أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 84
الفصل 84 : ما رأيُكِ بي؟ ⁷
أكثر مَن تفاجأ بتلكَ الكلمات كانا بالطبع كورديليا وليونارد.
اختفاء سيدةٍ مِن عائلةٍ نبيلة دوّن سبب كان بمثابة وصمة عارٍ كبيرةٍ على سُمعتها، ولذَلك لَمْ يكُن يعلم بأمر اختفاء ليديا سوى عددٍ قليلٍ مِن المُقربين. لهَذا لَمْ تتغير ملامحُ هايدن كثيرًا عما كانت عليهِ سابقًا.
“ليديا إلفينباوم قد جاءت؟ أعتقدُ أنْ روزنبلور ليس في جمعية السحرة حاليًا.”
“أين هي الآن؟” سأل ليونارد الساحر الذي جلب الأخبار. فأخذ الساحر نفسًا عميقًا قبل أنْ يجيب.
“إنها عند المدخل. جاءت للبحث عنكَ، ولذَلك جئتُ لإخباركَ.”
“كيف عرفت بأنني هُنا؟ لا يهمُ. سأذهبُ وأرى.”
“لنذهب بسرعة، يا مُعلمي.” قالت كورديليا وهي تحثهُ على الإسراع بعد سماعها الخبر.
سار الاثنان معًا باتجاه مدخل الجمعية. كان مِن السهل معرفة مكان ليديا حتى مِن بعيد، حيثُ كان هُناك مجموعةٌ مِن السحرة الشباب قد تجمعوا حولها في دائرة.
“ليديا!” شقت كورديليا طريقها بينهم وتقدمت نحوها. استقبلتها ليديا بابتسامةٍ لطيفة ودافئة كعادتها.
“كورديليا، كيف حالُكَ؟”
“تسألينني كيف حالي؟ هَذا سؤال يجبُ أنْ أطرحهُ أنا عليكِ. أين كنتِ طوال هَذهِ الفترة؟”
“هُناك مكانٌ قريبٌ مِن هُنا يُمكننا أنْ نتحدث فيه براحة. لنذهب إلى هُناك.” قاطع ليونارد المُحادثة ودعاهم إلى مكانٍ هادئ. أدركت كورديليا أنهُ لا حاجة للإفصاح عن اختفاء ليديا أمام الجميع، فأغلقت فمها.
“ألا يُمكننا التحدُث في الداخل؟” سألت ليديا.
“أنتِ تعلمين أنْ الجمعية مخصصٌ للسحرة فقط.”
“لكنني الآن ساحرة أيضًا.” قالت ليديا وهي تلوح بأصابعها، مكونةً شعلةً مِن النار في الهواء.
فوجئت كورديليا بما رأت. لقد تعلمتُ بما فيه الكفاية عن السحر لتُدرك أنْ إشعال شعلةٍ صغيرةٍ كهَذهِ ليس أمرًا سهلًا. فعملية توزيع الطاقة وحسابها وتجسيدُها ليست شيئًا يُمكن القيام بهِ بتلكَ السهولة. لكن ليديا فعلتها كما لو كانت تتنفس.
“كيف؟ ألَمْ تتوقفي عن ممارسة السحر عندما كنتِ صغيرة؟”
“نعم، لكنني اكتشفتُ لاحقًا بأنني ندمتُ على تركه.”
لَمْ يستطع ليونارد استيعاب الوضع، وظلّ يُحدق في وجه ليديا. أما كورديليا، فكانت مُبتهجةً وقالت بفرح: “هَذا رائع! الآن يُمكننا دراسةُ السحر معًا، ليديا!”
“لنذهب ونتحدث في الداخل.” قال ليونارد بجدية.
كان هُناك العديدُ مِن الأشخاص يتحركون عند المدخل. على الرغم مِن أنْ ليونارد كان لديهِ الكثيرُ مِن الأسئلة التي يريدُ أنْ يطرحها على ليديا، إلا أنهُ قرر تأجيلها حتى يدخلوا إلى الجمعية. في هَذهِ الأثناء، كانت كورديليا تشرحُ لليديا بعض الأمور حول المكان.
“هَذهِ هي قاعةُ النجوم. كان بها في الأصل ستة عشر نجمًا، لكن مُعلمي أضاف نجمًا جديدًا قبل ثماني سنوات.”
“سمعت عن ذَلك مِن بلي.”
“أه… صحيح.”
تذكرت كورديليا فجأةً أنْ ليديا كانت تعرفُ ليونارد منذُ أكثر مِن عشر سنوات، لذا بدا غريبًا أنها لَمْ تكن تعرف هَذهِ المعلومات الشهيرة. شعرت كورديليا بالإحراج وأغلقت فمها. في هَذهِ الأثناء، تجاوزتها ليديا واقتربت مِن ليونارد.
“ليو، هل نحنُ ذاهبون إلى مُختبركَ؟”
“لا. لَن تتمكني مِن الدخول هًناك. لكن هُناك مكانٌ مُناسبٌ للتحدُث.”
“يا للأسف، كنتُ أود رؤيتهُ.”
“لَن يتمكن أيُّ شخصٍ سوى أفراد أكيرون مِن الدخول، لذا مِن الأفضل أنْ تتخلي عن هَذا الحُلم.”
قال ليونارد ببرودٍ وحزم. كانت نبرتهُ حادةً لدرجة أنْ كورديليا شعرت بالإحباط مِن شدتها.
“أوه، لا يوجد شيءٌ مُميزٌ هُناك. أليس بإمكانكَ السماح لليديا بإلقاء نظرة؟”
“لماذا قد أفعلُ ذَلك؟ يكفيني وجودكِ. مُجرد تلميذةٌ واحدةٌ تُسبب ليّ ما يكفي مِن المتاعب عندما دخلت المُختبر وكادت تحُطم أغلى قطعةٍ إيفراد…”
“مُعلمي! ألَمْ نتفق على عدم التحدُث عن ذَلك؟”
قاطعت كورديليا حديث مُعلمها بخجلٍ. ابتسم ليونارد بسخريةٍ مِن ردة فعلها السريعة.
بعد أنْ صعدوا الدرج، وقف ليونارد أمام بابٍ معين.
“هَذا مكان يستخدمهُ السحرة المُتقدمون، لذا لَن يُزعجنا أحدٌ هُنا.”
لَمْ يكُن المكان فاخرًا، لكنهُ كان مُزينًا بشكلٍ مُناسب. حرك ليونارد إصبعهُ برفق، فجاء إبريقُ الشاي والفناجين مِن مكانٍ ما وحطت على الطاولة. نظرت كورديليا بدهشةٍ إلى الإبريق الذي بدأ يملأ الفناجين بنفسهِ.
“الآن، أخبرينا. أين كنتِ وماذا حدث طوال هَذهِ الفترة؟”
“قابلتُ شخصًا…” بدأت ليديا تتحدثُ ببطء وكأنها تتذكرُ الماضي البعيد.
“هَذا الشخص أيقظَ السحر الذي كان بداخلي. الموهبة التي كانت مخفيةً في أعماقي.”
“أيقظ السحر؟ مَن هو هَذا الشخص؟”
“لا أعرف مَن هو. لقد ظهر فجأةً ثم اختفى.”
“هَذا غيرُ معقولٍ… إذًا، هل السببُ في اختفائكِ كُل هَذا الوقت هو أنكِ كنتِ معه؟”
“نعم، كنتُ أتعلم كيفية التحكم في السحر منه. كان الأمرُ أصعب مما توقعت، لكنني اعتدتُ عليهِ مع الوقت.”
كان الأمرُ يبدو غيرَ منطقي وغريبًا. كان التفسير غيرَ كافٍ لتبرير اختفائها لمدةٍ تُقارب الشهر.
“ليديا، كوني صريحةً. هل أجبركِ هَذا الشخص على شيء؟ أخبريني كي أتمكن مِن مساعدتكِ.”
“لا، كُل ما حدث كان نتيجة اختياري.”
“هل تعتقدين أنْ الأمر منطقي أنْ تتبعي شخصًا لا تعرفين هويتهُ لتكتشفي موهبةً مخفيةً بداخلكِ؟ هل هَذا معقول؟”
“هُناك أشياءٌ في هَذا العالم أكثرُ مما تعرف. انظر.”
لتُثبت كلامها، أشعلت ليديا مرةَ أخرى شعلاتٍ نارية، هَذهِ المرة أكثرُ مِن واحدةٍ. دارت الشعلات في الهواء كأنها ترقص قبل أنْ تختفي.
“هل ما زلتَ لا تُصدقيني بعد كًل هَذا؟”
“ما لا أصدقهُ ليس هو موهبتُكِ السحرية، بل الطريقة التي اكتسبتِ بها تلكَ الموهبة. هُناك قوانينٌ طبيعية في هَذا العالم لا يُمكن تجاوزها، ولكنكِ تجاهلتِ كُل ذَلك ووصلتِ إلى النتيجة.”
“وما المشكلة في ذَلك؟ المُهم هو النتيجة، أليس كذَلك؟”
“هاه، ليديا. ما الذي حدث خلال هَذا الشهر؟ لماذا قررتِ فجأةً تعلمتي السحر؟ ما الذي جعلكِ تُغيّرين رأيكِ؟”
عند سماع تلكَ الكلمات، ظلّت ليديا صامتةً للحظة، تنظرُ إلى ليونارد، ثم أجابت ببطء.
“أردتُ فقط أنْ أتعلم. هل هَذا ممنوع؟”
“الأمرُ ليسَ ممنوعًا. لكن إذا كنتِ ترغبين في التعلم، كان يُمكنكِ الانضمام إلى جمعية سحرة بشكلٍ رسمي. لماذا اختفيتِ فجأةً لمدة شهر؟ ألا تُدركين مدى الضرر الذي سيلحقُ بسمعتكِ في المجتمع إذا انتشرت أخبار اختفائكِ؟”
“لَمْ أكُن أعلم بأنكَ تهتمُ بسمعتي، ليونارد. عندما انتشرت شائعاتٌ حول خطوبتنا، لَمْ تحرك ساكنًا.”
ردت ليديا بحدةٍ على كلمات ليونارد، وكان هُناك توترٌ غامضٌ لا يُعرف أصله. نظرت كورديليا بين الاثنين، شربت مِن فنجانها بصمت.
فتح ليونارد فمهُ وكأنهُ سيقول شيئًا، لكنهُ أطلق تنهيدة قصيرة.
“هل اتصلتِ ببلي؟”
“لا، ليس بعد. سأفعلُ قريبًا.”
“ماذا؟ هل تعلمين كم كان يبحثُ عنكِ؟ لو كنتِ قد اخترتِ الرحيل بنفسكِ، كان عليكِ إخبارنا بذَلك مُسبقًا. لماذا تتصرفين بهَذهِ الطريقة غيرُ المسؤولة، وهَذا ليس مِن طبعكِ؟”
“هاهاها، منذُ متى أصبحتَ تهتمُ بيّ لهَذهِ الدرجة؟ على أيِّ حال، أنا لستُ ضمن دائرتكَ. أليس كذَلك؟ كنتَ تتجاهلُني، فما الذي تغير الآن؟”
بدقةٍ أكثر، لَمْ تكُن هَذهِ هي ليديا التي عرفوها. رغم أنْ كورديليا لَمْ تعرفها لفترة طويلة، فإنها لَمْ تكُن شخصيةً مُتشائمةً أو سلبيةً بهَذا الشكل.
تصلبت ملامحُ ليونارد فجأةَ.
“ليديا، لا تُخبريني إنكِ…”
“يكفي. هَذا الحديثُ أصبح مُملاً. لا تقلق، سأتصل ببلي.”
وكان هَذا كُل ما قالتهُ ليديا بشأن اختفائها الغامض الذي أقلق الجميع لمدة شهر. كلما سألها أحدٌ المزيد مِن التفاصيل، كانت تُحرف الموضوع.
قرر ليونارد التوقف عن طرح المزيد مِن الأسئلة وترتيب الوضع.
“بدلًا مِن أنْ تُتسببي في المزيد مِن القلق لبلي، ابقي هُنا حتى يأتي.”
“حسنًا.”
ابتسمت ليديا برقةٍ وأومأت برأسها. خرجوا مِن الغرفة، وقادوا ليديا إلى غرفة الضيوف. قبل أنْ يُغادروا، بادرت كورديليا بالكلام.
“ليديا، أنا سعيدةٌ جدًا بعودتكِ سالمة.”
“وأنا سعيدةٌ لرؤيتكِ مرةً أخرى، كورديليا. لقد اشتقتُ إليّكِ كثيرًا.”
“اشتقتِ إليّ؟”
رغم أنْ ردود فعل ليديا اليوم كانت باردةٍ بعض الشيء، إلا أنْ كورديليا لَمْ تشك في شيء.
“نعم، بالمناسبة، هل تمت الجنازة بشكلٍ جيد؟ أنا آسفة، كان عليَّ أنْ أسألكِ في وقتٍ سابق.”
“أوه، كنتُ عائدةً للتو مِن جنازة أقيمت في إبرامز. كريج كان…”
خفضت كورديليا رأسها قليلًا وأظهرت حزنًا على وجهها.
“لقد كان شخصًا جيدًا، بالتأكيد ذهب إلى مكانٍ أفضل.”
“مكانٍ أفضل؟ نعم، رُبما ذهب إلى مكانٍ جيد. إذًا، هل عاد اسمُكِ إلى فاسكويز بدلاً مِن إبرامز؟”
“نعم، هَذا صحيح.”
“هممم.”
بدت ليديا وكأنها تُفكر بعمق في شيءٍ ما، ثم دخلت غرفتها دوّن أنْ تُقدم أيَّ كلمات تعزيةٍ تقليدية. كانت ردود أفعالها غريبةً لدرجة أنْ كورديليا شعرت بالصدمة وبقيت صامتةً لفترة.
“ليديا تغيّرت بعض الشيء…”
“بعض الشيء؟ هَذا ليسَ مُجرد تغيّرٍ بسيط، بل كأنْ روحها تغيرت بالكامل.”
“أنتَ تشعرُ بذَلك أيضًا، أليس كذَلك يا مُعلمي؟ رغم أنني لَمْ أعرف ليديا لفترةٍ طويلة، إلا أنني مُتأكدةٌ أنها لَمْ تكُن بهَذهِ الشخصية.”
إذا كان هُناك مَن يعرف ليديا جيدًا، لكان قد اندهش تمامًا مِن هَذا التحول الجذري في شخصيتها.
اتجه الاثنان نحو مُختبر ليونارد. بعد مسافةٍ قصيرةٍ مِن السير، ظهرت أمامهمُ بوابة المُختبر المُحاطة بطاقاتٍ سحريةٍ ضخمة. لَمْ يكُن هُناك مُفتاح، لكن كاندياس ظهر فجأةُ في وسط الباب بوميض.
رغم معرفتها المُسبقة، تفاجأت كورديليا مرةً أخرى. كانت عين كاندياس الكبيرة لا تزالُ تفرض حضورًا هائلًا.
بمُجرد أنْ رأى كاندياس ليونارد، صرخ بصوتٍ عالٍ.
“كنتُ أعلم بأنكَ ما زلت حيًا، أيُها الحقير! كم أنتَ مُزعج!”
“افتح الباب، أيُها العين.”
“يا لكَ مِن بغيضٍ! كيف تجرؤ على الوجود في هَذا العالم! يال هَذا الظُلم!”
“لا أدري لماذا تستنجد بالحاكم وأنتَ شيطان. افتح الباب وتوقف عن الثرثرة.”
بدأ كاندياس في الصراخ وإطلاق الشتائم بينما فتح الباب. لَمْ يتغيّر شيء في الداخل، حتى البطانية التي جلست عليها كورديليا سابقًا كانت في مكانها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة