أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 66
الفصل 66 : جِنَازةُ الزَوج ²
“أوه، ُمعلمي. أنتَ ستأتي معي؟ أليس كذِلك؟ أنتِ مشغولٌ دائمًا ولَمْ تذهب معي إلى أيِّ مقهىٌ مِن قبل.”
“لماذا قد أذهبُ إلى هُناك؟ لدينا طعامٌ كثيرٌ في المنزل.”
“أنتَ حقًا لا تفهمُ مشاعر النساء. تناول الطعام أثناء الحديث مع الناس في الهواء الطلق لهُ شعورٌ مُختلفٌ تمامًا.”
“… حسنًا، ليونارد. حتى لو كان هَذا لفترةٍ قصيرة، اجلس معنا وتحدث قليلاً.”
بدا أنْ إصرار كورديليا و محاولة ليديا قد أثرا على ليونارد، فبالرغم مِن إظهار عدم رضاه بوضوح، قد ذهب معهما إلى المقهى.
عندما نجحت خُطتهما، تبادلت كورديليا و ليديا نظرة النصر بصمت.
مِن الواضح أنْ كُل ما يحدُث لَمْ يكُن محض صُدفة.
لَمْ تستطع كورديليا تجاهُل الطلب ليديا الملحّ لمًساعدتها في حُبها، لذا رتبت الأمور لجعل ليديا تأتي إلى هُنا.
قُدّم لهم طاولةٌ في زاويةٍ هادئة بأفضل إطلالةٍ في المقهى.
“ليونارد، بما أنكَ لا تُحب الحلويات، فَلَن أطلب لكَ أيًّ منها.”
“هل مُعلمي لا يحبُ الحلويات؟ لماذا؟”
“لأنهُ هَكذا.”
“دائمًا ما ألاحظ بأنكَ انتقائيٌ جدًا في الطعام يا مُعلمي. هل تعلمُ كم مرةً اضطررتُ لـ التوسل للطاهي في القصر حتى يُحضر الطعام المُناسب لك؟”
“هل توسلتي للطاهي؟”
” كُل هَذا بسبب مَن تعتقد؟!”
ضحك ليونارد علنًا، مما جعل كورديليا تشعرُ بالضيق ونظرت إليّهِ بغضبٍ. لا يُمكنها أنْ تعُد كم مرةً ألقت الطعام وبدأت مِن جديد فقط لإرضاءه.
ولكن بدلاً مِن تقدير جهودها، ها هو يسخرُ منها!
“هل حدث شيءٌ كهَذا؟”
“أوه، لا، لَمْ يكُن شيئًا مُهمًا. بالمناسبة، كيف حالكِ يا ليديا في هَذهِ الأيام؟”
أدركت كورديليا مُتأخرةً أنْ ليديا كانت مُستبعدةً مِن الحديث، فسارعت إلى إدخالها في الحوار. ابتسمت ليديا بلطفٍ، كزهرةٍ جميلة، وقالت:
“أيامي دائمًا مُتشابهة. في النهار أقرأ الكُتب أو أعزفُ على البيانو، وفي الليل أحضرُ الحفلات. في الفترة الأخيرة، كلما حضرتُ حفلاً، كان اسمكِ دائمًا ما يترددُ فيه يا كورديليا.”
“اسمي؟”
“نعم، أرسلوا لكِ العديد مِن الدعوات، لكن لَمْ يتلقوا أيَّ ردٍ منك، فالجميع يتساءل عن السبب.”
“دعوات؟ مَن الذي أرسل ليّ اادعوات؟ لَمْ أتلقَ أيَّ شيء!”
نظرت كورديليا بشكلٍ طبيعي إلى ليونارد، الذي تهرب مِن نظرتها.
“هل تعلمُ شيئًا عن هَذا؟”
“لا، أنا لا أعلمُ أيَّ شيء عنه.”
تظاهر ليونارد بالجهل، لكن كان مِن الواضح بأنهً يُخفي شيئًا. إذا كان هُناك مَن أرسل الدعوات ولكنها لَمْ تصل، فهَذا يعني أنْ هُناك شخصًا قد تلاعب. ضيّقت كورديليا عينيها ونظرت إليّه بحدةٍ.
“كورديليا.”
“نعم؟”
“الطقسُ جميلٌ اليوم، أليس كذَلك؟”
“نعم، الهواء منعشٌ، والطق-، آه!”
وافقت كورديليا دوّن تفكير بعد كلام ليديا، لكنها سرعان ما أدركت أنْ ذَلك كان رمزًا وهي تطلبُ منها تركهما بمفردهما، نهضت مِن مقعدها.
“سأخرُج قليلاً.”
“ماذا؟ إلى أين؟”
“إلى خارج قليلاً. أريدُ أنْ أتجول، آه… أرى بعض الأشياء.”
“ولكن ساقكِ لَمْ تُشفَ بعد. إذا كنتِ ستخرجين، سأرافقكِ.”
“لا! مُعلمي، ابقَ هُنا. سأخرج قليلاً، ولَن أتأخر.”
دفعت كورديليا ليونارد للجلوس مرةً أخرى، ثم خرجت بسرعةٍ مِن المقهى. لَمْ تترك عينا ليونارد ظهرها حتى غادرت.
نظرت ليديا إلى كوبهِ الفارغ وقالت:
“لقد أنهيت شُرب الشاي. هل أطلبُ لكَ كوبًا آخر؟”
“…..”
“الشمسُ جميلةٌ اليوم. لَمْ أكُن أتوقع أنْ أستطيع الجلوس معكَ مُجددًا لشرب الشاي. أنا سعيدةٌ بأنكَ قد عُدت سالمًا، يا ليونارد.”
“إذا كان لديكِ شيءٌ تُريدين قوله، فقوليها. لقد أخرجتِ تلميذتي المُصابة، لذا يجبُ أنْ يكون لديكِ شيءٌ مُهم.”
“أخرجتُها؟ لقد أسأت فهمي.”
ابتسمت ليديا بلطفٍ وهي تنفي ذَلك. لأول مرة، التقت عينا ليونارد وعينيها. كانت عيناهُ الأرجوانيتان خاليتين مِن أيِّ مشاعر.
“ربما قد تكون كورديليا واحدةً مِن بين العديد مِن أصدقائكِ، ولكن بالنسبة لتلميذتي القادمة مِن الريف، يبدو بأنكِ الصديقة الوحيدة لها. أتحمل ذَلك فقط لأنني أعلمُ بأنكِ استخدمتِ كورديليا لترتيب هَذا اللقاء. ليديا إلفينباوم.”
“كورديليا صديقةٌ عزيزةٌ ليّ أيضًا.”
“عزيزة؟ هاها، حسنًا. لندع هَذا جانبًا. لا أريدُ إضاعة المزيد مِن الوقت معكِ. قولي ما تًريدين.”
“هل يُمكنكَ أنْ تكون لطيفًا معي قليلاً؟ لقد عرفنا بعضنا منذُ أكثر مِن عشر سنوات.”
ضحك ليونارد بصوتٍ عالٍ، ثم توقف فجأةً. كان وجههُ مليئًا بالإزعاج، الملل، وبعض الاحتقار الخفيف.
“هل أصبحتِ تطلبين أمورًا سخيفةً الآن؟ دعينا ننتهي مِن هَذا.”
“ليونارد. مهلاً، انتظر.”
أمسكت ليديا بأكمامهِ بسرعة، لكن ليونارد دفع يدها بعيدًا وبقسوة.
“لا تُزعجيني. السبب الوحيد الذي جعلني أبقيكِ قريبةً مني هو لأنكِ لَمْ تتجاوزي حدودكِ.”
“وماذا عن كورديليا؟”
“ماذا؟”
“لماذا لَمْ أتمكن أنا مِن تجاوز تلكَ الحدود بعد أكثر مِن عشر سنوات مِن معرفتي بكَ، بينما تمكنت كورديليا مِن ذَلك في أقل مِن عام؟”
“كورديليا تلميذتي. إنها مُختلفةٌ عنكِ.”
هل هَذا هو ما يُسمى بمميزات التلميذ؟ كانت تود أنْ تسأل، لكنها كانت تخشى بأنها إذا طرحت هَذا السؤال، فقد يُدرك ليونارد مشاعره.
في الوقت نفسه، شعرت بالغيرة شديدة مِن كورديليا. وعندما اعترف بذَلك، ازدادت تلكَ المشاعر قوةٌ مثل نارٍ تشتعلُ في العُشب الجاف.
لَمْ تكُن تستطيع تحمل أيِّ شيء، تعلق كورديليا بذراع ليونارد بشكلٍ غيرِ مُبالٍ، أو الحديثُ معهُ بلطف، أو حتى البقاء في نفس المنزل معه.
“كان مِن الأفضل لو كنتَ وحدك.”
“ماذا؟”
“لو لَمْ يكُن لديكَ أحدٌ حولك، لكنتُ راضيةً عن ذَلك. رُبما حتى لو تزوجتُ رجلاً آخر وأنجبتُ أطفالًا، كنتُ سأبقى راضيةً بأن أظل صديقتكَ مدى الحياة.”
“يبدو بأنكِ لَمْ تعودي راضيةً الآن.”
“لقد كسرتِ وعدكِ بعدم قبول أيِّ تلميذٍ وقد قبلتَ كورديليا. مَن يدري؟ قد يكون الأمرُ نفسهُ مع الزواج. وهَذا ما يُخيفني.”
لَمْ يرد ليونارد. كان يشعرُ بأنْ ذَلك لا يستحقُ الرد. كان مِن الواضح بأنهُ يشعرُ بالملل مِن هَذا الحديث برمته.
نظرت ليديا إلى ليونارد لفترةٍ طويلة.
في وقتٍ ما، كانت تعتقدُ أنهُ قدرها. كانت تتخيلُ نفسها تتزوجُه وتنجبُ أطفالاً، ورُبما، إنْ حالفها الحظ، قد تصبح بينهما علاقةُ حُب.
“تزوجني. سأرتبُ كُل شيء وفقًا لكَ. إذا تزوجنا، سيعطونني حق إستخدام منجم الماس كمهر. لَن أطلب منكَ أن تُحبني. لَن أشكو حتى لو لَمْ تعُد إلى المنزل بعد الزواج أو إذا كان لديك عشيقة.”
“يا لها مِن رحمةٍ عظيمة. لا تحتاجين إلى الحب، ولا تحتاجين إلى وجودي في المنزل، وحتى أنكِ ستسمحين لي بأخذ عشيقة؟ إذًا، ما الذي ستحصلين عليهِ مِن هَذا الزواج؟”
“منصبُ زوجتك. الحق القانوني في البقاء بجانبكَ مدى الحياة. هَذا يكفيني.”
كانت عينا ليديا الزرقاوان ثابتتين بلا تردد. إذا لَمْ يكُن بوسعها الحصول على الحُب، فإن مًجرد الحصول على لقب زوجته سيكون كافيًا بالنسبة لها.
“آسف، لكن إجابتي لَمْ تتغيّر. لأكون صريحًا، أنا مُتعبٌ مِن رفضكِ. كم مرةً عليّ أنْ أقول لا لتتقبلي الأمر؟”
“فقط اعتبرهُ أمرًا سياسيًا. أنتَ بحاجةٍ إلى وريث على أيِّ حال.”
“لماذا قد تهتمين بوريث عائلتي أتيلي؟”
“هل تنوي إنهاء سُلالة عائلة أتيلي عندك؟”
“هَذا ليس مِن شأنكِ أيضًا.”
كان ليونارد يتحدث، لكنهُ توقف عن الكلام عندما رأى كورديليا جالسةً على مقعدٍ أمام المقهى. كانت تبدو وكأنها تستمتعُ بمشاهدة الناس والمارة بحماس.
أدركت ليديا إلى أين كان ينظر، فعضّت شفتيها بقوة. وقف ليونارد مِن مكانه.
“أعتقدُ بأننا انتهينا مِن الحديث. سأغادر الآن. وأيضًا…”
“…وأيضًا؟”
“لا تعبثي بمشاعر كورديليا. يبدو أنها تعتبركِ صديقةً حقيقية.”
“حتى النهاية، أنتُ تتحدثُ عن كورديليا.”
أخيرًا، سقطت دمعةٌ مِن عينا ليديا، التي كانت تُحاول جاهدةَ كبحها. نظرت إليّه وقالت بصوتٍ مُرتعش:
“لو كانت لديّ موهبةٌ سحرٌ مثلها، هل كنتَ ستنظرُ إليّ؟”
“مَن يعلم. ربما كنتُ سأهتمُ بكِ قليلاً.”
كانت هَذهِ آخر كلماتٍ قالها ليونارد قبل أنْ يترك ليديا في المقهى. مسحت ليديا دموعها ولمست فنجان الشاي الفارغ الذي تركه.
لو أنني لَمْ أستسلم عن تعلُم السحر واستمررتُ في التدريب، ولو كانت لديّ موهبةٌ مثل كورديليا…
كانت هَذهِ الافتراضات الفارغة تُعمق إحساس ليديا بالنقص أمام كورديليا، مما جعل مشاعر الغيرة تأكُل قلبها.
لَمْ تستطع مُغادرة المكان لفترةٍ طويلة.
***
“هل ما زلتِ تتصرفين كأنكِ قادمةٌ مِن الريف؟ لماذا تنظرين حولكِ هَكذا؟”
“أوه، مُعلمي. متى جئت؟ أين ليديا؟”
“قالت إنها مشغولةٌ وغادرت.”
كذب ليونارد بكُل بساطة دوّن أنْ يرف لهُ جفن. وصدقت كورديليا كلماتهِ دوّن أيِّ شك.
“حقًا؟ يبدو أنْ لديها عملاً عاجلاً.”
“لقد أنجزنا ما جئنا لأجله، لذا لنعدُ إلى المنزل.”
“نعم. لقد تأكدتُ مِن وجود مكانٍ لوقوف العربات ومرور الناس بكثرة، لذا يُمكننا استدعاء عربةٍ هُنا.”
“ماذا تقولين؟ ألَمْ يكُن هدفكِ أنْ تتركيني مع ليديا وحدنا؟”
“آه، لا، لا أقصدُ ذَلك! لا أعرف عن ماذا تتحدث، مُعلمي.”
“هاهاها.”
كانت كورديليا تتلعثم مِن شدة الارتباك، بينما ضحك ليونارد بسخريةٍ ووضع يدها على ذراعه بشكلٍ طبيعي.
عندما استدعوا العربة للعودة إلى المنزل، ألقت كورديليا نظرةَ خفيفةً عليه وقالت بحذر:
“هل كنتَ تعلمُ بذَلك؟”
“مع كُل هَذا التوتر، كيف ليّ ألا أعلم؟”
“كنتُ أظن أنكما ستقضيان وقتًا مُمتعًا معًا.”
“وقتٌ مُمتع؟ لَن أتزوج مِن ليديا إلفينباوم، لذا كفيّ عن محاولاتكِ الفارغة.”
“ماذا؟ لَن تتزوجها؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة