أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 83
الفصل 83 : ما رأيُكِ بي؟ ⁶
“الآن أنا بخير. لقد قررتُ فقط أنْ أعترف بأنْ والدي شخصٌ سيء. رُبما لَن أفهمهُ أبدًا بشكلٍ كامل.”
“ليس عليكِ أنْ تتمسكِ بروابط الدم. أحيانًا مِن الأفضل أنْ لا يكون لديكِ عائلة، مثل أخي.”
“عندما أفكرُ في الأمر، مُقارنةً بماكسيميليان، كان والدي مُحتملًا إلى حدٍ ما.”
“لا تُجبري نفسكِ على تحمل ذَلك. لماذا عليكِ أنْ تتحملِ؟”
“لَن أتحمل. لذَلك، أتمنى أنْ تتوقف عن إعطاء والدي المال. عندما أفكرُ في أنْ والدي وأخي يعيشان برفاهيةٍ بأموال مُعلمي، أشعرُ بالغضب. إنها أموالٌ لَمْ ألمسها أبدًا.”
قالت كورديليا بتذمرٍ. كانت أكبر كميةٍ مِن المال قد حصلت عليها في حياتها هي ثلاثة آلاف لينكيت أعطتها إياها والدتُها سرًا، في حين كان والدُها وأخوها يحصلان على 50 ألف لينكيت شهريًا، وذَلك مِن المال الذي جُني مِن بيع ابنتهم.
عندما فكرت في ذَلك، شعرت بالغضبٍ الشديد. شعرت أنْ كُل قرشٍ يُعطى لوالدِها يُعتبر إهدارًا.
“على أيِّ حال، بعد ذهابكِ إلى إبرامز، قررتُ التوقفَ عن إعطائهِ المال.”
“هَذا جيد.”
تغيرت ملامحُها وأصبحت أكثر ارتياحًا، واستدارت لتنظرَ إلى البحر.
“لَمْ أعد مُنزعجة مِن مُعلمي، ولَمْ أعد غاضبةً أيضًا.”
“حقًا؟”
عندما سمع أجابتها، شعر ليونارد بالارتياح بعد أنْ كان متوترًا قليلًا. في الوقت نفسهِ، أدرك مدى حساسيتهُ تجاه مشاعرها.
‘بالتأكيد أنا مجنون.’
لطالما اعتبرَ الرجال الذين يفقدونَ عقولهم بسبب النساء أشخاصًا تافهين، ولكنهُ الآن، وقد أصبحَ في نفس الموقف، شعر بأنْ سُخريتهُ منهم كانت السبب.
لَمْ يكُن مِن المُبالغة القول إنْ يومهُ يعتمدُ على حالتها المزاجية.
إذا ابتسمتْ كورديليا، كان يشعرُ بالسعادة، وإذا رآها تبكي، ينكسرُ قلبُه. كان يريدُ أنْ يُحقق لها أيَّ شيء.
شعرَ كما لو كان دميةٌ بيد كورديليا تُحركها كيفما تشاء. لكن الغريبُ في الأمر هو أنهُ لَمْ يشعر بالانزعاج مِن ذَلك.
“يبدو بأننا وصلنا. أستطيعُ رؤية ويلآس الآن.”
أشارت بإصبعها إلى جزيرةٍ ظهرت بعيدًا، ولكن ليونارد كان مشغولًا بتأمل يدها الصغيرة البيضاء والناعمة.
أرادَ أنْ يُمسك يدها ويُدخل أصابعهُ بين أصابعِها، ثم يُقبل ظهرَ يدها. رُبما كانت ستفاجأ وتتحولُ ملامح وجهها إلى احمرارٍ شديد. ورُبما قد تُحاول سحب يدها بقوةٍ، عندها سيقول لها:
أنا أحبُ عينيكِ الخضراوين.
***
“أتلي! السيد أتيلي!”
“السيد أتيلي قد عاد!”
بالرغم مِن أنهم سمعوا سابقًا أنهُ ما زال على قيد الحياة، إلا أنْ ردَ فعل أعضاء جمعية السحرة عندَ رؤية وجهِ ليونارد كان كما لو أنْ ميتًا قد خرج مِن تابوته. بالطبع، كانت ردةُ فعلهم حين علموا أنْ كورديليا هي تلميذتُه مليئةً بالجنون، لكن اليوم كان الأمر أشد.
“هاهاها، كنتُ أعلم بأنكِ ستعود. بالطبع، لَمْ تكُن لتذهب بتلكَ الطريقة البائسة.”
“سيد أتيلي!”
حتى قبل وصولهِ إلى قاعة النجوم، كان هُناك أكثرُ مِن خمسة أشخاصٍ يبكون وينحنون أمامه. ما أدهش كورديليا هو كيف تعامل ليونارد مع هَذا الموقف وكأنهُ أمرٌ طبيعي. لَمْ يكُن يبدو كأنهُ يمر بهَذا المواقف لأول مرةٍ.
“توقفوا عن البكاء وابتعدوا.”
“يبدو بأنكَ بصحةٍ جيدة. الآن يُمكنني الموتُ بسلام.”
“لا تمُت أمامي. هَذا مُزعج.”
“هاهاها، أنكَ تهتمُ بيّ إلى هَذا الحد. لَن أنسى هَذا الجميل أبدًا!”
كُل ما قالهُ ليونارد كان بضع كلماتٍ باردة، ولكن الساحر العجوز الذي بدا في سن البارون تصرف وكأنهُ تلقى معروفًا عظيمًا.
كورديليا بدأت تفهمُ لماذا نشأ ليونارد بشخصيةٍ مُتعجرفةٍ هَكذا. لو كان مُحاطًا بأشخاص مثل هؤلاء منذُ طفولتهِ، لكان مِن الطبيعي أنْ يكتسب هَذا الطبع.
بمُجرد أنْ تجاوزوا قاعة النجوم، ظهر رجلٌ عجوزٌ آخر، بدا وكأنهُ سيريوس، يرتدي عباءةً طويلةً تختلفُ عن الآخرين، مما جعل مِن السهل التعرف عليهِ.
عندما زارت كورديليا المكان مِن قبل، لَمْ ترَ هَذا الشخص.
“تسك تسك. أرسلتُ لكَ الكثير مِن الرسائل وطلبتُ منكَ أنْ تأتي، لكنكَ تأخرت أكثر مِن شهرين.”
“هل تعتقد بأنني شخصٌ ليسَ لديهِ ما يفعلُه؟ كان عليَّ أنْ أعيد تنظيم العائلة التي تركتُها، وأبحث عن أخي الذي طعنني. لديّ الكثيرُ مِن الأمور.”
“وهل قبضتَ على ذَلك الأخ؟”
“قبضتُ عليهِ ثم هرب، وأنا أتعقبهُ مُجددًا.”
“جيدٌ جدًا. قلتُ لكَ أنْ تكون حذرًا مِن ماكسيميليان، ذَلك الأحمق عينهِ كانت مجنونةٌ. تعلم السحر، لكن طعنَ أخاهُ بالسكين.”
شاهدت كورديليا العجوز ينتقدُ ليونارد دوّن تحفظٍ، وفتحتْ فمها في دهشةٍ. فكرةُ أنْ هُناك شخصًا يجرؤ على التحدث بهَذهِ الطريقة إلى ليونارد كانت مُدهشةً.
“هل هَكذا علمتُكَ؟”
“لو سمعكَ أحدُهم، سيظُن بأنني درستُ لديكَ لعشر سنوات. لقد درستُ عندكَ لعامٍ واحدٍ فقط.”
عندما سمعت الحوار، فهمتٌ الأمر. بالطبع، ليونارد لديهِ مُعلم.
“أيُها الشقي. لقد استخرجتُ كُل ما أستطيعُ تعليمهُ لكَ في عامٍ واحد. ماذا كان عليَّ أنْ أفعل؟ لَمْ يبقَ لديّ ما أعلمكَ إياه. وهَذهِ التي بجانبكَ، هل هي تلميذتُكَ؟”
“مرحبًا. أنا كورديليا فاسكويز.”
“هممم.”
مد هايدن رقبتهُ ليُحدق في كورديليا عن كثب.
“فاسكويز؟ إذًا، هل غريتا مانسون هي والدتُكِ؟”
“ماذا؟ هل تعرفُ والدتي؟”
“نعم، لقد كانت تلميذةً عزيزةً على ماتيلدا.”
“تلميذة؟ إذًا، أمي كانت ساحرة؟”
اتسعت عينا كورديليا إلى أقصى حد. لَمْ تكُن تعلمُ أبدًا أنْ والدتها قد تعلمت السحر. لَمْ تذكُر والدتُها ذَلك ولو مرةً واحدة.
“نعم، يبدو أنْ غريتا قد رحلت دوّن أنْ تُخبر أحدًا. سأقدمُكِ إلى ماتيلدا لاحقًا، واسأليها بنفسكِ. أنا رأيتُها بضع مراتٍ فقط، هَذا كُل شيء.”
“وأين هي السيدة ماتيلدا الآن؟ هل هي داخل الجمعية؟”
سألت كورديليا بحماسٍ. أنْ تكون والدتُها ساحرة، بل وأنْ يكون هُناك مُعلمٌ درّسها، كان أمرًا مُذهلاً!
“لماذا أنتِ مُستعجلةٌ هَكذا؟ ماتيلدا ذهبت للتحقيق في مكانٍ حدث فيه انهيار، وستعود غدًا.”
“انهيار؟ متى حدث ذَلك؟”
“منذُ حوالي نصف شهرٍ مضى. كان الانهيار كبيرًا بما يكفي لتذهب ماتيلدا بنفسها. إذا كنتِ فضولية، يُمكنكِ حضور الاجتماع غدًا.”
لَمْ تفهم كورديليا معنى “الانهيار”، ووقفت تُحدق بعيونٍ مفتوحةٍ. لحُسن الحظ، سرعان ما تغيّر الموضوع.
“لكن أولاً علينا إجراء مراسم تعيين وريث أكيرون. قد يموت هَذا الشخص مرةً أخرى بعدما طعنهُ أخوه. علينا تعيينُكِ كوريثٍ بسرعة حتى أتمكن مِن النوم بسلام.”
“أنتم تتمنونَ ليّ الموت بشدة، أليس كذَلك؟”
“لقد مُتَ مرةً مِن قبل، فما المانع في موتكَ مرةً أخرى؟”
ضحك هايدن بسخريةٍ وهو يسخرُ مِن ليونارد دوّن تردد. كان المشهد بأكملهِ غريبًا جدًا بالنسبة لكورديليا لدرجة أنها لَمْ تستطع أنْ تُبعد عينيها عنهما.
بينما كانت تسير خلف هايدن وليونارد، ظهر أمامها صالةٌ صغيرةٌ مُزينة بالزهور.
هُناك، تجمع سبعةٌ مِن أعضاء السيريوس. بعضهم كان جديدًا عليها، والبعضُ الآخر سبق لها رؤيتُه. لكن مَن كان مألوفًا لديها، مثل مينوفيو، لَمْ يكُن موجودًا.
“يا لهُ مِن شخصٍ عنيد، أنهُ حقًا ما زال على قيد الحياة.”
“يبدو أنْ حياته ُطويلةٌ جدًا لدرجة أنْ أحدًا لَمْ يستطع إنهاءها.”
“آه، رؤية وجههِ مرةً أخرى يجعلُني أشعرُ بآلام في معدتي.”
على عكس السحرة الآخرين، لَمْ يبدو أنْ أعضاء السيريوس سعداءٌ بعودة ليونارد.
“ماذا تنتظران؟ ادخلا بسرعة إلى الدائرة.”
في وسط الصالة، كانت هُناك دائرةٌ محاطةٌ بالزهور البيضاء. لَمْ يكُن الجو يُشبه ما تخيلتهُ كورديليا عن طقوس التعيين، والتي كانت تُشبه مراسم منح اللقب للفارس، ولكن الجو كان مُختلفًا تمامًا.
كانت الدائرة صغيرةً لدرجة أنْ كورديليا وقفت مُقابل ليونارد على بعد خطوةٍ واحدةٍ فقط.
قال هايدن وهو يلَوح بيديه.
“ليس لدينا وقت. لننهِ الأمر بسرعةٍ. أخرِج الخاتم.”
“خاتم؟ أيُّ خاتم؟”
استدارت كورديليا بسرعةٍ نحو هايدن بدهشة. أجاب هايدن بنبرةٍ ملؤها الاستغراب.
“لَمْ تُحضري خاتمًا لتقدميهِ لمُعلمكِ؟ كنتُ أعلم بأنكِ قد أتيتِ خالية اليدين، لكن لَمْ أكُن أتوقع هَذا.”
“هل كان مِن المُفترض أنْ أعد الخاتم؟”
“لا بأس. لقد أعددتُ واحدًا بنفسي.”
أخرج ليونارد خاتمًا مِن جيبهِ بسهولة.
مهما كان الأمر، بدا أنْ الخاتم كان جزءٌ مِن الطقوس. همست كورديليا لنفسها بخجلٍ.
“لمَ، لَمْ يخبرني أحدٌ بذَلك مُسبقًا.”
“إنهُ مُجرد إجراءٍ شكلي. الآن، اكتبي اسمكِ على الخاتم باستخدام طاقتكِ السحرية.”
قدم لها ليونارد الخاتم الذي أعدهُ. وكما طلب منها، نقشت كورديليا اسمها عليهِ باستخدام طاقتها السحرية.
“الآن عليكِ أنْ تضعيه.”
“على أيِّ إصبع؟”
“……الإصبعُ الرابع.”
كان مِن الغريب أنْ يكون نفس الإصبع الذي يوضع عليهِ خاتمُ الزواج. وضعت كورديليا الخاتم على إصبع ليونارد الرابع دوّن أنْ تُعطي الأمر أهميةً كبيرة.
بدأ ليونارد بتلاوة تعويذةٍ. ظهرت شارةُ أكيرون على جسديهما في آنٍ واحد. رغم أنها شاهدتها عدة مرات مِن قبل، إلا أنْ المنظر كان مُذهلًا في كُل مرة.
ثم حدث شيءٌ مُدهش. الخاتم الذي وضعتهُ على إصبع ليونارد بدأ يذوب ببطء حتى تحول إلى رماد، ليَظهر بدلاً منهُ وشمٌ مُعقدُ الشكل على إصبعهِ، وكأنهُ خاتم دائم.
نظرت كورديليا إليهِ بدهشةٍ. كان هَذا كُل شيء في الطقوس. لَمْ تشعر بأيِّ تغيير، تمامًا كما كان الحال عندما تم نقش شارة أكيرون لأول مرة.
في تلكَ اللحظة، اقترب هايدن مُبتسمًا بعد أنْ كان يقفُ بعيدًا.
“ألا ترى؟ يبدو أنهُ يهتمُ بتلميذتهِ الوحيدة حقًا. لقد أعد الخاتم بنفسهِ ووضعهُ في الإصبع الرابع.”
“هايدن، إذا كنتَ ستتحدثُ عن أشياء لا داعي لها، فمِن الأفضل أنْ تخرس.”
“لكنني لَمْ أبدأ بعد.”
أجاب هايدن بمُكرٍ. لحُسن الحظ، لَمْ يواصل الحديث أكثر.
لأن أحد السحرة الصغار ركض لاهثًا نحوهم حاملاً أخبارًا مُفاجئة.
“جمعية السحرة، ها، هُناك شخصٌ عند المدخل، أعني…….”
“يا بُني، التقط أنفاسكَ أولاً. مَن الذي جاء؟”
“ها، ها. نعم. السيدة إلفينباوم قد وصلت.”
“يا إلهي. هل كان الأمرُ يستدعي الركض هَكذا؟”
“لا، إنها ليست السيد روزنبلور إلفينباوم، بل شقيقتُه. السيدة ليديا إلفينباوم وصلت الآن.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة