أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 74
الفصل 74 : جِنَازةُ الزَوج ¹⁰
“أنا أيضًا لدي ماضٍ أرغبُ في إخفائه. ألا يُمكنكَ أنْ تتجاهلهُ فحسب؟ أنْ تُعاملني وكأنني شخص وُلد وتربى مُحاطًا بالحب، وكأنني ليس لديِّ ماضٍ سيء؟”
“لهَذا السبب لَمْ أسألكِ! لَمْ أسألكِ عن ماضيكِ، أو ما حدث بينكِ وبين فاسكويز. كًل ما فعلتُه هو إبعادُ والدكِ المُزعج عنكِ ببعض المال. فما المُشكلة إذن؟”
ليونارد الذي كان يُحاول كبح غضبهِ، قد انفجر في النهاية. كان مُستاءًا للغاية منها.
كان يشعرُ أنهُ قد أولى كورديليا الكثير مِن الاهتمام والعناية، ورغم ذلك كان ردُ فعلها خيبة أملٍ له، حتى شعر بالخيانة.
“أعرفُ جيدًا أنْ مُعلمي قد غير حياتي. وأنا مُمتنة لكَ دائمًا. لكن هَذا لا يعني أنْ مِن حقكَ أنْ تتحكم في حياتي كما تشاء. أتسألني ما مشكلتي؟ مُعلمي قد اشتراني مِن والدي! دفع 50 ألف لينكيت شهريًا.”
“…”
“أين كان رأيي في ذَلك؟ هل كان هُناك أيُّ اعتبارٍ لرأيي أو مشاعري؟ لماذا لَمْ تسألني أبدًا؟ أنا لستُ مًلكًا لكَ أو لوالدي!”
كانت تصرخُ مِن أعماقها.
لَمْ تذرف أيَّ دموع. فقط شعرت وكأن هُناك ثقبًا قد حُفر في قلبها، وكأنها تقفُ على حافة هاوية لا قعر لها.
على الرغم مِن صرخاتها، رد ليونارد بهدوءٍ بارد.
“لو كنتُ حقًا أعتبركِ مُلكًا لي، لقتلتُ والدكِ الذي أساء لكِ. كان سيكون الأمر أسهل بكثيرٍ. لكن لأنني أهتمُ بكِ، فضلت أنْ أتعامل مع والدكِ وأدفع لهُ المال شهريًا. لماذا لا تستطيعين فهم ذَلك؟ هل جُرح كبرياؤكِ حقًا لأنني لَمْ أخبركِ بما كنتُ أفعلُه؟”
الكبرياء.
مِن وجهة نظر ليونارد، كان هَذا مًجرد كبرياءٍ تافه. قالت ووجهُها ملامحهُ مشوهةٌ بشكلٍ غريب، لا تضحك ولا تبكي:
“نعم. لقد جُرح كبريائي. لقد جعلتني أشعرُ بأنني الشخصُ الأكثر بؤسًا في العالم.”
“بؤس؟ ها… يبدو أنْ مشاعركِ هي كُل ما يهمُكِ. لا تهتمين حتى بأسبابي لاتخاذ تلكَ القرارات.”
قال ليونارد كلماتهِ ببُطء، وكأنهُ يمضغها، ثم تراجع. شعر أنْ النقاش أصبح بلا جدوى لأنهُما لا يفهمان بعضهما على الإطلاق.
“ارتاحي.”
استدار ليونارد ليغادر الغرفة. كان يخشى أنْ يقول شيئًا لا يُمكنهُ التحكم فيه إذا بقي لفترةٍ أطول.
“أظُن…”
“ماذا قلتِ؟”
كان على وشكِ فتح الباب عندما سمع صوت كورديليا المنهك خلفه.
“أظُن بأنني لَن أكون تلميذتكَ بعد الآن.”
“ما الذي تقصدينهُ بذَلك؟”
استدار ليونارد بسرعةٍ وسار نحوها. كانت تفتحُ وتُغلق عينيها ببطءٍ شديد.
“أليس ذَلك أفضل للجميع؟”
“هل ما زلتِ لا تعرفين مَن أكون؟ أنا أقوى ساحرٍ في هَذهِ البلاد، إيرشيه! كًل السحرة في جمعية السحرة يتمنون أنْ يكونوا تلاميذي!”
قبل أنْ يُكمل كلامه، تحولت الغرفة التي كانت فيها فجأةً إلى غابةٍ، ثم، بغمضة عين، تحولت إلى بحرٍ. وعندما رمشت مرةً ثالثة، عادت كُل الأمور إلى حالتها الأولى كأنْ شيئًا لَمْ يكُن.
“الجميع يتوسلون ليِّ لأعلمهم السحر، أما أنتِ فتتمسكين بِمُجرد كبرياء؟”
كان ليونارد يشعرُ بغضبٍ يشتعلُ داخله، حتى أنْ كُل كلمةٍ تخرج مِن فمهِ كانت كأنها نيرانٌ.
منذُ أنْ وضع نجمًا جديدًا في قبة السماء، كان كُل السحرة يحلمون بأنْ يُصبحوا تلاميذهُ.
لَمْ يكُن هُناك شخصٌ يجرؤ على إبراز كبريائهِ أمام ليونارد. وكان هُناك الكثيرون مِمَن كانوا سيقضون حياتهم في خدمتهِ بإخلاص لو قبل أنْ يُعلمهم.
لكن كورديليا لَمْ تكُن تُدرك حجم النعمة والحظ الذي حصلت عليه. أنْ تجرؤ على إنهاء كُل هَذا بسهولةٍ جعل دمهُ يغلي ويداهُ ترتجفان مِن الغضب.
“لا تقُل ‘مُجرد’! لأن هَذا كًل ما تبقى ليِّ الآن.”
“ما تبقى لكِ هو أنا! ليس ذَلك الكبرياء السخيف أو والدكِ الذي باعكِ مرتين!”
ساد صمتٌ رهيبٌ. لَمْ يفهم أيٌّ منهما الآخر.
وربما لَن يفهما أبدًا.
***
عند بزوغ الفجر، حزمت كورديليا حقائبها بسرعةٍ وغادرت منزل أتيلي. شعرت أنْ هَذا هو الحلُ الأمثل. لَمْ يكُن لديها الشجاعة لمواجهة ليونارد مرةً أخرى، وكان لديها عذرٌ الآن للابتعاد.
في كُل مرةٍ يهتزُّ نعش كريج خلف العربة، كان قلبُها يغوص في أعماق السواد.
لَمْ يدُم غضبُها مِن إعطاء المال لوالدها طويلاً. ما كان يؤلمها حقًا هو الندمُ والشعور بالذنب.
‘لا بد بأنهُ قد سئم مني. حتى أنا كنتُ سأكره نفسي لو كنتُ مكانه. أنا تلميذةٌ غبية، لا أستطيعُ التحكم في غضبي، وأملكُ عائلةً طفيليةً تستنزفُ المال.’
كانت تُسيطر عليها فكرةُ أنْ ابتعادها عن ليونارد، والتوقف عن كونها تلميذةً لهُ، سيكون الأفضل.
فجأةً، اصطدمت العربة بشيءٍ ما وتوقفت.
“ما، ما الذي يحدُث؟”
لَمْ تكًن قد غادرت حدود العاصمة تمامًا بعد، فخافت أنْ يكونوا قد تعرضوا لهجومٍ مِن قطاع الطرق. لحُسن الحظ، سمعت صوتًا مألوفًا مِن خارج العربة.
“افتحي النافذة.”
“بيلوتشي؟”
هُناك شخصٌ غيرُ متوقعٍ كان يمتطي حصانهُ هًناك. يبدو أنهُ قد ركض بكُل قوتهِ، إذ كانت قطراتُ العرق تتلألأ على جبهتهِ رغم برودة الجو. عندما التقت عيناهً بعيني كورديليا، تذمر بيلوتشي.
“ما الذي يجعلكِ مُستعجلةً إلى هَذا الحد لتُغادري مع بداية الفجر؟”
“ما الذي جاء بكَ إلى هُنا، بيلوتشي؟”
“قد تلتقين بلصوصٍ في طريقكِ إلى إبرامز وتهلكين، وحينها سأضطرُ لاستعادة السوار.”
قال ذَلك بنبرةٍ جافة. نظرت كورديليا نحو اتجاه منزل أتيلي الذي لَمْ يعُد مرئيًا وسألت:
“هل مُعلمي هو مَن أرسلكَ؟”
“لا أعتقدُ أنْ السيد يعلمُ بأنني هُنا. كنتُ في طريقي مِن القلعة الرئيسية في أتيلي إلى العاصمة عندما رأيتُكِ. بما أنني أرى نعشًا محمولاً في العربة، فأنتِ ذاهبةٌ إلى إبرامز، صحيح؟”
“نعم، لكن لا حاجة لأن تأتي معي. الطريقُ إلى هُناك آمنٌ ولَن يكون هُناك أيُّ خطر.”
“هل تظُنين بأنني أرافقكِ لأنني قلقٌ عليكِ؟ أنا فقط أتيتُ لاستعادة السوار.”
“لَمْ أسألكَ إنْ كنتَ قلقًا…”
“هيه! لماذا أنتَ واقف؟ تحرك بسرعة!”
أدار بيلوتشي رأس حصانهِ وصرخ على السائق المسكين. شعرت كورديليا أنْ هَذا الموقف كان مُضحكًا ومؤثرًا في نفس الوقت، لذا ظلّت تنظرُ إلى ظهرهِ لفترةٍ طويلة.
مرت بضعةُ أيامٍ وهم يركبون دوّن توقفٍ. كالمًعتاد، وجدت كورديليا نُزلًا جيدًا لتستريح فيه، فبدلّت ملابسها واستعدت للنوم.
وبينما كانت تبحثُ في حقيبة سفرها، وجدت شيئًا غيرَ متوقعٍ.
[كورديليا، إذا وضعتِ هَذا بجانب سريركِ، ستحصلين على نومٍ هانئ. أتمنى أنْ تعودي سالمةَ.]
كان هُناك كيسٌ عطري ورسالةٌ صغيرة، يبدو أنْ ليلى قد كتبتها. احتضنت كورديليا الكيسَ العطري بعنايةٍ. فجأةً، شعرت بالدموع تكادُ تملأ عينيها.
كان الأشخاص في أتيلي مِن ألطف وأكرم مَن قابلتهم في حياتها.
“عندما أعود إلى أتيلي…”
ثم تذكرت وجه مُعلمها الذي كانت تُحاول جاهدةً نسيانهُ، وشعرت بقلقٍ لا يُمكن تفسيرهُ.
“ماذا لو أخبرني مُعلمي ألا أعود أبدًا؟”
ماذا لو غضب وقال بإنهُ لا يحتاجُ إلى تلميذةٍ مثلي، لا تعرفُ المعروف، وطلب مني ألا أعود؟ هل يجبُ أنْ أعتذر وأتمسك به، وأقول إنْ علاقةُ المعلم والتلميذ لا يُمكن قطعها بسهولة؟
أصابها القلق الشديد، فأخرجت قلمًا وورقةً مِن حقيبتها وبدأت في كتابة رسالة. وبعد ترددٍ طويل، كتبت رسالةً عادية.
لَمْ تستطع أنْ تكتُب إلى مُعلمها مُباشرةً، لذا وجهت الرسالة إلى البارون. كانت تعلمُ أنهُ سيوصلها إلى مُعلمها بنفسه.
عندما نزلت إلى الطابق الأول مِن النًزل في الصباح، بوجهٍ عابسٍ، سألها بيلوتشي:
“لماذا يبدو وجهكِ بهَذا السوء؟”
“هل جئتَ لتتشاجر معي منذُ الصباح؟ أنا مُرهقةٌ، فلا تُزعجني.”
“يا إلهي، لو رآكِ أحدهم لظُن أنْ زوجكِ قد مات.”
“مِن الجيد بأنكَ ترى ذَلك.”
لَمْ تكُن كورديليا في مزاجٍ يسمحُ لها بالرد، لذا ظلّت تأكلُ عصيدة الشوفان التي قدمت لها على الإفطار بصمت.
قبل المُغادرة مُباشرةً، طلبت مِن صاحب النُزل أنْ يُرسل رسالتها إلى أتيلي.
كان الطريق إلى إبرامز سلسًا. لَمْ يكُن هُناك ما يدعو للاستعجال، لذا استغلت كورديليا الوقت للاستمتاع بالرحلة وسارت ببطء.
حاولت جاهدةً ألا تُفكر في ليونارد، لكن الأمرُ كان صعبًا للغاية.
رغم قصر الفترة التي قضتها معهُ، كانت تلكَ الأوقات الأكثر تألقًا في حياتها. كما لو أنْ روحًا قد نُفخت في جسدٍ ميتٍ، أو أنْ عالمها الرمادي قد امتلأ بالألوان.
“بما أنني أستطيعُ رؤية أسوار إبرامز الآن، سنصلُ قبل غروب الشمس.”
“حقًا؟”
“حقًا؟ لقد استغرق الأمرُ منكِ أكثر مِن سبعة أيامٍ في طريقٍ يستغرقُ خمسة أيامٍ فقط بسبب بُطئكِ.”
“إذن حان وقت الفراق، أليس كذَلك، بيلوتشي؟”
“ما هَذا الكلام؟”
“يجبُ أنْ تعود. أليس كذَلك، بيلوتشي؟”
ابتسمت كورديليا ابتسامةً باهتةً. بفضل وجودهِ، وصلت بسلامٍ إلى إبرامز. عبس بيلوتشي وقال:
“هَذا الكلامُ يبدو وكأنكِ لَن تعودي.”
“….”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة