أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 82
الفصل 82 : ما رأيُكِ بي؟ ⁵
“أع… أعذرني. صحيح أنْ الآنسة ليست في أفضل حالاتها، لكنها ما زالت على قيّد الحياة. لقد انخفضت الحُمى بشكلٍ كبير.”
“هممم.”
نظر ماكسيمليان إلى روزالين، التي كانت مُستلقيةً كالجُثة، دوّن أيِّ رد فعلٍ واضح، ثم سأل صوفيا:
“لكن لماذا أنتنّ هُنا فقط؟ أين باقي الفرسان؟”
“في الواقع… بعد وصولنا إلى أنسين بفترةٍ قصيرة، تعرضنا لهجوم مِن مجموعةٍ غامضة. لَمْ ينجُ سوى نحنُ والآنسة.”
“مجموعةٌ غامضة؟ مَن هؤلاء؟”
“لا نعرف. نعتقدُ أننا نجونا لأننا كُنا مُختبئاتٍ في العربة.”
“هل لَمْ تروا أيَّ شيء؟ مثل شعارهم أو علامةٍ على المهاجمين؟”
“أممم…”
تقدمت إحدى الخادمات الشابات بحذرٍ وقالت:
“كانت هُناك امرأة… امرأةٌ بينَ المُهاجمين.”
“امرأة؟”
“نعم. رأيتُها بوضوح. كانت امرأةٌ ذاتُ شعرٍ أسود.”
ما زال جسدُها يرتعش كلما تذكرت تلكَ اللحظة، لكن وجهُ تلكَ المرأة الذي رأتهُ بعد خروجها مِن العربة كان جميلاً بشكلٍ غيرُ طبيعي، مما جعلها تتذكره.
“مُستحيل. امرأةٌ تُهاجم عربة إيمبلي؟ كيف يكون ذَلك؟ هل أنتِ مُتأكدة؟”
“لا… لستُ مُتأكدةً تمامًا.”
“إذا لَمْ تكوني مُتأكدةً، فلا تتحدثي.”
“أعذرني.”
على الرغم مِن أنْ نبرة صوتهِ كانت هادئةً، إلا أنهُ لَمْ يخفِ الحدة التي كانت تخفيها كلماتُه. فتراجعت الخادمة، مُنكمشةً.
“إذا ذهبنا إلى موقع الهجوم، رُبما نجدُ بعض الأدلة. هل تتذكرين أين وقع الهجوم؟”
“أجل. أتذكرهُ جيدًا.”
وصفت صوفيا الموقع بالتفصيل.
“حسنًا. مَن يجرؤ على مُهاجمة إيمبلي سيدفعُ الثمن، أليس كذَلك؟”
تحدث كما لو أنْ دماء إيمبلي تجري في عروقهِ، وكأنْ ذَلك كان طبيعيًا لدرجة أنهُ لَمْ يشعُر بأيِّ غرابةٍ.
في ذَلك الحين، اقتربت خادمةٌ أخرى، كانت تحملُ الطفل، بحذرٍ نحو ماكسيميليان.
“الآنسة أنجبت صبيًة، سيد… اسمهُ داني…”
“اهتموا بهِ بأنفسكم.”
لَمْ ينظر ماكسيميليان حتى إلى وجهِ ابنهُ، وكأنهُ لا يعترفُ بهِ كطفلهِ.
شعرت صوفيا بالغضب. لقد تحملت الآنسة ألمًا لا يُحتمل مِن أجل هَذا الطفل، بينما هَذا الرجل لا يكترثُ حتى برعاية ابنهِ.
“إلى أنْ يصل دوق إيمبلي، اعتنوا جيدًا بروزالين. كم سيكون الدوق حزينًا إذا حدث لها شيءٌ ما.”
“…نعم، فهمت.”
كان يبدو أنهُ على استعدادٍ لفعل أيِّ شيءٍ مِن أجلها عندما كانت بصحةٍ جيدة، لكن بمُجرد أنْ أصبحت غيرَ قادرةٍ على الحركة، أصبح باردًا كالجليد. لَمْ يكُن هُناك أيُّ عاطفةٍ، وكأنهُ كان يتحدثُ عن حيوانٍ وليس إنسان.
كرهت صوفيا هَذا الرجل مِن كُل قلبها، لكنها اكتفت بالإيماء بالطاعة.
***
‘أنْ تُمسكَ هَذا يدي يعني بأنها لا تكرهُني، أليس كذَلك؟’
ظلّ ليونارد يُحدق في يد كورديليا منذُ فترةٍ. بدأ يُراجع تصرفاتها السابقة ويُحاول تفسيرها.
‘أنْ تقول بإنني الشخصُ الذي تحترمهُ كثيرًا هَذا يتضمنُ نوعًا مِن المشاعر، أليس كذَلك؟ أليس هَذا يعني بأنها تحملُ ليّ مشاعر إيجابيةً؟’
لو علم أحدٌ بما يدورُ في رأسهِ الآن، لضحك عليهِ بلا شك، لكنهُ كان جادًا تمامًا.
‘كما أنها في تلكَ الليلة احتضنتني وبكت، طالبةً مني ألا أتخلى عنها. هَذا يعني بأنها تثقُ بي أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر في هَذا العالم.’
“مُعلمي.”
“ماذا؟ آه، ماذا؟”
“لماذا تفاجأتَ هَكذا؟”
“أنا؟ تفاجأتُ؟ لا، لا، لَمْ أتفاجأ.”
لكن صوتهُ المُتردد قد قلل مِن مصداقية كلامهِ. حاول التظاهُر بالهدوء وهو يقول:
“ماذا تُريدين؟ تحدثي.”
“كنتَ تُحدقُ في يدي منذُ مدة. هل ما زلت غاضبًا بسبب السوار؟ سوار إيفراد؟”
حركت كورديليا معصمها الأيسر بخفةٍ. ورغم أنهُ كان ينظرُ إلى يدها طوال الوقت، لَمْ يُلاحظ ليونارد أنْ سوار إيفراد كان موجودًا عليها حتى الآن.
“احتفظي به. لا تشعُري بالضغط.”
“أخبرني بيلوتشي إنهُ يُمكن استخدامهُ للتنقل الفوري.”
“صحيح. لكن هل أخبركِ بيلوتشي كيف؟”
“نعم، وقد علمني الكلمات السحرية اللازمة. لَمْ أستخدمها بعد، لكنني أعرُفها.”
‘هَذا غريب. في البداية، كان بيلوتشي لا يُحبها… لكنهُ قد أصبح غريبًا.’
في البداية، كان بيلوتشي يشعرُ بالانزعاج مِن حقيقة أنْ كورديليا تلميذتُه، لكنهً منذُ فترةٍ توقف عن الشكوى، بل وأصر على مُرافقتها عندما ذهبت إلى إبرامز.
‘هل يُمكن أنْ يكون بيلوتشي… مُهتمًا بها أيضًا؟’
لو علم بيلوتشي ما يدور في رأسهِ الآن، لغضب بشدةٍ، لكن ليونارد، الذي كان يعيشُ في وهمهِ الخاص، اعتقد أنْ هَذا مُمكنٌ تمامًا وبدأ بالحذر.
“لا تقتربي مِن بيلوتشي كثيرًا.”
“ماذا؟ فجأةً؟ لماذا؟”
“أنا أخبركِ فقط ألا تفعلي. عقلهُ مشغولٌ بي أو بسيفهِ فقط. لا توجد أيُّ مساحةٍ لدخول امرأةٍ هُناك. هل فهمتِ؟”
“أممم، نعم.”
كان حديثهً المُفاجئ عن النساء وبيلوتشي غريبًا جدًا وغيرَ متوقعٍ. لَمْ يكُن يتحدث بهَذهِ الطريقة مِن قبل، ولكن منذً مُغادرتهما إبرامز، أصبح المُعلم يقولً كلماتٍ غيرَ مفهومةٍ.
شعرت كورديليا بأنْ هَذا غريبٌ حقًا، لكنها لَمْ تهتم. فقد كان كُل تركيزها مُنصبًا على جُزر ويلاس التي لَمْ يتبق لها الكثير.
كانت تُخطط في البداية للذهاب مُباشرة إلى العاصمة، لكنها سمعت أخبارًا عن اكتشاف آثارٍ لماكسيميليان في الجنوب. ومع هِذا الخبر، تغيرت وجهتهم إلى جمعية سحرة روبال لتنصيب كورديليا رسميًا كخليفةٍ ليونارد في أكيرون.
“ماذا سأفعلُ هُناك؟”
“مُجرد مراسم نستدعي فيها السحرة القُدامى وتُعلنين بأنكِ خليفةٌ لأكيرون.”
“هل الخليفة مُختلفٌ عن التلميذ؟”
“عادةً ما يكون للساحر عدةُ تلاميذ، والخليفة هو الذي يُختار مِن بينهم ليكون المسؤول عن أكيرون في المُستقبل.”
“هل أنتَ مُتأكد أنكَ تُريدني كخليفةٍ لكَ؟ قد تختارً تلميذًا آخر غيري.”
“لا.”
هزّ ليونارد رأسهُ بحزمٍ.
“أنتِ أول وآخر تلميذةٍ ليّ. في الحقيقة، لَمْ أخطط أبدًا لأخذ تلاميذ.”
كلمةُ “أول وآخر” قد أثرت في قلب كورديليا بعمقٍ حقًا، وأعجبتها جدًا.
‘أول وآخر.’
“هممم. حسنًا، هَذا قراركَ. لكن لماذا لَمْ تكُن ترغب في قبول تلاميذ؟”
“كما تعلمين الآن، علاقةُ الساحر بتلميذهِ علاقةٌ مُطلقةٌ. لا يُمكن قطعها أو التراجع عنها بسهولةٍ. قبول تلميذٍ يعني مسؤوليةً لمدى الحياة. وهَذا شيءُ مُخيف.”
“أنتَ…”
“ماذا؟”
“تبدو خائفًا مِن المسؤولية. مثلما كنتَ تخافُ مِن الزواج سابقًا.”
“لأنني أعلمُ مدى ثُقلها. قراراتي يُمكن أنْ تُغير حياة شخصٍ آخر.”
“لَمْ أعتقدُ بأنكَ تهتمُ بحياة الآخرين، لكنكَ حساسٌ بشكلٍ غيرُ متوقع.”
“لا أهتمُ بحياة الآخرين. تلاميذي وزوجتي فقط مَن أهتمُ بهُم أنهم المُختلفون.”
نظر ليونارد مُباشرةً إلى عيني كورديليا وقال:
“أنا…”
تردد للحظةٍ، خوفًا مِن أنْ يفسدَ الجو الذي بدأ يتحسن للتو، لكنهُ قرر المُضي قدمًا ومواجهة الأمر.
“لقد دفعتُ لوالدكِ المال، وكان ذَلك مِن باب المسؤولية في نظري.”
“مسؤولية؟ أيُّ نوعٍ مِن المسؤولية؟”
“أردتُ حمايتكِ مِنهُ، واعتقدتُ أنْ دفع المال كان وسيلةً لتحقيق ذَلك. أقسم، لَمْ أعتبر أبدًا أنْ ذَلك المال كان مُقابل حياتكِ.”
“……”
“لكن هَذا كان فقط مِن وجهة نظري، وإذا كنتِ تشعرين بالغضب بسبب ذَلك، فقد كنتُ مخطئًا.”
بصراحةٍ، لَمْ يفهم تمامًا سبب غضبها، لكن مشاعرهُ نحوها تجاوزت حتى فهمهُ لذَلك.
ظلّت كورديليا تنظرُ إليهِ بصمتٍ لفترةٍ. وعندما طال صمتُها، تحدث ليونارد بصوتٍ أهدأ مِن المُعتاد.
“قولي أيَّ شيء. إنْ كنتِ غاضبةً بسببي أو لَمْ يزُل غضبُكِ، لا يهمُ، قولي ما تشائين.”
“هل حقًا لا يهمُكَ؟”
“نعم.”
على الرغم مِن أنهُ تحدثَ بلا مبالاة، إلا أنْ ليونارد كان مضطربًا داخليًا. كان يخشى أنْ تقول بإنها لَن تًسامحهُ أبدًا أو أنها شعرت بخيبة أملٍ كبيرةٍ لدرجة أنها لا تًريد رؤيتهُ مرةً أخرى.
“والديّ كان يكرهُ عينيّ.”
“ماذا؟”
رفع رأسهُ فجأةً، مُتفاجئًا بالكلمات غيرِ المًتوقعة. بدأت كورديليا تتحدثُ بهدوءٍ عن ماضيها.
“لا أعرفُ السبب. كان يقول فقط إنهُ لا يُحبها. وعندما كان يشرب، كانت كراهيتُه تزداد. في البداية، كانت مُجرد صفعاتٍ فقط، لكن لاحقًا، كان يستخدمُ حزامًا جلديًا، ويضربني أينما كُنت.”
استعادت ذكريات الأيام التي لا ترغبُ في تذكُرها، لكنها لا تستطيعُ نسيانها.
كانت تتوسل مُمسكةً بطرف بنطال والدها وهو يلّوح بالحزام الجلدي. كانت تُخبرهُ بإنها آسفةٌ، وترجوهُ أنْ يترُكها. لكن كورديليا لا تزالُ حتى الآن تجهلُ ما هو الخطأ الذي ارتكبتهُ.
بينما كان ليونارد يستمع إلى حديث كورديليا، قبض يدهُ بقوةٍ دوّن أنْ يشعر.
‘لَمْ يكُن يكفي أنْ أكسر كاحلهُ فقط. كان يجبُ أنْ أضربهُ بالسوط حتى الموت.’
“في البداية حاولتُ أنْ أفهم والدي. لكن بالطبع لقد فشلت. بعد ذَلك، فكرتُ في تغيير لون عيني.”
“كيف ؟”
“بموادٍ كيميائية أو شيءٌ مِن هَذا القبيل… كنتُ أعتقدُ بأنني إذا لَمْ أستطع الرؤية، فرُبما ق. يتوقفُ عن كراهيتي.”
الآن، عندما تفكر في ذَلك، تُدرك مدى غبائها، لكنها كانت في حالةٍ يأسٍ في ذَلك الوقت. رُبما لو أتيح لها المزيدُ مِن الوقت، لكانت ق. نفذت تلكَ الفكرة حقًا.
“…عيناكِ”
استطاع ليونارد بسهولةٍ أنْ يتخيل كورديليا الصغيرة وهي ترفعُ يدها المُرتجفة إلى وجهها. مد يدهُ نحو خدها، لكنهُ توقف قبل أنْ يلمسها.
“عيناكِ جميلةٌ جدَا. أجملُ مِن عينا أيِّ شخصٍ رأيتهُ في حياتي.”
“هاهاها، شكرًا لكَ.”
“أنا جادٌ. لَمْ أرَ في حياتي عينين خضراء بهَذا الصفاء. في بعض الأحيان، تًشبه أشعة الشمس في الربيع وأحيانًا تُشبه أوراق الشجر في أوائل الصيف.”
شعر ليونارد بخيبة أملٍ مِن فقر تعبيراتهُ. لتوضيح مدى جمال عينيها اللامعتين في الضوء، كان يحتاجُ إلى أحضار جميع أدباء إيرشيه.
لا يعرفُ ليونارد ما إذا كانت كلماتهُ الصادقة قد وصلت إليّها أم لا، لكنها اكتفت بابتسامةٍ خفيفة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة