أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 79
الفصل 79 : ما رأيُكِ بي؟ ²
“مرحبًا بكَ في إبرامز، أيُها الدوق أتيلي.”
لكن بِمُجرد أنْ رأى ليونارد وجهَ كورديليا، تبخرت كُل كلمات العتاب التي كان قد حضرها. لَمْ يكُن لديهِ الوقت للتفكير في شيءٍ آخر.
“… الدوق أتيلي؟”
ارتسمت على وجهِ ليونارد ابتسامةٌ مائلة. نظرت كورديليا حولها، ورأت بوضوحٍ أنْ الجميع يراقبون حديثهما باهتمامٍ بالغ. أشارت إلى الطابق العلوي وقالت:
“لنصعد إلى الأعلى أولًا.”
“لا. أولًا، أريدُ أنْ أفهم لماذا تُنادينني بهَذا اللقب؟ متى أصبحتُ أنا بالنسبة لكِ الدوق أتيلي؟”
“سأشرحُ ذَلك لكِ عندما نصعد.”
نظرت إليّه كورديليا نظرةً ترجوهُ فيها أنْ يصعد، لكنهُ بقي في مكانهِ ولَمْ يتحرك خطوةً.
لَمْ يكُن يتوقع أنْ تتوقف عن مناداتهِ بـ”مُعلمي”.
بدأت ملامح وجهُ ليونارد تتجمد. هل هَذا يعني حقًا أنْ كورديليا قررت إنهاء علاقتها بهِ؟ شعور الخوف الذي كان قد دفنهُ عميقًا بدأ يتسللُ ببطءٍ إلى قلبه.
“هل أنتِ…؟”
“يا إلهي، ما قالهُ الخادم صحيح إذن.”
فجأة، ركض بارون لانكستر نحوهم بعد أنْ سمع أنْ ليونارد قد وصل. انحنى البارون بعمقٍ وهو يُظهر ملامح احترامٍ مُبالغٍ فيها.
“يشرفني مُقابلتكَ، سيدي دوق أتيلي. أنا البارون دين لانكستر. للأسف، توفي الكونت إبرامز مؤخرًا، لذا فأنا أقوم بمهام النائب لاستقبال الضيوف…”
“لديّ حديثٌ مع تلميذتي، لذا ابتعد قليلًا، مِن فضلكَ.”
“ماذا؟ سمعتُ أنْ الدوق أتيلي كان قد حصل على تلميذٍ، لكن هل هَذا التلميذ موجودٌ هُنا في القصر؟”
مِن الواضح أنْ البارون لانكستر لَمْ يكُن يعلم أنْ كورديليا هي تلميذةُ ليونارد. وهَذا يعني أنها لَمْ تُخبر أحدًا بذَلك عمدًا.
عندما أدرك ليونارد هَذا الأمر، اجتاحهُ شعورٌ عميقٌ بالغضب والخيانة.
“هاه. إذن كنتِ تُخفين هَذا الأمر. لماذا؟ هل كنتِ تخططين للهرب بعد انتهاء الجنازة؟”
“الهرب؟ ماذا تعني؟”
“إذا لَمْ يكُن الأمر كذَلك، فلماذا تُنادينني بهَذا اللقب، ولماذا لا يُعلم هَذا الشخص بأنكِ تلميذتي؟”
“الأمر ليسَ كما تظُن…”
أجابت كورديليا بصوتٍ مُنخفضٍ، مع بعض التردد، وهي تنظرُ إلى الأرض. بدا عليها الارتباك الشديد.
كانت عيون البارون لانكستر تتسعُ تدريجيًا أثناء استماعهِ للحوار. كان يبدوا مصدومًا وهو يُحدق في ليونارد وكورديليا بالتناوب.
“تلميذتُه؟ إذن، سيدتي الكونتيسة هي تلميذةُ الدوق أتيلي؟”
“كونتيسة؟ لَمْ تعُد كذَلك، الآن هي فقط فاسكويز.”
“يا إلهي! يا إلهي!”
كان البارون لانكستر، الذي كان يُعرف عادةً بطبعهِ الهادئ والمُتحفظ، يبدو وكأنهُ فقد كُل وقارهِ بعد أنْ اكتشف أنْ كورديليا كانت تلميذة ليونارد.
“لَمْ تًخبري حتى أهل القصر؟ ما الذي تُخططين لهُ بالضبط؟”
“ليس لديّ أيُّ خطةٍ. لا، لا شيء مِن هَذا. سأخبركَ بكُل شيء عندما نصعدُ للأعلى.”
“إلى أين؟ لا داعي لذَلك. استعدي، سنُغادر الآن.”
بدأ ليونارد يشعرُ بالقلق والضيق، فقد بدا لهُ بأنها كانت تُخطط للهروب. لَمْ يعُد بإمكانه كبحُ صبرهِ. أمسك بمعصمها بسرعةٍ، وكان مُستعدًا لأن يأخذها معهُ فورًا.
“آه!”
مع أنها لَمْ تكُن قبضةً قويةً، إلا أنْ كورديليا أصدرت صوتًا خافتًا مِن الألم عندما أمسك بها. تفاجأ ليونارد وسحب يدهُ فورًا. لاحظ بعد ذَلك وجود كدماتٍ زرقاء على معصمها.
فور أنْ رأى تلكَ الكدمات، اجتاحهُ غضبٌ شديد. لَمْ يكُن يُطيق رؤية أيَّ جروحٍ أو كدماتٍ على جسدها، وكان يلومُ نفسهُ لعدم مُراقبتها بشكلٍ جيد.
“مَن هَذا الوغد؟ مَن الذي يجرؤ؟ أين بيلوتشي؟ ما الذي كان يفعلُه عندما أصيبت يدُكِ بهَذهِ الكدمات؟!”
كانت مشاعرُ الخوف والغضب مُتشابكةً، وأيَّ تحفيزٍ بسيط يُمكن أنْ يثيرها بشكلٍ مُخيف.
“بيلوتشي ليس مُربيتي ليتبعني في كُل مكان. لا تقلق، إنها مُجرد كدمةٍ بسيطة.”
“لقد أرسلتهُ ليحميكِ.”
“أنتَ مَن أرسل بيلوتشي؟”
“بالطبع. كيف كان ليعلم أنكِ ستُغادرين في ذَلك الفجر ويتبعكِ؟”
فعلًا، كانت تتساءلُ عن ذَلك. لَمْ يكُن مِن قبيل الصدفة أنْ يُقابلها بيلوتشي في ذَلك الطريق النائي في الفجر.
عندما أدركت ذَلك، شعرت كورديليا بارتياحٍ داخلي. رغم صراخهِ وغضبهِ، كان ليونارد هو الوحيد الذي يهتمً بها.
“مُعلمي…”
“لا تُحاولي الهرب. أنا…”
صمت ليونارد فجأةً عندما أمسكت كورديليا بيدهِ.
“لنصعد، حسنًا؟”
“…..”
لماذا كانت يدُها تبدو دافئة هَكذا؟ رُبما لأنها كانت المرة الأولى التي تمُد فيها يدها نحوه.
رغم أنْ لمستها كانت خفيفةً للغاية، إلا أنهُ لَمْ يستطع رفضها. كأنها ألقت عليهِ تعويذةً سحرية، تبعها بهدوءٍ إلى غرفة الضيوف في الطابق العلوي.
أخيرًا، أصبحا وحدهما. أخذت كورديليا نفسًا عميقًا، ثم بدأت بالكلام.
“لَمْ أخفِ كوني تلميذتكَ لأيِّ سببٍ مُعين. الأمر فقط… كنتُ أشعر بعدم الارتياح بعد الشجار الذي حصل بيننا، ولَمْ أكُن مُتأكدةً إذا كان يجبُ عليَّ التحدًث عن كوني تلميذتكَ.”
“ماذا تعني؟ لماذا لا يُمكنُكِ التحدثُ عن ذَلك؟ كونكِ تلميذتي أمرٌ يستحقُ الفخر ويجبُ أنٌ يُتناقل عبر الأجيال.”
“لأني أشعرُ بالخجل.”
“ماذا؟ هل تشعُرين بالخجل لأنكِ تلميذتي؟”
“لا، لا، ليس كذَلك… بل أشعرُ بالخجل مِن نفسي.”
ابتلعت كورديليا ريقها، وأخرجت المُشكلة التي كانت تؤرقها لفترةٍ طويلةٍ أمامهُ.
“أخبرتني يا مُعلمي بأنكَ كنتَ ستقبلُني كـ تلميذتكَ حتى وإنْ لمْ أكُن ذكيةً أو موهوبة، لكني ظللتُ أشعرُ بالخوف. كنتُ أخشى أنهُ إذا انكشف ماضيّ المُخجل، أو إذا ظهرت عائلتي المُلتصقة بي مثلَ العلق، وبدأوا بتهديدكَ باسمي، قد تُصاب بالإحباط بسببي.”
“……”
“وعندما حدث ذَلك بالفعل، شعرتُ برعبٍ شديد. حتى أنْ والدي أخذ منكَ المال، فاعتقدتُ أنْ كرهكَ ليّ أصبح أمرًا طبيعيًا.”
الحقيقةُ أنْ رحيلها في الفجر بعد شجارهما كان بسبب الخوف. كانت تخشى أنْ يطلبَ منها ليونارد مُغادرة القصر، أو أنْ يُخبرها بأنهُ لَمْ يعُد بحاجةٍ لتلميذةٍ مثلها.
رغم أنها صرخت في وجههِ وسألتهُ لماذا لَمْ يُخبرها مُسبقًا، كانت المشاعرُ الحقيقية في أعماقها هي الخوف مِن أنْ تُهجر.
شعر ليونارد ببعض الهدوء بعدما استمع بصدقٍ إلى كلمات كورديليا.
“إذن، لماذا لَمْ تعودي؟ انتهت الجنازة، ومع ذَلك كنتِ تُماطلين ولَمْ تعودي إلى العاصمة.”
“كنتُ… كنتُ سأعود بِمُجرد تلقي الرد.”
احمرّت وجنتا كورديليا وخفضت نظرها. حتى هي كانت ترى أنْ جوابها كان جبانًا.
“رد؟ كان عليكِ إرسالُ رسالةٍ أولًا لتتلقي ردًا.”
“ماذا؟ لكني أرسلتُ رسالةً للبارون. ألَمْ تصلكَ؟ كتبتُ لهُ أنْ يوصلها إليّكَ بالتأكيد.”
“للبارون؟”
تخيل ليونارد العجوز المُخادع يضحكُ في الخفاء. مِن الواضح أنهُ استلم الرسالة وأقنعهُ بأنْ كورديليا ستهرب عند الذهاب إلى إبرامز.
“هل حقًا لَمْ تصلكَ؟ يبدو أنها قد ضاعت في الطريق. كنتُ أعتقدُ أنكَ غاضبٌ جدًا مني لدرجة أنكَ لَمْ تُرسل ردًا.”
“كنتُ غاضبًا لدرجة أنني ركضتُ إلى هُنا.”
“أوه… هل لَمْ يهدأ غضبُكَ بعد؟”
“ظننتُ بأنكِ كنتِ تؤجلين العودة عمدًا، وأنكَ تُخططين للهرب.”
“الهرب؟ إلى أين سأهرُب؟ ليس لديّ مكانٌ أذهبُ إليه.”
“لهَذا السبب تركتُ كُل عملي وتجاهلتُ كُل شيء وركضتُ لأيامٍ دوّن نومٍ تقريبًا، خوفًا مِن أنْ تهربي.”
“لَن أهرب، لَن أهرب. ما زال لديّ عملُ خدمتُكَ مدى الحياة، صحيح؟”
ضحكت كورديليا وهي تتحدث.
لَمْ يستطع ليونارد إبعاد عينيهِ عن عينيها الخضراوين. شعرُها البني الناعم، وتلكَ الحركة الطفيفة في أنفها عندما تضحك، وشفتاها المُتجعدتان عندما تكون حزينةً.
كُل تلكَ التفاصيل قد علقت في ذاكرتهِ، حتى عندما يُغلق عينيهِ يراها بوضوح.
لماذا ركضتُ إلى هُنا؟ لمُجرد بضعة أيامٍ مِن التأخير؟ وإذا هربت، فما المُشكلة؟ هُناك العديدُ مِن الأشخاص الذين يرغبون في أنْ يكونوا تلاميذي، وإذا هربت كورديليا، سأجدُ تلميذًا جديدًا.
فلماذا أنا خائفٌ كثيرًا مِن فقدانكِ هَكذا؟
قبض ليونارد يديهِ بقوة. المشاعرُ التي كان يُنكرها لوقتٍ طويل اقتحمت قلبهُ.
لَمْ يعُد لديهِ القوة لإنكارها.
إذا لَمْ تكُن أمامهُ، كان يشعرُ بالقلق، وإذا كانت بعيدةً، كان يشتاقُ لرؤيتها كُل يوم.
أخيرًا، وجد ليونارد اسمًا لهَذهِ المشاعر.
“كورديليا.”
“نعم.”
“استمعي جيدًا. لَن أتخلى عنكِ أبدًا. بغض النظر عن مَن تكونين، أو ماضيّكِ، أو عائلتُكِ، أو حتى إذا فقدتِ أطرافكِ، لا يهُمني.”
“…مُعلمي.”
نظرت كورديليا إليّهِ بعينين مُتألقتين بالعاطفة. فتحَ ليونارد فمهُ ليتحدث بتلكَ المشاعر التي اكتشفها للتو.
“لأنني أحبُكِ…”
“تُحبني؟”
“أنا… اللعنة.”
“تُحبني؟”
تلعثم ليونارد كما لو أنْ الكلمات قد توقفت في فمه. لَمْ يكُن قد نطق بهَذا النوع مِن الكلام مِن قبل، بل لَمْ يُفكر فيه حتى، لذا شعر بالخجل.
رمشت كورديليا بسرعةٍ. لماذا توقفَ عن الكلام؟
“يا إلهي، لقد فقدتُ عقلي أخيرًا.”
“لماذا؟ لماذا؟ لماذا توقفتَ عن الكلام؟”
سألتهً كورديليا بنظراتٍ غريبةٍ، وحثتهُ على إكمال كلامهِ. تنهد ليونارد ونظر إليّها بعينيهِ المُضطربتين. تُرى، هل تحملُ ليّ مشاعرًا مُشابهةً ولو بنسبة واحدٍ بالمائة؟
“كورديليا. أخبريني بصراحة.”
“نعم.”
“ما رأيًكِ بيّ؟”
“ماذا يعني؟ أنتَ أفضلُ مُعلمٍ في العالم، بالطبع.”
“لا، لا أريدُ تلكَ الإجابة التقليدية. أريدُ أنْ أعرف ما تشعرين بهِ حقًا من أعماق قلبكِ. كيف ترينني؟”
“مُعلمي! ألا تعرف؟ أنا أحترمُكَ بصدقٍ.”
“هل هُناك شيءٌ آخر غيرُ الاحترام؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿