أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 76
الفصل 76 : جِنَازةُ الزَوج ¹²
“في ذَلك الوقت، قد شعرت بالإهانة مِن مُجرد الحديث عن قيّمة نفسها، أما الآن فقد تم تقديمُ تلكَ القيّمة بالكامل إلى فاسكويز، أليس مِن الطبيعي أنْ تكون غاضبةً؟”
“هل هَذا حقًا أمرٌ يستدعي الإهانة؟ لماذا تعتبرُ ذَلك جزءًا مِن قيّمتها؟ إنهُ فقط تكلفةٌ للتخلص مِن فاسكويز الذي كان يتدخل باستمرار، هَذا كان أشبهُ بتكاليف التخلص مِن القمامة.”
“مِن الطبيعي أنكَ لا تفهمُ ذَلك. إذا لَمْ تعش تلكَ الحياة، فلَن تستطيع فهمها.”
البارون كان يرى أنهُ مِن الطبيعي أنْ ليونارد لا يستطيعُ فهم موقف كورديليا ومشاعرها. رغم أنهما يعيشان معًا، إلا أنهُما ينتميان إلى عالمين مُختلفين.
للأسف، لَمْ تصل الكلمات التي قيلّت إلى أذني ليونارد.
“كم هَذا غيرُ لائق. كم اهتممتُ بها وراعيتها!”
“الرعاية تعني أنْ يشعر بها الطرفُ الآخر. إذا كانت مِن طرفٍ واحد فقط، فهي مُجرد إرضاءٍ للذات.”
“هُناك الكثيرُ مِمَن يرغبون في أنْ يكونوا تلاميذي وهم أكثرُ مِن النجوم في السماء! لقد قبلتُها رغم أنها لا تعرفُ شيئًا عن السحر، ويجبُ أنْ تكون مُمتنةً لذَلك. كيف تجرؤ؟”
“بصراحةٍ، بالنسبة لشخصٍ مثل كورديليا، هُناك الكثير مِمَن سيتنافسون على قبولها كتلميذةٍ لهم. وأحدهم هو السيد روزنبلور.”
لَمْ يكُن ليونارد يسمح لأيِّ كلمةٍ أنْ تمر دوّن رد. التفت بغضبٍ ونظر إلى بارون.
“في صف مَن أنتَ تقف؟”
“يا إلهي، هل غضبتَ لأنني أقفُ في صف كورديليا المسكينة بدلاً مِن السيد العظيم ليونارد، سيد عائلة أتيلي وسيد أكيرون؟”
تظاهر بارون بالدهشة بوجهٍ مُبالغٍ فيه، مِما جعل ليونارد يرتجفُ مِن الغضب.
“أنتَ تتحدثُ كثيرًا اليوم، أليس كذَلك؟”
“أعتذر، لكنني مِن النوع الذي يُفضل قول الحقيقة حتى لو كان ذَلك سيُكلفني حياتي.”
كان بارون يمتلكُ موهبةً في قول الكلمات المُزعجة بابتسامةٍ لطيفة.
“إذا كنتَ قلقًا جدًا، لماذا لا تذهبُ إلى إبرامز بنفسكَ؟”
“ولماذا يجبُ أنْ أذهب إلى هُناك؟”
“لا يوجدُ داعٍ لأن تذهبَ بنفسكَ، فبيلوتشي بجانب كورديليا، حتى إذا هربت، سنعرفُ وجهتها.”
تحدث بارون وكأن هروب كورديليا مِن ليونارد كان أمرًا مُحتملاً.
صرخ ليونارد بغضبٍ وطرد البارون مِن الغرفة.
ولكن حتى بعد مرور ساعاتٍ، لَمْ يستطع ليونارد التركيز على عملهِ. أخرج الورقة مِن جيبهِ وقرأها مُجددًا.
بعد الشجار الكبير الذي حدثَ بينهُ وبين كورديليا، كان ليونارد غاضبًا، لكنهُ كان ينوي تجاوز الأمر. ولكن تلميذتُه غيرُ المُمتنة غادرت إلى إبرامز دوّن أنْ تودعهُ.
كانت الرحلةُ مُجدولةً مُسبقًا، لكن شعورًا بالقلق بدأ يتسللُ إليه. لَمْ يستطع نسيان آخر كلماتٍ قالتها كورديليا.
“أظنُ بأنني لَمْ أعد أرغبُ في أنْ أكون تلميذتكَ.”
كيف تجرؤين؟
تخيل ليونارد نفسهُ وهو يردُ على كورديليا في خيالهِ.
الرابطةُ بين المُعلم والتلميذ أقوى مِن أيِّ علاقةٍ أخرى، حتى أقوى مِن روابط الدم أو الزواج. لا يُمكن لكلمةٍ واحدةٍ مِن كورديليا أنْ تُنهي هَذهِ العلاقة.
“عندما تعود، سأُريها مدى النعمة التي حصلت عليها بقبولها كتلميذتي. لَن تهرب. كيف تجرؤ؟”
ثم تذكر عندما التقاها لأول مرةٍ، وكيف قالت بإنها إذا تطلقت، ستتعلمُ بعض التعويذات لتُصبح مُثمن سحري.
هل ما زالت تملكُ ذَلك الحُلم السخيف؟
القلق الذي كان يتراكمُ بداخلهِ اشتعل بسرعةٍ بمُجرد التفكير في هَذا. وما إنْ بدأ في التفكير بهَذهِ الطريقة، تزايدت مخاوفه.
لحُسن الحظ، قاطعهُ أحدُ الخدم ليُخبره بوجود زائرٍ، مما أوقف أفكارهُ القلقة.
“الماركيز إلفينباوم هُنا.”
“أدخله.”
“نعم.”
غادر الخادم بسرعةٍ خوفًا مِن أنْ يتعرض للتوبيخ.
لَمْ يمر وقتٌ طويل حتى دخل روزنبلور. على عكس المُعتاد، بدا وجههُ شاحبًا.
“شكرًا لتخصيص الوقت ليّ، ليو.”
“يبدو أنكَ لَمْ تجدها بعد.”
“هاه. لقد مر عشرةُ أيامٍ منذُ اختفاء ليديا. لو كانت مُختطفةً، لكانوا قد أرسلوا بطالبٍ. لكن عدم وجود أيِّ أخبارٍ يزيدُ مِن قلقي. هل ليديا ما زالت على قيد الحياة؟”
مرت عشرةُ أيامٍ منذُ أنْ اختفت ليديا إلفينباوم. اختفت في مًنتصف الليل، داخل منزل عائلة إلفينباوم.
في البداية، كان الافتراضُ المنطقي بأنها قد أُختُطِفت. فقد كانت تبدو بخيرٍ تمامًا حتى الليلة السابقة، حيثُ حضرت الحفلات الشاي.
لكن مع مرور الوقت وعدم ورود أيِّ طلباتٍ مِن الخاطفين، زداد القلق. كانت غُرفتها نظيفةٌ جدًا، ولَمْ تكُن هُناك أيُّ علاماتٍ على المُقاومة.
إذا لَمْ يكُن الأمر يتعلق بفدية، فهُناك احتمالان رئيسيان: إما أنها غادرت بمحض إرادتها، أو أنْ مَن أخذها كان يهدفُ إلى قتلها.
وكلا الاحتمالين كان يصعبُ على روزنبلور تقبُلهما.
“لا تقًل ذَلك. ليديا ما زالت على قيد الحياة.”
“نعم، أنتَ مُحق، ليو. هي على قيد الحياة، بالتأكيد.”
بدأ روزنبلور يُردد تلكَ الكلمات كأنهُ يحاول إقناع نفسهِ.
“هل هُناك أيًّ دليل؟ هل وجدتم شيئًا؟”
“حتى الآن، الشيء الوحيد الذي وجدناهُ هو شريطٌ أحمر كان معلقًا على إطار النافذة. وتبين أنهُ يعود إلى ليديا.”
“هممم.”
“وهَذا ما اكتشفته مؤخرًا، فقد أخذت ليديا معها قطعتين مِن الآثار المُقدسة التي كانت محفوظةً في غرفة كنز عائلة إلفينباوم.”
“آثار مُقدسة؟ هل تحتاجُ إلى استخدامها حقًا؟”
الآثار المُقدسة هي موادٌ تحتوي على قوةٍ سحرية مُركزة على مدى فترةٍ طويلةٍ مِن الزمن، وهي أنقى بمئات المرات مِن الأحجار السحرية العادية. لقد تمكن ليونارد مِن التغلُب على ماكسيميليان، رغم حالتهِ الجسدية الضعيفة، بمساعدة هَذهِ الآثار القوية.
لكن بالنسبة لليديا، التي لا تختلفُ كثيرًا عن شخصٍ عادي، فإنْ هَذهِ الآثار لا فائدة لها.
“كنتُ أعتقد ذَلك أيضًا. لكننا فتشنا غرفة ليديا والبيت بأكمله عدة مرات، ولَمْ نتمكن مِن العثور على الآثار التي أخذتها.”
“تقصدُ أنْ ليديا قد أخذت الآثار وغادرت بنفسها؟”
“هَذا هو أكثر الافتراضات تفاؤلاً الذي أستطيعُ تَخيله.”
بالطبع، هَذا الافتراض يحتاجُ إلى سببٍ منطقي. لماذا غادرت ليديا منزل إلفينباوم دوّن أنْ تُخبر أحدًا؟
لو كان يعرفُ السبب، لما كانت هَذهِ الحالة مِن القلق تُسيطر عليه.
انحنى روزنبلور برأسهِ بعمقٍ. نظرًا لمدى قُربهِ مِن أخته، كان تأثيرُ اختفائها عليهِ كبيرًا.
“شكرًا لكِ، ليو. بفضل الأشخاص الذين ارسلتهم، تمكنا مِن توسيع نطاق البحث.”
“أنا أيضًا أبحثُ عن أخي، لذا فإن البحث عن شخصٍ آخر لَن يختلف كثيرًا.”
“يبدو أنكَ لَمْ تجد ماكسيميليان حتى الآن. هَذا مُذهل. كيف تمكن مِن الاختباء بهَذا الشكل وهو غيرُ قادرٍ حتى على استخدام السحر؟”
“يبدو أنهُ وجد مُساعدًا جيدًا.”
مرت فترةٌ طويلة منذُ هروب ماكسيميليان، لكن ليونارد لَمْ يظهر أيَّ علاماتٍ على القلق.
لقد قامَ بالفعل بنزعِ قوى ماكسيميليان التي كانت في قصر أتيلي. وتم استنفاذ جميع قواهُ السحرية، مما جعلهُ الآن كشخصٍ عادي.
في الواقع، ليونارد كان يستمتعُ بعملية المُطاردة. فمُتعة الصيد تكمُن في محاصرة الفريسة وتخويفها ببطءٍ حتى تنهار.
“سأغادر العاصمة اليوم. إذا عثرتُ على أيِّ أثرٍ لماكسيميليان أثناء البحث، سأخبركَ.”
“لماذا قد تُغادر العاصمة؟”
“لو بقيتُ هُنا أكثر، سأفقدُ عقلي.”
قال روزنبلور بصوتٍ مُنخفض. كان مُقتنعًا في البداية بأنهُ سيعثرُ على ليديا في غضون يومٍ أو يومين، لكن مع مرور الوقت تزايدت مشاعرُ القلق لديه. في النهاية، لَمْ يعد متأكدًا حتى ما إذا كانت أختهُ على قيد الحياة.
في الليلة السابقة، رأى كابوسًا عن ليديا وهي تنزف وتنهار، فقرر البحث عن أختهِ بنفسه.
“قلتَ إنْ كوردليا ذهبت إلى إبرامز، صحيح؟”
“نعم.”
“متى ستعود؟ لديَّ بعضُ الأسئلة أريدُ أنْ أسألها.”
“……لا أعلم. ستعود عندما تنتهي مِن أمورها.”
قال ليونارد بصوتٍ خافتٍ بعض الشيء. كان يعتقدُ بأنها ستعود بالتأكيد، لكن الكلمة التي سمعها مِن قبل “الهروب” ظلت تدوّر في ذهنه.
“هل إبرامز تلكَ المنطقة التي تقع في الشمال الشرقي؟”
“لماذا تسأل؟”
“قد أصادفها أثناء بحثي عن ليديا.”
“ما الذي يدفعُكَ للذهاب إلى تلكَ المنطقة النائية؟”
ضحك ليونارد باستهزاء. بدا أنْ روزنبلور قد قال كَل ما في جعبته، فنهض.
“كنتُ سأمر قبل المُغادرة. سأراكَ لاحقًا.”
“نعم. مع ليديا، نحنُ الثلاثة.”
غادر روزنبلور قصر أتيلي بابتسامةٍ باهتة.
***
في إيرشيه، عندما يموتُ شخصٌ ما، يتمُ تزيين النعش والمنزل بالورود. وعندما تذبُل هَذهِ الورود، يتمُ إزالة كُل زهرةٍ واحدةً تلو الأخرى لإحياء ذكرى المُتوفى.
وكانت جنازة كريج تجري على نفس النمط. منذُ اليوم الذي وصل فيه النعش، تم تزيين القصر بالزهور. كانت الرائحة القوية تملأ أرجاء المكان.
كانت كورديليا مشغولةً بالإشراف على جنازة كريج، مما منحها بعض الراحة المؤقتة مِن التفكير في ليونارد.
“هذا هو أنديل روترافين. إنهُ الابنُ الثاني للبارون روترافين، وأردتُ أنْ أقدمهُ لكِ.”
“آه. إنهُ هو.”
مِن حديث البارون لانكاستر، أدركت كورديليا أنْ أنديل هو المُرشح الذي يدعمهُ البارون لمنصب الكونت.
انحنى أنديل باحترامٍ لكورديليا.
“أعزيّكم لـ وفاة الكونت إبرامز. اسمي أنديل روترافين.”
على مدى عشرين دقيقة، أخبرها كيف أنهُ إذا دعمت ترشيحهُ، فسيضمنُ لها دعمًا ماليًا كبيرًا عندما تُغادر القصر.
“لدي كوخٌ صغير في راند. سيكون مكانًا مريحًا لكِ. وسأقدم لكِ 500 ألف رينكيت سنويًا لمدة عشر سنوات.”
“هَذا عرضٌ سخي.”
ربما كان مِن قبيل الصدفة، لكن المبلغ الذي عرضهُ كان نفس السعر الذي بيعت بهِ كورديليا إلى هَذا المكان.
وجدت كورديليا في ذَلك مزيجًا مِن السخرية والمرارة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿