أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 81
الفصل 81 : ما رأيُكِ بي؟ ⁴
“عندما تتفتحُ الورود بالكامل، يجبُ إقامةُ حفل الزفاف.”
أغمضت روزالين إيمبلي عينيها وتخيلت في ذهنها حديقةً مليئةً بالورود المًتفتحة. لقد تخيلتها عشرات أو حتى مئات المرات، حتى أصبحت واضحةً أمامها وكأنها تراها بالفعل.
الناس يُصفقون للعريس والعروس. كانت روزالين تحملُ باقةً مِن الورود الحمراء وتسيرُ على الممر. في النهاية، يقفُ ماكسيميليان.
كانت تسيرُ وهي تشعرُ بالتوتر، تكادُ تحبسُ أنفاسها حتى تصل أخيرًا إلى نهاية الممر. هُناك، سيُمسك ماكسيميليان بيدها ويقول:
“آنستي، مِن فضلكِ استفيقي!”
“افتحي عينيكِ. يجبُ أنْ تستيقظي!”
“إذا لَمْ تبذُلي جهدًا، قد يموت الطفل. آنستي! آنستي!”
الطفل.
صحيح، كنتُ ألد طفلًا.
“آاااه!”
عاد الألمُ يمزق جسدها. صرخت روزالين وهي تُحاول تحمّل الألم. كان الأمرُ أشبه بأنْ أحدهم قد أشعل النار تحت خصرها، أو طعنها بسكين.
“أرى الرأس! يجبُ أنْ تضغطي على بطنكِ!”
“آنستي. آه، مِن فضلك، آه، يا إلهي. مِن فضلك، أرجوك.”
كانت الخادمة صوفيا، التي خدمتها منذُ أنْ كانت صغيرة جدًا، تبكي وتُصلي دوّن توقف. هَذا كان كُل ما تستطيعُ فعله.
لَمْ تستطع القابلة أنْ تغضب مِن صوفيا. كانت صحةُ الأم في حالةٍ سيئةٍ للغاية، لدرجة أنْ حياة الأم والطفل كانت في خطر.
“لا يُمكننا الاستمرار هَكذا. الأم لا تستطيعُ الدفع.”
مسحت القابلة العرق عن جبهتها وأشارت للخادمة التي كانت تقفُ بجانبها.
“يجبُ على أحدهم الصعود والضغط على بطنها. إذا بقي الطفل هَكذا لفترةٍ طويلة، سيكون الوضع خطيرًا على الأم والطفل.”
بناءً على كلام القابلة، صعدت إحدى الخادمات الأكبر سنًا وبدأت بالضغط على بطن روزالين.
“اضغطي! بقوةٍ أكبر!”
“آااااه! آاااااه!”
صرخت روزالين كوحش جريح، طالبةً النجاة تارة، ورغبةً الموت تارة أخرى. كانت صوفيا، التي تُراقب الموقف، قد انهارت في النهاية وبدأت بالبكاء على الأرض.
“آنستي، اضغطي! مرةً أخرى!”
لَمْ تعُد روزالين تُميز بين الواقع والحلم. كانت حديقة الورود تظهرُ وتختفي أمام عينيها. بدا وكأن هَذهِ اللحظة المؤلمة ستستمرُ إلى الأبد.
“أرى الأذنين! رأس الطفل يُكاد يخرج. أنتِ تفعلين ذَلك جيدًا، الآن دفعةٌ أخيرة!”
“آنستي، آنستي! الطفل يخرج! آه، آنستي.”
كانت أذنا روزالين مفتوحتين، لكنها لَمْ تكُن تسمع شيئًا سوى طنين. كانت صوفيا تُمسك بيدها بشدةٍ، مُتمنيةً أنْ ينتقل جزءٌ مِن الألم إليها.
تحولت شفقتُها على آنستها إلى غضبٍ شديدٍ تجاه ماكسيميليان، السببُ وراء كُل هَذهِ المأساة.
لقد دمرّ حياة آنستها، والآن يُحاول أنْ يسلب حياتها أيضًا.
منذُ مُغادرتهم لأرض إيرشيه وحتى وصولهم إلى هَذهِ الأرض الغريبة، أنسين، كان كُل ذَلك بسببهِ. حتى ولادة الطفل في هَذا الريف البعيد دوّن وجود طبيبٍ مُناسب كان بسببهِ.
“لقد خرج! إنهُ صبي. صبيٌ جميلٌ جدًا.”
“آنستي. إنهُ صبي! آنستي، آنستي…”
سرعان ما لفت القابلة الطفل بقطعة قماشٍ نظيفةٌ وقطعت الحبل السري بمهارة. بعد لحظاتٍ مِن الصمت، أطلق الطفلُ صرخةً عاليةً ملأت الغرفة.
بِمُجرد أنْ ملأت صرخةُ الطفل الغرفة، تنفس الجميع الصعداء.
على الرغم مِن أنها لَمْ تكُن تسمع شيئًا قبل ذَلك، إلا أنْ صرخة الطفل اخترقت مسامع روزالين. التي كانت بالكاد تستطيعُ التنفس، لكنها فتحت عينيها ومدت ذراعيها بصعوبةِ.
“هل… هل هو صبي؟”
“نعم، آنستي. إنهُ صبي، ويبدو بصحةٍ جيدة.”
مسحت صوفيا دموعها بعد أنْ أنهت صلاتها، ثم جلبت الطفل إلى روزالين. حاولت روزالين جُهدها أن تركيز نظرها الضبابي على الطفل.
طفلي. أبني.
“طفلي.”
كان الطفل صغيرًا جدًا، فقد ولد قبل شهرين مِن موعده. شعرت روزالين بالأسف الشديد لذَلك، وانهمرت دموعها. لو كانت بصحةٍ أفضل، لما وُلد طفلُها قبل أوانه.
“سأُسميهِ دانيال.”
“إنهُ اسمٌ نبيلٌ حقًا. دانيال.”
“دانيال…”
نظرت روزالين إلى الطفل بعينين مُفعمتين بالحب. كان لا يزال صغيرًا، أحمر اللون ومُجعد البشرة، لكن بالنسبة لروزالين كان أجمل ملاكٍ على الإطلاق.
حاولت إبقاء عينيها مفتوحتين لأطول فترةٍ مُمكنة لتتأمل وجه ابنها، لكن كلما حاولت، ازداد تشوش رؤيتها.
كانت القابلة المُتمرسة أول مَن لاحظ تدهور حالة روزالين. أدركت أنها على وشك فقدان وعيها، فصاحت:
“يا إلهي! إنها تفقد الدماء… أحضروا الطبيب حالًا! بسرعة!”
“آنستي، لا تُغمضي عينيكِ. يجبُ أنْ تري السيد دانييل. آنستي، آنستي!”
عاد الوضع إلى طبيعتهِ للحظاتٍ فقط، ثم سرعان ما تدهورت الأمور مُجددًا. دخل الطبيب الذي كان ينتظر في الخارج وتفحص حالتها بسرعة.
“حرارتُها مُرتفعةٌ جدًا، وهُناك نزيفٌ شديد… أليست مُصابةً بمشكلةٍ في القلب؟”
“مِن فضلكَ، أنقذ آنستي. أرجوكَ، أنقذها.”
“حياتُها أو موتُها الآن في يد الحاكم. ابتعدي عني! جوشوا، أحضر حقيبتي فورًا!”
وسط انشغال الناس مِن حولها، احتضنت صوفيا الطفل بقوةٍ، وانهمرت دموعها بصمٍت على خديها.
متى بدأ كُل هَذا؟
لو كنتُ قد حاولتُ منع الآنسة مِن مقابلة ماكسيمليان أتيلي منذُ البداية، أو لو كنتُ قد نصحتها بالتخلي عن الطفل عندما علمنا بحملها، هل كانت الأمور ستختلف؟
“افتحي عينيكِ! اللعنة، الدم لا يتوقف.”
تنهّد الطبيب بحسرةٍ وهو يفحصُ روزالين، لكن حالتُها كانت تزدادُ سوءًا.
عندما كانت روزالين في إيرشيه، كان مِن الواضح أنها لَن تتمكن مِن الهروب مِن تعقب أتيلي. لذَلك قررت الانتقال إلى بلدٍ في القارة الجنوبية، أنسين.
لكن حتى قبل ركوب السفينة إلى أنسين، كانت دائرة الحصار تضيقُ حولها شيئًا فشيئًا. عندها اقترح ماكسيميليان على روزالين أن ينقسمُ المجموعة.
“إذا استمررنا معًا، فسوف يُمسكون بنا. روزي، سأذهبُ مع الفرسان لتشتيت أنتباههم، وأنتِ اذهبي إلى أنسين أولاً.”
“ماذا لو أمسكوا بكَ؟”
كانت روزالين تخشى بشدةٍ أنْ يعود ماكسيمليان إلى السجن. لكنهُ طمأنها قائلاً:
“أفضلُ أنْ يحدثَ ليِّ ذَلك على أنْ يحصل شيءٌ لكِ أو لطفلنا.”
“ماكس…”
منذُ صغرها، كانت صحةُ روزالين سيئة، ولَمْ تكُن قد تعرفت على شابٍ آخر قبل ماكسيميليان. خُدعت هَذهِ الفتاة البريئة مِن قبل هَذا الرجل الماكر، حتى أنها حملت منهُ. وعلى الرغم مِن أنها اضطرت للهروب إلى أنسين، إلا أنها لَمْ تكُن تحملُ أيَّ مشاعر استياءٍ تجاه ماكسيميليان؛ كانت تودعهُ باكيةً.
مِن جانبه، رأت صوفيا في كُل هَذا تصرفات سخيفةً. أليس ماكسيميليان هو سبب كَل هَذهِ المصائب؟
على الرغم مِن أنْ ماكسيميليان كان معهُ عددٌ قليلٌ فقط مِن الفرسان، كان الهدفُ الرئيسي دائمًا هو حماية روزالين. ما قد يحدُث لماكسيمليان لَمْ يكُن بالأهمية ذاتها.
في ذَلك الوقت، كانت صوفيا تُركز فقط على مساعدة روزالين على الولادة في أنسين. لَمْ تتخيل أبدًا أنْ الأمور ستسيرُ بهَذا الشكل الفوضوي.
“هل لدى الآنسة عائلة؟” سأل الطبيب، بينما كان يمسحُ العرق عن جبينه.
أومأت صوفيا برأسها سريعًا، وقالت: “نعم، لديها والد، سيدُنا. إنها مِن عائلةٍ مرموقة، أرجوكَ…”
“عليكم إحضارُ عائلتها بسرعة، يجبُ أنْ يكونوا بجانبها في لحظاتها الأخيرة.”
“ماذا تعني بقولكَ لحظاتها الأخيرة؟ ماذا سيحدُث لها؟”
“لقد فعلتُ كُل ما أستطيعُ. إذا كانت محظوظةً، فقد تنخفضُ الحمى وتبقى على قيد الحياة، لكن…”
توقّف الطبيب عن الكلام، وأشار إلى مساعدهِ لجمع الأدوات. ثم قال: “لكن الأمرُ سيكون صعبًا، جسدُها كان ضعيفًا للغاية. مُجرد ولادتها كان بمثابة مُعجزةٍ.”
“آه، يا آنستي المسكينة…”
“صلوا ليمنحها الحاكمُ الرحمة.”
ترك الطبيب الغرفة بعد هَذهِ الكلمات.
اقتربت صوفيا مِن روزالين، التي كانت شاحبةً للغاية لدرجة أنْ المرء كان يشكُ ما إذا كانت لا تزالُ تتنفس. قام الخدم بتغيير الأغطية المُلطخة بالدماء وحاولوا ترطيب شفتيها بالقليلٍ مِن الماء، بينما اعتنى آخرون بالطفل.
بالكاد كانت روزالين قادرةً على إصدار أنينٍ خافت، ولَمْ تفتح عينيها. جلست الخادمات حول سريرها واعتنين بها.
“مَن كانوا هؤلاء الأشخاص؟” سألت أصغر الخادمات بارتجاف، وهي تستذكرُ الهجوم.
“أولئكَ الذين هاجمونا وقتلوا الفرسان. كيف استطاعوا قتلهم جميعًا في نصف ساعة فقط؟”
“ليسَ مِن المُهم مَن كانوا. سيدُنا سيأتي وسينتقم مِنهم. كُل ما علينا فعلهُ الآن هو رعاية الآنسة حتى نتمكن مِن العودة.”
“هل سنتمكنُ حقًا مِن العودة؟ ماذا لو هاجمونا مرةً أخرى؟”
بكت الخادمة الصغيرة خوفًا. ولَمْ يكُن بإمكان أحدٍ أنْ يلومها.
بعد وصولهم إلى أنسين بوقتٍ قصير، تعرضوا لهجومٍ مِن قبل مجهولين، وتحولت المعركة مذبحةٍ حقيقية. فقط روزالين وثلاثُ خادماتٍ تمكنّ مِن النجاة بصعوبة.
“لا تتحدثي هَكذا. الآنسة روزالين، والسيد دانيال، ونحنُ، سنعود جميعًا سالمين.”
ربتت صوفيا على كتف الخادمة لتهدئتها.
استمرت الخادمات في الاعتناء بالطفل ومحاولة تخفيض حرارة روزالين بالمناشف الباردة. واستمر ذَلك حتى طلوع الصباح.
لحُسن الحظ، بحلول الفجر، بدأت حُمى روزالين في الانخفاض قليلاً. فابتهجت الخادمات وعانقن بعضهن مِن الفرح.
“سيأتي السيد لرؤيتكِ قريبًا، آنستي. أرجوكِ، اصمدي قليلاً بعد.”
همست صوفيا في أذن روزالين، مُتمنيةً أنْ تجد القوة لتواصل المُقاومة.
لكن في تلكَ الظهيرة، الشخصُ الذي دخل عبر باب النُزل لَمْ يكُن الشخص الذي انتظرنهُ بشغفٍ.
“سيدي… كيف أتيتَ إلى هُنا؟”
“كيف أتيتُ؟ أليس مِن الطبيعي أنْ أكون هُنا؟”
مثل شخصٍ كان ينتظرُ انتهاء الفوضى، ظهر ماكسيميليان في الغرفة التي كانت روزالين تستلقي فيها.
شعرت صوفيا بالارتباك. كانوا قد انفصلوا قبل الوصول إلى أنسين. فكيف عرف بمكانهم؟ لَمْ يتصلوا به.
“أين روزالين؟”
“الآنسة استنزفت قواها بعد الولادة…”
“هل ماتت؟”
“ما الذي تقصدُه؟”
دوّن أنْ تًدرك، ارتفع صوتُ صوفيا، فتجعد جبينُ ماكسيميليان. أدركت صوفيا خطأها سريعًا وخفضت رأسها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة