أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 65
الفصل 65 : جِنَازةُ الزَوج ¹
احمرّ وجهُ كورديليا فجأةً. رمت الوسادة عليه وطردهُ مِن الغرفة. تمتم مُتذمرًا بأنها أخبرتهُ بألا يُغادر، لكنها الآن قد غيّرت رأيها، ثم خرج مِن الغرفة.
بعد فترةٍ قصيرة، دخلت ليلى حاملةً وعاءًا مملوءًا بالماء الدافئ.
“هل استيقظتِ؟ كيف حالكِ الآن؟”
“متى جاء مُعلمي إلى غرفتي؟”
ردت ليلى على سؤال كورديليا وهي تُحرك عينيها بتوترٍ:
“أممم… لا أعلم. عندما جئتُ في الصباح كان هُنا.”
“إذا كان سيزورني، فليأتِ في النهار… آه، لا بأس. أريدُ أنْ أستحم.”
“هل كاحلُكِ بخير؟”
“كاحلي؟ آه، صحيح، لَمْ يعُد يؤلمني.”
رفعت الغطاء لتتفحص قدمها، فلاحظت أنْ التورم قد خف كثيرًا مُقارنةً بالأمس. حتى الحُمى التي كانت تجعل رأسها وأعضائها الداخلية تغلِّي قد اختفت تمامًا. وضعت ليلى يدها على جبين كورديليا ثم ابتسمت بسرورٍ.
“لَمْ تعُد لديكِ حُمى. هَذا رائعٌ حقًا.”
“نعم، رُبما هَذا بفضل المُعلم…”
توقفت كورديليا فجأةً عن الكلام، وتذكرت ما حدث الليلة الماضية، التي ظنت بأنها كانت مُجرد حُلم. مِن بكائها وتوسلها لهُ ألا يرحل إلى احتضانها لهُ بقوة ونومها عليه.
لكن أكثر ما جعلها تشعرُ بالخجل هو أنها لَمْ تستحم منذُ أيامٍ بسبب مرضها.
“أوه؟ وجهكِ احمرّ. هل أرتفعت حرارتُكِ مُجددًا؟”
“لا، لا. فقط… مِن فضلكِ، حضري ليّ الماء للاستحمام.”
“نعم، سأحضرهُ حالاً. انتظري قليلاً.”
****
عادت الحياةُ إلى طبيعتها.
كان مُجرد عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي كافيًا لجعل كورديليا تشعرُ وكأنها قد حصلت على كُل شيء في العالم. كانوا يتناولون الطعام معًا ويُعلمها السحر أحيانًا وكأن شيئًا لَمْ يحدُث.
كما أنْ كاحلها قد تحسن كثيرًا، حتى أصبحت قادرةً على الحركة دوّن مساعدة.
لا يزالُ ليونارد يبدو مشغولاً، إذ كان يُغادر كُل صباحٍ إلى مكانٍ ما ولا يعود إلا في وقتٍ مُتأخرٍ مِن المساء، لكنهُ كان يتناول الطعام مع كورديليا مرةً واحدةً يوميًا على الأقل.
“مُعلمي، قلتَ بإننا سنذهبُ إلى ويلآس بعد أنْ تُنهي عملكَ هُنا، أليس كذلك؟”
“نعم، لماذا؟”
“هل يُمكنني الذهاب إلى آبرامز قبل ذَلك؟ مِن أجل كريج.”
خفضت كورديليا صوتها قدر الإمكان خوفًا مِن أنْ يسمعها الخدم، رغم أنهم كانوا بعيدين بما فيه الكفاية.
“لا يُمكننا تركهُ مُجمدًا إلى الأبد. أعتقدُ بأنه علينا أن نُقيّم لهُ جنازةً لائقة.”
“آه، صحيح، كان لديكِ زوجٌ، أليس كذلك؟”
“أنتَ قاسٍ حقًا. لكنكَ مدينٌ لزوجي بثلاثة أشهر، أليس كذَلك؟”
“هاهاها. مدين؟ على أيِّ حال، ماذا ستفعلين؟”
أشار ليونارد بيده للخدم الذين كانوا واقفين في الغرفة ليخرجوا منها. عندها فقط تابعت كورديليا حديثها بصوتٍ طبيعي.
“هَذا هو الجزء الأصعب. عادةً، عندما يموت الزوج خلال رحلة، تكون الزوجة أول مَن يُشتبهُ به، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“لذَلك فكرتُ في أنهُ قد يكون مِن الأفضل إسقاطهُ مِن مكانٍ عالٍ كـ مِن فوق سوار القلعة. أو رُبما تصدمهُ عربة. كلما كان هُناك شهودٌ أكثر، كان ذَلك أفضل.”
“ما زلتِ تتحدثين عن أمورٍ مُخيفة كما كنتِ دائمًا.”
قال ليونارد وهو يبتسم ابتسامةً ساخرةً بينما يأخذ قضمةً مِن البيض المخفوق.
“هاهاها. مُقارنةً بما فعلهُ ليّ كريج عندما كان حيًا، هَذا لا يُعد شيئًا.”
“ماذا فعل لكِ؟”
“ألَمْ أخبركَ؟ في ليلة زفافنا، لقد جلب عشيقاتهُ إلى غرفة نومي. وعندما رفضتُ ذَلك، سخر مني ووصفني بأنني كقطعةُ خشب ثم طردني مِن غرفتي. لقد طردني في الليلة الأولى مِن زواجنا، وقد تعرضتُ للإذلال منذُ ذَلك الحين.”
رغم أنها كانت تروي هَذهِ القصة بابتسامة الآن، إلا أنْ كورديليا كانت تبكي كُل ليلةٍ بسبب ذَلك الوقت.
كان زوجها يتجاهلها وكأنها شبح، وكانت هيلينا تُعاملها كطفيلي يستنزفُ المال، وحتى حماها، الذي كان حيًا في ذَلك الوقت الكونت ابرامز، كان يضغطُ عليها يوميًا لإنجاب طفل.
“لو لَمْ يمُت، لكنتُ قد وضعتُ لهُ فطرًا سامًا في طعامه.”
قالت كورديليا ذَلك هي مُبتسمةٌ ببرود.
علق ليونارد بنبرةٍ مُنخفضةٍ ومُخيفة:
“… إذاً علينا سحقُ رأسهِ بعجلات العربة.”
“آه، لا. إذا تشوه وجههُ، سيكون مِن الصعب التعرفُ عليه. رُبما الاصطدام القوي بعربة سيكون أفضل. إنْ السقوط مِن فوق أسوار القلعة قد يبدو كأنهُ انتحار. أعتقد أنْ حادث العربة سيكون أكثر إقناعًا.”
“نعم، هَذا أفضل. إذا كان هُناك شهود، فلَن يكون هُناك شكٌ أبدًا.”
“تمامًا. وبالمناسبة، علمني كيفية التحكُم بالدمى.”
“التحكم بالدمى؟”
رفع ليونارد حاجبهُ مُتعجبًا وهو يضعُ الملعقة.
“نعم. أخبرني البارون مرةً بإنني يجبُ أنْ أتعلم التحكُم بالدمى إذا كنتُ سأحرك جسد كريج.”
“متى ستتعلمين ذَلك؟ حتى تتمكني مِن تحريك مفاصل الجسم بسلاسةٍ، ستحتاجين على الأقل إلى عامٍ مِن التدريب.”
“عامٌ كامل؟”
كانت تعتقدُ أنْ الأمر بسيطٌ مثل تحريك الأشياء، لكنها الآن أدركت بأنهُ كان سحرًا مُعقدًا وصعبًا. شعرت كورديليا بالتوتر عندما أدركت أنْ خطتها قد أفسدت.
“إذاً، ماذا أفعل؟ هل أحملهُ وألقي بنفسي معهُ أمام العربة؟ أستطيعُ استخدام درع سحري لحماية نفسي…”
“توقفي عن قول الهراء. بما أنْ البارون يعرفُ كيفية التحكم بالدمى، خذيهِ معكِ.”
“آه! هِذا سيكون حلاً مُناسبًا.”
لحُسن الحظ، كان الحلُ سهلاً. استرخى وجهُ كورديليا.
“سنُحدد سبب الوفاة بأنهُ حادث اصطدامٍ بالعربة… وأعتقدُ بأنني يجبُ أنْ أرسل رسالةً مُسبقًا إلى ابرامز. إذا أبلغنا عن الوفاة فجأةً، فقد يبدو الأمرُ غريبًا.”
جلس الاثنان يُخططان لـ كيف يُمكنهما قتل زوج كورديليا بشكلٍ مثالي.
“بما أنكِ ستُرسلين رسالةً لهم، يجبُ أيضًا خلقُ بعض الأدلة على تحركاتهِ قبل وصولهِ إلى العاصمة.”
“تحرُكات؟”
“إذا ظهر فجأةً في العاصمة ثم تعرض لحادث العربة، فقد يبدو الأمرُ مُريبًا. لذا، إذا قُمنا بإيهام الناس بأن شخصًا يُشبهه كان يتنقل بين القرى مُتظاهرًا بأنهُ الكونت ابرامز، فسيبدو الأمرُ طبيعيًا.”
“واو، يبدو بأنكَ لديكَ خبرةٌ في القتل يا مُعلمي.”
أبدت كورديليا إعجابًا صادقًا، لَمْ تَخطر لها هَذهِ الفكرة، لكن بفضلهِ لَن تكون هُناك أيُّ شكوكٍ.
وبالإضافة إلى ذَلك، قررا أيضًا البحث عن المكانٍ المُناسب حيثُ سيُقتل كريج فيه.
“مُعلمي، هل لديكَ وقتٌ اليوم؟”
“لماذا؟ هل تُريدين أنْ أذهب معكِ؟”
“نعم. لا أعرفُ المدينة جيدًا أو إذا كنتَ مشغولاً، يُمكنني أنْ أخذ البارون أو بيلوتشي معي.”
كان ليونارد مشغولاً جدًا، بالكاد لديهِ وقتٌ لأيِّ شيء. فهو كان يتابع تحركات إيمبلي، يجمع الأدلة، ويُحاول إقناع أعضاء المجلس الآخرين الذين لَمْ يكونوا مُرتاحين للمًحاكمة، إلى جانب مسؤولياته كـ سيد منزل أتيلي المُتراكمة.
“ليس لديّ شيءٌ مُهمٌ اليوم على أيِّ حال.”
“حقاً؟ هَذا رائع. أشعرُ بالارتياح أكثر عندما أكون معكَ.”
ابتسمت لهُ بسعادةٍ، بينما نظر إليّها ليونارد قليلاً قبل أنْ يُدير رأسهُ فجأةً ويقف مِن مكانهِ.
“سأذهبُ أولاً. أخبريني عندما تكونين جاهزة.”
“حسنًا!”
بعد أنْ غادر ليونارد غرفة الطعام، طلبت كورديليا مِن الخدم إحضار ورقةٍ وقلم. كتبت شيئًا على الورقة وسلمتها للخادم مُجددًا
“هل يمكنكَ إيصال هَذهِ الرسالة إلى منزل إلفينباوم الآن؟”
“نعم. لمِن أسلمها؟”
“خذها إلى ليديا إلفينباوم. بسرعة، مِن فضلك.”
***
“أعطني يدكِ.”
“آه، لا بأس. أستطيعُ المشي بمُفردي الآن.”
“أعطني يدكِ، ولا تبكي إذا سقطت.”
أمسك يدها بالقوة ووضعها على ذراعه.
وصلوا إلى شارعٍ مُزدحمٍ إلى حدٍ ما، كبير بما يكفي لتمرّ فيه عربتان في نفس الوقت، وكان مليئًا بالناس. بدأت كورديليا تُراقب الشارع بحذرٍ.
“يُمكننا أنْ نطلب مِن بيلوتشي قيادة العربة. لكن مِن سوف تمُرّ العربة؟ لَن يكون مِن الطبيعي إذا قفز فجأةً إلى الطريق، صحيح؟”
“مَن يهتم؟ الجميع مشغولٌ بأمورهم.”
“هل نذهبُ مِن هُنا؟ أو ربما مِن هُناك؟”
“افعلِ ذَلك مِن أيِّ مكانٍ تُريدين. لا يوجدُ فرق.”
“لا، يجبُ أنْ نجدَ المكان المثالي ليبدو الأمر طبيعيًا. ألا يوجد هُنا منطقةٌ معروفةٌ بوقوع الحوادث؟”
استمرت كورديليا في جرّ مُعلمها المُتذمر مِن مكانٍ إلى آخر، بينما كانت عيناها تتنقلان بسرعة عبر الطريق.
في الواقع، لَمْ تكُن كورديليا تبحثُ عن أفضل مكان رسمي لإعلان وفاة كريج.
“أوه، هل هَذهِ ليديا؟”
“ماذا؟”
“نعم، إنها ليديا.”
كانت تعرفُ أنْ هِذا اللقاء لَمْ يكُن محض صدفةٍ، لكن سعادتُها برؤية ليديا تغلبت على أيِّ شك. مشت كورديليا نحو ليديا بفرحٍ مُضاعف.
تعرفت ليديا على كورديليا أولاً وألقت التحية.
“كورديليا، مِن غيرِ المُتوقع أنْ أراك هُنا. يا لها مِن صُدفة.”
“صحيح، إنها صُدفة.”
لحُسن الحظ، كانت ليديا بارعةً في التمثيل أكثر مِن كورديليا. بدأت تتحدث إلى ليونارد بشكلٍ طبيعي.
“ليونارد، أنتَ هُنا أيضًا؟ ما الذي تفعلهُ هُنا؟”
“كنتُ أتجول مع مُعلمي. واو، بما أننا التقينا بالصُدفة، لماذا لا نجلس في مكانٍ هادئ ونتحدث قليلاً؟”
“يبدو هَذا رائعًا.”
كان الحوار بين كورديليا وليديا يسيرُ بسلاسةٍ وكأنهُ قد تم الاتفاق عليهِ مُسبقًا. لَمْ يكُن هُناك مكانٌ لرأيّ ليونارد.
“لحظة، ماذا يحدُث بينكما؟”
“ماذا؟ ما المشكلة؟”
نظرت كورديليا إلى ليونارد وعيناها مفتوحتين بشكلٍ كبير وكأنها مصدومة.
“متى أصبحتما صديقتين؟ كم مرةً التقيتما؟”
“كنا نُرسل الرسائل لبعضنا كثيرًا عندما كنتُ مُصابةً في المنزل. وأيضًا ذهبنا معًا إلى متجر الحلويات.”
تذكرت كورديليا ما حدث بعد زيارة متجر الحلويات، فتوقفت عن الكلام وأخذت تسعل بخفة.
“إذًا كانت ليديا هي التي كنتِ ترسلين لها الرسائل كُل يوم؟”
“نعم. وأيضًا، أنا وليديا صديقتان. صديقتان.”
كانت عيون كوردليا تلمعُ بشكلٍ خاص عندما قالت كلمة ‘صديقتان’.
“أنتَ لا تفهم، لأنكَ لا تملكُ أصدقاء، ولكن مِن الطبيعي أنْ يذهب الأصدقاء إلى مقهى عندما يتقابلون في الشارع ويتحدثون.”
“آه، حقًا؟ إذًا يُمكنكما قضاء الوقت معًا. أنا مشغول.”
تصرف ليونارد وكأنهُ على وشك المُغادرة، فتعلقت كورديليا بذراعهِ ونظرت لهُ بنظرة استعطاف.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة