أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 73
الفصل 73 : جِنَازةُ الزَوج ⁹
دينيس كان يمسحُ مؤخرة رأسهِ بعُنف، كان يجلسُ ثم يقف مرارًا وتكرارًا. لَمْ تعُد كورديليا تشعرُ بخيبة الأمل تجاه تصرفاتهِ الصريحة. وبينما تلاحقت الحقائق المُفاجئة، وضعت يدها على صدغها مًحاولةً تهدئة أفكارها.
“كيف قبلت بهَذا المال؟ وأنتَ تعلم بالحقيقة ولَمْ تشعر بالخجل لتُخبر والدنا؟”
“ماذا كان عليَّ أنْ أقول؟ هُم مَن عرضوا المال أولاً.”
“حتى وإنْ كان كذَلك، هل أنا جزءٌ مِن هَذهِ العائلة حقًا؟ كيف تقبلُ المال بشرط ألا تراني؟ وتستخدمهُ للإقامة بكُل وقاحةٍ في هَذا النُزل الفاخر الذي لا يليقُ بك!”
لو كان بيدها شيءٌ لرمتهُ بهِ مُباشرةً. وبينما كانت تتحدث، شعرت كورديليا بأنْ بطنها تشتعل. كأنْ أحشاءها تحترق.
“وفوق ذَلك، بعد أنْ فقدتَ ماكسيميليان، ما زلتَ تتوقعُ أنْ يُسامحك أتيلي؟ كيف يُمكن لشخصٍ أنْ يكون بلا ضميرٍ إلى هَذا الحد؟”
“بلا ضمير؟ وماذا عنكِ؟ هل فكرتِ يومًا بأننا عائلةٌ حقًا؟ لَمْ أعرف حتى أنكِ أصبحت ساحرةً إلا عندما وصلتُ إلى العاصمة! أنتِ مَن تخلّى عني وعن والدنا!”
“والدنا هو مَن… حسنًا، فهمت.”
صرخت كورديليا بدورها ثم خفضت صوتها أخيرًا، مُحاولاً تهدئة يديها المُرتجفتين.
“كان عليَّ أنْ أكون أكثر انتباهًا، أعتذرُ عن عدم اهتمامي. الآن سأهتمُ بوالدنا وبك، فقط توقف عن أخذ المال مِن أتيل- مُعلمي.”
أرادت إنهاء هَذا الوضع بسرعةٍ أكبر مِن شعورها بالاعتذار.
“ستعتنين بنا؟ هل ستُعطيننا المال؟ وكم ستُعطيننا؟”
“… كم تحتاج؟”
“لا بد أنْ نحصل على نفسِ المبلغ الذي نحصلُ عليهِ الآن.”
قال دينيس بوقاحةٍ.
“وعلى كم تحصل الآن؟”
“50 ألف لينكيت.”
“ماذا؟ هل مُعلمي يُعطيكَ 50 ألف لينكيت؟”
“نعم، كُل شهر 50 ألف. هل تستطيعين إعطاء هَذا المبلغ كُل شهر؟”
لَمْ يكُن هَذا مبلغًا لمرةٍ واحدة، بل كُل شهر. في السنة يصل إلى 600 ألف لينكيت. عندما باع والدها كورديليا لـ أبرامز، حصل على 500 ألف لينكيت.
كان والدها قد باعها مرتين. لَمْ تجد كلمات لوصف مدى مهارتهِ في البيع.
حينما صُدمت بالمبلغ الكبير، لَمْ تستطع كورديليا أنْ تتحدث. استمر دينيس في الحديث بنبرةٍ توحي بأنْ هَذهِ هي الحقيقة التي كان يتوقعها.
“لا يُمكنك فعلُ ذَلك، أليس كذَلك؟ لذَلك فقط دعيّ الأمور تمر بسلام، ولا تُثيري الفوضى.”
“…”
“بالمناسبة، هل تحدثتِ مع الدوق أتيلي عن وضعي؟”
“…”
“لماذا لا ترُدين؟ لا بد بأنكِ لَمْ تفعلي شيئًا، أليس كذلك؟ سيستجوبونني بعد يومين، وإذا لَمْ أتمكن مِن الدفاع عن نفسي جيدًا، فقد أذهبُ إلى السجن… أختي!”
نهضت كورديليا بسرعةٍ وخرجت مِن الغرفة. لَمْ يكُن بإمكانها تحُمّل المزيد مِن الحديث مع دينيس، ولا مواجهةُ المزيد مِن الحقائق التي كانت تجهلُها.
ركض دينيس خلفها وأمسك بمعصمها.
“كيف تذهبين هَكذا؟ يجبُ أنْ تُعطيني إجابةً قبل أنْ تذهبي.”
“ما الإجابة التي تُريدها؟ لقد قبلتَ المال واختارت ألا تراني.”
“هَذا شيءٌ أخر، لكن لماذا تُعاملينني بازدراء؟ هل ترينني كشخصٍ سخيفٍ لأنني أحاول إرضاءكِ؟ هل أخبرتِه أم لا؟”
“ها…”
“إذا ذهبتُ إلى السجن، ماذا سيحدُث لعائلة فاسكويز؟ مَن سيرثُ اسم العائلة؟”
كان دينيس يصرخُ في الممر، غيرَ مُكترثٍ بالناس الذين قد يسمعونهم. بل كان يهزّ ذراعها بعنفٍ وهو يكرر سؤاله.
نظرت كورديليا إليّه بسخريةٍ.
“لماذا تسألُني عن مستقبل عائلة فاسكويز؟ دبر أموركَ بنفسك. أنتَ ووالدنا لَمْ تعتبراني أبدًا جزءًا مِن العائلة.”
“إذا كنتِ تكرهين ذَلك كثيرًا، فعليكِ أنْ تعطينا المال بدلاً مِن ذَلك! منذُ أنْ تزوجتِ ابرامز، لَمْ تُرسلي لنا قرشًا واحدًا، أليس هَذا خطأكِ؟ والدنا لَمْ يكُن ليقبل المال لولا أنهُ قد اضطر لذَلك!”
“حسنًا، إذًا. دعنا نقطع علاقتنا تمامًا. سواء انتهى بكَ المطاف في السجن أو لا، لَنْ أهتم!”
صرخت بصوتٍ عالٍ، وكانت هَذهِ المرة تعني كُل كلمة. كان غضبُها وانفعالها يتصاعدان كالأمواج، وكان شعورها كأنها تواجهُ وحشًا تحت قناع العائلة.
ما الذي تعنيه بالنسبة لهم حقًا؟
احمر وجه دينيس، ورفع يدهُ التي كانت مُمسكةً بمعصمها.
بمًجرد أنْ تحركت يدهُ نحو وجهها، قامت كورديليا بحماية نفسها بسحر الحاجز. وعندما لامست يدهُ خدها، ارتد للخلف بقوةٍ.
أستخدمت ما علمهُ لها مُعلمها أخيرًا في هَذهِ اللحظة.
“آه!”
“لا أريدُ رؤيتكَ مُجددًا.”
نظرت كورديليا إلى شقيقها الذي سقط على الأرض، ثم غادرت النُزل.
كانت العربة التي جاءت بها مِن قصر أتيلي تنتظرُها أمام النًزل. فتح السائق الباب بسرعة عندما رأى كورديليا تخرج.
“إلى أين نذهب؟”
“إلى المنزل… لا، عُد إلى أتيلي.”
“نعم، بالتأكيد.”
أغمضت كورديليا عينيها، تشعرُ بصداعٍ شديدٍ يكادُ أنْ يُحطم رأسها. الحقائق التي فُرضت عليها دوّن سابق إنذار كانت تخنقُها.
ماذا تعني هي لوالدها؟ هل هي ابنتُه حقًا؟ كيف يُمكن لرجلٍ أنْ يقبل المال مُقابل عدم رؤية ابنته؟
لَمْ تستطع فهم والدها، ولَمْ تكُن ترغبُ في ذَلك.
كان شعور التخلي أكبر مِن غضبها تجاهه.
كانت تعلمُ منذً البداية أنْ والدها يعتبرُها مُجرد مصدرٍ للمال، لكنها كانت تواسي نفسها دائمًا بفكرة أنها ابنتهُ الوحيدة وأنه لا يمكن أنْ يكون هَذا كُل ما يراهُ فيها.
على الرغم مِن أنْ العربة قد توقفت، لَمْ تستطع كورديليا التحرُك مِن مكانها. لَمْ يُفتح الباب لفترة ٍطويلة، فطرق الخادم الباب مِن الخارج بقلق.
“هل أنتِ بخير؟”
عندها فقط أدركت كورديليا بأنها قد وصلت إلى القصر وفتحت باب العربة.
“هل المُعلم هُنا؟”
“لا، إنهُ في القصر. هل ترغبين في إرسال شخصٍ لهُ إذا كان الأمر مًستعجلًا؟”
“لا، لا داعي.”
حتى التحرك كان صعبًا عليها. خطت كورديليا بضع خطواتٍ، ثم شعرت فجأةً بالغثيان وركضت مُباشرةً إلى الحمام.
أفرغت قليلاً مِن الحساء الباهت الذي تناولتهُ في الصباح، ثم لَمْ يتبقَ سوى عصارة معدتُها الشفافة.
كانت ليلى تقفُ خارج الحمام، وعندما رأت كورديليا تخرُج شاحبة الوجه، بدأت تخطو بتوتر.
“سيدة كورديليا، ما بكِ؟ هل تشعرين بألم؟ هل أستدعي الطبيب؟”
“لا، أريدً أنْ أكون بمفردي.”
زحفت إلى السرير حتى نصف وغطت نفسها بالبطانية حتى النهاية. وسرعان ما تبللت الوسادة.
لَمْ تعرف حتى لماذا كانت تبكي.
كانت تظُن أنها لَمْ تعُد تتوقع شيئًا مِن عائلتها، لكن يبدو أنها كانت لا تزالُ تحتفظً بأملٍ ضعيف.
انهمرت الدموع بلا توقف كالماء، وكانت تشعرً بألم شديد في صدرها، كأنْ أحدُهم كان يُمسك قلبها بيدهِ ويعصرُه.
لَمْ يكُن الأمرُ بهَذهِ القسوة حتى عندما بيعت إلى إبرامز. فقد كانت تعرفُ منذُ صغرها أنْ الزواج كان تحت سيطرةِ والدها، لذا كان الأمرُ مؤلمًا، لكنهُ لَمْ يكُن غيرَ مقبولٍ.
ولكن هَذهِ المرة، ما حدث أكد لها أنْ كُل ما يهُم والدها هو المال فقط.
بعد مرور وقتٍ طويل، حتى جفت آثارُ الدموع على وجنتيها، شعرت بشخصٍ يفتحُ الباب ويدخل.
كانت خطواتٌ تقتربُ تدريجيًا.
كورديليا كانت ترغبُ في رؤيتهِ لكنها كانت تخافُ ذَلك في الوقت نفسه.
“أين كنتِ اليوم؟”
“…”
“قلتُ لكِ أنْ تبقي هادئةً حتى موعد ذهابكِ إلى إبرامز.”
“…”
“أزيلي الغطاء، دعيني أرى كم أصبحتِ قبيحةً اليوم.”
“…”
“كورديليا.”
ليونارد لَمْ يُجبرها على إزالة الغطاء. بل نادى اسمها وكأنها زفرة.
لَمْ تستطع كورديليا مواجهتهُ، لذَلك بقيت تحت الغطاء وتحدثت بصوتٍ مكتوم.
“أعطيتَ والدي مالًا مًقابل ألا يراني، أليس كذَلك؟”
“هل التقيتِ بـ فاسكويز؟”
“50 ألف لينكيت شهريًا مبلغٌ كبيرٌ جدًا. لا بد أنْ مُعلمي قد أنفق الكثير مِن المال.”
“هل كان هو أم شقيقكِ؟”
“هل يهُم حقًا مَن أخبرني؟”
شعرت كورديليا أنْ ليونارد كان يُحاول تجنب الموضوع، فركلت الغطاء وخرجت مِن تحتهِ، لتجد وجه ليونارد أقرب مما توقعت، فتلاقت عيناها بعينيه البنفسجيتين.
“أخيرًا أظهرتِ وجهكِ.”
“لماذا فعلتَ ذَلك؟”
“لأنني كنتُ أرى كيف كان والدكِ يُسيطرُ عليكِ. إذا لَمْ تكوني بجانبه، فلَن يستطيع التلاعُب بكِ.”
أجاب ببرودٍ، كأنهُ قام بشيءٍ كان يجبُ أنْ يفعلهُ دوّن أيِّ ترددٍ أو ندم.
كانت تتوقعُ منه أنْ يشعر ببعض الأسف لفعل الأمور مِن وراء ظهرها، لكن لَمْ يكُن هُناك أيُّ شعورٍ بالذنب.
ارتفع صوت كورديليا قليلًا.
“لو كنتَ طلبتَ مني ألا ألتقي بوالدي، لكنتُ قد فعلت. لكن لماذا كان يجبُ أنْ تُحل الأمور بالمال؟ هل تعرفُ كم شعرتُ بالإهانة عندما علمتُ أنْ والدي تلقى مالًا مًقابل ألا يراني؟”
“يجبُ أن تشكريني بدلاً مِن ذَلك، أليس كذَلك؟”
“ما الذي تقوله؟”
“والدكِ، فاسكويز، ليسَ سوى هَذا النوع مِن الأشخاص. شخصٌ يتخلى عن ابنتهِ مُقابل بعض المال. على الأقل، عرفتِ الحقيقة الآن…”
“نعم، شكرًا لكَ. أشكُركَ حقًا على إثبات أنني لا شيء بالنسبة لوالدي.”
كانت كورديليا مذهولةً مِن كلام ليونارد. لَمْ يكُن يكترث إطلاقًا لما شعرت بهِ عندما علمت بالحقيقة.
“لا تسخري مني. كُل ما فعلتهُ كان مِن أجلكِ.”
تحدث ليونارد بنبرةٍ مًنخفضة، وكأنهُ يُحاول كبت غضبهِ أو إحباطه. جلست كورديليا مستقيمةً فجأة، ثم ألقت الغطاء جانبًا.
“مِن أجلي؟ لو كان الأمرُ مِن أجلي، لكان عليكَ على الأقل أنْ تسألني.”
“حتى لو سألتُكِ، كان جوابُكِ سيكون مُتوقعًا. كنتِ ستترددين وتتجاهلين الأمر، مثلما لَمْ تذكري أبدًا ضرب والدكِ لكِ حتى سألتُكِ أنا.”
“لماذا كان عليَّ أنْ أخبركَ بذَلك؟ هل تُريدني أنْ أخبركَ أنْ والدي كان يضربُني بحزامهِ لأن عيناي أزعجتهُ؟ أو أنْ أخبركَ بأنهُ كان يصفعني كلما أجبتُه؟”
كانت تلكَ الإساءات التي تعرضت لها جزءًا مِن ماضيها الذي لَمْ تكُن تُريد أنْ يكتشفهُ أحد.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة