أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 93
الفصل 93 : عقدٌ مع الشيطان ⁴
نظرت كورديليا إلى روزنبلور عاجزةً عن الرد، بينما لاحظت ماتيلدا ذَلك فسألت روزنبلور:
“هل هَذا حديثٌ لا يجبُ أنْ تسمعهُ كورديليا؟”
“لا، الأمر ليس كذَلك. ليديا صديقةُ كورديليا أيضًا، فلا بأس.”
“إذًا، ادخلي.”
وقفت ماتيلدا أمام الباب، فظهرت عينان في مُنتصفهِ. راقب أيكان ماتيلدا، روزنبلور، وكورديليا بهدوء، ثم توجهُ إلى كورديليا قائلاً بلهجةٍ ودية:
“نلتقي مُجددًا، آنسة فاسكويز.”
“آه، مرحبًا.”
“نعم، تعالي أحيانًا وكوني رفيقتي في الحديث.”
على عكس كاندياس الموجود في مُختبر ليونارد، كان أيكان يتمتعُ بشخصيةٍ هادئة وودودةٌ. ضحكت كورديليا بشكلٍ مُحرج على كلامهِ ودخلت إلى الداخل، بينما جلست ماتيلدا وقالت:
“هل تُريد شيئًا لشربهِ؟”
“لا، شُكرًا. كورديليا؟”
“لا، شُكرًا.”
“هممم، حسنًا. إذًا، هل لديكَ أسئلةٌ حول ليديا إلفينباوم؟ هل سـ تسألوني عن العقد الذي أبرمتهُ مع الشيطان؟”
يبدو أنْ ماتيلدا كانت تعلمُ بالفعل سبب قدوم روزنبلور. فتفاجأ روزنبلور وسألها:
“هل كنتِ تعلمين بالأمر؟”
“أثارت ليديا فوضى سحرية في المطعم قبل أيامٍ قليلة مِن قدومكَ. امرأةٌ توقفت عن مُمارسة السحر منذُ عشر سنواتِ وأتملكت فجأةَ قوة سحرية قويةً بما يكفي لأنتاج انفجار؟ النتيجة واضحة.”
“أنفجار؟ ليديا؟”
“يبدو أنكَ لَمْ تعلم. سمعت أنْ كورديليا كانت بجانبها في ذَلك الوقت.”
“آه، نعم، هَذا صحيح.”
“هل كنتِ بجانب ليديا عندما حدث الانفجار السحري الفوضى؟ هل تأذيتِ؟”
كان روزنبلور شخصًا رقيقًا ولطيفًا، فرغم سماعهِ عن الفوضى التي احدثتها شقيقَتُه، أول ما فعلهُ كان القلق على كورديليا. هزّت كورديليا رأسها نفيًا بسرعة.
“أنا بخير. كانت قوةُ الانفجار ضعيفةٌ وتمكنتُ مِن حماية نفسي بدرعٍ سحري. ليديا أيضًا بخير لأنها لَمْ تنشر الطاقة سوى لفترةٍ قصيرة.”
“هَذا مًطمئن. لكن أنْ تصل الأمور إلى درجة أنفجارٍ سحري…”
تنهد روزنبلور بعمقٍ. شعرت ماتيلدا بقلقهِ فسألته:
“أخبرني مِن البداية. هل تعرفُ مع أيِّ شيطانٍ عقدت ليديا اتفاقًا؟”
“لا، إنها تُنكر عقد أيَّ اتفاقٍ مِن الأساس. تقول إنها لَمْ تفعل ذَلك.”
“قد يكون ذَلك صحيحًا. كما تعلم، ينظرُ البعض إلى عقد اتفاقٍ مع الشياطين لاكتساب القوة بطريقةٍ سلبية.”
قالت ماتيلدا هَذهِ الكلمات قم صمتت للحظة، دوّن أنْ تُضيف شيئًا آخر. لَمْ يتمكن روزنبلور مِن تحمُل الصمت، فسألها:
“هل مِن الصعب إلغاء العقد؟”
“يجبُ أنْ نعرف أولاً ما هي شروط العقد. إذا لَمْ يكُن مُتعلقًا بالتضحية بحياتها، فَهُناك طرقٌ مُتعددة لإلغائهِ، فلا تقلق.”
هدأت ماتيلدا مِن روعهِ بهدوء. بدا أنْ تعابير روزنبلور أصبحت أقل توترًا.
“إذًا، ما عليَّ فعلهُ هو…”
“عليكَ إقناعُ شقيقَتُكَ بالاعتراف بالعقد، ومعرفة نوع الاتفاق الذي أبرمتهُ ومع مَن. بعد ذَلك يُمكننا التفكيرُ في كيفية إلغائه. على أيِّ حال، كانت ليديا مُجرد مُبتدئةٍ أو مِن رتبة مُنخفضة، لذا سيكون الشيطان الذي عقدت معهُ الاتفاق مِن رتبةٍ أقل، مما يجعلُ إلغاء العقد أسهل.”
“نعم، فهمت. شكرًا لكِ، سيدة ماتيلدا.”
ثم سألت كورديليا، التي كانت تستمعُ بصمت، بحذرٍ:
“هل تعرفُ سبب عقد ليديا اتفاقًا مع شيطان؟”
هزّ روزنبلور رأسهُ نفيًا.
“لا، لا أعرف. ما الذي جعلها تتخذُ هَذا القرار؟”
“السحرة الذين يسعونَ للقوة عادةً ينتمون إلى فئتين. إما أولئكَ الذين لا يكتفون بقوتهم الحالية ويسعونَ إلى المزيد، أو أولئك الذين تُسيطر عليهم الغيرة.”
“لكن لا شيء مِن هَذا يُمثل حالة ليديا، أليس كذَلك؟ لَمْ تكُن ليديا تسعى وراء المزيد مِن القوة لأنها لَمْ تكُن ساحرةً مِن الأساس. أما الغيرة، فما الذي قد يدفعُ ليديا إلى الغيرة مِن أحدٍ آخر؟”
ردت كورديليا على كلام ماتيلدا، فنظرت ماتيلدا إليها بعُمق.
“أنتِ موهوبةٌ جدًا، وقد لا تشعرين بذَلك، لكن العديدً مِن الناس يشعرون بالإحباط والغيرة مِن شخصٍ مثلكِ.”
“ماذا؟ أنا؟ لا، لا أعتقدُ ذَلك. مًعلمي دائمًا يُناديني بالغبية.”
لوحت كورديليا بيديها نافيةً وضاحكة. كانت تعتقدُ بصدق أنها شخصٌ عادي، ورُبما أقلُ مِن العادي بقليل. ألَمْ يكُن الأشخاص العباقرة مثل ليونارد هم ما يقصدهُ الناس عندما يتحدثون عن العباقرة؟
“مُعلمكِ هو حالةٌ استثنائية. أتيلي قد تجاوز مستوى البشر بمراحل.”
“نعم، بالضبط. لذا أعتقدُ أنني شخصٌ عادي، أليس كذَلك؟”
“لو كانت الأمور كذَلك، فأنتِ تُبالغين في التواضع. اجتزتِ امتحان الساحر المتوسط بعد عامٍ واحد مِن التعليم فقط، وفككتِ دائرةً سحرية مِن سبع طبقات في دقيقةٍ واحدة. هَذا ليس عاديًا أبدًا، بل نُسمي مثل هَذهِ الحالات بالعباقرة.”
“اوه…حقًا؟”
“لا تُبالغي في التواضع، فذَلك قد يظهرُ كإزعاجٍ للآخرين.”
قالت ماتيلدا ذَلك بلطف، ولكن بنبرةٍ حادة، مما جعل كورديليا تشعرُ ببعض الإحراج.
خداع؟ لَمْ تُفكر يومًا بأنها تمتلكُ موهبةً استثنائية في السحر. عندما كانت تسمعُ مديح الآخرين، كانت تعتقد فقط بأنْ السحرة كرماءٌ في مدحها.
“آه، أرى. كنتُ دائمًا أقارن نفسي بمُعلمي، لذا ظننتُ بأنني لستُ جيدة.”
“إذا كنتُ تقيسين نفسكِ بناءًا على أتيلي، فَمِن الطبيعي أنْ تُفكري هَكذا. لكن إنْ كنتِ متواضعةً للغاية، فقد لا ينظرُ إليك الآخرون بإيجابية. تصرفي مثل مُعلمي.”
“مثل مُعلمي؟”
“تحدثي وكأنكِ الشخصُ الوحيد والأفضل في العالم. الجميع قد يكرهون ذَلك، لكنهم سيعترفون بقدراتكِ.”
“هاهاها…”
ضحكت كورديليا بشكلٍ مُحرجٍ للغاية. بطبيعتها، ستحتاجُ إلى أنْ تُولد مِن جديد لكي تتصرف مثل ليونارد.
“لنعود إلى موضوعنا، رُبما لا نعرفُ تمامًا لماذا عقدت ليديا إلفينباوم صفقةٌ مع الشيطان، ولكن مِن المُمكن أنها قد فعلت ذَلك بدافع الغيرة منكِ. فَبالطبع، الغيرة تظهرُ عادةً تجاه الأشخاص المُقربين.”
“لا يُمكن. أليس مِن المُفترض أنْ أكون أنا مَن يغارُ منها؟ فهي فائقة الجمال، وابنةُ عائلة إلفينباوم، ولديها أخٌ لطيف مثل السيد روزنبلور. بالمُقارنة معها، أنا…”
كانت كورديليا تنفي هَذهِ الفكرة بشدةٍ. فتحدثت ماتيلدا بلهجةٍ أكثر صرامة.
“لا تفترضي أنْ الشخص الذي يملكُ الكثير لا يشعرُ بالغيرة. فالغيرة شعورٌ غريزي لدى الإنسان.”
“الغيرة… الغيرة.”
تمتم روزنبلور بالكلمة كما لو كان يتذوقُها، بينما كان يستمعُ إلى المحادثة بينهما. لَمْ يًفكر أبدًا في الأمر مِن هَذا المنطلق، لكن كلام ماتيلدا كان لهُ بعض الصواب. فمنذُ ظهور كورديليا، أصبحت ليديا تتحدثُ عنها كثيرًا.
بدأت كورديليا تتحدثُ بحذر.
“لدي فضولٌ آخر. هل تتغيّرُ شخصيةُ الشخص قليلاً إذا عقد صفقةً مع الشيطان؟”
“تتغيّر الشخصية؟ هممم، لَمْ أسمع شيئًا كهَذا مِن قبل.”
هزّت ماتيلدا رأسها برفقّ وهي تقول.
“حقًا؟ هممم…”
“لماذا؟ هل لاحظتِ شيئًا غريبًا؟”
“أعتقد أنْ شخصية ليديا تغيّرت قليلاً. صحيح أنني لَمْ أعرفها لفترةٍ طويلة، لكنها كانت دائمًا لطيفةً وحنونة. ولكن بعد قدومها إلى الجمعية السحرية، أصبحت… كيف أصفُ ذَلك؟ أكثرُ صراحة؟ بل رُبما أكثرُ حدةً. وحتى عينيها، لا، لا شيء.”
التفتت ماتيلدا إلى روزنبلور وسألتهُ.
“هل شعرتَ بالشيء نفسه؟”
“لستُ مُتأكدًا. تحدثتُ مع ليديا اليوم لمدة عشر دقائق تقريبًا، لكنني أتفهم ما تقولهُ كورديليا. لقد بدت أكثر حدةً بالفعل.”
“هُناك مقالاتٌ تتحدثُ عن التغيُّرات في حالة المُتعاقدين بعد إبرام صفقةٍ مع الشيطان، وتقول إنهم في البداية يجدون صعوبةً في التحكم بالقوة الزائدة ويصبحون مُفرطي الثقة. لا تقلقي كثيرًا، فالأمرُ سيتحسن بمرور الوقت.”
“أوه، هَذا مُطمئن.”
ابتسمت كورديليا براحةٍ بعد إجابة ماتيلدا. نظرت ماتيلدا إليها بتمعُن لفترةٍ ثم سألت.
“هل عاشت غريتا حياةً سعيدة؟”
“أمي؟”
يبدو أنها لِمْ تسمع ذَلك الاسم منذُ فترةٍ طويلة. أخذت كورديليا تُفكر في كيفية الرد.
“بصراحةٍ، لا أعرف. لَمْ تكُن العلاقة بين أمي وأبي جيدةً جدًا حتى قبل وفاتها.”
كانت العلاقة بين والديها دائمًا سيئة بقدر ما تتذكرُ كورديليا.
‘يا لكِ مِن مغرورة. ما الذي يجعلُكِ تعتقدين أنْ لديكِ الحق في قول مثل هَذا الهراء؟ يجبُ أنْ تكوني مُمتنةً لأن عائلة فاسكويز استقبلتكِ!’
‘مُمتنة؟ إنْ عائلة مانسون، عائلتي الأصلية، فهي أفضلُ مِن عائلة فاسكويز التي لَمْ يتبقَ منها سوى رماد.’
‘كيف تجرؤين!’
كانت والدتُها عادةً هادئة، إلا عندما كانت تتجادلُ مع والدِها. كانت تقفُ في وجههِ بشدةٍ وتصرخ عليه. وفي تلكَ اللحظات، كان والدُها يفقدُ السيطرة على غضبه ويبدأ بالصراخ.
كان تحطيم الأثاث أمرًا مُعتادًا. وعندما كانت كورديليا وشقيقُها دينيس يبكيان مِن صوت الشجار، كانت المُربية تهرع لتغطية آذانهما. تلكَ كانت ذكرياتُ طفولتها.
في تلك الأيام، كانت تتمنى فقط أنْ تتوقف والدتُها عن الصراخ، لكنها الآن تتمنى لو لَمْ تفعل.
لِمْ يمض وقتٌ طويل بعد عيد ميلادها العاشر حتى انهارت والدتُها، لتتحقق تلكَ الأمنية بطريقةٍ مؤلمة.
“وكانت مريضةً جدًا أيضًا. استدعينا الأطباء، لكننا لَمْ نكُن قادرين على تحمُل تكاليف العلاج. لذَلك، في آخر سنةٍ مِن حياتها، لَمْ نتمكن مِن توفير العلاج لها.”
“هل تحدثت غريتا عني؟”
“لا. لقد اكتشفتُ هُنا فقط أنْ أمي كانت ساحرة.”
ابتسمت كورديليا بمرارةٍ. ما زالت تلكَ الذكريات تؤلمها.
كانت الأسرة مًفلسةً لدرجة أنهم لَمْ يتمكنوا مِن دفع ثمن علاج لوالدِتها، ومع ذَلك كان والدها يُنفق الكثير مِن المال على شقيقُها دينيس ليتعلم المُبارزة.
كانت والدتُها تعلم بذِلك، لكنها لَمْ تقُل أيَّ شيء.
“أعتقدُ بأنها لَمْ تكُن سعيدة.”
“…”
“لو لَمْ تتزوج في عائلة فاسكويز، لكانت ستعيشُ حياتها أكثر سعادةً كساحرة.”
“ولكن في هَذهِ الحالة، لما كنتِ قد وُلدتِ.”
“حتى لو كان الأمر كذَلك، لا بأس. لقد قالت أمي نفسَ الشيء. كانت تتمنى لو أنني وُلدت في مكانٍ آخر.”
تلاشى بريقُ الحزن على وجه كورديليا.
“عندما كنتُ طفلةً، لَمْ أفهم ما كانت تقصدهُ. لكن مع تقدُمي في السن، أدركتُ أنها رُبما كانت قد ندمت على إنجابي. لو لَمْ أكُن موجودةً…”
قاطعتها ماتيلدا بكلماتٍ حازمة.
“هَذا مُستحيلٌ تمامًا.”
“كيف يُمكنكِ أنْ تكوني واثقةً هَكذا؟”
“لقد عرفتُ غريتا لفترةٍ طويلة. كانت تتحملُ المسؤولية بشكلٍ مُدهش، ولَمْ تندم على قراراتها أبدًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة