن؟”
“لا أحد يعرف بعد. هل تُريدين بعض الحلوى؟”
مرةً أخرى، قدم كاينون الحلوى، واضطرت كورديليا إلى أخذها لتجنُب رفضه مرتين.
“هل مِن المُمكن أنْ يكون الانهيار قد ازداد بسبب تجسيد الشيطان؟”
“تجسيد الشيطان؟ كيف عرفتِ ذَلك؟”
“سمعتُ هَذا مِن السيد كاندياس.”
طرق كاينون الطاولة بأصابعه. بدا أنهُ لَمْ يوافق بسرعةٍ على كلامها.
“هممم، مِن المُمكن، لكن استدعاء شيطانٍ ليس سهلاً. يتطلبُ ذَلك سحرًا هائلاً، وسيحتاجون على الأقل إلى ساحرٍ مِن الدرجة العُليا ورُبما حتى إلى بعض القطع المُقدسة.”
“حقًا؟”
“حقًا؟”
تذكرت كورديليا فجأة ما قالهُ روزنبلور: “علمتُ أنْ ليديا قد أخذت بعض القطع المُقدسة، لأننا لَمْ نعثر عليها في أيِّ مكانٍ داخل القصر.”
نهضت كورديليا فجأةً مِن مكانها. كُل شيء بدأ يتجهُ نحو نقطةٍ واحدة: ماكسيميليان الساحر الأعلى، القطع المُقدسة التي أخذتها ليديا، والتغيُّرات التي ظهرت على جسد ليديا.
سألت كورديليا بلهفة:
“هل تعرفُ إلى أين ذهب السيد روزنبلور؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة