أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 86
الفصل 86 : ما رأيُكِ بي؟ ⁹
***
“لماذا يبدو وجهُكِ هَكذا؟”
“ماذا، ماذا، ما به؟ ما الخطأُ فيّ وجهي؟”
“لماذا تفاجأتِ هَكذا؟ هل كان مِن غيرِ المُريح النوم هُنا؟”
“الأمر هو…”
في اليوم التالي، شعرت كورديليا بأنها لا تستطيعُ حتى رؤية وجهِ ليونارد، أو حتى الحديث معهُ بشكلٍ طبيعي كما اعتادت. حتى الأشياء التي كانت تفعلُها دوّن تفكيرٍ أصبحت الآن تُسبب لها التوتر.
“أنتِ تُلمحين لشيءٍ ما. حسنًا، سأطلبُ مِن لوكسان أنْ يُخصص لكِ غرفةً بسرعة، انتظري فقط.”
“… شُكرًا.”
كان صوتها ضعيفًا جدًا، حتى إنهُ كان أقرب إلى الهمس.
نظر ليونارد إلى قمة رأس كورديليا. بدت كأنْها لِمْ تنَم على الإطلاق، مع هالاتٍ سوداء تحت عينيها. يبدو أنْ أنها لَمْ ترتح أثناء نومِها .
“يبدو أنْ عليَّ أنْ أبدل السرير بواحدٍ أفضل. قد أنامُ هُناك في بعض الأحيان.”
بما أنهً لَمْ يكُن يعرفُ ما يدور في رأس كورديليا، فقد قرر فقط تحسين المكان لـ راحتها أثناء النوم. رُغم أنها كانت تبدو مُندهشةً بشكلٍ غيرِ مُعتادٍ اليوم، إلا أنهُ قد تجاهل الأمر.
“لقد عادت السيدة ماتيلدا، دعينا نذهبُ معًا لِلقائها.”
“ماتيلدا؟ آه، مُعلمةُ والدتي! لنذهب، بسرعة.”
بعد أنْ كانت مُرتبكةً لفترةٍ مِن الوقت، ردت كورديليا بحماسٍ شديد عند سماعِها اسم ماتيلدا. رغم أنها كانت لا تزالُ تمشي مُبتعدةً عن ليونارد، إلا أنْ حماسها كان واضحًا في خطواتها.
“كيف هي السيدة ماتيلدا؟”
“امرأةٌ باردة ولكِنها مليئةٌ بالعواطف.”
“ماذا؟”
“ستعرفين ذَلك عندما تُقابلينها.”
كان يجبُ أنْ ينزلوا إلى أسفل لفترةٍ طويلة للوصول إلى مُختبر ماتيلدا. لَمْ يكُن هُناك حاجةٌ للسؤال عما إذا كانوا قد وصلوا، فقد كان بإمكانهم الشعور بذَلك. كان هُناك موجاتٌ قويةٌ مِن السحر تتصاعدُ مِن الباب الحديدي الصدئ.
عندما اقتربوا مِن الباب، ظهرت عينين عليهِ، تمامًا مثلما حدث مع كاندياس. الفرق الوحيد هو وجود عينين بدلاً مِن واحدة.
“أتيلي، صحيح.”
“أركان. هل السيدةُ ماتيلدا بالداخل؟”
أركان، الذي يُعتقد بأنهُ شيطان، أومأ بخفةٍ لإظهار موافقتهِ. ثم وقعت عيناهُ على كورديليا.
“مَن تكونين؟”
“مرحبًا، أنا كورديليا فاسكويز، تلميذةُ السيد أتيلي.”
“فاسكويز؟”
نظر أركان إلى كورديليا بفضولٍ، وكأنْ عينيهِ لَمْ تتمكن مِن الابتعاد عنها.
لماذا يهتمُ الشياطينٌ بها هَكذا؟ تراجعت كورديليا قليلًا، كانت غيرَ مُرتاحةٍ مِن هَذا الاهتمام الزائد.
“هممم، غريب.”
“هل ستفتحُ الباب؟”
“حسنًا، ادخلوا.”
صرف أركان نظرهُ عن كورديليا وفتح الباب. نظرت كورديليا حول المُختبر. كان أغمق وأكئب مكانٍ رأتهُ حتى الآن. رغم أنْ الوقت كان نهارًا، إلا أنْ النوافذ القليلة كانت مُغلقةً، مما جعل الداخل مُظلمًا كأنهُ ليل.
“مرحبًا.”
“آه!”
في تلكَ اللحظة، ظهرت فجأةً فتاةٌ صغيرةٌ ذاتُ شعرٍ أسود. لَمْ تكُن كورديليا تتوقعُ رؤية شخصٍ يظهرُ هَكذا، لذا ارتدت إلى الخلف بـ ذعرٍ.
لحُسن الحظ، كان ليونارد خلفها وأمسك بها قبل أنْ تسقط بطريقةٍ مُحرجة.
“سيدتي تنتظرُكم بالداخل. تفضلوا مِن هُنا.”
تحركت الفتاة بنفس الهدوء الذي ظهرت بهِ في البداية.
“لماذا تفاجأتِ هَكذا؟”
“أنتَ… قريبٌ جدًا!”
نسيت أنها كانت تستندُ إلى صدره. بدا صوت ليونارد أعمق مِن المُعتاد اليوم.
ابتعدت كورديليا عنهُ بسرعة. نظر إليّها ليونارد بغرابةٍ.
“ماذا؟ لقد كنتِ أنتِ مَن استند عليَّ أولاً.”
“هَذا… ليسَ كذَلك!”
كان ليونارد مذهولًا مِن موقفها الوقح. لكنهُ قرر عدم الجدال، ففيّ النهاية، الشخص الذي يحبُ هو مَن يخسر، ولهَذا لَمْ ينزعج كما كان يفعلُ عادةً.
“دعينا نذهب إلى السيدة ماتيلدا الآن، لا تجعلينا نتأخر.”
“نعم.”
بعد أنْ تم إرشادهم إلى داخل المُختبر، ظهرت لهم غرفةٌ صغيرةٌ للشاي. كانت امرأةٌ تجلسُ هُناك، شعرُها الأبيض مُرتبٌ بعناية دوّن شعرةٍ واحدةٍ في غيرِ مكانها. كانت تبدو في الستين مِن عمرها على الأقل مِن آثار التجاعيد، لكن ظهرُها كان مُستقيمًا.
أوقف ليونارد كورديليا أمامها.
“هَذهِ هي تلميذتي. قدميّ التحية. السيدة سيريوس مِن تريسكا، ماتيلدا إيرك.”
“مرحبًا. أنا كورديليا فاسكويز، تلميذةُ السيد أتيلي.”
تمالكتْ كورديليا نفسها، وانحنت بأدبٍ شديد، مُتحكمةً في دقات قلبها المُتسارعة.
“سمعتُ مِن هايدن أنكِ ابنةُ غريتا، أليس كذَلك؟”
“نعم! أنتِ مُعلمة والدتي…”
“فهمت، اجلسي هُناك.”
“آه، نعم.”
أشارت ماتيلدا بصوتٍ مُنخفض لكن ذو هيبةٍ إلى الأريكة المُقابلة. جلست كورديليا بهدوءٍ في المكان الذي أشارت إليّهِ. جلس ليونارد بجانبها.
سُمع صوتُ ارتطامٍ خفيف، ثم دخلت الفتاة التي رأوها قبل قليل وهي تحملُ إبريقَ شايٍ يخرجُ منه البخار. قامت ماتيلدا بصب الشاي بنفسها.
“تذوقيهِ. إنهُ شايٌ أعددتهُ مِن أزهارٍ زرعتُها بنفسي.”
دوّن تردد، رفعت كورديليا الكوب واحتست رشفةً. كان طعمهُ مثل شاي الأزهار العادي. لكن ليونارد، بمُجرد أنْ تذوقهُ، عبس ووضع الكوب جانبًا على الفور.
“يا إلهي، ما الذي وضعتهِ في هَذا الشاي؟”
“هممم، ذوقكَ لَمْ يتغيِر. لا بأس، إنْ لَمْ يُعجبكَ فلا تشربه.”
نقرت ماتيلدا لسانها بينما دفع ليونارد الكوب بعيدًا دوّن أيِّ تردد.
“على أيِّ حال، سمعتُ أنْ هُناك انهيارًا قد حدث.”
“نعم، في جنوب إيرشيه. في البداية لَمْ نُعطهِ أيَّ أهتمام، ولكن تبين أنْ حجمهُ كان أكبر مِما توقعنا.”
“إلى أيِّ مدى؟”
“كان على الأقل ضمّنَ الخمسين الأوائل.”
“الخمسين؟ هل تم استدعاء شيطانٍ بهَذهِ الرُتبة العالية؟”
“نعم، هَذا حدثٌ يحدثُ لأول مرةٍ منذُ عشرين عامًا، والجميع في حالة تأهُب.”
كورديليا لَمْ تستطع المُشاركة في الحديث، وبدأت تنظرُ حولها في حيرةٍ. لاحظت ماتيلدا ذَلك.
“هل تعرفين ما هو الانهيار؟”
“آه، لا.”
“ماذا؟ أنتِ لا تعرفين ما هو الانهيار؟”
“لَمْ يشرح ليّ المُعلم ذَلك.”
اشتكت كورديليا عن ذَلك أمام استجواب ليونارد. يبدو أنْ هَذا المُعلم ينسى كثيرًا أنها لَمْ تُكمل نصف عامٍ منذُ أنْ أصبحت ساحرة. سألت ماتيلدا:
“هل تعرفين كيف يتمُ عقدُ اتفاقٍ مع شيطان؟”
“أمم… لا أعلمُ ذَلك جيدًا.”
“مِن الأفضل أنْ أشرح ذَلك لكَ مِن البداية. يُمكن للساحر استدعاء شيطان مُقابل طاقتهِ السحرية، وإذا قدّم المُقابل المُناسب، يمكنهُ عقدُ اتفاقٍ معه.”
بدأت ماتيلدا تشرحُ بلطف.
“لماذا إذن يقومُ الناس بعقد اتفاقٍ مع الشياطين؟”
“لأنهم يستطيعونَ الحصول على ما يريدونهُ بسهولةٍ.”
أضاف ليونارد التوضيح، وتابعت ماتيلدا:
“لا يُمكن القول إنْ عقد اتفاقٍ مع شيطان أمرٌ سيء بحد ذاته. فَهُناك مَن يستخدمونهُ بطرقٍ مُفيدة. لكن مُقاومةُ إغراء القوة الهائلة التي يمنحُها الشيطان ليس بالأمر السهل. إذا لَمْ يتمكنوا مِن التحكم في تلكَ القوة، ينتهي بهم الأمر بأنْ يلتهمهم الشيطان.”
بدا الأمر غيرَ مُغرٍ عندما سمعت بهِ لأول مرةٍ. فمهما كانت القوة التي يحصلون عليها، إذا كانت النتيجة هي الدمار، فما الفائدة؟
تذكرت كورديليا فجأةً كاندياس. نظرت إلى وجهِ ليونارد الجانبي وسألته:
“إذًا، ماذا عن السيد كاندياس الذي عقدتَ معهُ اتفاقًا؟ أليس الأمرُ خطيرًا أيضًا؟”
“لا تقلقي. لقد دفعتُ كُل ما يستحقهُ الاتفاق بالفعل. ولَمْ أكُن أطلبُ القوة في اتفاقي.”
“حالةُ أتيلي مُختلفة بعض الشيء. لقد عقد الاتفاقًا مِن خلال خداع الشيطان.”
خرجت تلكَ الكلمات غيرُ المُتوقعة مِن ماتيلدا، التي تبدو عادةً رزينة. شعرت كورديليا بأنْ القليل مِن قلقها قد تلاشى.
“خداع… هَذا يُفسر لماذا لا يُحب كاندياس مُعلمي.”
“هَذا بسبب شخصيتهِ، فهو كان هَكذا منذُ البداية.”
“في الواقع، شخصيتُكَ أنتَ أيضًا ليست مثاليةَ يا أتيلي، لذا لا يحقُ لكَ التحدثُ عن ذَلك.”
“هاهاها… آسفة، تذكرتُ شيئًا مُضحكًا فجأة.”
ضحكت كورديليا رُغمًا عنها بسبب تصريحات ماتيلدا الجريئة. شعرت بنظرة ليونارد الحادة، فتظاهرت بأنها لَمْ تُلاحظ ونظرت إلى مكانٍ آخر.
“… ألَمْ نكُن نتحدثُ عن الانهيار، يا سيدة ماتيلدا؟”
“آه، صحيح. الانهيار هو تمزقٌ في الأبعاد يحدُث أثناء استدعاء الشيطان. وكلما كان الانهيار أكبر، كان الشيطانُ المُستدعى أعلى رُتبة.”
بعد أنْ استمعت إلى الشرح، فهمت الموقف بشكلٍ أفضل، لكنها لَمْ تُعطهِ أهميةً كبيرة. ففي النهاية، لَمْ يكُن هَذا الأمر يعنيها مُباشرةً.
لكن بدا أنْ هَذا الموضوع مهمٌ لليونارد وماتيلدا، فقد واصلا الحديث عنهُ لبعض الوقت. في البداية، تمكنت مِن مُتابعة الحديث، لكن مع التعمق في التفاصيل، بدأت تشعرُ بالملل.
لاحظت ماتيلدا ذَلك وقالت:
“إذا كان لديكِ بعض الوقت، هل يُمكنكِ أنْ تقومي ليّ بمهمةٍ بسيطة؟”
“مُهمة؟”
“نعم، لديّ الكثير لأتحدث عنهُ مع مُعلمكِ بعد هِذا اللقاء الطويل.”
“حسنًا، ما الذي عليَّ فعلُه؟”
“الأمرُ بسيط، خُذي هَذهِ الرسالة إلى كاينون.”
سلمتها رسالةً صغيرة.
“مَن هو كاينون؟”
“سيريوس مِن ديدواسيل.”
“ديدواسيل؟ آه! إنهُ تابعٌ لمدرسة روزنبلور.”
“أنتِ تعرفين ذَلك جيدًا. ستجدينهُ على الأرجح في مُختبره.”
“هل تستطيعين الذهاب بمفردكِ؟”
نظر ليونارد إليها قليلاً بقلق، لكن كورديليا ردت بحزم.
“بالطبع، سأعود سريعًا.”
وضعت كورديليا الرسالة بعنايةٍ في جيبها وغادرت مُختبر ماتيلدا. ظلّ ليونارد يُراقبها حتى اختفت عن الأنظار، ثم استدار نحو ماتيلدا.
“هل هُناك شيءٌ تُريدين التحدث معي عنهُ على انفراد؟”
“نعم.”
تغيرت ملامحُ ماتيلدا فجأةً وأصبحت صارمةً. رفعت كوب الشاي الذي لَمْ يشربهُ ليونارد وسكبتهُ على نبتةٍ قريبة.
ثم حدث شيءٌ مروع. بدأت أوراقُ النبتة، التي كانت خضراء ونضرةً، تتحول إلى اللون البني وتذبُل على الفور.
ارتعشت عينا ليونارد.
“هَذا الشاي مُمزوجٌ بدم الشياطين. مُعظم البشر لا يستطيعون تحملهُ، ومِن الطبيعي أنْ يجدوهُ مُقززًا مثلما فعلتَ أنتَ.”
“لكن كيف تمكنت كورديليا مِن شربهِ؟”
“هَذا يعني بأنها ليست بشريةً بالكامل على الأقل. كنتُ أظنُ ذَلك عندما أشار ليِّ أركان، لكن الآن قد تأكدت.”
“هَذا غيرُ معقول! كورديليا هي الابنةُ الكبرى لعائلة فاسكويز. أنتِ تعرفين والدتها أيضًا، أليس كذَلك؟”
“نعم، كانت غريتا تلميذتي. وكانت غيرَ قادرةٍ على إنجاب الأطفال.”
“أليس مِن السابق لأوانه الشك في أصل كورديليا استنادًا إلى هَذا فقط؟”
“لقد قلتُ إنْ هَذا الانهيار هو الأول منذُ عشرين عامًا، صحيح؟ لكن في الحقيقة، كان هُناك انهيارٌ آخر قبل واحد وعشرين عامًا. كم عمرُ تلميذتكَ؟”
كانت كورديليا قد بلغت العشرين هَذا العام. تجمد وجهُ ليونارد.
“أرى مِن ملامحكَ أنني كنتُ على حق. الآن هل تفهمُ لماذا أشكُ في أصل تلميذتكَ؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة