أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 90
الفصل 90 : عقدٌ مع الشيطان ¹
“ماذا يجبُ أنْ أفعل أكثر ذَلك؟”
في تلكَ اللحظة القصيرة، بدأت تظهرُ طاقةٌ سحرية كبيرةٌ حول ليديا. حاولت كورديليا الإفلات مِن قبضة ليديا بشدة وهي تهزُّ معصمها.
لكن كان مِن المُدهش أنْ تمتلكَ تلكَ الاذرع الرفيعة مثل هَذهِ القوة. كانت قبضتها قويةً جدًا لدرجة أنْ كورديليا لَمْ تستطع الإفلات منها رغم محاولاتها العديدة.
سرعان ما بدأ مستوى الطاقة السحرية بالتصاعد بشكلٍ خطير.
‘ستَنفجر!’
أدركت كورديليا بغريزتها ما سيحدثُ بعد ذَلك. لَمْ تستطع ليديا السيطرة على تلكَ الطاقة المُتزايدة. حاولت تقيّم الوضع بعقلانيةٍ بأقصى سرعة. في البداية، صرخت على الرجل الذي كان قد اقترب لتحذيرها.
“اهرب الآن! بسرعة!”
“ماذا؟ ما الأمر؟”
بدأ الرجل يتراجع بسرعةٍ بعد أنْ شعر أنْ الوضع ليس على ما يُرام. ثم صرخت كورديليا على الأشخاص القريبين منها أيضًا.
“تراجعوا إلى الخلف!”
بالتزامن مع كلماتها، قامت بتفعيل سحر الحاجز الدفاعي.
لَمْ يستغرق الأمر ثلاث ثوانٍ لحساب الطاقة السحرية وتوزيعها وتفعيلها. لو رآها مُعلمها، لقال: “الآن أصبحتِ تعرفين كيف تقومين بذَلك بشكلٍ صحيح.”
“أوه.”
“آآه!”
في النهاية، انفجرت الطاقة السحرية التي كانت تهتزُّ بشكلٍ غيرُ مًستقر حول ليديا. لَمْ يكُن الانفجار بنفس القوة التي حدثت عند تدمير منطقة ديلوانا، ولكنهُ كان قويًا بما يكفي لدفع الطاولات القريبة في الهواء.
بدأت كورديليا تتنفسُ بصعوبةٍ. نظرت حولها لتجد أنْ كُل الطاولات والكراسي قد تناثرت وأصبح المكان فوضويًا تمامًا. لكن لحُسن الحظ، بفضل تحذيرها المُسبق، لَمْ يبدو أنْ هُناك أيَّ شخصٍ قد أصيب بجروح.
“ما هَذا؟ هل هَذهِ نوبة انفجارٍ سحري؟”
“أليست تلكَ المرأة مِن عائلة إلفينباوم؟”
بدأ الناس بالهمس بدهشةٍ. ثم بدأت قبضةُ ليديا، التي كانت تُمسك بيد كورديليا بقوة، تضعفُ تدريجيًا حتى اختفت تمامًا.
“ليديا!”
ترنحت ليديا وسقطت على الأرض. هرعت كورديليا لإمساكها وهي في حالةٍ مِن الصدمة. بدت ليديا غيرَ واعيةٍ تمامًا، لَمْ تستجب حتى عندما هزّتها كورديليا بلطف.
“هل هُناك أحدٌ هُنا يستخدمُ سحر الشفاء؟ أو هل يوجد طبيب؟”
استجاب عددٌ قليل مِن الأشخاص لنداء كورديليا الطارئ، وساعدوها في نقل ليديا إلى غرفة العلاج.
لحُسن الحظ، لَمْ تكُن حالةُ ليديا خطيرة.
في تلكَ الأثناء، دخل ليونارد، الذي سمع بالأمر مُتأخرًا، بسرعةٍ إلى غرفة العلاج. نهضت كورديليا التي كانت جالسةً في الزاوية فور رؤيتهِ.
“مُعلمي.”
“هل أصبتِ؟”
“ماذا؟”
“هل أصبتِ؟ دعيني انظر حولكِ. ذراعيُكِ؟ هل التوى كاحلُكِ مرةً أخرى؟”
“انتظر لحظة، آه، مُعلمي.”
لَمْ يعطها فرصةً للحديث. كان ليونارد شديد القلق وهو يفحصُ ذراعيها وكاحليها بدقةٍ. حتى أنهُ أمسك بذقنها ليتأكد مِن أنْ وجهها لَمْ يُصب بأيِّ جرح.
“أنا بخير، ليديا هي مَن أغميّ عليها.”
قالت كورديليا وهي تُشير إلى السرير الذي كانت ليديا مُستلقيةً عليه.
“لقد سمعتُ بذَلك. لقد تعرضت لنوبة انفجارٍ سحري.”
“نعم، لذا يجبُ أنْ نذهب لرؤية ليديا…”
“لقد كنتِ بجانبها حينها، أليس كذَلك؟”
أخيرًا، بعد أنْ تأكد ليونارد أنْ كورديليا بخير، نظر مًباشرةً في عينيها. وبمُجرد أنْ رأت كورديليا القلق في عينيه، ابتسمت بلطف.
“لَمْ أصب بأيِّ شيء. لقد استخدمتُ حاجز السحر الذي علمتني إياهُ لحمايتي. كما أنْ الانفجار لَمْ يكُن بتلكَ القوة.”
“هل أنتِ مُتأكدةٌ بأنكِ بخير؟ لا أستطيع أنْ أترككِ ولو للحظةٍ دوّن أنْ تتعرضي لموقفٍ ما. أرسلتُكِ لجلب الطعام، وها أنتِ تورطتِ في نوبة انفجارٍ سحري.”
“لَمْ يكُن بوسع أحدٍ أنْ يتوقع أنْ يحدث ذَلك مع ليديا فجأةً. آه، صحيح! لقد نسيتُ تمامً طعامكَ. آسفة، لا بد أنكَ جائع.”
“هل هَذا هو المُهم الآن؟ آه، رُبما عليَّ أنْ أترككِ في المُختبر طوال اليوم. لا يُمكنني ترككِ لحظةٍ دوّن أنْ يحدُث شيء.”
“لَمْ أكُن السبب في المُشكلة، فقط تورطتُ فيها صدفةً. على أيِّ حال، أنا بخير، فلنذهب لرؤية ليديا.”
“طالما أنها لَمْ تمُت، فكُل شيء بخير.”
قال هَذا بلامبالاة. قادته كورديليا نحو سرير ليديا.
كانت ليديا لا تزالُ فاقدةً للوعي. اقترب منهما الطبيب السحري الذي كان قد فحص حالتها وقال:
“لقد تعرضت الآنسة إلفينباوم لنوبة انفجارٍ سحري. لكن لحُسن الحظ، كانت المُدة قصيرة، لذا لَن يكون هًناك تأثيرٌ كبير على جسدها.”
“لكن لماذا لَمْ تستيقظ بعد؟”
“هَذا غيرُ واضحٍ تمامًا، فكًل جسدٍ يتفاعل بطريقةٍ مُختلفة. لكنها ستَستيقظُ قريبًا. الفحص أظهر أنْ حالتها ليست خطيرة.”
بعد أنْ أنهى حديثهُ، قام الطبيب بانحناءةٍ خفيفة وغادر. بينما ليونارد كان ينظرُ بلا مبالاة إلى ليديا المُستلقية على السرير.
“عندما ترغبُ بشيءٍ ليسَ مُلككَ، ستتعرضُ للمشاكل.”
“ما الذي تقصدهُ بذَلك؟”
“الانفجار السحري يحدُث عندما لا يتمكن الشخص مِن التحكُم في القوتهِ التي يملكُها. ليديا حصلت على قوتها خلال أيامٍ قليلة، لذا مِن الطبيعي أنها لَمْ تستطع التحكم فيها.”
“لكن، عندما أفكر في الأمر، إنهُ أمرٌ غريب. كيف تمكنت ليديا مِن تعلم السحر بهَذهِ السرعة؟”
“ألَمْ تفهمي بعد؟ كيف حصلت ليديا على تلكَ القوة؟”
التفت ليونارد نحو كورديليا ونظر إليّها بعمق. في تلكَ اللحظة، فهمت كورديليا ما كان يقصدُه.
“لقد عقدت صفقةً مع شيطان، أليس كذَلك؟”
“تمامًا. وإلا فلا يُمكن تفسير الأمر.”
“لكن لماذا؟ لماذا تختارُ ليديا فعل ذَلك؟ ما هو السبب الذي يدفعُها لطلب تلكَ القوة في المقام الأول؟”
حتى مع معرفتها الإجابة، كانت مليئةً بالتساؤلات. ليديا هي الابنة الوحيدة لعائلة إلفينباوم، إحدى أكثر العائلات احترامًا في إيرشيه، وهي في وضعٍ يُسمح لها بالحصول على كُل ما تُريده بسهولةٍ. لذَلك، لَمْ تستطع كورديليا فهم السبب الذي دفع ليديا لتحمل مخاطرة عقد صفقةٍ مع شيطان للحصول على القوة.
“لا أعلم.”
لَمْ يكُن لدى ليونارد إجابةٌ أيضًا. فسألت كورديليا وهي غارقةٌ في التفكير:
“هل يتغيرُ الشخص إذا عقد صفقةً مع شيطان؟ لا تبدو ليديا كما أعرفها. آه، لذَلك…”
“لذَلك؟”
“لذَلك تغيرت شخصيتُكَ يا مُعلمي أيضًا وأصبحتَ فوضويةً بسبب عقد صفقةٍ مع شيطان!”
“فوضوية؟”
ارتفعت إحدى زوايا شفتي ليونارد. وبمُجرد أنْ لاحظت كورديليا هَذا، سارعت في تغيير حديثها.
“هَذا مُستحيل بالطبع. هَذا الدفء والجمال في شخصيتكَ يا مُعلمي لا يُمكن أنْ يكون إلا فطريًا.”
“مهاراتُكِ في التلاعب بِمُعلمكِ تزدادُ يومًا بعد يوم، أيتُها التلميذة.”
“كما أنْ مهاراتي في الدفاع تتطور أيضًا. وكُل ذَلك بفضل مُعلمي العظيم والموقر. لولا مُعلمي، لكنتُ قد كسرتُ ذراعي منذُ زمنٍ طويل. رائع، مُعلمي هو الأفضل!”
“همف.”
سخر ليونارد ضاحكًا على مدحها المُتملق.
***
بعد بضعة أيامٍ، وصل روزنبلور إلى جمعية السحرة في روبال. هرع إلى ليديا مُغطى بالغبار، وعيناهُ محمرتان مِن القلق.
“ليديا!”
بمُجرد أنْ رأى روزنبلور ليديا، احتضنها بقوةٍ. ورغم أنْ الناس نظروا إليّهِ بتعجب بسبب ترحيبه المُبالغ فيه، إلا أنهم لَمْ يستغربوا كثيرًا لأنهم سمعوا عن علاقتهما الأخوية القوية.
أما ليديا، التي لَمْ ترَ شقيقها منذ قرابة شهر، فاكتفت بابتسامةٍ خفيفة. كانت ابتسامتُها تلكَ غيرَ طبيعيةٍ بجمالها البارد.
“بلي، كيف حالُك؟”
“كيف حالي؟ هل تعلمين كم كنتُ قلقًا؟ لا يهم، المُهم أنكِ بخير. هيا لنعود إلى العاصمة، لقد كان عمي قلقًا عليكِ كثيرًا.”
“لَن أعود إلى العاصمة بعد الآن.”
“ماذا تقصدين؟”
ردت ليديا بإظهار لهب سحري. كانت طريقة إظهارها للسحر طبيعيةً لدرجة أنْ روزنبلور اتسعت عيناهُ بدهشة. فقد وصل مستواها إلى مستوى ساحرٍ متوسط على الأقل.
“كيف فعلتِ ذَلك؟”
“أنا ساحرةٌ الآن، أليس لديّ الحق في البقاء هُنا؟”
لَمْ يستطع روزنبلور أنْ يفرح بالمُعجزة التي حققتها شقيقتُه. فقد كان يعرفُ جيدًا ما يعنيهِ أنْ يكتسبَ شخصٌ ما قوةً سحرية فجأة.
“ليديا، ما الذي حدث لكِ خلال هَذا الوقت؟”
“ماذا تعني؟ أخيرًا بدأت موهبتي السحرية تظهر.”
“ما هَذا الهراء؟ لقد توقفتِ عن تَعلُم السحر منذُ أكثر مِن عشر سنوات، والآن فجأةً تستطيعين استخدامهُ بحرية؟”
“ولمَ لا؟ هل مِن الغريب أنْ أكون موهوبةٌ بالسحر؟ انظر، أليس هَذا جميلًا؟”
ضحكت ليديا وأعادت السؤال إليّه، بينما كان روزنبلور يشعرُ بالأسى وهو يُشاهد اللهب الذي أظهرتهُ.
“هل عقدتِ صفقةً مع شيطان؟”
“لا.”
“أنتِ لا تُنكرين بشكلٍ صحيح حتى.”
كان نفيُها السريع يزيدُ مِن يقينه. رفع روزنبلور يديه ليمسحَ وجههُ بعصبية.
عقدُ الصفقاتٍ مع الشياطين كان سلاحًا ذو حدين؛ قد يمنحُ قوةً هائلة، لكنهُ غالبًا ما ينتهي الأمرُ بأنْ يكون الطرف الآخر مِن الصفقة هو الضحية.
“ليديا، أنا بجانبكِ مهما كان ما فعلتهِ أو تودين فعلهً. لذا أخبريني بصراحةٍ، ما الذي دفعتهِ مُقابل الصفقة؟ ومع أيِّ شيطانٍ عقدتها؟ وما هي شروط الصفقة؟”
“لَمْ أعقد صفقةً مع شيطان. هَذهِ موهبتي. لماذا لا تُصدقني؟”
“موهبة؟ أيُّ موهبة؟ اختفيتِ فجأةً لمُدة شهر، ثم تعودين مع مهارات ساحرةٍ متوسطة. أتُريدين مني أنْ أصدق أنْ هَذهِ مُجرد موهبة؟ ليديا، ما الذي حدثَ لكِ حقًا؟”
تلاشى شعور الفرح لدى روزنبلور بعودة شقيقتهِ، وبدأ صوتهُ يعلو بلا شعور.
كانت تساؤلاتهُ منطقيةً للغاية. ما فعلتهُ ليديا بالسحر كان بمثابة مُعجزة؛ شيءٌ يستغرقُ عشرات السنين مِن الجُهد والدموع استطاعت تحقيقهُ في شهرٍ واحدٍ فقط.
لكن ليديا، بدلًا مِن أنْ تتراجع، نظرت إليّه بغضب وقالت:
“عندما استطاعت كورديليا إنشاء دائرةٍ سحرية رُباعية في شهرٍ واحد، قلتَ بأنها موهبةٌ رائعة، لكن عندما أستخدمُ السحر، تفترضُ بأنني عقدتُ صفقةً مع شيطان؟”
“وما دخلُ كورديليا بهَا؟ أنتما مُختلفتان تمامًا.”
“ما هو الفرق بيننا؟ ما هو؟”
صاحت ليديا بصوتٍ مُرتفع، وكان تغيّر مظهرها وسلوكها غريبًا جدًا لدرجة أنْ روزنبلور بقي صامتًا للحظة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة