أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 89
الفصل 89 : ما رأيُكِ بي؟ ¹²
‘هل كان يقصدُ بإنها جميلةٌ حقاً؟’
هل قالها مِن باب المُجاملة؟ لكن هل يحتاجُ مُعلمي إلى مُجاملتي؟ لماذا قال ذَلك فجأةً؟
بينما كانت كورديليا تُفكر في الأمر، عادت إلى ذهنها حادثةُ الليلة الماضية التي كانت قد نسيتها أثناء الامتحان، وشعرت بأنْ قلبها بدأ ينبضُ بسرعةٍ. خفضت رأسها بسرعة لتُخفي احمرار وجنتيها.
“يبدو أنْ السيدة ماتيلدا مشغولةٌ قليلاً.”
“نعم، ماذا؟”
كانت تنظرُ إلى الأرض أثناء سيرها، فردت مُتأخرةً على كلامه. قال ليونارد بينما استمر في المشي دوّن أنْ يتوقف:
“ألَمْ تُريدي أنْ تسأليها عن والدتكِ؟”
“صحيح.”
“بسبب الانهيار الذي حدث مؤخرًا، تم عقدُ اجتماعٍ طارئ، لذا قالت إنها لَن تستطيع تخصيص وقتٍ لنا حاليًا.”
“آه… لا بأس.”
كانت كورديليا تشعرُ بخيبة أملٍ بسيطة، لكنها كانت مُتأكدةً مِن أنها ستلتقي بها في وقتٍ لاحق طالما بقيت في جمعية السحرة.
وصلوا إلى المُختبر بسرعة لأنهُ لَمْ يكُن بعيدًا عن مكان الامتحان. ظهر كاندياس عند باب المُختبر، وبمُجرد أنْ رأى كورديليا، انفجر ضاحكًا.
“هاهاها، هل تشاجرتِ مع أحدٍ ما؟”
“ماذا؟ أنا؟”
“نعم، أنتِ. شعرُكِ يبدو وكأنكِ تدحرجتِ مِن عربة وسقطتِ خمس مراتٍ على الأرض.”
“هَذا مُستحيل.”
مُعلمي قال بإنهُ جميل…
شعرت كورديليا بالارتباك وبدأت تلمسُ شعرها بتردد. في تلكَ اللحظة، ضرب ليونارد الباب بقوةٍ.
“آه! ما هَذا؟”
“افتح الباب.”
“توقف عن الركل، أيُها المجنون!”
“افتح الباب.”
صرخ كاندياس بألمٍ، لكن ليونارد واصل الركل بلا تعبيرٍ على وجههِ. استمر في ذِلك حتى شعرت كورديليا بالحاجة إلى التدخل.
“مُعلمي، مِن فضلكَ..”
“ألا تُفكر قبل أنْ تتكلم؟”
“ليس لديَّ فمٌ حتى أتكلم! حسنًا، حسنًا!”
على الرغم مِن الضرب، لَمْ يُظهر كاندياس أيَّ تراجعٍ، لكنهً هرب بعيدًا عندما رفع ليونارد يدهَ.
بعد ذَلك دخلوا المًختبر أخيرًا. عند المدخل، كانت هُناك مجموعةٍ مِن الأثاث واللوازم التي لَمْ تكُن موجودةً في الصباح. بدت وكأنها أشياء كورديليا التي تحدث عنها في اليوم السابق.
التفت ليونارد إليها وسأل:
“أين تُريدين أنْ أنقلها؟”
“هممم.”
ألقت كورديليا نظرةً فاحصةً على المُختبر، واختارت زاويةً كانت قريبة إلى حدٍ ما مِن ليونارد، ولكن ليست قريبةَ جدًا.
“سأضعها هنا.”
أشارت كورديليا إلى المكان الذي تُريده، ولوح ليونارد بيدهِ بخفة، فتحرك المكتب الثقيل بسلاسةٍ ليستقر في المكان الذي اختارتهُ.
ثم نقل الحاجز ليُشكل حولها مساحةً مُريحة. ركضت كورديليا بسعادةٍ نحو المكان.
كان هًناك مكتبٌ نظيف وواسع عليهِ أدواتُ الكتابة وأوراقٌ مُرتبة. جلست بسرعةٍ على الكرسي وفتحت الأدراج ومررت بيدها على سطح المكتب اللامع.
وقف ليونارد أمامها وسأل:
“هل يُعجبكِ؟”
“نعم، جدًا.”
“حسناً، سأخبركِ بأول مهمةٍ عليكِ القيام بها.”
قال ليونارد بوجهٍ جاد، مما جعل كورديليا تتخذُ نفس الوضعية الجادة.
“ما هي؟”
“انزلي إلى الطابق الأول وأحضري ليِّ طعامي. قولي لهم إنهُ ليِّ، وسيعرفون ما يجبُ أنْ يُحضروا.”
“…حسناً.”
لَمْ تكُن هَذهِ المُهمة العظيمة التي كانت تتوقعُها، فخفضت كتفيها وسارت بتثاقل. وبينما كانت تنزلُ إلى الطابق السفلي، توقفت فجأةً أمام مرآةٍ مُعلقة في الممر.
“ما هَذا؟”
الآن فهمتْ لماذا كان كاندياس يسخرُ منها. كان شعرُها فوضويًا حقًا، وكأنها تشاجرت مع أحدٍ ما. قامت كورديليا بفك الشريط وربطت شعرها مرةً أخرى وهي تنظرُ إلى المرآة.
“كيف قال المُعلم إنْ هَذا جميل…؟”
إما أنْ عينيهِ كانت ضبابية، أو أنها كانت جميلةً فقط في نظره.
“لا، ما الذي أفكرُ فيه؟”
هزّت كورديليا رأسها بقوةٍ، وشعرت أنْ تفكيرها بدأ يأخذُ منحى مُبالغًا فيه.
بعد تجولها في جمعية السحرة لفترةٍ قصيرة، وجدت المطعم بسهولة. نظرت حولها بترددٍ، ثم أمسكت رجلاً يمر وسألته:
“عذرًا، كيف يُمكنني الحصول على طعام لمُعلمي؟”
نظر الرجل إلى كورديليا مِن رأسها حتى أخمص قدميها بتفحصٍ قليل الاحترام، ثم ابتسم ابتسامةً زائغة وقال:
“طعام؟ آه، أنتِ مُتدربةٌ جديدة، أليس كذَلك؟ متى انضممتِ إلى النقابة؟”
اقترب الرجل منها بوجهٍ يُشبه الضفدع، مما جعل كورديليا تتراجع بضع خطواتٍ. يبدو أنها اعتادت على وجه ليونارد لدرجة أنْ الآخرين لَمْ يعدوا كـ البشر بنظرها.
“أنا لستُ مُتدربةً. بل ساحرةٌ مِن المستوى المتوسط.”
“هاها، في الجمعية، الرُتبة أهمُ مِن الألقاب. لو استمريتِ في الكذب، ستقعين في مُشاكلٍ كبيرة.”
“أنا لا أكذب.”
“أوه، لا تكذبين؟ حتى أنكِ لا تعرفين كيف تطلبين الطعام. سأغضُ النظر هَذهِ المرة فقط. ما اسمكِ؟ هل تُريدين أنْ تتناولي الطعام معي؟ أنا ساحرٌ مِن المستوى الأدنى، وأنا أعرفُ المكان جيدًا. إذا كان هُناك شيءٌ لا تعرفينهُ، سأخبركِ بكُل ما تحتاجينه.”
شعرتُ وكأنني مررتُ بهَذا الموقف مِن قبل. كان الأمر مُشابهًا لما حدث عندما جئتُ لأول مرةٍ إلى جمعية السحرة، حيثُ سخروا مني لأنني لَمْ أكُن أعرفُ ما هو الختم. الفرق هَذهِ المرة هو أنني لَمْ أعد جاهلةً تمامًا.
نظرت كورديليا إلى الرجل مُباشرةً وقالت:
“لقد قلتَ بإنْ الرُتبة مهمةٌ في نقابة السحرة، أليس كذَلك؟”
“بالطبع، هَذا صحيح.”
“إذن، لا يُمكن لساحرٍ مِن رُتبة أدنى أنْ يتحدث مع ساحرٍ مِن رُتبة أعلى بهَذهِ الطريقة، بلهجةٍ غيرُ مُحترمةٍ، صحيح؟”
“لماذا تُكررين كلامًا بديهيًا؟”
قامت كورديليا بفك الشريط الذي كانت تربطُ بهِ شعرها ولوحت بهِ أمام عينيه.
“اسمي كورديليا فاسكويز، وأنا وريثةُ مدرسة آكيرون. وقد اجتزتُ اليوم اختبار الساحر المتوسطة.”
“……”
“ما اسمُكَ؟”
بمُجرد أنْ انتهت كورديليا مِن الحديث، شحُب وجهُ الرجل تمامًا. وأجاب بانحناءٍ عميق:
“أنا آسفٌ جدًا، السيدة فاسكويز.”
“هل اسمُكَ هو ‘آسفٌ جدًا؟”
لَمْ تكُن تعني السُخرية، لكن هَكذا بدا الأمر على ما يبدو. بدا بنجامين وكأنهُ على وشك الركوع مِن شدة الارتباك.
“آسف، أعني… اسمي بنجامين روتس.”
“حسنًا، روتس. أنا جديدةٌ هُنا في الجمعية، لذا لا زلتُ أتعلم. أنا بحاجةٍ لإحضار طعام مُعلمي، هل تعرفُ مِن أين يُمكنني الحصول عليه؟”
“نعم، نعم! سأرشدكِ بنفسي. مِن فضلكِ، اتبعيني مِن هُنا.”
لَمْ يجرؤ بنجامين حتى على النظر إلى كورديليا مُباشرةً، وانحنى عدة مراتٍ بشكلٍ مُبالغٍ فيه قبل أنْ يختفي.
بينما كانت كورديليا تنتظرُ تحضير طعام ليونارد، شعرت بضجةٍ في زاوية قاعة الطعام. استدارت لتنظر، وكان هُناك امرأةٌ جميلةٌ بشعرٍ أسود.
“ليديا؟”
شعرت كورديليا بسعادةٍ لرؤيتها، لكنها توقفت عندما تذكرت مَن هو الرجًل الذي تًحبه ليديا.
‘لقد قال إنهُ يعتبرني غاليةً عليه، لكنهُ لَمْ يقُل يومًا إنهً يراني كأمرأة.’
ربما كان كُل شيء مُجرد سوء فهم مِن جانب كورديليا. إذا اكتشف ليونارد الأمر، قد يسخرُ منها قائلاً ‘أنا؟ أنتِ؟’ ويضحكُ بسخرية.
عندما فكرت في الأمر، بدا لها أنْ هَذا هو الواقع.
حتى عندما قال ليونارد إنها جميلة، ربما قال ذَلك فقط لأنها تلميذتُه.
رُبما كانت تُبالغ في تفسير كُل كلمةٍ قالها وتحولها إلى تخيُلاتٍ لا أساس لها.
‘ليونارد لا يكترثُ حتى للنساء الجميلات مثل ليديا، فكيف سيراني أنا؟ يا إلهي، كورديليا فاسكويز، استفيقي!’
شعرت فجأةً بالخجل مِن كُل تلكَ الأفكار الغريبة التي شغلت رأسها طوال اليوم.
لحُسن الحظ، لَمْ تُظهر أيٌّ مِن هَذهِ الأفكار أمام ليونارد. لو عرف مُعلمها بما كانت تُفكر فيه، رُبما لَمْ يكُن ليتوقف عن السخرية منها.
بعد أنْ رتبت أفكارها، شعرت بالراحة. واتجهت بخطواتٍ خفيفة نحو ليديا.
كان الناس قد تجمعوا حول ليديا، ليس فقط لأنها ابنةُ عائلة إلفينباوم، بل لأنها كانت فائقة الجمال.
“ليديا.”
“كورديليا.”
رحبت ليديا بها بابتسامةٍ مُشرقة كالمُعتاد.
“لقد أتيتُ لأحضر طعام مُعلمي. هل جئتِ لتناول الطعام؟ كيف كانت إقامتُكِ الليلة الماضية؟”
“لَمْ تكُن سيئة.”
“هَذا جيد. قريبًا سيأتي السيد روزنبلور، لذا، حتى لو كنتِ غيرَ مُرتاحةٍ، اصبري قليلاً.”
“ولماذا أصبر؟ سأبقى هُنا على أيِّ حال.”
“ماذا؟”
“سأبقى هُنا في جمع السحرة، لذا يجبُ أنْ أتكيف. لماذا؟ ألا تُريدينني هُنا؟”
“لا، لا، ليسَ هَذا ما أقصدهُ. بالطبع أنا سعيدةٌ بوجودكِ، إنهُ لأمرٌ رائع أنْ يكون لديَّ صديقةٌ مثلُكِ في الجمعية حيث لا أعرف أحدًا هُنا.”
لوحت كورديليا بيديها في ارتباكِ. يبدو أنْ الشعور الغريب الذي انتابها بالأمس كان صحيحًا. عينا ليديا الزرقاء كانت خاليةً مِن أيِّ دفء.
“وأنا أيضًا سعيدةٌ بوجودكِ، كورديليا.”
فجأةً، أمسكت ليديا بيد كورديليا بقوة. كانت يدُها باردةً بشكلٍ مُفاجئ، لدرجة أنْ كورديليا قد شعرت بالذهول. كما أنْ ليديا كانت تُغيّر حديثها باستمرارٍ، مما جعل كورديليا غيرَ قادرةٍ على مواكبة تقلُباتها.
“أوه، هاهاها، لنقُم بعملٍ جيدٍ معًا. بالمُناسبة، لقد اجتزتُ اليوم اختبار الساحر مِن الرُتبة المتوسطة عن طريق الصُدفة.”
“اختبار؟ اجتزتِهِ عن طريق الصدفة؟”
“نعم، بطريقةٍ ما حدث ذَلك. كانت أول مرةٍ أجرب فيها الاختبار، والمُمتحن أخبرنا إنْ لدينا خمسُ دقائق فقط، فاعتقدتُ أنني يجبُ أنْ أنهيهِ في خمس دقائق…”.
بدأت كورديليا في سرد ما حدث اليوم، مُحاولةً تجاهل الشعور الغريب الذي كان يُراودها. ليديا أومأت برأسها عدة مراتٍ وكأنها تستمع، لكن سرعان ما بدت عليها علاماتُ الملل. لاحظت كورديليا ذَلك بسرعةٍ وتوقفت عن الكلام.
“آسفة، لقد تحدثتُ كثيرًا عن نفسي، أليس كذَلك؟”
“أنا فقط أشعرُ بالتعب.”
“آه، فهمت.”
“كورديليا.”
“نعم؟”
“هل قال ليونارد أيَّ شيءٍ عني؟”
“آه… مُعلمي لا يتحدثُ كثيرًا عن أمورهِ الشخصية معي.”
ابتسمت كورديليا بتوترٍ، مُحاولة التهرب مِن السؤال.
“لَمْ يقُل شيئًا؟ ألا يُدرك كم أنا موهوبةٌ في السحر؟”
فجأةً اشتعلت النيران حول ليديا. فزعت كورديليا وتراجعت، لكن ليديا لَمْ تَترُك يدها.
أمسكت ليديا بيد كورديليا بقوةٍ وقالت:
“ما المُشكلة إذًا؟ ما هي المُشكلة؟ ماذا عليَّ أنْ أفعل أكثر مِن ذَلك؟”
“لي… ليديا.”
“مهلاً! ممنوعٌ استخدام السحر في الأماكن العامة!”
في تلكِ اللحظة، اقترب رجلٌ وأعطى تحذيرًا سريعًا. عندها تحولت عينا ليديا مِن اللون الأسود إلى لونها الطبيعي للحظة.
‘ما هَذا؟’
ظنت كورديليا أنها رُبما كانت تتخيل، لكنها كانت قريبةً جدًا لترتكب خطأ.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة