أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 71
الفصل 71 : جِنَازةُ الزَوج ⁷
المُفوض تعامل مع كورديليا بلطفٍ مُبالغٍ فيه، حتى أنهُ قد أحضر عربة الشرطة دوّن أنْ تطلب ذَلك، ووضع النعش الذي يحملُ جُثة كريج في العربة. شعرت كورديليا ببعض الحيرة في البداية، لكنها أدركت لاحقًا أنهُ يعلم بأنها تلميذةُ ليونارد، وهَذا هو سبب هَذا التعامل الخاص.
في كُل مرةٍ يحدُث لها مثل هَذهِ المواقف، كانت تُدرك أكثر مدى قوة اسم ليونارد.
“على كُل حال، لا تقلقي. سأتعامل مع السائق بنفسي.”
” بخصوص هَذا، أَوَد أنْ أطلُب منكَ شيئًا.”
“أيُّ شيء، فقط قولي ما تُريدين.”
“هل يُمكنني أخذُ السائق الذي قتل زوجي؟”
“آه.”
توقّف المُفوض لبرهةٍ، فظنت كورديليا بأنهُ سيرفض، لكنها تفاجأت بهِ يخفضُ صوتهُ ويقدم اقتراحًا سريًا.
“بالطبع، سيدة أبرامز. إلى أين تودين أنْ أُرسله؟”
“أرسلهُ إلى أتيلي.”
“نعم، سأفعلُ ذَلك.”
“وأرجوكَ ألا تلمسه، أريدُ أنْ أتعامل معهُ بنفسي.”
“بالطبع، سأفعلُ كما تُريدين، سيدتي.”
ابتسم بابتسامةً ذات مغزى. عرض المُفوض مرافقتها إلى المنزل، لكنها قد رفضت بأدب.
بينما كانت تصعدُ إلى العربة التي جهزها لها المفوض، اقترب شخصٌ فجأةً وأمسك بذراع كورديليا.
“أنتَ، ما زلتَِ هُنا؟”
“لَمْ تردي عليَّ بعد!”
نظر دينيس حولّهُ بتوترٍ.
“عديني، أنْ تُخبري الدوق عني.”
“ولماذا عليَّ فعلُ ذَلك؟”
“ماذا؟”
“ماكسيميليان حاول قتل مُعلمي، أو بالأحرى كان ينوي ذَلك. وأنتَ قد سمحتَ بفرار المُجرم أثناء نقله، كيف تتوقع مني أنْ أطلب العفو مِن أجلكَ؟”
“ولماذا لا يُمكنك ذَلك؟ لماذا أنتِ أنانيةٌ هَكذا؟ ألا يُمكنكِ الانحناء قليلاً لأجل أخيكِ، لأجل العائلة؟”
سمعتُ هَذهِ الكلمات مراتٍ عديدة مِن قبل. في الماضي، كنتُ أعضُّ شفتي وأتراجع بدوّن إجابة، لكن الأمور الآن مُختلفة.
نظرت كورديليا مُباشرةً في عيني دينيس وقالت:
“نعم، لا أستطيع. لَن أفعل لأنني أنانية.”
بصراحةٍ، كانت غاضبة.
على الرغم مِن أنْ الحادث لَمْ يكُن حقيقيًا، فإن رؤية زوجها يموت أمام عينيها ورؤية دينيس يتحدثُ عن مشاكلهِ جعلها تفقدُ كُل مشاعر الشفقة تجاهه.
أمسك دينيس ذراع كورديليا بقوةٍ أكبر وهو يُحدق بها بغيظ.
“هل تعتقدين بأنكِ الآن ساحرةٌ عظيمةٌ وتستطيعين تجاهُلي؟”
“آه!”
“هل يعني أنْ أصبحتِ ساحرةً عظيمة بأنكِ ستتخلين عن عائلتكِ بالكامل؟”
“اترك يدي.”
دينيس يُشبه والدهُ كثيرًا، حتى أنْ كلماتُهما مُتطابقة. كان الوضع مُضحكًا إلى حدٍ ما.
هزّت كورديليا يدها بقوةٍ حتى تخلصت مِن قبضته. لحُسن الحظ، قد ترك يدها في النهاية.
نظرّ دينيس إليها بعينيهِ المُمتلئتين بالكراهية والاحتقار.
“أنا أحمق لأنني صدقتُكِ وأتيتُ إلى هُنا. عيشي حياتكِ وحدكِ بعد أنْ تخليتِ عن عائلتكِ. على أيِّ حال، أنتِ تحت حماية أتيلي الذي حطم حتى قدم أبي، لذَلك لا يُمكن أنْ تكوني شخصًا صالحًا. كُل هَذا مُقابل بعض نقود…”
“ماذا قُلت؟”
“لماذا؟ هل قُلت شيئًا خاطئًا؟”
“ماذا تعني بقولكِ أنْ قدم والديّ… هل ذهب مُعلمي لزيارة والديّ؟”
“سيدة كورديليا.”
تحدث البارون، الذي كان يقفُ بصمتٍ طوال الوقت، لأول مرة.
“مِن الأفضل أنْ تصعدي إلى العربة. هُناك مَن يُراقبنا.”
“آه.”
نظرت كورديليا حولها بسرعةٍ. لَمْ تكُن بعيدةً كثيرًا عن مقر الشرطة، وكان هُناك العديدُ مِن المارة، كما قال البارون.
“أين تُقيّم الآن؟”
“ولماذا تسألين؟”
“سأزوركَ هُناك. أسرع وأخبرني.”
تحت ضغط كورديليا، نسي دينيس توترهُ واستجاب بسرعة.
“في نُزل ‘حافر الحصان في لارز’. أنا أقيّم في الطابق الثاني. انتظرُكِ هُناك، لا تتأخري.”
“سأأتي، انتظر.”
صعدت كورديليا إلى العربة بعد انتهاء الحديث. على الرغم مِن مرور ساعاتٍ قليلةٍ فقط منذُ مُغادرتها أتيلي، شعرت وكأنها قد مرت أيامٌ طويلة.
ظلّت كلماتُ دينيس الأخيرة تدوّر في ذهنها.
“بارون.”
“نعم، سيدتي.”
“هل تعرفُ ما يقصدهُ دينيس؟”
“آسف، سيدتي.”
اعتذار البارون لَمْ يكُن لأنهُ لَمْ يفهم، بل لأنهُ لا يستطيعُ الإجابة. لَمْ تسألهُ كورديليا المزيد.
ما الذي حدث بالضبط؟
بدأت العربة بالتباطؤ. يبدو بأنهم وصلوا إلى أتيلي. حان الوقت لاستئناف التمثيل.
عندما نزلت كورديليا مِن العربة، نسيت كُل شيءٍ عن دينيس وبدأت تتظاهرُ بالحزن على فقدان زوجها.
“يا إلهي، سيدة كورديليا!”
كان فُستانها الأبيض مُغطى بالدماء. أسرع خدم القصر نحوها وهم في حالةٍ مِن الذُعر.
“ما الذي حدث؟ هل أصبتِ؟ أسرعوا، استدعوا الطبيب!”
“أليكس، أنا… أنا بخير. لَمْ أتعرض للأذى. لكن… آه…”
أجبرت كورديليا نفسها على البكاء مُجددًا. كانت عيناها تحترقان مِن كثرة البكاء، لكنها لَمْ تكُن تستطيع التوقف.
عندما بدأت بالبكاء ولَمْ تستطع مواصلة الحديث، أكمل البارون الحديث بنبرةٍ حزينة.
“زوجُ السيدة كورديليا، الكونت ابرامز، قد توفي لتوهِ في حادثٍ مُفاجئ.”
“يا إلهي.”
“يا للمُصيبة، سيدة كورديليا.”
“ما الذي تعنيهِ يا بارون؟ حادث؟”
“بينما كان يسيرُ ولَمْ يرَ العربة المُسرعة، فارق الحياة.”
“هل كنتِ معهُ حين حدُث ذَلك، سيدة كورديليا؟”
هزّ بارون رأسهُ بأسى. أصدر أليكس صوتًا خافتًا يدلُ على الحُزن. عند هَذهِ النُقطة، كادت كورديليا أن تفقد توازنها.
“أوه، كريج. كريج…”
“لأن السيدة كورديليا قد شهدت الحادث بنفسها، كانت الصدمة كبيرةٌ جدًا عليها. مِن الأفضل أنْ تصعد لتستريح.”
“نعم، سيدي.”
صعدت كورديليا إلى غرفتها بمساعدة الخادمات. وبينما كانت ليلى تُساعدها في خلع فستانها المُلطخ بالدماء، بدأت في البكاء.
“لقد خرجتي صباح اليوم مليئًا بالتفاؤل، ولكن حدث ذَلك…”
“ليلى.”
“أعتذر، سيدتي. يجبُ أنْ تكوني أنتِ مَن تشعرُ بالألمٍ أكثر.”
“أريدُ أنْ أبقى وحدي.”
“نعم، سيدتي. استريحي.”
غادرت ليلى الغرفة بهدوء بعد أنْ ساعدت كورديليا في تغيير ملابسها.
لَمْ تترك كورديليا حذرها. كان الوقت الحالي هو الأهم.
على الرغم مِن أنها في منزلها في أتيلي، كان عليها أنْ تُحافظ على مظهر ‘السيدة التي فقدت زوجها في حادثٍ مُفاجئ’ لتجنب الشكوك.
أغلقت النوافذ وسحبت الستائر، ثم تنفست الصعداء. كان جسدها يؤلمها بشدةٍ بسبب التوتر الذي عاشتهُ طوال اليوم.
دخلت كورديليا إلى السرير، وغرقت في نومٍ عميقٍ هادئ كالقبر.
***
كان شعور اللمس هذا مألوفًا.
لا تعلمُ لماذا، ولكن كان هُناك شعورٌ بالراحة والدفء والحنان في هَذهِ اللمسة.
لذَلك كان مِن الصعب عليها أنْ تفتح عينيها أكثر مِن المُعتاد.
كانت تشعرُ بحب في كُل لمسةٍ تُعيد ترتيب خصلات شعرها.
فتحت كورديليا عينيها ببُطءٍ شديدٍ. وكما توقعت، كان مُعلمها جالسًا بجانب السرير على كرسي.
رفع ليو يدهُ مِن على وجهها وسأل:
“كيف هو شعوركِ وأنتِ أرملةٌ رسميًا الآن؟”
“أشعرُ بسعادةٍ كبيرة.”
ابتسمت كورديليا بخجلٍ، فرد ليو ابتسامةٍ طفيفة.
“البارون قد أخبرني بإن تمثيلكِ كان رائعًا.”
“لا يُمكنني مُقارنته بتمثيل البارون. كان يبكي بحزنٍ شديد لدرجة أنني ظننتُ بأنه قد فقد طفله.”
“هل قُلت هَذا للبارون؟”
“ماذا؟ لا، فقط فكرتُ في ذَلك.”
“لا تُفكري في الأمر. لقد فقد بالفعل أحدهم.”
“أوه، نعم.”
أصاب كورديليا الارتباك، ولَمْ تخرج منها أيُّ كلمة. كانت تعلم أنْ بارون قد يكون مُتزوجًا، لكنها لَمْ تكُن تعلم عن ماضيه. لحُسن الحظ، لَمْ تذكر هَذا أمامه.
“لكن، ما الذي جاء بكَ إلى غرفتي يا مُعلمي؟”
“أليكس قد أبدى بعض القلق.”
“أليكس؟ لماذا؟”
“طلب مني أنْ أواسي السيدة كورديليا التي فقدت زوجها، المسكينة.”
“اوه.”
لَمْ يكُن مِن الصعب أنْ تتخيل كم كان أليكس والخدم الآخرون خلف الباب يشعرون بالقلق.
“عندما رأيتُ جًثة كريج، بدا أنْ السيدة كورديليا المسكينة قد مزقتهُ تمامًا.”
“لَمْ أمزقه! لقد دهستهُ بالعربة فقط.”
قالت كورديليا بارتباك. في الواقع، حتى هي لاحظت أنْ جسدهُ كان مُحطمًا بشدة بسبب حوافر الحصان. تمكن البارون مِن تدبير الأمر بحيث لَمْ يتضرر رأسهُ، لكن بقية جسدهِ قد تعرض لضررٍ كبير.
“لقد جمدتُ الجُثة مُجددًا. متى ستُغادرين إلى ابرامز؟”
“بعد تجهيز بعض الأمور، سنُغادر في غضون خمسة أيام.”
“حسنًا. إذا كنتِ بحاجةٍ لأيِّ شيء، فأخبري أليكس وسيهتم بكُل ذَلك.”
عند الذهاب إلى ابرامز وإتمام مراسم الجنازة، ستكون كورديليا قد وضعت حدًا أخيرًا لزواجها الطويل والمريع.
“ثم…”
تردد قليلًا في الكلام.
“قابلتِ شقيقكِ اليوم.”
“هل أخبركَ البارون؟ قال دينيس إنهُ قد فقد ماكسيميليان أثناء نقله، هل هَذا صحيح؟”
“في الواقع، كانت خطةً مِن إيمبلي. شقيقُكِ كان مُجرد أداة.”
“لقد استخدموا فاسكويز كضحيةٍ إذًا.”
“نعم.”
تعمقت كورديليا في التفكير. لَمْ يكُن غريبًا أنْ يتم استخدامُ شخصٍ مثل فاسكويز، الذي قد فقد قوته، كضحيةٍ لتسهيل هروب ماكسيميليان.
لكن ما لَمْ تستطع فهمه هو لماذا تم اختيار فاسكويز بالذات مِن بين الجميع.
“لكن، لماذا فاسكويز؟ ألَن يكون مِن الأسهل رشوة أحد الفرسان والتخلص منه بهدوء؟ لماذا أصروا على إدخال دينيس إلى الفيلق واستغلاله؟”
“لا أعلم.”
كان ليو يعرفُ السبب، لكنهُ لَمْ يرغب في البوح به.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة