أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 72
الفصل 72 : جِنَازةُ الزَوج ⁸
السببُ وراء اختيار إمبلي لفاسكويز كان واضحًا. لأن كورديليا هي تلميذتُه، وأيضًا لأنها مِن عائلة فاسكويز.
الناس لَن يفصلوا بين دينيس فاسكويز وكوردليا فاسكويز تمامًا.
بعبارةٍ أخرى، سيتمُ تحميل كورديليا بعضًا مِن مسؤولية هروب ماكسيميليان.
قد يبدو ذَلك سخيفًا، لكنهُ الواقع. وهَذا هو السبب في أنْ ليونارد قرر التستر على الحادث.
نقطةُ ضعفه.
يبدو أنْ أنطون قد اكتشف ما هي نقطةُ ضعفه.
“لا تقلقي، على أيِّ حال سيتمُ التحقيقُ مع أخيكِ لبعض الوقت فقط ثم سيتمُ إطلاق سراحه.”
“هل سيكون الأمرُ بخير؟”
“ألَمْ أقُل ذَلك؟ فاسكويز كان مُجرد ضحية.”
لَمْ يكُن لدى كورديليا الكثير مِن العاطفة المُتبقية تجاه دينيس، لكنها لَمْ تكُن تكرهه إلى درجة أنها تتمنى أنْ يقضي بقية حياتهِ في السجن على جريمةٍ لَمْ يرتكبها.
“أعتذر لأنني تسببتُ في هَذا القلق.”
“لا داعي للاعتذار، هَذا ليس خطأكِ. على كُل حال، أرسلي برقية تعزيةٍ إلى ابرامز مُسبقًا، وأرفقيها بتقريرٍ عن الحادث مِن مقر الشرطة. حتى لا يكون هُناك أيُّ كلامٍ سيءٍ عنكِ.”
“عندما يتلقى ابرامز خبر وفاة الكونت، ستحدُث ضجةٌ كبير. بسبب مسألةُ أنْ الكونت توفي دوّن وريث.”
“بعبارةٍ أخرى، هَذا يعني بأنكِ لَن تكوني محط اهتمامهمٍ أبدًا. لو كان لديكِ أيُّ دمٍ مِن ابرامز، مثلما حدث مع جيرارد ابرامز، لكانوا قد انقضوا عليكِ كالذئاب. لكن الآن، لا أحد سيهتمُ بأرملة الكونت السابق. لذا، يكفي أنْ تُكملي الجنازة وتعودي.”
“نعم، سأفعلُ ذَلك. آه، عندما أفكر في الأمر، سيعودُ اسمي فاسكويز، أليس كذَلك؟”
في العادة، تحتفظ المرأة بلقب زوجها حتى بعد وفاته، لكن نظرًا لعدم وجود أطفال وتولي أقرباء بعيدين مكانهُ، قد يختلفُ الوضع. في مثل هَذهِ الحالات، تعود المرأة إلى لقبها الأصلي.
“سيعود اسمي ليصبح كورديليا فاسكويز مُجددًا.”
“لماذا؟”
“لا شيء، فقط أشعرُ بشعورٍ غريب. عندما غادرتُ عائلة فاسكويز لأول مرة، كنتُ أعتقدُ بأنني سأموت في إبرامز. عندما تزوجتُ وغادرت، قال لي والديّ: ‘حتى بعد لَو مُت، أنْ لا أعود.'”
“حقًا؟”
“لهَذا السبب كنتُ أصر عليكَ أنْ تُعلمني السحر. لأنني كنتُ أعلم بأنهُ عندما يموت كريج، لَن يكون لديّ أيُّ مكانٌ أعودُ إليه. كان عليَّ أنْ أتعلم كيف أعيشُ بمفردي.”
“الآن لديّكِ.”
“ماذا؟”
“أعني مكانٌ تعودين إليه.”
قال ليونارد تلكَ الكلمات ببساطة، لكنها قد لامست أعماق قلب كورديليا بصدق.
مكانٌ تعود إليه.
متى أصبح ليونارد مكان عودتها؟ لَمْ تكُن لتتخيل ذَلك قبل بضعة أشهر فقط عندما التقت بهِ لأول مرة.
“مُعلمي.”
“ماذا؟”
“أنا أشكرك. بفضل أنكَ كنتَ قد داخلت لـ جسد كريج بالصدفة، أصبحتُ الآن ساحرةً. لو لَمْ يكُن الأمرُ كذَلك، لكنتُ لا أزالً أعيش في ابرامز وأتحملً كُل ذَلك الضغط.”
“إنهً القدر.”
“ماذا؟”
قال ليونارد بجدية.
“ما بيننا ليس بصدفةٍ، بل هو قدرٌ. هُناك قولٌ بين السحرة: لا وجود للصدف، فقط القدر الذي لا يُمكن تغييرهُ.”
“أوه، ماكسيميليان قال شيئًا مُشابهًا مِن قبل. القدر… القدر.”
كلمةُ القدر بدت رومانسيةً لكورديليا، وكانت تُتفكر فيها عندما نهض ليونارد مِن مكانه.
“نعم، إنهُ القدر الذي جعلني أتحمل تلميذةً غبيةً طوال حياتي.”
“هل كان يجبُ أنْ تُضيف ‘غبية’؟”
“لماذا؟ ألا تُعجبكِ؟ لقد ترقتِ مِن مستوى ‘شديدة الغباء’.”
“تشه.”
كورديليا تململت بشفتيها. لَمْ يكُن ليونارد يتركُ فرصةً دوّن أنْ يعلق عليها.
“في الأيام القليلة القادمة، ابقي في غرفتكِ واعملي على واجباتكِ. سأهتمُ بالإجراءات، لذَلك حاولي ألا تخرجي.”
“كنتُ سأفعلُ ذَلك على أيِّ حال.”
اتبعت كورديليا نصيحة ليونارد وبقيت في غرفتها لعدة أيامٍ دوّن خروج.
أثناء ذَلك، انتشرت أخبارُ وفاة زوج كورديليا ووصلت إلى روزنبلور، الذي أرسل لها رسالة تعزية. ردت كورديليا بأنها ستراهُ بعد انتهاء مراسم الجنازة في ابرامز.
ارتدت كورديليا ملابس الحداد التي أعدتها لها ليلى وخرجت لأول مرةٍ منذُ فترة.
عندما خرجت مِن غرفتها للمرة الأولى منذُ فترة، تركزت كُل الأنظار في المنزل على كورديليا.
“سيدة كورديليا، هل أنتِ بخير؟”
“أنا… بخير.”
ردت كورديليا بابتسامةٍ حزينة كانت قد تدربت عليها جيدًا خلال الأيام الماضية، وأخفضت عينيها.
تصرف خدم أتيلي معها بحذرٍ شديد، كما لو كانوا يتعاملون مع قطعة زجاجيةٍ هشة. إذا أخذت كورديليا نفسًا طويلاً، كانوا يتوترون بشكلٍ كبير.
“كيف تجري الاستعدادات للذهاب إلى ابرامز؟”
“كُل الاشياء المطلوبة قد تم تجهيزُها بالفعل. فقط عليكِ إحضار اشيائكِ الشخصية وسنكون مُستعدين للمُغادرة.”
“شكرًا على اهتمامكَ، أليكس.”
“لا شُكر على واجب، سيدتي. هل هُناك أيُّ شيء آخر تحتاجينه؟”
“أريدُ أنْ أخرج قليلًا اليوم.”
“سأجهز العربة فورًا.”
أليكس لَمْ يسألها إلى أين ستذهب هَذهِ المرة، بل استدعى الخدم على الفور وأمرهم بإحضار العربة.
ركبت كورديليا العربة وقد غطت وجهها بالدانتيل الأسود.
كان مكانُ إقامة شقيقها، ذَلك النُزل ذو الاسم الغريب، يقعُ في مُنتصف الشارع الذي يرتادُه النبلاء. كان نُزلًا فاخرًا ونظيفًا.
“أهلًا بكم. هل ترغبون في الإقامة أم تناول الطعام؟”
“جئتُ لأقابل شقيقي، دينيس فاسكويز.”
“آه، تقصدين السيد فاسكويز. سأرشدكِ إلى غرفته.”
سارت خلف الموظف وهي تنظر حولها. كُل شيءٍ، مِن الدرابزين إلى ورق الجدران، كان مصنوعًا مِن موادٍ فاخرة، مما جعلهُ يُنافس منازل النُبلاء الأثرياء.
“كم يُكلف المبيت هُنا في الليلةً الواحدة؟”
“إذا شملت الإقامة الطعام، فسعرُ الليلة حوالي 200 لينكيت.”
“200 لينكيت لليلةٍ واحدة؟”
“نعم، بالطبع نمنحُ النُزلاء المُقيمين لفترةٍ طويلة مثل السيد فاسكويز أسعارًا مُخفضةً.”
“دينيس يُقيّم هُنا لفترةٍ طويلة؟ كم مضى على إقامتهِ هُنا؟”
“على حد علمي، مضى حوالي عشرين يومًا.”
أربعةُ آلاف لينكيت ليست مبلغًا ضخمًا، لكنها ليست صغيرةً بالنسبة لوضع عائلة فاسكويز المالي.
شعرت كورديليا بالدهشة. كيف يُمكن لدينيس أنْ يتحمل تكلفة الإقامة في نُزلٍ فاخرٍ كهَذا؟
“هَذهِ هي الغرفة. لحظةً واحدة، السيد فاسكويز، لديكَ زائر.”
لَمْ يكد الموظف يُنهي كلامه حتى فُتح الباب على مصراعيه. عندما رأى دينيس وجه كورديليا، أشرق وجههُ بابتسامةٍ عريضة.
“أختي! لقد أتيتِ! تفضلي بالدخول.”
أخرج دينيس عملةً مِن فئة عشرة لينكيت مِن جيبه وأعطاها للموظف.
“شكرًا لكَ.”
غادر الموظف بابتسامةٍ عريضة، وكورديليا دخلت الغُرفة. كانت الغرفة صغيرةً لكنها فاخرةٌ ومريحة، وبصراحةٍ كانت أفضل مِن منزل عائلة فاسكويز.
“لماذا تأخرتِ؟ لقد كنتُ أنتظركِ طويلًا.”
“هل نسيت أنْ زوجي توفي للتو؟”
“أوه، نعم، صحيح.”
كانت كورديليا مُستاءةً مِن لامُبالاته، ولَمْ يكُن يبدو بأنهُ لاحظ أنها ترتدي ثياب الحداد. جلست على الأريكة بدلاً مِن لفت انتباههِ إلى ذَلك، وسرعان ما جلس دينيس مُقابلها.
“هل تحدثتِ مع الدوق أتيلي بشأن قصتي؟ ماذا قال؟”
“قبل ذَلك، كيف تمكّنتَ مِن الإقامة هُنا؟”
“ماذا تقصدين؟”
“مِن أين أتيت بالمال لتُقيّم في مكانٍ تكلفتهُ 200 لينكيت في لليلة لفترةٍ طويلة؟”
“هل تقولين بإنني لا أستحقُ الإقامة هُنا؟”
قال دينيس بوضوح وهو يُحاول إخفاء استيائه.
“لا أتحدثُ عن ذَلك، أنا فقط أريدُ أنْ أفهم. نحنُ نعرفُ أنْ عائلتنا ليس لديها هَذا المال، فكيف يُمكنكَ أنْ تكون هُنا؟”
“أحصلُ على راتبٍ مِن الفيلق.”
“لقد انضممتَ إلى الفيلق منذُ أقل مِن شهر. كيف تحصلُ على راتبٍ مِنه؟ ومِن أين حصلت على الدرع والسيف؟ فهَذهِ الأشياء ليست رخيصةً.”
“لماذا تستمرين في سؤالي؟ لقد دبرتً الأمر بنفسي.”
كان يُحاول التهرب مِن الأسئلة، مما جعل كورديليا تشكُ أكثر، فتابعت بإصرار.
“منذُ بضعة أشهر فقط، كان والدنا يتوسل ليّ لأرسل لهُ المال. ماذا عن حديثكَ السابق عن قدمهِ؟”
“ألا تعرفين؟ الدوق أتيلي قد داس على قدم والدنا وكسرها.”
“ماذا؟”
“ثم أعطاهُ القليل مِن المال كنوعٍ مِن الإحسان وذهب. بعد أنْ أتيتُ إلى العاصمة، أدركتً لماذا يُطلق عليهِ لقبُ الأفعى. انتبهي جيدًا، أختي.”
“لماذا قد يفعلُ ذَلك؟”
“لو كان هُناك سبب، لرُبما تفهمنا. لكنهُ لَمْ يكُن لديهِ أيُّ سبب. فقط أراد التنفيس عن غضبه.”
“لا يُمكن أنْ يكون ذَلك صحيحًا. مُعلمي ليس مِن هَذا النوع. رُبما والديّ قد فعل شيئًا.”
“هل تُدافعين عنهُ الآن؟ والدنا هو الذي كُسرت قدمُه، وليس الدوق. هل تعلمين ماذا أخبرهُ الدوق؟ أخبرهُ ألا يقترب منكِ مُجددًا، مُقابل المال.”
“هل تعتقدين أنْ هَذا طبيعي؟”
كلما تحدثت مع دينيس، زادت حيرةُ كورديليا. كانت ترغبُ في أنْ تُصدق أنْ شقيقها يكذب، لكن الأدلة كانت واضحة.
“هل تقول إنْ مُعلمي قد دفع لوالديّ المال حتى لا يقترب مني؟”
“نعم، هَذا ما حدث.”
“إذًا، هل أنتَ تستخدمُ هَذا المال للإقامة هُنا؟”
“ماذا؟”
“هل هَذا يعني بأنكَ تمكثُ هُنا بفضل المال الذي دُفع مُقابل ألا تقترب مني؟”
“ماذا تقولين؟ هَذا راتبً الفيلق!”
أدار دينيس عينيهِ بعيدًا عن نظراتها، مما زاد مِن تأكيد شكوكها.
كان فيلق الغزلان الفضية مشهورًا، لكنهُ كان بمثابة منصبٍ شرفي، ولَمْ يكُن راتبهم كبيرًا.
كانت كورديليا تشعرُ بمشاعرٍ مُختلطةٍ جدًا. لَمْ تعُد تعرفُ إنْ كانت غاضبةً، أو تشعرُ بخيبة الأمل، أو الخجل.
“أين والديّ الآن؟”
“لماذا؟ هل ستذهبين لمُقابلته؟ هل جًننتِ؟ يجبُ ألا تلتقي به!”
“لماذا؟ هل تخشى أنْ تتوقف النقود إذا قابلتهُ؟”
“ليس هَذا ما أقصدهُ…”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة