أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 70
الفصل 70 : جِنَازةُ الزَوج ⁶
“ما الذي فعلتهُ بحق السماء! كيف تُمسك باللجام دوّن أنْ تنظر أمامك؟”
“أعتذر، أعتذر. لَمْ أفكر أبدًا أنْ أحدهم سيخرُج أمامي هَكذا فجأةً…”
نزل جيمس مِن مقعد السائق دوّن تردد، خلع قبعتهُ وبدأ يرتجفً مِن الخوف بينما كانت يدهُ ترتعش.
تجمع الناس حولّهم، وبدت علاماتُ الحيرة على دينيس الذي تراجع خطوةً إلى الوراء.
ركعت كورديليا أمام كريج وهي تصرُخ بصوتٍ عالٍ.
“كريج، أرجوك افتح عينيكِ. آه، كريج!”
تحول فُستانها الأبيض إلى اللون الأحمر مِن دماء الخنزير. بدأ الناس يتحدثون عن مُستقبل هَذهِ الشابة البائسة التي فقدت زوجها وهم يمروّن بجانبها.
بينما كانت كورديليا تُعانق جُثة كريج وتبكي لبعض الوقت، وصل رجالُ الأمن كما كان مُتوقعًا. تحدثوا إلى الناس وإلى البارون، ثم اقتربوا مِن كورديليا.
“سيدتي، هل كان الشخص الذي تعرض للحادث هو زوجكِ؟”
“نعم.”
“نحنُ آسفون. على الرغم مِن أنكِ تشعرين بالارتباك الآن، إلا أنه يجبُ نقل الجُثة إلى المشرحة. وستحتاجين إلى الذهاب إلى مركز الشرطة لملئ بعض الأوراق.”
وقفت كورديليا بصعوبةٍ بالغة. وعندما بدأت تتعثر، هرّع البارون لمساعدتها وهمس لها بصوتٍ منخفض.
“لقد أديتِ الدور بشكلٍ جيد.”
“لَمْ أكُن أعلم بأنكَ تُجيد التمثيل هَكذا، بارون.”
“عندما تكبًرين، سـ تتعلمين الكثير مِن الأمور.”
بينما كانت تتبعُ رجل الأمن، ظهر دينيس فجأةً ووقف في طريقها.
“أختي، الرجل الذي توفّي للتو… هل كان زوجكِ؟ الكونت ابرامز؟”
“دينيس، هل يُمكن أنْ نتحدث لاحقًا؟ أنا مُرهقةٌ جدًا الآن.”
“أنا آسف، ولكن الأمر مُستعجلٌ للغاية. قد لا أراكِ مرةً أخرى.”
“هل أنتِ سيد فاسكويز؟”
تدخل البارون بلباقةٍ بينهما.
“مهما كان الأمر، سيكون مِن الأفضل أنْ تأتي لاحقًا عندما تهدأ الكونتيسة.”
“كيف تجرؤ، أيُها الخادمُ الوقح!”
“يبدو أنني لَمْ أقدم نفسي بعد. أنا البارون لانغشا. أملكُ لقبَ البارون.”
تغيّرت ملامحُ دينيس على الفور عند سماعهِ لكلمات البارون.
“أوه، بارون لانغشا. ظننتُ بأنكَ مُجرد خادمٍ.”
“لَمْ يكُن عليّ أنْ أخفي هويتي، ولكن كما ترى، الموقف كان مُضطربًا. هل يُمكننا الابتعاد الآن؟”
على الرغم مِن أنْ البارون أشار بوضوحٍ إلى أنْ الوقت غيرُ مُناسبٍ، إلا أنْ دينيس لَمْ يتراجع. واصل حديثهُ أمام أختهِ التي فقدت زوجها لتوّها.
“انتظري لحظة، الأمرُ مُستعجل. أختي، إنني في ورطةٍ كبيرة وقد أنتهي في السجن. هل يُمكنكِ التحدث إلى الدوق أتيلي؟ أنتِ تلميذتُه، أليس كذَلك؟ ساحرة.”
“السجن؟ ما الذي تقصدُه؟”
بدت كورديليا مشوشةً بسبب طلب دينيس المُفاجئ. ماذا فعل ليكون في هَذا المأزق؟
“آسف، لكن رجالُ الأمن ينتظرونكِ، سيدتي.”
استأنفت كورديليا سيرها، ولكن دينيس ظلّ يسيرُ بجانبها.
“أختي، لقد سمعتِ بكُل تأكيدٍ عن ماكسيميليان، أليس كذَلك؟”
“ماذا عنه؟ لا تُخبرني أنكَ كنتُ على تواصلٍ معه؟”
“لا! هل جننتِ؟ بالطبع لا!”
تحدث بنبرةٍ غاضبة، رافعًا يديهُ في الهواء.
“فُرسان الغزلان الفضية يسخرون مني، لكنكِ يجبُ أنْ تُصدقيني! لقد كان خطأً غيرَ مقصودٍ! بصراحة، لَمْ يكُن خطئي. كيف كان بإمكاني أنْ أتوقع بأنهُ سيُحرر نفسهُ مِن الأصفاد ويهرب في تلكَ اللحظة؟”
“فُرسان الغزلان الفضية؟ هل هربَ مِن الأصفاد؟ ما الذي تتحدثُ عنه بالضبط؟ مَن هرب؟ لا تقُل ليّ…”
فجأةً أدركت كورديليا ما كان يقوله.
كان لديها الكثيرُ مِن الأسئلة، لكنها لَمْ تستطع أنْ تُخرج أيَّ كلمة. عندما تصدمُك الأحداث بشكلٍ فضيع، فإنكَ تفقدُ القدرة على الكلام، ويبدو أنْ هَذا هو ما حدث لها الآن.
“هل كنتَ أنتَ الذي فقد ماكسيميليان أثناء نقلهِ؟”
“يا للحظ السيء! لقد كان ذَلك مُجرد حادثٍ. أختي، لَن تدعيني أتعفنُ في السجن، أليس كذَلك؟ إذا ذهبتُ إلى السجن، ماذا سيحدث لعائلة فاسكويز؟ مَن سيرثُها؟ يجبُ أن تتحدثي مع الدوق أتيلي وتخبريهِ بأنني بريء. فرسان الغزلان الفضية قد نصبوا ليّ فخًا… نعم، لقد كانت مؤامرة!”
“هاه…”
على الرغم مِن أنها لَمْ تكُن تعرفُ بالضبط كيف فقد ماكسيميليان، إلا أنه كان مِن الواضح أنْ دينيس يُحاول تجنب المسؤولية بدلاً مِن الاعتراف بخطئه وطلب العفو، مما جعل تصرفاتهِ تبدو بائسة وغيرَ مسؤولة.
تنهدت كورديليا بعمقٍ دوّن أنْ تنطق بأيِّ كلمة، بينما استمر دينيس في مراقبة تعابيّر وجهها.
“أعتمدُ عليكِ، حسنًا؟ كُل شيء سيكون بخير، أليس كذَلك؟”
“دينيس، دعنا نتحدثُ لاحقًا. عليّ أنْ أتعامل مع حادث زوجي أولاً.”
“متى لاحقًا! لقد زرتُ قصر أتيلي عدة مراتٍ ولكن الخدمُ المغرورين لَمْ يسمحوا ليّ بالدخول حتى مع أنني شقيقُكِ!”
“…..”
“هل تُريدين أنْ ترينّي أتعفنُ في السجن؟ هل تُريدين مِن شقيقكِ أنْ يذهب إلى السجن؟”
صرخ دينيس بصوتٍ عالٍ غيرُ مبالٍ بنظرات الناس.
أرادت كورديليا أنْ تختفي. كانت تشعرُ بالعار مِن كونهِ أخاها.
“أختي! أختي!”
مرّت بجانب دينيس وهي تقبضُ يديها بإحكام. كان مِن الواضح أنهُ سيعيدُ نفس الكلام إنْ استمرت في الحديث معه.
لحُسن الحظ، كان مركز الشرطة أمامها مُباشرةً. دخلت كورديليا إلى الداخل برفقة البارون.
“تفضلي بالجلوس هُنا.”
عرض أحدً رجال الشرطة عليها كرسيًا. وبينما كانت كورديليا تُحدق في الفراغ بوجهٍ مُعقد، تحدث الرجُل بلهجةٍ مواساةٍ وبسيطة.
“نأسفُ لفقدانكِ زوجكِ في هَذا الحادث المُفاجئ. لقد تم القبضُ على السائق وسيتم معاقبتُه بما يستحق.”
“معاقبتُه بما يستحق؟ وما هي العقوبة التي سينالُها؟”
“عندما يتسببُ شخصٌ في وفاة آخر بسبب حادث، يحصلُ عادةً على حُكم بالسجن لمدة ثلاثين عامًا.”
“ثلاثين عامًا فقط؟ زوجي قُتل دهسًا بالعربة، وهَذا السائق سيخرجُ مِن السجن بعد ثلاثين عامًا فقط؟”
صرخت كورديليا بغضب وهي تشدُ عضلات بطنها. حافظ الشرطي على هدوئهِ كأنما اعتاد على هَذهِ المواقف، وحاول تهدئتها.
“أعتذر، ولكن هُناك قوانينٌ وإجراءاتٌ يجبُ اتباعها.”
“هَذا غيرُ معقول… ثلاثون عامًا فقط؟”
سقطت كورديليا على الكرسي وكأنها فقدت قوتها تمامًا.
كانت تُخطط لاحقًا أنْ تتصرف وكأنها غيرُ راضيةٍ عن العقوبة، لكنها كانت تهدفُ إلى تسليم جيمس بطريقةٍ مُلائمة.
“مِن فضلكِ، املئي هَذهِ الوثائق.”
أعطاها الشرطي ورقةً وطلب منها إدخال بعض المعلومات الشخصية. قامت كورديليا بملء الورقة وهي تتعمدُ إسقاط دموعها عليها.
“همم، هل أنتِ الكونتيسة ابرامز؟”
“نعم.”
“وزوجكِ المتوفى هو الكونت ابرامز، أليس كذَلك؟”
“نعم، صحيح. كريج… هو الكونت ابرامز.”
كما قال البارون، كان الشرطي يطرحُ أسئلةً شكليةً فقط. وعندما أعربت كورديليا بصوتٍ مُرتجفٍ عن رغبتها في رؤية جُثة زوجها، قادها إلى المشرحة حيثُ تم حفظ الجُثة.
وقف البارون بجوار كريج بوجهٍ مليء بالحزن. أما كورديليا فقد انهارت بالبكاء مُجددًا وهي تُمسك بجُثة كريج.
“كونت، كيف ترحلُ بهَذهِ السهولة؟”
“حبيبي، كيف تترُكني هَكذا وتذهب؟”
“أعذروني، هل يُمكنكم تركنا بمفردنا؟”
قال البارون ذَلك للشرطي، الذي أومأ برأسهِ وترك الغرفة بهدوء تاركًا كورديليا والبارون وحدهما.
بدأت كورديليا في التوقف عن البكاء تدريجيًا. رفعت جسدها ببُطء، رغم أنْ عينيها ما زالتا مُبتلتين، إلا أنْ صوتها كان هادئًا وواضحًا.
“هل كنتَ تعلم؟”
“عن ماذا تتحدثين؟”
“أنْ دينيس فقد ماكسيميليان أثناء نقله.”
“… نعم.”
“إذن مُعلمي يعرفُ ذَلك أيضًا. لكن لماذا كان دينيس في العاصمة؟ ما علاقة فرسان الغزلان الفضية بالموضوع؟ مستواهُ لا يؤهله أبدًا للانضمام إليهم.”
لَمْ تستطع كورديليا فهم كيف أنْ دينيس قد انضم إلى فرسان الغزلان الفضية، وهو لَمْ يمضِ سوى عامٍ واحد منذُ حصولهُ على لقب فارس.
في هَذهِ اللحظة، بدأ الشكُ يتسلل إليها.
“هل دفعهُ مُعلمي للانضمام؟”
“لا، بالطبع لا. انضم دينيس فاسكويز إلى الفرسان بناءًا على توصيةٍ مِن الدوق إيمبلي.”
“إيمبلي؟ ما علاقةُ إيمبلي بالموضوع؟”
“لستُ متأكدًا حتى أنا مِن هَذهِ التفاصيل.”
قلةٌ مِن الناس فقط كانوا يعرفون أنْ إيمبلي قد تم استدعاؤه في اجتماع المجلس الأخير بشأن مسؤولية الحادث. لذا لَمْ يكُن بوسع كورديليا معرفةُ ما إذا كان البارون يتظاهرُ بالجهل.
“دينيس، ما الذي تفعلهُ بحق السماء؟”
أصبحت كورديليا أكثر ارتباكًا، وبدأت تعضّ شفتها بقوة. اعتقدت أنهُ بعد أنْ تنهي مسألة كريج، ستنتهي جميع مشاكلها، لكنها وجدت نفسها تواجه قلقًا أكبر.
في هَذهِ اللحظة، سُمع طرقٌ خفيفٌ على الباب. أسرعت كورديليا بتعديل تعابير وجهها.
“تفضل بالدخول.”
“تحياتي، كونتيسة ابرامز. أنا كارلوس رينتريو.”
دخل رجلٌ في مُنتصف العُمر يرتدي زيًا رسميًا، وألقى تحية رسمية.
كان الشرطي الذي رافقها سابقًا يقفُ خلفه متوترًا، مما يدُل على أنْ هَذا الرجُل الجديد يحملُ رتبةً عالية.
همس البارون لكورديليا.
“إنهُ مفوض الشرطة العاصمة.”
“مفوض الشرطة؟”
تساءلت كورديليا عن سبب قدوم مفوض الشرطة في حادث عربةٍ بسيط، قبل أنْ يُعبر كارلوس عن تعازيه بوجهٍ مُفعمٍ بالحزن.
“لقد سمعتُ مِن مرؤوسي أنْ الكونت ابرامز، زوجكِ، قد تعرض لحادث.”
“نعم، هَذا صحيح. ولكن، لماذا أتى مفوض الشرطة رينتريو إلى هُنا؟”
“لقد حدثت مأساةٌ كبيرةٌ لعائلتكِ، وكان مِن الواجب عليّ الحضور.”
“ماذا؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة