أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 92
الفصل 92 : عقدٌ مع الشيطان ³
“ماذا؟”
“نصفُ بشرية ونصفُ شيطان؟ هل هَذا مُمكن؟”
أثار تصريح ماتيلدا الفوضى في المكان. وفي خضم هَذا الاضطراب، كان هايدن أول مَن سأل ماتيلدا.
“ماذا تقصدين؟ تلميذةُ أتيلي هي نصفُ بشرية ونصف شيطان؟”
“ليس الأمرً أنها نصفُ بشرية ونصفُ شيطان، بل هي تتحدثُ عن احتمال ذَلك يا هايدن.”
صحح ليونارد كلام هايدن بينما كان يضعُ ذراعيهِ على صدره.
“كيف يُمكن أنْ يكون هُناك احتمالٌ كهَذا مِن الأساس؟ لا بد أنْ ماتيلدا لديها بعضُ الأدلة لتقول شيئًا كهَذا، أليس كذَلك؟”
التفتت الأنظار إلى ماتيلدا، التي تابعت شرحها بهدوء.
“أحتاجُ إلى أن أشرح مِن البداية. سبب شكوكي حول أصل فاسكويز يعود إلى والدتها، غريتا مانسون.”
“مانسون؟ مانسون، أين سمعتُ هَذا الاسم مِن قبل؟ آه! مانسون، كانت تلميذتُكِ، أليس كذَلك؟”
“أتذكرُ ذَلك أيضًا، ألَمْ تكًن بارعةً بشكلٍ خاص في السحر الاستدعائي؟”
تذكر مينوبيو الأمر وأضاف تعليقًا، رغم أنْ القصة كانت تعود لعشرين عامًا مضت، إلا أنْ المواهب اللامعة لا تُنسى بسهولة.
“صحيح، كانت غريتا مِن أحب تلاميذي. لو لَمْ تتخلَ عن السحر بسبب مُعارضة عائلتها، لكانت قد أصبحت ساحرةً عظيمة.”
أغمضت ماتيلدا عينيها مُستذكرة الأيام الماضية، حيثً كانت تتذكر كيف كانت غريتا موهوبةً. لكنها عادت إلى الواقع بعد إلحاح هايدن الذي كان يجلسُ مُقابلها.
“ولماذا مانسون؟ أسرعي وحدثينا.”
“مانسون كانت الأكثر موهبةً في استدعاء الشياطين مِن بين تلاميذي. نجحت في العديد مِن الاستدعاءات لكنها لَمْ تُبرم أيَّ عقدٍ مع الشياطين. ثم فجأةً تركت السحر وتزوجت مِن فاسكويز وأنجبت طفلًا بعد ذَلك بفترةٍ قصيرة.”
“وما الغريبُ في ذَلك؟”
“كانت غريتا غيرُ قادرةٍ على إنجاب الأطفال بالفطرة. بالإضافة إلى ذَلك، حدث انهيارٌ في شمال إيرشيه قبل عامٍ مِن ولادة كورديليا فاسكويز. هل تعتقدُ أنْ كُل هَذا كان مُجرد صدفةٍ؟”
نظرت ماتيلدا بهدوءٍ إلى الحضور، بينما طرح هايدن سؤالًا جادًا.
“هممم، هل تقصدين أنْ مانسون أبرمت عقدًا مع شيطان لتحمل بطفل؟”
“لكن هَذهِ مُجرد أدلةٍ ظرفية، أين الدليل الذي يُثبت أنْ كورديليا نصفُ شيطان؟”
اعترض كاينون بوجهٍ مُتجهمٍ على كلام ماتيلدا. تقبلت ماتيلدا الرأي بهدوء.
“أنتَ على حق، إنها مُجرد أدلةٍ ظرفية. لكن إنْ كانت فاسكويز تشربُ دم الشياطين دوّن أن يتأثر، وإنْ كانت الوحوش الشيطانية تُحبها بشدة، ألَن يكون الأمرُ مُختلفًا؟”
“ماذا تقصدين بذَلك؟”
سأل مينوبيو، فشرحت ماتيلدا بإيجازٍ القصة التي قدمت فيها شايًا يحتوي على دم الوحوش لكورديليا. اقترب هايدن بشكلٍ جدي مِن الطاولة.
“ما الذي تم اكتشافهُ بعد الانهيار قبل العشرين عامًا؟ هل عُثر على أيِّ أثرٍ لمانسون هُناك؟”
“لا، لَمْ يُعثر على أثرٍ لمانسون ولا لأيِّ شيءٍ آخر. لقد راجعتُ السجلات الخاصة بالتحقيق في الانهيار، ووجدتها قليلةً بشكلٍ غريب، كما لو أنْ شخصًا ما حاول إخفاء الأمر.”
“هَذا أمرٌ مُريب.”
“مُريب؟ لا أراهُ سوى تكهناتٍ. الدليل الوحيد الذي نملكهُ هو أنْ فاسكويز قد شربت الشاي الممزوج بدم الشياطين، هل يُعقل أنْ نحكم عليها بأنها نصفُ شيطان بناءًا على ذَلك؟ هَذا غيرُ منطقي.”
جلس كاينون بوضعيةٍ مُتوترة، بينما أيد مينوبيو كلامه.
“صحيح، وبالإضافة إلى ذَلك، البشر والشياطين كائناتٌ مُختلفة، ولا يُمكن أنْ يكون بينهما نسلٌ مُختلط.”
“هَذا ما نعتقدهُ فقط، لأنه لَمْ يتم اختبار ذَلك فعليًا.”
ردت ماتيلدا بسرعةٍ على كلام مينوبيو. فصفع كاينون صدرهً بأنزعاج.
“ما الذي تُريدين قولهُ؟ هل تقترحين طرد كورديليا مِن جمعية السحرة لأنها نصفُ شيطان؟”
“طردُها؟ هَذا كلامٌ خطير. إنْ كانت حقًا نصفَ شيطان، فيجبُ قتلُها لتجنب أيِّ خطر.”
“ماذا؟ هل جُننتِ؟ مَن ستَقتلين؟”
لَمْ يستطع كاينون كبح غضبهِ، فوقف وأشار بإصبعهِ نحو ماتيلدا صارخًا. لكن ماتيلدا لَمْ تُحرك ساكنًا.
تنهد هايدن بهدوء ووقف إلى جانب ماتيلدا.
“ما تقولهُ ماتيلدا ليس خطأ. إنْ كان هُناك إنسان بنصف دمٍ شيطاني، ماذا سنفعل؟ لقد رأينا أنْ السحرة الذين يبرمون عقودًا مع الشياطين يفقدون عقولهم ويدمرون كُل شيء مِن حولهم.”
“هؤلاء الحمقى الذين عقدوا تلكَ الصفقات مِن أجل القوة! لكن هًناك الكثير مِمَن لَمْ يفعلوا ذَلك. أتيلي! قُل شيئًا، كورديليا تتعرضُ لاتهاماتٍ باطل بأنها نصفُ شيطانٍ، وأنها يجبُ أنْ تُقتل، هل ستظلُ صامتًا؟”
“يبدو أنْ لديكم الكثير لتقولوه. هل انتهيتم مِن قول ما ترغبون به؟”
قال ليونارد الذي كان يُراقب المشهد بلا مُبالاة، مُستعدًا للتدخل. وبينما تتكلم، بدا أكبر حجمًا مما هو عليه.
نظراتهُ الحادة تنقلت بين الأربعة الجالسين. ثم وجه تحذيرًا قصيرًا وواضحًا.
“يبدو بأنكم قد نسيتُم، كورديليا هي تلميذتي الوحيدة ووريثةُ أكيرون. إنْ حاول أحدُكم المساس بها، فسأمحوهُ هو مدرستَه وتلاميذه.”
“أتيلي، فكر بهدوء. التلميذةُ التي اخترتها ليست بشريةً، إنها شيطانة…”
“مَن كان وريثُ تريسكا؟ آه، أيملي باشتيل. ستكون أول مَن يموت.”
“هل تُهددني الآن؟”
اشتعلت عينا ماتيلدا السوداوان بغضب. لكن ليونارد لَمْ يبتسم، ولَمْ يغضب، بل تحدث ببرودِ شديد، وكأنهُ يقول حقيقة.
“هَذا ليس تهديدًا. أنا فقط أخبرُكِ بما سيحدُث. طالما أنكَ تُصرين على قتل تلميذتي واعتبارها شيطانة فسأردُ بالمثل.”
“لقد أصبحت أعمى تمامًا. تشه، تشه. ما الذي يجعلُ هَذهِ التلميذة ذات أهميةٍ كبيرة!”
“هاها، هل قُلت أنْ التلميذتي ليست ذات أهميةٍ كبيرة؟ إذن، هل يعني ذَلك أنهُ لا بأس إذا قتلتُ تلميذك المُفضل، ليتون؟”
“أتيلي! انتبه لكلامكَ! هل تعلم أين نحنُ؟”
ما إنْ سمع هايدن كلمات ليونارد حتى ضرب الطاولة بغضبٍ وانفجر غضبًا. عندها، تخلّى ليونارد عن نبرة الاحترام الرسمية التي كان يستخدمُها وعاد إلى نبرتهِ الحقيقية.
“هل تعتقدُ أنني أقدمُ لكم الاحترام لأنكم أفضلُ مني؟ لا تسيئوا الفهم. السبب الوحيد الذي يجعلُني أتحدثُ باحترامٍ مع بعض السحرة هو أنني تعلمتُ السحر مِن ستة عشر ساحرًا، وليس لأنني أعتبركم أساتذتي.”
“……”
“أنا ساحرٌ في أكيرون، رئيسُ عائلة أتيلي، وساحرُ البلاط في إيرشيه. أتجرؤ؟ أتجرؤ على التهديدي بقتل تلميذتي أمامي؟”
كانت هيمنتهُ ساحقةً لدرجة أنْ الغرفة كُلها غُمرت بصمتٍ ثقيل.
“أًحذركم، إذا سمعتُ مرةً أخرى أيَّ كلمةً عن أنْ تلميذتي شيطانة أو يجبُ قتلُه، فسيخسرُ الشخص الذي يتحدثُ وريثهُ ومدرسته. إنْ كنتم لا تُصدقون، فجربوا. وأنا أيضًا سأجرب.”
“إذا قمتَ بذَلك، هل تعتقدُ أنْ مجلس السحرة في روبال سيقفُ مكتوف الأيدي؟” قالو ماتيلدا بعد أنْ ظلت صامتةً لبعض الوقت.
ابتسم ليونارد بخفةٍ وقال: “ينبغي أنْ تسألي العكس يا ماتيلدا. هل سأتركُ المجلس وشأنهُ إذا تجرأ أحدٌ على المساس بتلميذتي؟”
ثم نهض ليونارد مِن مقعدهِ. الغرفة تجمدت تمامًا، ولَمْ يجرؤ أحدٌ على تحريك عينيه.
وقبل أنْ يغادر، خاطبتهُ ماتيلدا مِن خلفه: “سأستمرُ في التحقيق لمعرفة ما إذا كان تلميذتُكَ إنسانةً بالكامل. لَن يُفيدكَ منعي.”
“افعلي ما يحلو لكِ، فَلَن يُغيّر ذَلك شيئًا.”
ثم غادر الغرفة غيرُ مُبالٍ. وما إنْ أُغلق الباب بالكامل حتى زفر كاينون أنفاسًا كان يحبسُها.
“ذَلك المجنون… كنتُ أعلم بأنهُ مجنونٌ، لكن طريقةً كلامهِ…”
حتى مينوبيو نقر بلسانه وقال: “كنتً أتوقع مُعارضةً قاسية، لكن ليس ردة فعلٍ بهَذهِ الحدة.”
أما هايدن، فقد اكتفى بالتحديق إلى المقعد الفارغ الذي كان يجلسُ فيه ليونارد، ولَمْ يُضف شيئًا.
الشخص الوحيد الذي حافظ على رباطة جأشه كان ماتيلدا.
“أولاً، علينا التحقق مما إذا كانت فاسكويز حقًا نصف شيطان. سأواصل التحقيق وأبلغكم بالنتائج.”
“ومهما كانت النتائج، ماذا يُمكننا أنْ نفعل؟ ليونارد يحميها بشدة.”
“إذا كانت إنسانًا، فلا داعي للقلق. لكن إذا كان دمُها مُختلطًا بدم الشياطين، فعلينا أنْ نقتُلها بأيِّ وسيلةٍ كانت.”
“ماتيلدا، هل نسيتِ ما قالهُ للتو؟ إذا قال إنهُ سيفعل شيئًا، فسيفعلهُ! لا تقتربي مِن كورديليا وإلا ستكون هُناك كارثة.”
ضرب كاينون صدرهُ بإحباط. رغم ذَلك، بقيت ماتيلدا ثابتةَ.
“إنْ كانت كائنًا لا يجبُ أنْ يكون في هَذا العالم، فعليها أنْ تختفي.”
“التحدثُ معكِ يُشبه التحدث إلى جدار. انتهى الأمر. على أيِّ حال، أنا في صف أتيلي، لذا لا تجرؤي على الاقتراب مِن كورديليا. سأراقبُ كُل شيء.”
هزّ كاينون رأسهُ وهدد بلطف قبل أنْ يُغادر الغرفة. ماتيلدا بدورها غادرت قاعة الاجتماع ببطء وتوجهت نحو مُختبرها.
في ذهنها، كان يشغلُها مشهدُ غريتا الأخير منذُ عشرين عامًا.
‘مُعلمتي، أنا آسفة لأنني سأغادر هَكذا. حقًا، أنا آسفة.’
كانت غريتا تبكي دموعًا غزيرةً وهي تطلبُ العفو. ضمتها ماتيلدا بلطفٍ وقالت:
‘أنتِ التلميذة التي أحبها أكثر مِن أيِّ شيء. لا تبكي. أينما كنتِ، سأكون دائمًا معكِ.’
“ماتيلدا.”
“مرحبًا، ماتيلدا.”
عند باب المًختبر، كان روزنبلور وكورديليا ينتظرانها.
نظرت ماتيلدا إلى وجه كورديليا بعنايةٍ. لَمْ تكُن كورديليا تُشبه غريتا كثيرًا. كان لغريتا شعرٌ قريبٌ مِن الأشقر وعينان بنيتان فاتحتان. شخصيتُها كانت خجولةً وقليلة الكلام مُقارنةً بالحيوية التي تمتازُ بها كورديليا.
“ما الأمر؟”
“جئتُ لأسألكِ عن ليديا. هل يُمكنني طرحُ بعض الأسئلة إذا كان لديكِ وقت؟”
“بالطبع، تفضل بالدخول.”
“سأغادر الآن.”
خطت كورديليا خطوةً إلى الوراء وألقت التحية بلطف.
“شكرًا لكِ، كورديليا، على الانتظار معي.”
“لا شُكر على واجب. كان مِن دواعي سروري رؤية السيد روزنبلور بعد فترةٍ طويلة.”
“إذا كان لديكِ بعض الوقت يُمكنكِ الدخول معنا.”
“أنا؟ أدخل معكما؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة