أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 97
الفصل 97 : عقدٌ مع الشيطان ⁸
“إذا واصلتَ التحدُث بهَذهِ الطريقة، سيُسيء الآخرون الفهم.”
قالت كورديليا وهي تبرزُ شفتيها محاولةً الاعتراض بطريقتها الخاصة. ربما كانت كلماتُ روزنبلور عفوية قالها دوّن أيِّ تفكير، لكن الآخرون سَـ يفهمون الأمر بشكلٍ خاطئ عندما يسمعوا كلماته.
“أتمنى أنْ يُساء فهمي قليلاً.”
“ما الذي تقصدُه، أوهه!”
رفعت رأسها دوّن وعيّ، لتجد وجه روزنبلور قريبٌ للغاية، لدرجة أنْ أنفاسهُ كانت تصلُ إلى أنفها. لو لَمْ تكُن جالسةً على الكرسي، رُبما كانت سـ تسقط إلى الخلف مِن المفاجأة.
“هل وجهي يُخيفكِ لهَذهِ الدرجة لتصرخي؟”
“هَذا فقط… أنتَ قريبٌ جدًا.”
“أسرعي واسئي الفهم. صحيحٌ أنني في فترة حدادٍ ولا أستطيعُ التصريح بوضوح.”
“ماذا؟”
قال روزنبلور شيئًا غامضًا ثم تراجع إلى الخلف، فتنفست كورديليا الصعداء أخيرًا.
لكن روزنبلور لَمْ يتوقف عند هَذا الحد.
“لنبدأ بالأسهل. نادني بـ ‘بلي’.”
“ماذا؟”
“بلي.”
“ب… ب…”
بسبب طلبهِ المُفاجئ، تلعثمت كورديليا وكأنها طفلةٌ صغيرة بدأت بالكلام للتو. قلبُها كان ينبض بسرعةٍ منذُ اللحظة الأولى.
وعندما لَمْ تستطع قول اسمهِ بالكامل، ضحك روزنبلور.
“يبدو أنكِ تحتاجين إلى بعض الوقت. تدربي حتى نلتقي في المرة القادمة.”
“ماذا؟ آه… حسنًا.”
عندما أدركت أنْ هَذا ليس ما كانت ترغبُ فيه، كان روزنبلور قد غادر المكان بالفعل. وعادت كورديليا إلى مُختبر ليونارد وهي مذهولةٌ وكأنها كانت مسحورة.
***
“لماذا عدتِ خالية اليدين؟”
“ماذا؟”
“أين طعامي؟”
“آه، صحيح!”
عند تذكير ليونارد لها، تذكرت كورديليا فجأةً سبب ذهابها إلى المطعم. فقد أحضر لها ليونارد الطعام بنفسهِ طوال الأسبوع الماضي، وأخيرًا سمح لها اليوم بإحضار طعامه.
“أنا آسفة. كنتُ أتناول الطعام وفجأةً جاء رجُل-…”
“رجُل؟”
بدأت كورديليا بسرد القصة عن إيلياس الذي قابلتهُ للتو، بدءًا مِن حديثهِ معها بلا تردد وحتى عرضهِ لـ إقامة علاقةٍ جيدة. كلما استمع ليونارد أكثر، كان وجههُ يزداد ظلمةً.
“لَمْ أكُن أعلم أنْ الجمعية مُنفتحة بهَذا الشكل. سألني مُباشرةً: ‘هل تُريدين الخروج معي؟’ لَمْ أسمع شيئًا كهَذا مِن قبل. يبدو أنْ الناس في الجنوب مختلفون حقًا.”
“ما اسمُ ذَلك الشخص اللعين؟”
“إيلياس… لا أذكرُ الباقي.”
“هل تخفينهُ عني؟”
“لماذا قد أخفيه؟”
نظر ليونارد إلى وجه كورديليا كما لو كان يُحاول التأكد مِما إذا كانت تكذبُ أم لا.
“حسنًا. هَذا شيءٌ يُمكن التحقق منهُ لاحقًا. ولكن هل نسيتي طعامي بسبب هَذا الرجُل؟”
“لا، ليس هَذا السبب. لقد طردهُ السيد روزنبلور. ولكن بعد ذَلك طلب مني أن أناديهِ بـ ‘بلي’… سأتوجهُ الآن لإحضار الطعام!”
بدأت كورديليا بالكلام بلا ترتيب، وهرعت فجأةً إلى الخارج. لكن ليونارد أمسك بذراعها وسألها بقوة.
“هل أخبركِ أن تُناديه ‘بلي’؟”
“ماذا؟”
“انتظري.”
قبل أنْ تتمكن مِن الرد، ذهب ليونارد إلى مكتبهِ وعاد بشيءٍ ما. أعطاهُ لكورديليا.
“ما هَذا؟”
“قيود. هل تودين ارتدائها؟ أم أضعُها عليكِ بنفسي؟”
“ماذا؟”
لَمْ تستطع كورديليا أنْ تفهم كيف توصل إلى هَذا الاستنتاج الغريب، فنظرت إليهِ بذهول.
“هل فعلتُ شيئًا سيئًا لهَذهِ الدرجة؟ صحيحٌ أنني نسيتُ طعامكَ، لكن لا أعتقدُ بأنني ارتكبتُ جريمةً تستحق ارتداء القيود.”
“بل فعلتِ.”
“وما هي هَذهِ الجريمة؟”
“جريمةُ عدم فهمكِ لـ مشاعري.”
“ماذا؟ هل تعتقدُ بإنني أستطيعُ قراءة مشاعركَ؟”
اعترضت كورديليا بغضب، إذ شعرت بالظلم الشديد. حتى لو نسيت إحضار طعامه،ِ هَذا ليس سببًا منطقيًا لمُعاقبتها بهَذهِ الطريقة.
لكن ليونارد بقي مُصرًا، وهو يحملُ القيود.
“ماذا تنتظرين؟ ضعيها.”
“هاها، هَذهِ مُجرد مزحة، أليس كذَلك؟ كدتُ أصدقكَ.”
“لماذا المُزاح؟ مُدِّي يدكِ.”
قال ذَلك بجديةٍ تامة. مِن الواضح أنها لَمْ تكُن تنوي مدّ يديها بسهولةٍ. فأخفت يديها بسرعةٍ خلف ظهرها.
“آه، فهمت الآن! فهمتُ مشاعركَ يا مُعلمي!”
“وما هي؟”
“أنتَ جائعٌ جدًا! سأذهبُ الآن وأحضرُ لكَ طعامكَ فورًا!”
فتحت كورديليا الباب وركضت بسرعةٍ خارج الغرفة. نظر ليونارد إليّها وهي تفرُ دوّن أنْ تنظر خلفها وضحك. ظهر كاندياس وهو يطفو بالقرب منه، وعندما رأى القيود في يدهِ، ذُهل.
“أليس هَذا خاتم رازيانا؟”
“نعم، صحيح.”
“يا إلهي، هل جُننت؟ هل تنوي وضعهُ على كورديليا؟ إذا ارتدى شخصان هَذا الخاتم، فَلَن يتمكنوا مِن الابتعاد عن بعضهما البعض ضمنَ نطاقٍ مُعين إلى الأبد.”
“نعم، صحيح.”
ما إنْ أغلقت الباب ولَمْ تعُد كورديليا ظاهرةً حتى اختفت الابتسامة التي كانت تعلو وجه ليونارد بسرعة. لَمْ يبق سوى بريقٍ في عينيه الأرجوانيتين المُتوهجتين.
“يبدو أنْ الكثير مِن الذُباب القذر يتجمع هُنا.”
“ذُباب؟ هل يوجد حشراتٌ في المُختبر؟”
“لا يُمكنني إحراقهم جميعًا.”
“ما الذي تهذيّ به؟”
“رُبما عليَّ أنْ أسجنها في مكانٍ ما.”
“هل جُننتَ أخيرًا؟”
نظر ليونارد إلى الفراغ وتحدث إلى نفسهِ، وكان في كلام كاندياس شيءٌ مِن المنطق. الغريب أنْ برودة ليونارد اختفت تمامًا عندما عادت كورديليا بعد فترةٍ قصيرة.
“مُعلمي، لقد أحضرتُ لكَ الطعام الساخن. تناولهُ قبل أنْ يبرد. تفضل، اجلس بسرعة.”
قالت ذَلك كورديليا بابتسامةٍ واسعة وهي تضعُ الصينية على الطاولة. نظر إليها ليونارد بينما كان يقفُ مكتوف اليدين.
“إذا نسيت إحضار طعامي مرةً أخرى لأنكِ مشغولةٌ بأشخاصٍ غرباء، فسأضعُ هَذا القيد عليكِ ولَن أسمح لكِ بالخروج مِن المُختبر.”
“نعم، بالتأكيد. أنتَ تعرفْ أنْ أولويتي دائمًا هي أنتَ، يا مُعلمي.”
“كلماتُكِ دائمًا ما تكون جيدة.”
كانت كورديليا تجمعُ يديها معًا وتُحاول بجدٍ إرضاء مُعلمها. شعرت بدافعٍ غريزي أنها إنْ لَمْ تفعل ذَلك، فإنْ تلكَ القيود التي تحدث عنهَ قد تكون حقًا مُقيدةً حول معصميها.
جلست كورديليا على الجانب المُقابل مِن الطاولة حيثً كان ليونارد يتناول طعامهُ.
“آه، صحيح. لقد قابلتُ ليديا في طريقي إلى هُنا.”
“متى ستعود إلى إلفينباوم؟”
“أوه؟ هل أخبركَ اللورد روزنبلور أنها ستعود؟”
“هل يجبُ علي أنْ أسأله لأعرف؟ لَن يترك روزنبلور أختهُ هُنا. سيجدُ طريقةً لإلغاء العقد وإعادتها إلى أرضهم.”
“هل تعتقدُ أنْ هَذا الشيء الصحيح؟”
سألت كورديليا وهي تسندُ ذقنها على يدها. لاحظ ليونارد شيئًا مُختلفًا في عينيها، شيءٌ لا يتعلق بالشفقة على ليديا، فسألها:
“لماذا تسألين ذَلك؟”
“فقط… تذكرتُ نفسي. رُبما ليديا عقدت اتفاقًا مع الشيطان لأنها كانت بحاجةٍ مُلحة لتعلُم السحر.”
“حاجتُها المُلحة لا تُبرر كُل شيء. أنتِ وهي لستما مُتشابهتين. إذا كانت ليديا تُريد حقًا تعلم السحر، فقد أتيحت لها الفرصة دائمًا. لكنها لَمْ ترغب ببذل الجهد. أرادت تحقيق في شهر ما يستغرقُ مِن الآخرين عشر سنوات لتُحقيقه.”
“أنتَ على حق.”
كانت كلماتُ ليونارد منطقيةً، وهزّت كورديليا رأسها موافقةً. على عكسها، ليديا كانت لديها فرصٌ كافية لتعلم السحر.
تجاوز تلكَ اللحظات الشاقة قد يبدو كإهانةٍ لأولئكَ الذين اجتازوا هَذا الطريق بصبر.
في تلكَ اللحظة، فجأةً، أصدر كاندياس صوتًا غريبًا وفُتِحت إحدى عينيه، ليخرج منها رسالة.
“ما هَذا؟”
تفاجأت كورديليا بما رأتهُ لأول مرة. أمسك ليونارد الرسالة وقال بهدوء:
“إنها رسالةٌ مِن الخارج.”
“مِن الخارج؟”
“مِن خارج الجمعية السحرية.”
“آه.”
بدأت كورديليا تُفكر أنهُ مِن الغريب ألا يكون هُناك أيُّ وسيلةٍ للأتصال مع الخارج داخل الجمعية. ومع ذَلك، كان مشهدُ انشقاق العين مُزعجًا.
ألقى ليونارد نظرةً سريعةً على الرسالة ونهض مِن مكانهِ.
“سأخرجُ قليلاً. أكملي دراستكِ. سأعود قريبًا لفحص ما أنجزتِه.”
“نعم، عُد سالمًا.”
ترك كورديليا بمُفردها في المًختبر لَمْ يكُن أمرًا غريبًا بالنسبة لها، فقد كان هَذا يحدُث بانتظام. ودعتهُ ثم عادت إلى مكانها لتُكمل دراستها.
بينما كانت تفتح الكتاب وتمسك بالقلم، تذكرت فجأة سؤالاً كانت تنوي طرحه ولكنها نسيت.
“آه، صحيح.”
“ما الأمر؟”
“نسيتُ أنْ أسألهُ عن سبب تغيٍر لون عينيها.”
“مَن تغيّر لون عينيه؟ هَذا سحرٌ صعبٌ جدًا.”
قال كاندياس بينما كان يطيرُ نحوها.
“حقًا؟ لكن عندما تحدثتُ مع ليديا، تحولت عيناها إلى اللون الأسود. في البداية ظننتُ بأنني أتوهم، لكن هَذهِ المرة استمر التغيّر لفترةٍ طويلة.”
“ليديا؟ الفتاة التي عقدت صفقةً مع شيطان؟”
“نعم.”
“هل تعرفين مع مَن عقدت الصفقة؟”
“لا، لَمْ تذكُر ذَلك أبدًا.”
“قلتِ أنْ شخصيتها قد تغيّرت قليلاً أيضًا، أليس كذِلك؟”
“نعم، نعم.”
ردت كورديليا على كاندياس دوّن تركيز، لكن عينيها كانت ما زالت معلقةً على المُعادلات المُعقدة أمامها.
“هل مِن الممكن أنْ تكون ليديا قد تعرضت للتجسيد؟”
“تجسيد؟ ما هَذا؟”
“التجسيد هو عندما يقبلُ الجسم البشري القوة الكاملة للشيطان.”
عندما سمعت مصطلحًا جديدًا، شعرت كورديليا بالفضول واعتدلت في جلستها.
“هل هو مُختلفٌ عن العقد؟”
“نعم، إنهُ مًختلف. العقدُ ينقل جزءًا صغيرًا مِن قوة الشيطان إلى العالم البشري، وبالتالي يُمكن استخدام هَذهِ القوة بشكلٍ محدود. لكن التجسيد يعني استدعاء الكيان الشيطاني بالكامل إلى العالم البشري، مما يمنحهُ قوةً هائلة. لو لَمْ أكُن هُنا بجزءٍ صغيرٍ فقط، لكنتُ قد أظهرتُ قوتي الحقيقية.”
“هل هَذا يعني بأنكَ لستَ دائمًا مُجرد عين؟”
“ماذا تقصدين؟ هل تظُنين أنني مُجرد وحش؟ شكلي الشيطاني يُشبه البشر إلى حدٍ كبير. لكن أتيتُ إلى هُنا بعقدٍ يتضمنُ عيني فقط.”
كان كاندياس يتفاخرُ بشأن مدى قوتهِ عندما يكون في شكلهِ الكامل. كورديليا كانت تستمعُ بشكلٍ عابر لكنها استغلت الفرصة لطرح سؤالٍ آخر.
“هل تتغيّر شخصية ولون العينين عند التجسيد؟”
“إذا سيطر الشيطان بالكامل على الجسد، فيُمكن أنْ يتغيّر ذَلك. لكنني أشكُ في أنها تعرضت لتجسيد، لأن التجسد يُسبب انهيارًا هائلًا. ومِن الناحية النظرية، هو محظورٌ في العالم البشري.”
“لقد حدث انهيارٌ منذُ فترةٍ قريبة.”
“ماذا؟”
“الانهيار. السيدة ماتيلدا قالت إنْ هُناك انهيارًا كبيرًا في جنوب إيرشيه يُشبه الانهيار الذي حدث قبل عشرين عامًا.”
“……”
“……”
نظرت كورديليا وكاندياس لبعضهما البعض بصمتٍ للحظة، قبل أنْ تقفز كورديليا مِن مكانها.
“هل يُمكن أنْ يكون هُناك تجسيدٌ للشيطان في جسد ليديا؟ ماذا يحدُث إذا حدث تجسد؟”
“إذا حدث، فالجسد والعقل يُصبحان تحت السيطرة الكاملة للشيطان، ويبدأ الجنون، وفي النهاية، يحدُث انفجار.”
“انفجار؟”
“نعم، الجسد البشري لا يُمكنه تحمل قوة الشيطان، فينتهي الأمر بانفجارهِ.”
عندما سمعت ذَلك، شعرت كورديليا بضرورةٍ للتحرك. حتى لو كانت هنُاك احتماليةٌ ضئيلة، كان يجبُ أنْ تبلغ بذَلك فورًا.
أسرعت نحو باب المُختبر، وكان كاندياس يطيرُ خلفها.
“إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
“سأذهبُ إلى ليديا، لا، إلى السيد روزنبلور!”
“لكن أتيلي قال أنْ تبقي هُنا… آه، لقد غادرت بالفعل.”
نظر كاندياس إلى الباب المُغلق وأدار عينهِ بيأس
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》