أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 95
الفصل 95 : عقدٌ مع الشيطان ⁶
تحدث ماكسيميليان بصوتٍ يائسٍ وكأنهُ لا يُريد شيئًا آخر سوى هَذا الأمر. أما أنطون، فقد ظلّت عيناهُ عالقتين على روزالين، ابنتهُ التي كانت ملامح وجهِها هادئةً إلى حد أنها بدت وكأنها ستنهضُ في أيِّ لحظة.
في ذَلك الحين، دخل فرسان عائلة إمبلي، الذين كانوا ينتظرون في الخارج.
“سيدي.”
“هل تأكدتم مِن الأمر؟”
“نعم. لَمْ نستطع التأكد بالكامل بسبب تحلُل جُثث الفرسان القتلى، ولكن مِن الواضح أنْ هَذا لَمْ يكُن هجومًا عاديًا. هؤلاء فرسان مدربون بالتأكيد.”
الفارس الذي ذهب إلى مكان الهجوم على روزالين قدّم تقريرًا مُفصلاً عما شاهده. عندها صرّ أنطون على أسنانه بقوة.
“هل هُناك شيءٌ آخر؟”
“وجدنا هَذا.”
“مِن المؤكد أنْ أتيلي هو المسؤول.”
ما أحضرهُ الفارس كان حمامةً بريدية يستخدمُها أتيلي، وعلى جناحها كان هُناك رسمٌ واضحٌ لثعبانٍ أبيض.
بدأ أنطون يضربُ صدرهُ بعنف، إذ لَمْ يستطع تحمُل ألم فقدان ابنتهِ البريئة. رغم أنْ أيامها في الحياة باتت معدودة، إلا أنْ قلبهُ كـ أبي كان دائمًا يتمنى قضاء يومٍ آخر مع ابنته.
الغضب المكبوت داخله بدأ يشتعلُ مرةُ أخرى. ولكن كونه رئيس عائلة إيمبلي، لَمْ يكُن بإمكانهِ السماح لغضبه بالسيطرة على تصرفاته.
في تلكَ اللحظة، وقف ماكسيميليان مُترنحًا مِن مكانه، ثم تقدم حاملًا طفلًا رضيعًا بين ذراعيه كان في حضن إحدى الخادمات، وقدم الطفل لأنطون.
“هَذا هو الطفل الذي تركتهُ روزالين. قالت إنها أسمتهُ دانيال.”
“دانيال.”
عندما رأى أنطون الشعر الأحمر الذي يحيطُ برأس الطفل، انهار قلبهُ. أخذ الطفل بين ذراعيهِ واحتضنه بحنان، إذ كان هَذا الطفل هو الوحيد الذي تركتهُ روزالين خلفها، وبدا لهُ وكأنهُ جزءُ منها.
ثم قال ماكسيميليان:
“سأقاتلُ مع الدوق إيمبلي ضد أتيلي من أجل دانيال وروزالين.”
“وماذا يُمكن لقذرٍ مثلكَ أنْ يُقدم؟”
“بالطبع، بعد فقداني لقوتي السحرية، لَن أكون ذا نفعٍ كبير، لكنني عشتُ حياتي كُلها أكره أتيلي. أعرفُ نقاط ضعفهم وأسرار جنودهم أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر.”
“هَذهِ مُجرد معلوماتٍ تافهة.”
سخر منهُ أنطون. حنى ماكسيميليان رأسهُ.
“لقد كنتُ ميتًا بالفعل. لولا إنقاذ الدوق لي، ولولا أنْ روزالين أقنعتهُ بأنْ يُرسلني إلى أنسين معها، لكنتُ قد أُعدمتُ في سجن القصر. لذا حياتي الآن ملكٌ بالكامل للدوق.”
“إذن لَن يكون لديكَ أيُّ ندمٍ إذا قطعتُ رأسكَ الآن.”
استل أنطون سيفهُ الطويل مِن جانبهِ الأيسر، ووضع طرفهُ الحاد على رقبة ماكسيميليان وجرحهُ بعمق.
تدفقت الدماء على طول السيف، لكن ماكسيميليان لُمْ يُصدر أيَّ أنين، بل أغمض عينيهِ مُنتظرًا حكم أنطون عليه.
عندما سمعَ صوت السيف يعود إلى غمدهِ، فتح ماكسيميليان عينيه.
“ما الذي تعرفُه؟”
“لقد كرستُ حياتي للاستيلاء على أتيلي. ولَن يكون هُناك أيُّ ثمنٍ لدفعه مِن أجل تدميرهُم.”
ابتسم ماكسيميليان أبتسامةً ماكرة.
لكن أنطون لَمْ يهتم بابتسامتهِ، وتجاوزهُ دوّن أن يوليهِ اهتمامًا. السبب الوحيد الذي دفعهُ إلى عدم قتلهِ في تلكَ اللحظة هو أنْ لديهِ أمورًا أكثر إلحاحًا للقيام بها، وليس لأنهُ رأى فيهِ أيَّ فائدة.
سواء كان ماكسيميليان أو أتيلي، الشيء الوحيد المُهم لأنطون هو روزالين.
“ضعوا روزالين في العربة.”
“أمرُك، سيدي.”
كان الأهم هو دفنُ ابنتهِ في مكانٍ مُشمس وإقامة جنازةٍ تليقُ بها. أراد أنْ يغادر هَذهِ الارض الحار بأسرع وقتٍ مع ابنتهِ.
بينما كان يُشاهد التابوت يُحمل إلى العربة، شعر أنطون بفراغٍ كبيرٍ في قلبه.
عندما أخبرهُ الطبيب الذي فحص قلب ابنته لأول مرةٍ بأنها لَن تعيش طويلًا، ظن أنهُ قد استعد لهَذهِ اللحظة. لكن رؤية وجه روزالين البارد قد دمر تلكَ الاستعدادات كقلعة مِن الرمال.
لِمْ يستطع بعد تصديق أنْ ابنتهِ لَمْ تعُد على قيد الحياة. كان لا يزال يشعرُ أنها ستخرج في أي لحظةٍ مِن العربة وتناديه “أبي”.
تجاهل أنطون مشاعرهُ الحزينة المُتزايدة، وأمر بتحرك العربة.
كان دانيال يبكي باستمرار، رُبما بسبب تغيّر البيئة المُحيطة به. أخذ أنطون الطفل مِن المُربية وربت على ظهرهِ بلطف.
“لا تقلق، كُل شيء سيكون على ما يُرام. سأحميكَ.”
لَمْ يكُن يعلم إنْ كان الطفل يفهمهُ أم لا، لكن بكاءهُ المُتقطع توقف فجأة.
أخذ أنطون يتذكرُ كيف كان يعتني بروزالين، وحاول تهدئة الطفل بالطريقة التي كان يُهدئ بها ابنته.
***
الحياة الصغيرة التي تركتها روزالين هي ما أبقت والدها على قيد الحياة يومًا بعد يوم. لولا دانيال، رُبما كان أنطون قد فقد السيطرة على نفسهِ وأصبح تائهًا في الشوارع ومُدمنًا على الكحول.
كان أنطون يُحاول البحث عن أيِّ شبهٍ بين وجه الطفل الصغير ووجهِ روزالين، لكن لَمْ تتضح ملامحهُ بعد.
“أعتقدُ أنْ أنفهُ يشبه الآنسة.”
قالت المُربية التي كانت تعتني بروزالين. وظلّ أنطون طوال اليوم يحملُ الطفل ويُمعن النظر إلى أنفه.
قبل يومٍ مِن مُغادرتهم أنسين إلى إيرشيه، بينما كانوا يُخيمون في الغابة.
“آه!”
سمعوا صوت الرياح مُختلطًا بصراخ شخصٍ ما. كان الفُرسان أول مَن استجاب لهَذا الصوت وسحبوا سيوفهم.
أما صوفيا والخادمات الأخريات، اللاتي كُن قد مررن بتجربةٍ مُماثلة سابقًا، فاختبأن في الزاوية وهن يرتجفن مِن الخوف.
“ما الأمر؟”
“سأذهبُ لاستطلاع الأمر.”
أقدم الفارس الأكبرُ سنًا على التوجه إلى مكان الصوت بمحض إرادته. ولكن مع مرور الوقت، لَمْ يعُد. كانت ليالي الصيف في أنسين عادةً حارة، ولكن في تلكَ اللحظة، بدا النسيم الذي لامس وجنتيهِ باردًا وحادًا بشكلٍ غيرُ مألوف.
أشار أنطون إلى المُربية التي كانت تحملُ دانيال.
“ابقِ في العربة مع دانيال. اعتني بالطفل كما لو كان أثمنَ مِن حياتكِ.”
” أمركَ، سيدي.”
أسرعت المُربية لتُعيد ضبط وضعية حمل دانيال ثم دخلت العربة. تقدم أنطون وسط الرياح الباردة وسحب سيفهُ.
“مَن هُناك؟! أظهر نفسك!”
تجمع الفرسان حول أنطون في دائرة، يقظيّن ومستعدين لأيِّ تهديد. وفي تلكَ اللحظة، أُطلق سهمٌ مِن مكانٍ ما فأصاب الفارس الذي كان يقفُ أمام أنطون مُباشرةً.
“آه!”
“هُناك! العدو هُناك!”
صرخ أحد الفرسان. وبمُجرد أنْ سمع الجنود ذِلك، انطلق بضعة منهم مع اثنين مِن الفرسان نحو الاتجاه المُشار إليه. بينما بقي الباقون ليُحكموا الدفاع حول أنطون.
فجأةً، بدلاً مِن السهام، أُطلقت كرةٌ نارية.
***
“مرحبًا، هل يُمكنني الجلوس هُنا؟”
“نعم؟ آه، بالطبع، تفضل بالجلوس.”
كانت كورديليا تتناول طعامها بمفردها في قاعة الطعام العامة عندما اقترب منها رجلٌ ذو شعرٍ أسود بحديثٍ ودي. بدا الرجُل، الذي يكبرُ كورديليا بعامين أو ثلاثة، بمظهرٍ مُرتب.
“أنا إيلياس ناسو.”
“وأنا كورديليا فاسكويز.”
“أعرف، لا يوجد أحدٌ هُنا الآن لا يعرفُكِ.”
قال ذَلك بينما وضع صينية طعامهِ على الطاولة بشكلٍ طبيعي أمام كورديليا.
“أنا؟”
“نعم، عندما ظهرتِ كـ تلميذةٍ لأتيلي، الذي كنا نعتقدُ أنهُ ميتٌ، أصبحتِ مشهورةً. لكن لَمْ تُمض فترة طويلة حتى اجتزتِ امتحان الساحر المتوسط.”
“آه، حسنًا.”
“الجميع هُنا يُريدون الحديث إليّكِ، لكنهم يخافون مِن نظرات أتيلي.”
“لماذا؟ ما شأنُ مُعلمي بالأمر؟”
تساءلت كورديليا باندهاشٍ، فاتسعت عيناها وهي تذكرُ اسم مُعلمها فجأةً. ضحك إيلياس ضحكةً خفيفة.
“ألَمْ تعرفي؟ قبل فترةٍ وجيزة، أرسل أتيلي رسالةً إلى جميع المدارس السحرية، مُحذرًا أيَّ شخصٍ مِن الاقتراب مِن تلميذته أو التلاعُب بها.”
“ماذا؟! كيف يكون هَذا مُمكنًا!”
كانت كورديليا في حالة ذهولٍ مِن هَذا الإفراط في الحماية. كيف يُمكن لمُعلمها أنْ يحميها بهَذا الشكل هُنا، المكان الذي لا يملكُ خطورةً مثل أراضي ديلوانا المليئة بالوحوش السحرية؟
في الواقع، لَمْ يكُن هَذا الحادث الأول مِن نوعه.
منذً اليوم الذي عاد فيه ليونارد مِن شرب الشاي في مُختبر ماتيلدا، كثُرت حمايتهُ بشكلٍ مفرطةٍ إلى درجة أنهُ منع كورديليا مِن مُغادرة المُختبر تمامًا.
لَمْ يكُن قدومها إلى قاعة الطعام إلا بعد أسبوعٍ كامل، وخلال ذَلك الوقت كان ليونارد يجلب لها الطعام بنفسهِ.
“لكن كيف تتحدثُ معي الآن؟ ألا تخاف؟”
“لا بأس، الجميع يعتقدون بأنني مجنونٌ على أيِّ حال. وبالمُناسبة، نادني بإيلياس وليس ‘أنت’.”
“لحظة، أنا أفكر بـ شيءٍ ما.”
“نعم؟”
“لماذا تحدثتُ إليّ بشكلٍ غيرِ رسميٍ فورًا؟”
“إذا كنتُ تُريدين، يُمكنكِ التحدثُ معي هَكذا أيضًا. نحنُ في نفس المستوى المتوسط.”
“حقًا؟ إذن لَن أخجل.”
تحدثت كورديليا بسرعةٍ وبلهجةٍ عفوية. ضحك إيلياس بصوتٍ خافت عندما لاحظ تغيير في نبرتها المُفاجئ.
“ما المُضحك في ذَلك؟”
“أنتِ أكثرُ مُتعةً مما توقعتِ. يقولون بإنكِ عبقرية، أليس كذَلك؟ لقد قال السيد كاينون إنكِ كسرتِ دائرةً سحرية مِن سبع طبقاتٍ في دقيقةٍ واحدة. كيف فعلتِ ذَلك؟”
“ببساطة، أنا أضعُ طاقتي السحرية في النقطة الأضعف فقط.”
“ماذا؟ هل يُمكنكِ شرحُ ذَلك بتفصيلٍ أكثر؟ أنا ما زلتُ أجدُ صعوبةً في كسر الدوائر السحرية ذات الخمس طبقات.”
“هَذا سهل، فقط افعل ما قُلتُه.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة