أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 85
الفصل 85 : ما رأيُكِ بي؟ ⁸
بعد أنْ هدأ غضبُ كاندياس لبعض الوقت، اقترب هَذهِ المرة مِن كورديليا. ضاحكًا بخبث، قال:
“صحيح. هل أريتِهِ ذَلك السوار؟ ماذا قال؟ سيقطعً معصمكِ؟ سيقتُلكِ؟”
“لا. مُعلمي قال فقط إنهُ سَيستخدمُني.”
“حقًا؟ غريب. لكن ما الذي بإمكانهِ أنْ يفعله؟ إنهُ سوارٌ لا يُمكن خلعهُ أبدًا بمُجرد ارتدائه. هاهاها. أعجبتني جدًا. حتى رائحتُكِ جيدة.”
“رائحة؟ هل تشُم رائحة؟”
شعرت كورديليا بالارتباك قليلاً ودفنت أنفها في ذراعها، وأخذت تشُم. عندها تحدث كاندياس بنبرةٍ مُستهجنة:
“هل تعتقدين أنْ لديّ أنفٌ لأشُم؟ إنهُ مُجرد شعور. ماذا أقول؟ رًبما رائحةٌ شيطانية؟ عطرُ موطني؟”
“أنا؟”
رائحةٌ شيطانية؟ ما الذي يعنيه؟
مع أنها سَتتردد على هَذا المُختبر كثيرًا في المًستقبل، فإنْ كسب صداقة كاندياس لَن يكون سيئًا، لكن الحصول على لطفٍ مِن شيطان يبدو أمرًا غيرَ مُريحٍ بعض الشيء.
“إذا كنتِ بحاجةٍ لعقد صفقةٍ مع شيطان، أخبريني. سأعرّفُكِ على شخصٍ مُناسب.”
“لا تًزعج الفتاة بكلامكَ الغريب وتحرّك مِن هُنا.”
“ماذا تعني بالكلامٍ غريب؟ هَذهِ فرصةٌ فريدة!”
“ما الفائدةُ مِن عقد صفقةٍ مع شيطان؟”
“ألا تعرفين ما هو العقد؟”
“لا حاجة لأن تعرف.”
دفع ليونارد كاندياس بيده وهو يرفعُ حاجبه. حاول كاندياس بقوةٍ التوجه نحو كورديليا، وقال:
“لماذا لا تحتاج لذَلك؟ إذا كنتِ ساحرةً، فَمِن الطبيعي أنْ تعرفي! أنتَ بنفسكَ عقدتَ صفقةً معي.”
“أكثرُ شيءٍ ندمتُ عليهِ في حياتي هو عقدي معكَ. حارس بوابةٍ ويتكلمُ كثيرًا، يال هَذا الإزعاج.”
“لَمْ أتي إلى عالم البشر لأكون حارس بوابة! يبدو أنكَ تنسى بأنني الشيطان رقم 132! إذا أكتشف الشياطين الآخرون بأنني أتعفنُ هُنا كحارس بوابةٍ، سيضحكون عليَّ، هل تفهم؟”
كاندياس كان غاضبًا بشكلٍ واضح، صرخ بصوتٍ عالٍ. لكن ليونارد لَمْ يُحرك حاجبه.
“ما علاقتي بهَذا؟ كان عليكَ عقدُ صفقةٍ جيدة. إذا كنتَ غبيًا وأصبحت حارس بوابة، لماذا تلومني؟”
“آآآه! سأقتُلكَ!”
بدأ كاندياس في الصراخ بأعلى صوته، ويطلق الشتائم. بينما تجاهلهُ ليونارد تمامًا، وبدأ بتعريف كورديليا على المُختبر.
“هَذهِ المكتبة، وهُنا أغلب مواد البحث. إذا طلبتُ منكِ إحضار شيءٍ ما، ستجدينهُ هُنا.”
عندما أتت للمرة الأولى وجلست على الأريكة فقط، لَمْ تُدرك ذَلك. لكن كلما تعمقت أكثر، كانت ترى الأرفف مليئةً بالكتب. إضافةً إلى غرفةٍ صغيرةٍ بها سرير، وموقدٍ صغيرٍ لتحضير الشاي.
رغم أنْ المُختبر كان أصغر مِن مُختبر ماكسيميليان، إلا أنهُ كان مًناسبًا لشخصين.
“أنا استخدمهُ وحدي، لذَلك أزلتُ الجدران. لكن غدًا سأستدعي شخصًا ليبني جدارًا ويجهز لكِ المكان.”
“هل هَذا كُل ما يوجد في المطبخ؟ في مُختبر ماكسيميليان، كانوا يشوون شرائح اللحم.”
“ومَن تظنين كان يشويها؟”
“الطباخ…”
تذكرت فجأةَ أنهُ لا يوجد خدم في هَذا المكان، ومِن غير المعقول وجود طاهٍ. كان كارون هو مَن حضر شرائح اللحم بنفسهِ، ثم…
تذكرت فجأةً النهاية المروعة لكارون، فشحُب وجهها. ليونارد لاحظ التغيّر في ملامحها.
“ما الأمر؟”
“لا شيء. فكرتُ أنْ عدم وجود مطبخٍ أفضل. على الأقل لَن يتم شواء شرائح لحم هُنا.”
“بالمُناسبة، يُمكنكِ تناول الطعام في المطعم العام بالطابق الأول. ما عليكِ سوى ذكرُ اسم مدرستُكِ وكُلي مجانًا.”
“مَن يُعد الطعام؟”
“المُتدربون يقومون بذَلك بالتناوب، ويحصلون على أجر، لذَلك مُعظمهم مِن العامة الذين يحتاجون إلى المال.”
“آه، فهمت.”
رغم أنْ السحر يعد مُتاحًا للجميع، إلا أنْ النُبلاء الذين لا يقلقون بشأن العيش لا يتنافسون على قدم المساواة مع العامة الذين يعانون يوميًا.
مررت كورديليا يدها على مكتب ليونارد وسألتهُ:
“ماذا تفعلُ هُنا عادةً؟”
“أجري أبحاثًا في السحر. يجبُ أنْ أنشر على الأقل بحثين سنويًا، ولدينا مؤتمرٌ علمي شهري. بالإضافة إلى مُناسبات غيرُ مُنتظمة.”
“واو، يبدو أنْ لديكَ الكثيرَ لتفعلهً. ماذا سأفعل أنا؟”
“لا تشغلي بالكِ بما ستفعلين. فقط لا تُسببي المتاعب.”
“هاه. وكأنني طفلةٌ في السابعة.”
زمت كورديليا شفتها مُعبرةً عن استيائها. يبدو أنْ مُعلمها ما زال يراها كطفلةٍ مُشاغبة.
“أليسَ لديّ أيَّ عمل؟ رأيتُ أنْ الجميع بالخارج كانوا مشغولين جدًا ويعملون معًا على أبحاث.”
“عندما تتأقلمين، ستطلبين مني أنْ أقلل مِن العمل ولَن أفعل. لذا لا تقلقي ستكونين مشغولة.”
“لا، لَمْ أقل إنني أريدُ أنْ أكون مشغولةً لهَذهِ الدرجة.”
شعرت بالإحراج وأغلقت فمها. بعدها أرشدها ليونارد إلى غرفةٍ صغيرةٍ خلف المكتبة.
“يُمكنكِ النوم هُنا الليلة. سيتمُ تخصيص غرفةٍ لكِ داخل الجمعية قريبًا.”
“هل سأعيشُ هُنا إلى الأبد؟”
سألت كورديليا وهي تنظرُ إلى الغرفة الصغيرة التي بالكاد تحتوي على سرير.
“لماذا؟ هل أخافكِ قول ‘إلى الأبد’ فجأةً؟”
“لا، أشعرُ بتسارعٍ كبيرٍ في نبضات قلبي. أشعرُ وكأنني أصبحتُ ساحرةً حقيقيةً. وكأنني سأظلّ مُستيقظةً طوال الليل في المُختبر ثم أنامُ قليلاً هُنا.”
“يا إلهي.”
أطلق ليونارد تنهيدةً. يبدو أنْ كورديليا لا تزالُ تمتلكُ أحلامها الرومانسية حولّ السحرة التي قرأت عنهم في الكتب. قريبًا ستبكي مِن الإرهاق بلا شك، لكنهُ قرر أنْ يدعها تعيشُ في تلكَ الأحلام قليلاً.
كانت الغرفة الصغيرة مُضاءةَ بمصباح زيتٍ صغيرٍ فقط، وألقى الظلال المُتموجة على وجه كورديليا.
“مُعلمي.”
“…ماذا؟”
سأل ليونارد بصوتٍ مُنخفض. على الرغم مِن أنهُ فقد تركيزهُ للحظة، إلا أنهً لَمْ يستطع أنْ يُبعد نظرهُ عن وجهها، أو بدقةٍ أكثر، عن عينيها الخضراوين التي كانت مغمورةً في الظلال.
“كيف تراني يا مُعلمي؟”
“ماذا؟”
تفاجأ ليونارد بشدةٍ، لَمْ يكُن يتوقع أنْ تسألهُ كورديليا مثل هَذا السؤال.
ماذا يجبُ أنْ أقول؟ “أنتِ تلميذتي الوحيدة”؟ هَذا يبدو سطحيًا جدًا.
أم هل يجبُ أنْ أقول “أنتِ تلميذتي المُفضلة والتي أحبها”؟ لكن، مهلاً، قول “أحبُكِ” الآن يبدو مُبكرًا بعض الشيء.
رُبما يجبُ أنْ أقول “أنا لا أراكِ كتلميذةٍ بل كامرأة” أولاً.
“لماذا لا تتحدث؟”
“انتظري. أنا أفكرُ في الأمر.”
هل سيكون اعترافًا مُفاجأةً؟ رُبما مِن الأفضل خلقُ جوٍ مُناسبٍ أولاً. كيف ينبغي أنْ أتصرف في مثل هَذهِ الحالة؟ هل أقدم لها باقةً مِن الورود؟ هل مِن المُناسب أنْ أبدأ بالاعتراف مُباشرةً؟
“ما الأمر؟ لماذا تستغرقُ في التفكير طويلًا؟ أنتَ تعتبرني تلميذتكَ، أليس كذَلك؟”
“أخرسي، أنا أفكر.”
“تُفكر في ماذا؟… هاااام.”
بدأت كورديليا في التثاؤب بشكلٍ كبير كما لو كانت نعسانةً. بينما استمر ليونارد في تفكيرهِ العميق.
أيُّ نوعٍ مِن الزهور يجبُ أنْ أقدم؟ بالمُناسبة، لا أعرف حتى ما هي الزهرة التي تُحبها كورديليا. رُبما أقدمُ لها وردةً بسيطة؟
لكن الحقيقة أنْ الزهور البيضاء تليقُ بها أكثر مِن الورود الحمراء. عندما رأيتُها أثناء الطقوس، بدا اللون الأبيض مُناسبًا لها. ما هو نوع الزهور البيضاء المًناسبة؟
كان ليونارد، الذي عاش ستة وعشرين عامًا دوّن أنْ يشعر بمثل هَذهِ المشاعر تجاه أحدٍ مِن قبل، مُرتبكًا تمامًا في كيفية التعبير عن هَذا الشعور لأول مرة.
تخيلاتُه استمرت في التوسع دوّن حدود. وأخيرًا، بعد تفكيرٍ طويل، شعر أنهُ جاهزٌ للإجابة على سؤالها.
أراد أنْ يُضيف بعض الكلمات الجميلة، لكنهُ لَمْ يستطع التفكير في شيءٍ مُناسبٍ. بعد أنْ أخذ نفسًا عميقًا، قال ببطء. وعلى الرغم مِن أنها مُجرد بضعةِ جُمل، إلا أنهُ شعر بتوترٍ كبير.
“كيف أراكِ؟ كورديليا، أنا…”.
“…”
“أنا لا أراكِ كتلميذةٍ فقط، بل أنتِ أكثرُ مِن ذَلك… شخصٌ غالٍ عليَّ، لا، شخصٌ مهمٌ جدًا، شخصٌ أريدُ أنْ أكون معهُ مدى الحياة، آه… اللعنة.”
“…”
“دعيني أعيدُ المُحاولة. سأبدأ مِن جديد، مهلاً. هل أنتِ نائمة؟”
بدهشةٍ، لاحظ أنْ رأس كورديليا يتحركُ بشكلٍ طفيفٍ للأعلى والأسفل، وهي حركةٌ تدلُ بشكلٍ واضح على أنْ الشخص يغطُ في النوم. ليونارد، الذي كان متوترًا بشدة، شعر فجأةً بالخذلان.
“أنا أتحدثُ عن مشاعرٍ مُهمة وأنتِ نائمة؟”
“نعم؟ لا، لستُ نائمة.”
رفعت كورديليا رأسها بسرعةٍ عند سماعِ صوت ليونارد الغاضب.
“لستِ نائمة؟ إذنْ، ماذا قلتُ قبل قليل؟”
“قلتَ بإنكَ كنتَ تتحدثُ عن مشاعرٍ مُهمة؟”
“… آه، لا يهُم. اذهبي للنوم.”
مرر ليونارد يدهُ على مؤخرة رأسهِ بخيبة أمل، ثم أغلق الباب وغادر. انتظرت كورديليا حتى أُغلق الباب تمامًا ولَمْ يعُد يُسمع أيُّ صوتٍ من الخارج.
ثم دفنت وجهها في السرير وأطلقت صرخةً مكتومة.
‘ما الذي كان يقوله؟’
كانت قريبةً جدًا منهُ، فلا بد أنها سمعت كُل شيء.
في البداية، كانت مشغولةً بأفكارها ولَمْ تنتبه، لكن كلامُ ليونارد الجاد للغاية جعلها تتجمدُ في مكانها. لحُسن حظها، كانت تنظرُ إلى الأسفل، ولَمْ يرَ وجهها.
‘ماذا يعني بقولهِ يإنني غاليةٌ عليه؟ هل يقصدُ بأنهُ يراني كعائلة؟ أم أنهُ…’
كلماتهُ كانت غامضةً لدرجة أنهُ كان مِن الصعب فهمُ ما كان يقصدُه بالضبط.
بينما كانت تُفكر في الأمر، تدحرجت على السرير.
‘شخصٌ مهم؟ أنْ نبقى معًا مدى الحياة؟ ما الذي يعنيه بهَذا؟’
كان كلامهُ عميقًا جدًا ليكون مُجرد حديثٍ عابرٍ بين مُعلمٍ وتلميذ. ومع ذَلك، لَمْ يكُن واضحًا بما يكفي ليكون اعترافًا صريحًا. فهل كانت مُجرد لحظةٍ مِن عاطفتهُ الطبيعية؟ أم أنهُ كان يُخفي شيئًا آخر وراء ذَلك؟
“لا أستطيعُ النوم…”
تمتمت كورديليا وهي مُستلقيةٌ على السرير تنظرُ إلى السقف. وكما توقعت، لَمْ تنم طوال الليل وانتظرت حتى شروق الشمس.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة