أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 78
الفصل 78 : ما رأيُكِ بي؟ ¹
ربما كان ذَاك بسبب هو المطر الذي بللهُ، حيثُ أصيب بنزلة بردٍ شديدةٍ وأصبح طريح الفراش. لحُسن الحظ، كانت هُناك العديدُ مِن الخادمات اللواتي تطوعن لرعايتهِ، مما أتاح لهُ تلقي العناية الفائقة.
“كيف حالُ السيد روزنبلور الآن؟”
“لا يزالُ يُعاني مِن حمى شديدة اليوم. يقول الطبيب إنْ السبب هو الإجهاد المُتراكم، ولكن لا نعرفُ ما الذي يُمكننا فعله.”
كانت إميلي تشعرُ بحُزن شديد وكأن والدها هو مَن سقط مريضًا، ولَمْ تكُن الوحيدة. فقد شعرت كُل خادمة في قصر إبرامز بالأسى وكأنْ قلوبهن قد طُعنت بسبب مرض روزنبلور.
كانوا يعتقدون أنْ حالتهُ ستتحسنُ خلال يومٍ أو يومين، لكنهُ ظلّ مُصابًا بالحمى حتى اليوم الثالث.
خلال هَذا الوقت، انتهت مراسم الجنازة تقريبًا، وبدأت الزهور تفقدُ جمالها وتسقطُ على الأرض. وبدأ الناس في نسيان كريج بسرعةٍ، كانوا مشغولين بالتكهن بِمَن سيكون سيدَ العائلة الجديد.
“متى ستُغادرين؟ لقد انتهت الجنازة الآن.”
“لا يزالُ هُناك عملٌ يجبُ القيام بهِ. كيف يُمكنني المُغادرة بينما السيد روزنبلور طريحُ الفراش؟”
كانت كورديليا تختلقُ الأعذار للرد على إلحاح بيلوتشي. في الواقع، لَمْ يكُن السبب هو وجود روزنبلور المريض، بل لأنها لَمْ تتلق ردًا على الرسالة التي أرسلتها إلى أتيلي.
كانت خائفةً مِن المُغادرة دوّن تلقي أيَّ رد، فَبِمُجرد وصولها ستشعُر بالاطمئنان وتعودُ إلى العاصمة.
تجنبت كورديليا بيلوتشي الذي كان يضغطُ عليها للعودة إلى العاصمة، وتوجهت إلى غرفة روزنبلور.
رغم أنْ الوقت كان في مُنتصف النهار، إلا أنهُ كان لا يزالُ مُستلقيًا في الفراش. وعندما اقتربت منهُ، لاحظت أنْ حالتهُ كانت أسوأ مما كانت عليهِ عندما رأتهُ أول مرةً.
“آه، ليديا… ليديا…”
حتى في أحلامهِ، كان يبدو بأنهُ يبحثُ عن أختهِ.
طلبت كورديليا مِن الخادمات الخروج، وبدأت في تنظيف جسدهِ بمنشفةٍ مُبللةٍ. كانت فد أعتادت على رعاية المرضى بعد تجرِبتها مع كريج، لذا كان الأمرُ سهلًا بالنسبة لها.
رغم أنها كانت تعتني بهِ دوّن وعيّ، إلا أنْ أفكارها كانت مُنشغلةً تمامًا بليونارد.
‘لماذا لَمْ تصل الرسالة بعد؟ هل ضاعت في الطريق؟ هل يجبُ أنْ أرسلها مُجددًا الآن؟ لكن هل سيبدو ذَلك يائسًا؟ أن هل يجبُ أنْ أسكُتَ وأغادر؟’
“ليديا.”
في تلكَ اللحظة، أمسك روزنبلور ذراعها بشدةٍ. وعندما فُتِحت عينيهُ المليئتين بالحمى، نظرّ إليها وقال:
“أين كنتِ؟ أين ذهبتِ كُل هَذا الوقت؟”
“روزنبلور، أنا كورديليا.”
“كنتُ أعلم بأنكِ ستعودين. هل أنتِ بخير؟ هل تأذيتِ؟”
يبدو أنهُ كان يُعاني مِن هلوساتٍ بسبب الحمى. بدلاً مِن تصحيح ذَلك، اختارت كورديليا أنْ تواكبه.
“أنا آسفة. تأخرتُ كثيرًا، لكنني بخيرٍ تمامًا، ولَمْ أصب بأيِّ أذى.”
“لا بأس، طالما عُدتِ سالمة، هَذا كُل ما يهُم. والدنا…”
ظهرت راحةٌ واضحةٌ على وجهِ روزنبلور المُتألم للمرة الأولى. حاولت كورديليا أنْ تسحبَ يدها مِن قبضتهِ، لكنهُ كان مُمسكًا بها بشدة، فَلَمْ تتمكن مِن مُغادرة الغرفة.
وبالتالي، استمرت في رعايتهِ حتى غروب الشمس.
نظرت كورديليا مِن النافذة إلى الأفق المُظلم وقررت إيقاظ روزنبلور. لا يُمكنها قضاء الليل هنُا، خاصةً وأنْ ذراعها بدأت تفقدُ الإحساس بسبب قبضتهِ.
“سيد روزنبلور، استيقظ مِن فضلكَ.”
“……”
“سيد روزنبلور، سيد روزنبلور… أخي.”
بِمُجرد أنْ نادتهُ بلقبهِ، فتح عينيهِ بسرعةٍ. وبمُجرد استيقاظهِ، نظر حولهً بقلق.
“ليديا؟”
“أنا آسفة، لكنني كورديليا.”
“كورديليا؟ ماذا تفعلين هُنا؟”
“ماذا تقصد؟ هَذا قصر إبرامز. ألا تتذكر؟”
“إبرامز؟ أين… آه، كورديليا.”
بدأ عقلهُ الضبابي يستعيدُ وعيّهُ تدريجيًا، وعادت الحياة إلى عينيه.
“لقد كنتَ طريح الفراش لمدة ثلاثة أيامٍ بسبب حمى شديدة. يقول الطبيب إنها نزلةُ بردٍ حادةٌ. كيف تشعُر الآن؟”
“رأسي يؤلمني بشدةٍ، وأشعرُ بالغثيان.”
أخيرًا، أدرك روزنبلور مدى سوء حالتهِ. تنهدَ بعمقٍ. فقالت كورديليا بوضوح:
“هَذا جيد.”
“جيد؟”
“لأنكَ أصبحتَ تُدرك حالتكَ الآن. في الأيام الثلاثة الماضية، لَمْ تكُن حتى تعرفُ ذَلك.”
“هل كنتِ أنتِ مَن يرعاني طوال هَذا الوقت؟”
“لا.”
هزّت كورديليا رأسها بشدة.
“الخادمات في قصر إبرامز كانوا يتناوبون على رعايتكَ. لا أستطيعُ أنْ أسلبهن مجهودهن. لقد كنتُ بجانبكَ لفترةٍ قصيرةٍ فقط.”
“شكرًا لكِ. أنا مُجرد ضيفٍ، ومع ذَلك…”
“بالنسبة للخادمات، كانت رعايتُكَ مصدر سعادةً لهن، فلا تشغل بالكَ بذَلك.”
كانت مُتأكدةً إلى حدٍ كبير أنْ الخادمات كُنّ سيقفن في الصف، بل ويدفعن مالهن الخاص لرعايتهِ.
“الآن وقد استيقظت، عليكَ فعلُ شيءٍ واحد.”
“تناول الطعام لاستعادة قوتي؟”
“لا، أرجوكَ أترك يدي. بدأتُ أفقد الإحساس بها.”
“يدُكِ؟ آه، آسف.”
بدا أنهُ لَمْ يكُن يعلم، فأفلت يدها على الفور. ومع عودة الدماء، شعرت كورديليا بوخزٍ في يدها. ظهرت علاماتٌ حمراء على معصمها.
“أنا آسف جدًا يا كورديليا. كان يجبُ أنْ توقظيني.”
“لقد حاولت. عشرات المرات.”
“…آسف، آسف جدًا.”
تلعثم في حديثهِ، وهو أمرٌ غيرُ مُعتاد منه، عندما قدم اعتذارهُ. لكن كورديليا تصرفت بشكلٍ عادي وقالت:
“لا بأس. سأطلبُ مِن إحدى الخادمات إحضار الحساء لكَ. لا بد أنكَ جائعٌ بعدما قضيتَ اليوم كلهُ دوّن طعام.”
“وماذا عنكِ، كورديليا؟”
“ماذا؟”
“هل تناولتِ الطعام؟ كنتُ أخشى بأنكِ لَمْ تأكلي بسببي.”
“آه، لا، لَمْ أفكر في ذَلك…”
في تلكَ اللحظة، سُمع طرقٌ على الباب. كان مُجرد صوت طرق، لكنهُ حمل شعورًا بالاستعجال.
“ادخل.”
“سيدتي! سيدتي!”
كما توقعت، دخل الخادم وهو في حالةٍ مِن الذعر وهرع نحو كورديليا.
“ما الأمر؟”
“عربةُ قد وصلت، والزائر، أعني، الآن في الخارج…”
“اهدأ وتحدث. هل هُناك زائرٌ؟ مَن هو؟”
“الـ… العربة. شخصٌ مِن أتيلي قد وصل.”
أخذ الخادم نفسًا عميقًا، مُحاولًا استعادة أنفاسهِ بينما كان ينقلُ ما رآه. وعلى وجههِ بدت ملامحُ الدهشة، وكأنهُ لا يُصدق ما حدث.
“ما الذي تقوله؟ هل جاء شخصٌ مِن أتيلي، لا، هل الدوق أتيلي هو مَن أتى؟”
امتلأ وجهُ كورديليا بالبهجة، ووقفت بسرعة.
“أين هو؟ هل عبر البوابة؟ هل هو في غرفة الاستقبال، أم في المكتب؟ إلى أين يجبُ أنْ أذهب؟”
حتى هَذا الصباح، كانت تشعرُ بالكآبة بسبب عدم وصول ردٍ على رسالتها، لكن مع علمها بأنْ ليونارد قد جاء بنفسهِ، شعرت كورديليا وكأنها تطيرُ مِن الفرح.
لكن قبل أنْ تندفع خارجًا، أوقفها روزنبلور.
“هل ليونارد هُنا؟”
“يبدو أنهُ كذَلك. يا إلهي، كان عليهِ أنْ يُخبرني قبل أنْ يأتي! كيف يمكنهُ الحضور دوّن إشعارٍ مُسبق؟”
رغم أنْ كلماتها كانت غاضبةً، إلا أنْ شفتيها قد رُسمت عليهما ابتسامةٌ سعيدة. شعر روزنبلور بغرابة، وكأنْ قلبهُ قد أصبح فارغًا عندما رأى ابتسامتها.
“كورديليا… لا شيء. اذهبي بسرعة، ليونارد بانتظاركِ.”
“اعتنِ بنفسكَ وتناول الطعام جيدًا، حتى تستعيد قوتكَ وتتمكن مِن المُغادرة قريبًا.”
“شكرًا لكِ.”
قبل أنْ يتمكن روزنبلور مِن التعبير عن امتنانهِ، كانت كورديليا قد غادرت الغرفة بسرعة. ورغم أنْ رأسهُ كان يؤلمهُ بشدة ومعدتهُ كانت مُضطربة، إلا أنْ هُناك جزءًا آخر مِن قلبهِ كان أكثر ألمًا.
****
“لا شكَ بأنني مجنونٌ.”
منذُ أنْ قرر ليونارد الذهاب إلى إبرامز في تلكَ الليلة وحتى الآن، لَمْ يكًن يستطيع فهم نفسهِ.
ترك الكثير مِن الأعمال المُتراكمة خلفهُ وركض نحو إبرامز لَمْ يكُن خيارًا عقلانيًا أو منطقيًا بأيِّ حال.
[أنها تؤجل عودتها باستمرار بحجة أنها مشغولة.]
[رغم انتهاء الجنازة، لا يبدو أنها تخطط للرحيل.]
لكن رسائلٌ مُتماثلةٌ كانت تصل مِن بيلوتشي، مما جعلهُ يشعر بعدم الارتياح والقلق. ولَمْ يساعدهُ حديث البارون المُتكرر بجانبه، الذي كان يقول أشياء سخيفة مثل: ‘لو كان يستطيع، لهرب هو أيضًا.’
“رُبما مِن الأفضل ألا أكون تلميذة مُعلمي.”
لَمْ يكُن ليونارد يعلم ما الذي جعلهُ يأتي إلى هُنا، خاصةً عندما يوجد العديد مِن الناس في الجمعية مِمَن يرغبون في أنْ يصبحوا تلاميذ له، لكن لماذا كان يشعرُ بتلكَ الرغبة القوية تجاه كورديليا؟ لَمْ يجد تفسيرًا لذَلك.
‘رغبة.’ كان هَذا هو المُصطلح الوحيد الذي يصف أفعالهُ.
كانت مشاعرهُ مشوشةً وغيرَ مألوفةٍ لهُ. مشاعرٌ مجهولة السبب والاسم كانت تتلاعب بهِ بشكلٍ متكرر.
حتى عندما ركض لأربعة أيامٍ مُتتالية إلى إبرامز دوّن راحة، أقنع نفسهُ أنهُ فقط يريدُ الإمساك بتلميذتهِ المُتمردة.
“أهلًا وسهلًا بك، مرحبًا بك في إبرامز. للأسف، السيد الكونت غيرُ موجودٍ حاليًا…”
“أعلم. علمتُ أنْ كريج إبرامز توفيّ مؤخرًا وتمت مراسمُ الجنازة. جئتُ للقاء كورديليا فاسكويز.”
بمُجرد أنْ عبر بوابة إبرامز، هرع إليهِ كبيرُ الخدم الذي كان قد شحُب وجههُ مِن الخوف. بدا عليهِ الرُعب مِن ظهور الدوق أتيلي المُفاجئ، ولَمْ يستطع حتى النظر إليّه في عينيه.
“لقد أخبرتُ السيدة، وستأتي قريبًا. دعنيّ أصحبكَ إلى الداخل.”
نزل ليونارد مِن على حصانهِ وسلمه لأحد الخدم. ثم سار مُتجاوزًا كبير الخدم بخطواتٍ واسعة.
لَمْ يتوقع أنْ يعود إلى هُنا مُجددًا.
مر ليونارد عبر الرواق ودخل إلى القصر. كان كُل شيءٍ كما هو، الحديقة الباهتة التي لا تختلفُ عن حديقةٍ صغيرة، والجدران الرمادية القاتمة كانت كما هي.
“هل يجبُ أنْ أرافقكَ إلى غرفة الاستقبال؟ أم…؟”
“لا حاجة.”
لوّح بيدهِ تجاه كبير الخدم الذي كان يتصببُ عرقًا قلقًا. كان كبير الخدم في حيرةٍ شديدة، لا يعرفُ ماذا يفعل، وكان يتمنى بشدةٍ أنْ يصل الخادم الذي ذهب لإحضار كورديليا بسرعة.
تأمل ليونارد القصر مِن الداخل وذراعيهِ المُتقاطعتين. حينها، سمع صوت خطواتٍ خفيفةٍ قادمةٍ مِن على السلم. حاول ألا يُظهر اهتمامهُ، لكنهُ كان يُركز كُل انتباههِ على الصوت.
ماذا سيقول عندما يراها؟
ربما سيبدأ بتوبيخها لكسلها وإجبارهِ على القدوم إلى هُنا بنفسه. ولَن ينسى أنْ يسألها عن سبب عدم إرسالها حتى لـ رسالةٍ واحدة. كيف يُمكنها أنْ تكون مشغولةً لدرجة عدم السؤال عن صحة مُعلمها؟ هَذا أمرٌ غيرُ مقبول.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿