أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 96
الفصل 96 : عقدٌ مع الشيطان ⁷
“ماذا تقصدين بـ ‘فقط أفعل’؟”
استمر الحوار نفسهُ في التكرار. شعر كلٌ مِن إيلياس وكورديليا بالإحباط لعدم فهم بعضِهُما البعض عند نفس النقطة.
حاولت كورديليا شرح الأمر بلطفٍ أكثر، مُدركةً أنْ الناس العاديين لا يُمكنهم رؤية الدوائر السحرية المرسومة بالطاقة السحرية.
“إذن، أولًا، عليكَ أنْ تجد النقطة الضعيفة في الدائرة السحرية.”
“نعم.”
“ثم تضعُ طاقتكَ السحرية فيها. وبهَذا تُكسر الدائرة.”
“هل هَذا كَل شيء؟”
سأل إيلياس بنبرةٍ لا تُصدق. وبما أنهُ بدا وكأنه لا يفهم شيئًا، نظرت كورديليا إليّه بنظرةٍ مملوءةٍ بالشفقة.
“هل ما أقولهُ صعبٌ جدًا بالنسبة لكَ؟”
“لقد شرحتِ الأمر في سطرين فقط، وتطلبين مني كسر دائرة سحرية مِن سبع طبقات بهَذا الشرح؟”
“ما الذي تجدهُ صعبًا في هَذين السطرين؟”
“هاه، لهَذا السبب أكرهُ الحديث مع العباقرة.”
تذمر إيلياس. بدا وكأنهُ بالكاد يأكل بينما يُحدق في كورديليا، مما جعلها تشعرُ بعدم الارتياح فلَمْ تستطع تناول أكثر مِن بضع لُقمات.
“لماذا تُحدق بيّ هَكذا؟”
“هل لديكِ حبيب؟”
“هاه؟!”
لحُسن الحظ، لَمْ يكًن هُناك طعامٌ في فمها، وإلا لكانت قد بصقتهُ على وجهه. كانت كورديليا مذهولةً تمامًا مِن هَذا السؤال غيرِ المًتوقع.
“أه، لا، ليسَ لديّ.”
“حقًا؟ إذن هل تودين الخروج معي؟”
“ماذا؟!”
“لماذا تتحدثين معي بطريقةٍ رسمية؟ قُلتِ لكِ أن تتحدثي براحة.”
“مهلاً لحظة، لَمْ يمُر على لقائنا ساعةٌ واحدةٌ حتى! ماذا رأيتِ بيّ؟”
“وجهُكِ وعقلُكِ. أما شخصيتُكِ… لا تبدين وكأنكِ قاتلةٌ مُتعطشةٌ للدماء، وهَذا يكفي.”
بالنسبة لكورديليا، التي نشأت في عائلةٍ مُحافظة وتزوجت في عائلةٍ مُماثلة، كانت كُل كلمةٍ مِن كلمات إيلياس بمثابة صدمةٍ لها.
لَمْ تكُن تعلم ما إذا كان انفتاحُ إيلياس سببهُ أنه مِن الجنوب أو أنْ السحرة هُنا لديهم تقليدٌ اللقاء مع الغرباء، لكن كلا الاحتمالين كانا خارج نطاق فهمها.
“أممم…”
لَمْ تعرف كورديليا ماذا تقول، ووقفت هُناك بفمٍ مفتوحٍ كالأحمق. ولَمْ يُفوت إيلياس تلكَ اللحظة.
“ماذا؟ أتعنين بـ ‘أممم’، إذن…”
“لااا!”
إذا استمر الوضع على هِذا الحال، قد ينتهي بها الأمر بوعد مُستقبلها لرجلٍ التقت بهِ للتو. وضعت كورديليا الملعقة بعنفٍ ونظرت في عينيهِ مُباشرةً.
“أنا لا أنوي الزواج.”
“وأنا أيضًا.”
“ماذا؟ إذن لماذا تُريد الخروج معي؟”
تلعثمت كورديليا مُجددًا. في نظرها، العلاقة بين الرجل والمرأة يجبُ أنْ تؤدي حتمًا إلى الزواج.
لكن إيلياس حطم تلكَ القاعدة تمامًا.
“أريدُ أنْ أُقيم علاقةَ جيدةً معكِ.”
“علاقةً جيدة؟ ما الذي تعنيهِ بالعلاقة الجيدة؟”
“سأخبرُكِ إذا خرجتِ معي.”
غمز إيلياس بعينهِ وهو يتحدث. وبينما كان إيلياس يُعد جذابًا نوعًا ما، إلا أنهُ بالنسبة لكورديليا، التي اعتادت على وجهَي ليونارد و روزنبلور، كان مُجرد كائن شخصٍ عادي.
لذَلك قالت للكائن الذي أمامها:
“آسفة، لكن…”
رغم أنها لَمْ تكُن تشعرُ بالأسف حقًا، إلا أنْ كورديليا كانت شخصًا يعرفُ آداب السلوك، فقالت ذَلك بنبرةٍ مُهذبة.
“أنا لا أرغبُ في إقامة ‘علاقةٍ جيدةٍ’ مع شخصٍ التقيتُ بهِ اليوم فقط.”
“لماذا؟ آه، هل تخشين بأنني قد أكون مِن عامة الشعب؟ لا تقلقي، عائلتي ناساو عائلةٌ عريقةٌ في أنسين، وأنا الابنُ الثاني لهم.”
“أنسين؟ أنتَ مِن أنسين؟ لَمْ ألاحظ أيَّ لهجةٍ جنوبية.”
“لأنني أعيشُ في ويلآس منذُ أنْ كنتُ في السادسة. عادةً ما يتمُ اختيار السحرة في سن صغيرة، أليس كذَلك؟ إنهُ نادر جدًا أنْ يتعلم شخصٌ السحر كبالغ مثلكِ. في الواقع، أنتِ الحالة الأولى التي أراها.”
نظر إليّها بعينين مليئتين بالفضول.
كورديليا، التي لَمْ يمضِ سوى أسبوعين على وجودها هُنا، كانت تتعلمُ ببطء العادات والنظام. ومؤخرًا علمت كيف يُصبح الشخص ساحرًا، فعادةً يتمُ أحضار الأطفال الموهوبين دوّن سن العاشرة.
يتطلبُ هِذا الأمر حظًا كبيرًا، حيث يجبُ على الساحر، الذي عادةً لا يُغادر الجمعي ، أنْ يلتقي بطفلٍ موهوب بطريقة ما خارجًا.
ولأن هَذا الاحتمال نادرٌ جدًا، فإنْ السحرة عادةً ما يتخذون أطفال الأشخاص الذين يعرفونهم أو أقاربهم كتلاميذ.
“ما الذي يُزعجكِ أيضًا؟”
“ماذا تعني؟”
“هل هُناك سببٌ آخر يجعلُكِ تترددين في الخروج معي؟”
كان هُناك العديدُ مِن الأسباب لدرجة أنْ كوردليا لَمْ تعرف مِن أين تبدأ. شعرت بالدهشة مِن ثقتهِ العالية، وفي نفس الوقت كانت تشعرُ بالدهشة منه.
“كورديليا.”
في تلكَ اللحظة، وضع شخصٌ ما يدهُ على كتفها بلطف، وابتسمت كورديليا بمُجرد أنْ تعرفت على صاحب الصوت. استدارت لترى روزنبلور يبتسمُ لها بود.
“سيد روزنبلور.”
“أه، أ… السيد إلفينباوم.”
تغير تعبيرُ إيلياس الماكر فجأةً، وقفز واقفًا وهو يُقدم تحيةً متوترة لروزنبلور.
“مرحبًا. أنا إيلياس، أدرسُ تحت إشراف السيد دوونا مِن مدرسة بيسيت…”
“لستُ فضوليًا، لذا سيكون مِن الأفضل لكَ أنْ تُغادر.”
على الرغم مِن أنْ نبرتهُ كانت ناعمةً، إلا أنْ مضمون كلامهِ كان حادًا. غادر إيلياس المكان مذعورًا، مُتخبطًا وهو يحمل الصينية.
شعرت كورديليا ببعض الارتباك مِن موقف روزنبلور الحاد.
“هل أنتَ غاضب؟”
“لا، على الإطلاق. يبدو أنكِ كنتِ تتناولين الطعام. هل وجدت الطعام لذيذًا؟”
“… نعم، إنهُ جيد.”
جلس روزنبلور في المكان الذي كان إيلياس جالسًا فيه قبل قليل، وكانت تعابيرهُ لا تزالُ لطيفةً ودافئة لدرجة أنْ الحدث الذي وقع للتو بدا وكأنهُ حلم.
“هِذا جيد. على أيِّ حال، إذا كان لديكِ بعض الوقت، أعرف بعض المطاعم التي تُقدم طعامًا لذيذًا بالقرب مِن هُنا. هل تُريدين الذهاب معي؟”
“أرغبُ في ذَلك، ولكنني لستُ مًتأكدةً إذا كان مًعلمي سيسمح ليّ بالخروج مِن جمعية السحرة. لَمْ أخرج إلى هُنا اليوم إلا بعد أسبوعٍ كامل.”
“لهَذا السبب لَمْ أركِ مؤخرًا. رأيتُ تلكَ الرسالة.”
“يا إلهي، هل رأيتَ الرسالة أيضًا؟ يبدو أنْ مُعلمي يظنُ أنني طفلةٌ صغيرةٌ في السابعة مِن عمري.”
تنهدت كورديليا بشدة، وهي تشعرُ بالحرج.
“بعد ما رأيتهُ اليوم، أعتقدُ بأنني أفهمُ شعوره بعض الشيء.”
“ماذا؟”
“يشعرُ وكأنكِ طفلٌ صغير على وشك السقوط في الماء.”
“هَذا قاسٍ. لقد اجتزتُ اختبار السحر المتوسط، وتعرضتُ لبعض الصعوبات في حياتي أيضًا…”
كانت كورديليا على وشك إكمال سرد معاناتها، لكن روزنبلور قاطع حديثها بلطفٍ دوّن أنْ يُغيّر ابتسامتهُ الودية.
“لا تأخذي كلامهُ على محمل الجد.”
“هممم؟ أتعني مُعلمي؟”
“لا، أقصدُ الرجل الذي كان جالسًا هُنا للتو. لا تثقي بالرجال الذين يبتسمون بخبثٍ ويقولون المُجاملات للنساء اللاتي لا يعرفونهن. مِن الأفضل الابتعاد عنهم.”
“هل، هل كنتَ تسمع؟”
شعرت كورديليا بأنْ وجهها يشتعلُ مِن الإحراج. كان يكفي أنْ تشعر بالحرج مِن نفسها، لكن أنْ يعرف روزنبلور أيضًا، جعلها تشعرُ بمزيدٍ مِن الإحراج.
“لَمْ أسمع كُل شيء، لذا لا تقلقي. أريدُكِ فقط أنْ تعرفي أنْ هُناك الكثير مِمَن سـ يقتربون منكِ لهَذا النوع مِن الغرض.”
“ما هو هِذا الغرض؟”
“علاقةٌ ليلية بين الرجًل والمرأة.”
“آه…”
فهمت كورديليا مُتأخرةً ما كان يقصدهُ إيلياس بـ”علاقةٍ جيدة”. نظرت بالاتجاه الذي غادر فيه إيلياس بشيء مِن الاشمئزاز.
“جمعية السحرة مكانٌ مُتحررٌ جدًا، على ما يبدو. تقديم مثل هَذهِ الاقتراحات لأشخاصٍ لا يعرفونهم حقًا…”
“السحرة نادرًا ما يتزوجون. لذا، العلاقات العابرة أصبحت نوعًا مِن الموضة، حتى بات الكثيرون يعتبرونها أمرًا طبيعيًا.”
“أوه.”
أصدرت كورديليا صوت إعجابٍ قصير. “العلاقات العابرة”، كانت كلمةٌ قرأتها فقط في الكتب.
“لذا، كوني حذرةً. أنتِ مًميزة ِمن عدة نواحٍ، وقد تلفتين الأنظار.”
“بسبب كوني تلميذةً لمُعلمي؟”
“لا، لأنكِ جميلة.”
“هاهاها.”
لِمْ تستطع كورديليا إلا أنْ تضحك بصوتٍ عالٍ. انتظرها روزنبلور بصبرٍ حتى هدأت قبل أنْ يسألها:
“ما الذي جعلكِ تضحكين في حديثي؟”
“هَذهِ أول مرةٍ يُخبرني أحدُهم بإنني جميلة. روزنبلور، لا أعتقدُ أنْ هَذا الإطراء الزائد مُناسبٌ ليّ، حتى لو كنا مقربين.”
“في نظري، أنتِ الأجمل.”
“…”
لَمْ يكُن حديثهُ يبدو كأنه يمزحة.
لَمْ تكُن كورديليا مُتأكدةً مما يجبُ أنْ تقوله. هل يجبُ أنْ تطلب منه التوقف عن المزاح؟ أم تسألهُ إنْ كان جادًا؟ ارتبكت وسرعان ما انحنت قليلاً لتُخفي وجهها المُحمر.
“الجمال مُصطلحٌ يُطلق على ليديا فقط.”
“إذا كانت ليديا جميلةً، فهل هَذا يعني أنْ كورديليا ليست كذَلك؟”
“لا، أعني… حسنًا، ما أقصدهُ هو… أوه، ليديا! كيف حال ليديا هَذهِ الأيام؟”
حاولت كورديليا تغيير الموضوع بجهدٍ واضح. رُبما أدرك روزنبلور محاولاتها، فأجاب بمودةٍ.
“إنها بخير. كما قالت السيدة ماتيلدا، كانت مُتحمسةً في بداية العقد. الآن، تم قبولها مؤقتًا في مدرسة ديدواسل.”
“رائع، إذن يُمكنني تعلُم السحر مع ليديا الآن.”
“لا، سيتمُ إرسال ليديا إلى أرض إلفينباوم بعد فسخ العقد.”
“آه… لكن، فهمت.”
كانت نبرةُ روزنبلور حازمةً للغاية. توقف كورديليا عن الحديث.
“أعتقدً أنكِ ترينني قاسيًا.”
“فقط قليلاً. لا أعرفً السبب وراء قرار ليديا بالتعاقد مع الشيطان، لكن لا بد أنْ اتخاذ هَذا القرار لَمْ يكُن سهلاً عليها، أليس كذَلك؟ تجاهُل رغبتها وإعادة الأمور إلى البداية… بالطبع، ما فعلتهُ كان خاطئًا، لكنها تستحقً فرصةً لتعلم السحر، أليس كذَلك؟ آسفة إذا كنتُ قد تجاوزت حدودي.”
دافعت كورديليا عن ليديا بحماس، مُستذكرةً كيف كانت تتمسك بـ يأسٍ بمُعلمها ليونارد قبل نصف عام. شعرت أنْ الخوض في موضوع ليديا قد يكون تجاوزًا للحدود، فصمتت. انتظر روزنبلور بصمتٍ قبل أنْ يتحدث مُجددًا.
“ليديا وُلدت في عائلة إلفينباوم. كانت تحصلُ على كُل ما تريدهُ بمُجرد النظر إليه.”
كانت إجابتهُ غيرَ متوقعةٍ. لكن كورديليا استمعت بهدوء.
“هُناك شيء واحدٌ فقط لَمْ تستطع الحصول عليه.”
“ما هو؟”
“ليونارد أتيلي. مُعلمكِ.”
“آه.”
“إنها شخصٌ مُتفردٌ بجمالهِ. كالفراشات التي تندفعُ نحو الضوء حتى تحترق دوّن أنْ تدري.”
كانت ابتسامة روزنبلور خافتةَ، لكنها لَمْ تكُن دافئة. كانت أقربُ إلى السخرية.
“لا أريدُ أنْ أرى ليديا تحترق في ذَلك الضوء.”
“لكن سمعتُ أنها أحبت مُعلمي لفترةٍ طويلة. هل تعتقد أنها يُمكن أنْ تتخلى عن ذَلك بسهولة؟”
“حان الوقت لتقبل ليديا أنْ هُناك أشياء لا يُمكنها الحصول عليها. أنا لستُ شقيقها فقط، بل حاميها أيضًا. لا يُمكنني السماح لها بالتشبُث بشيء غيرِ مُجدٍ إلى الأبد.”
رغم لهجتهِ الهادئة، كان كلامهُ حاسمًا. تابع روزنبلور حديثه:
“فور عودتنا إلى إلفينباوم، سأبدأ في قبول طلبات الزواج وسأختار رجلاً يجعلُها سعيدة. مع الوقت، ستتلاشى رغبتُها الخاطئة وقراراتها السيئة.”
كانت كلماتهُ الأخيرة تعبيرًا عن استنتاجهِ. رفعت كورديليا رأسها لتنظر في عينيه.
“هل تعني أنْ السبب وراء عقدها مع الشيطان هو مُعلمي؟”
“غيرُ ذَلك، يصعبُ تفسير تصرفاتها.”
نهض روزنبلور بعد أنْ أنهى كلامه. حاولت كورديليا أنْ تنهض لتحيته، لكنهُ وضع يدهُ بلطفٍ على كتفها ليمنعها.
“لا داعي لذَلك. لا حاجة للرسمية بيننا.”
“لكنكَ رئيس عائلة إلفينباوم.”
“أفضل أنْ تعتبريني فقط روزنبلور، وأتمنى أنْ تتوقفي عن مُعاملتي بهَذهِ الطريقة.”
“هَذا صعبٌ جدًا.”
حاولت كورديليا تخيل نفسها وهي تُخاطبه بدوّن رسمية، لكنها لَمْ تستطع تخيل ذَلك.
“لقد تمكنتِ مِن تفكيك دوائر سحرية ذات سبع طبقات في دقيقةٍ واحدة، ولكن يصعُب عليكِ مناداتي باسمي؟”
ضحك روزنبلور برقةٍ، مما جعل كورديليا تتجنبُ النظر إليّه بسبب الخجل. سمعتهُ يتحدث بهدوء مِن فوق رأسها.
“وأيضًا، كنتُ جادًا فيما قلتُه سابقًا.”
“ماذا؟”
“عندما قلتُ إنني أعتقدُ بأنكِ جميلة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة