أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 63
الفصل 63 : أبنةُ الأب ⁸
“ماذا؟! هل تقولين أنْ مُعلمي كان هُنا؟”
فكرت قليلاً، ووجدت أنْ احتمال مرور ليونارد بالمكان الذي كانت فيه صدفةً كان مُنخفضًا جدًا. علاوةً على ذَلك، الحديقة التي كانت فيها كورديليا لَمْ تكُن قريبةً مِن القصر.
“نعم، لقد وبّخ السائق الذي اخذكِ ثمَ غادر على الفور… كُنا قلقين ظنًا منا أنْ شيئًا قد حدث. هل كُل شيءٍ بخير؟”
بعد أنْ استمعت كورديليا إلى شرح ليلى، شعرت بالأسف لأنها كانت مُنزعجةً مِن ليونارد. يبدو أنهُ كان قلقًا عليها لأنها غادرت دوّن أنْ تخبره.
مرتّ كورديليا بجانب ليلى واتجهت إلى الغرفة التي كان ليونارد يتواجد فيها غالبًا. كان يتحدثُ مع البارون. وقفت كورديليا بارتباكٍ بالقرب مِن الباب مُنتظرةً انتهاء المُحادثة.
في العادة، كان ليونارد يُلاحظ وجودها، لكنهُ هَذهِ المرة لَمْ يلتفت إليّها حتى. على عكسه، البارون كان أول مِن لاحظ وجودها، ورحب بها بابتسامةٍ لطيفة.
“هل استمتعتِ بالموعد؟”
“نعم، إلى حدٍ ما.”
“سأرتبُ لكِ في المرة القادمة خادمةً تعرف المنطقة جيدًا لتُرافقكِ. هُناك الكثيرُ مما يُمكنكِ رؤيته، لأنكِ ستذهبين لاحقًا إلى ويلآس.”
“شكرًا لك، بارون.”
انحنى البارون بخفةٍ وغادر الغرفة، ولَمْ ينسَ أنْ يُغلق الباب بهدوء.
ليونارد لَمْ يلتفت إلى كورديليا حتى بعد خروج البارون. ترددت كورديليا لوهلةٍ، لكنها اقتربت مِن مُعلمها الذي بدا باردًا.
“مُعلمي.”
“تكلمي.”
“هل أنتَ غاضبٌ مني إلى هَذا الحد؟”
“…..”
“لقد سمعتُ مِن الخادمة. لقد جئتَ إلى القصر ولَمْ تجدني، فخرجتَ للبحث عني. أنا آسفة. في المرة القادمة سأخبركَ مُسبقًا…”
كورديليا ابتسمت وسحبت بلطفٍ طرف ملابسهِ كعادتها. لكن ليونارد دفع يدها بقسوةٍ وكأنها قد لوثت ثيابه.
“آه.”
لَمْ تستطع أنْ تتحدث مِن شدّة الصدمة. نظرت إلى يدها المرفوضة بدهشة.
هَذا النوع مِن البرود كان شيئًا قد اعتادت عليهِ قبل أنْ تُصبح تلميذته.
“أنتِ…”
أخيرًا نظر إليها ليونارد. كانت عيناهُ البنفسجيتان تحملان عواطف مُتضاربةً. حتى كورديليا لَمْ تستطع فهم ما كان يشعرُ به.
لَمْ يكُن يبدو غاضبًا. بل كان أقرب إلى الحيرة أو ربما الخوف.
‘الخوف؟’
هِذا الشعور كان غريبًا على ليونارد ليظهرهُ أمامها. حاولت كورديليا إخفاء يدها المُحمرة وتقدمت خطوة نحو ليونارد، مُتظاهرة باللامبالاة.
“أوه، مُعلمب، رجاءًا لا تغضب. لقد أخطأت، أليس كذلك؟”
“اخرجي.”
“لكن كنتُ أتمنى أنْ نتناول العشاء معًا…”
“ألَمْ تسمعي؟ قلت اخرجي. لماذا تُزعجينني باستمرار؟”
“……”
“أنتِ تتصرفين دائمًا كما يحلو لكِ، فلماذا تعتذرين الآن؟”
كان صوتهُ باردًا وقاسيًا. هَكذا شعرت كورديليا على الأقل.
“أنا… أنا آسفة.”
كان هَذا الاعتذار هو الأخير ضمن سلسلةٍ طويلةٍ مِن الاعتذارات التي أصبحت عادةً لها.
في الحقيقة، لَمْ تكُن كلماتهُ قاسيةً جدًا. مُقارنةً بالشتائم القاسية التي كانت تسمعُها مِن هيلينا أو والدها أو حتى زوجها السابق، كان هَذا يُعتبر لاشيء.
ومع ذَلك، لَمْ تستطع كورديليا الاستمرار بالكلام، بل ابتلعت الكلمات وعادت خطوتين إلى الوراء.
“يبدو بأنكَ مُتعب. خُذ قسطًا مِن الراحة. سنتناول العشاء معًا لاحقًا.”
غادرت الغرفة على عجل. كان قلبُها يؤلمها، وكانت تخشى أنْ تذرف دموعًا غيرَ مرغوبٍ فيها إنْ بقيت معه.
بعد أنْ تأكد مِن خروجها، عبس ليونارد وألقى بالقلم الذي كان في يدهِ على الأرض.
“اللعنة.”
لَمْ يستطع السيطرة على مشاعرهِ المُتصاعدة. رؤية كورديليا وقد تغيّرت ملامحُها بسبب كلماته القاسية كانت تؤلمهُ بشدة.
وهَذا ما أربكهُ أكثر.
لماذا يتأثرُ بها بهَذهِ الطريقة؟
“لا تكشف نقاط ضعفكَ.”
“ما الذي تقصدهُ بذَلك، جلالتُك؟”
“تلكَ التلميذة خاصتُك، كورديليا إبرامز. هل ستدعُ الجميع يعرفون بأنها نقطةُ ضعفكَ؟”
كان ليونارد قد همّ بالعودة إلى القصر حينما قال لهُ غابرييل ذَلك، بينما كان يُرتب هندامهُ. لكن ليونارد تجاهل كلامهُ بازدراء.
“إنها تلميذتي. وليست نقطة ضعفي.”
“ألَمْ تحتضنها أثناء حملكَ لها وغادرت الحفل معها؟ ألَمْ تُحطم ساق فاسكويز، والدها، فقط لأنها تعرضت للأذى؟ ألَمْ ترفض جميع دعوات الحفلات لتُبقيها مُخبأةً في القصر؟”
“كان لكُل ذَلك أسبابٌ وجيهة.”
“منذُ متى أصبحت تعتقدُ أنْ الناس سيفكرون بالأسباب؟”
غابرييل نقرّ بلسانهِ وقدم نصيحةً قصيرةً لليونارد.
“إذا كان لديكَ شيءٌ ثمين، عليكَ أنْ تعرف كيف تُخفيه بشكلٍ مُناسب. لا يُمكنكَ أنْ تكون بهَذا الوضوح. تشه تشه.”
حتى تلكَ اللحظة، لَمْ يكُن ليونارد يُعطي اهتمامًا كبيرًا لكلامه. اعتبرهُ مُجرد تدخلٍ غيرَ ضروري وأدخلهُ مِن أذن ثم أخرجهُ مِن الأخرى.
لكن عندما وصل إلى المنزل واكتشف غياب كورديليا، شعر بالغضب والارتباك، والأهم مِن ذَلك، شعر بقلقٍ لا يستطيعُ تفسيره.
كان يُفكر في أمورٍ كثيرة: ماذا لو ضلّت الطريق وهي لا تعرفُ المدينة جيدًا؟ ماذا لو سقطت وهي لا تزال تُعاني مِن إصابةٍ في قدمها؟ ماذا لو تعرضت للأذى وهي لَمْ تُتقن بعد سحر الحماية بشكلٍ جيد؟
حتى بعد أنْ علم أنْ بيلوتشي كانت معها، لَمْ يستطع أنْ يهدأ أو يجلس وينتظر.
“أين أنزلتها؟”
“عفواً؟”
“قلت، أين أنزلت كورديليا؟”
بسؤال ليونارد الحاد، أرشده السائق المُرتعش إلى الحديقة التي نزلت فيها كورديليا.
لحُسن الحظ، كانت قد ذهبت إلى شارعٍ مُزدحمٍ يترددُ عليهِ النُبلاء، لكن هَذا لَمْ يكُن كافيًا ليطمئن ليونارد تمامًا.
دار ليونارد حول تلكَ الحديقة الكبيرة ثلاث مراتٍ. وعندما وجد كورديليا أخيرًا، شعر براحةٍ كبيرةٍ لكنها كانت مصحوبةً بصدمةٍ قويةٍ ضربت جسده.
“هل تنوي أنْ تُعلن للجميع أنْ كورديليا هي نُقطة ضعفك؟”
تذكّر كلمات غابرييل التي مرت في ذهنهِ كوميض برق.
لَمْ يكُن هَذا فقط لأنها كانت تلميذتهُ الأولى، أو لأنها كانت أمرأةً لا يمكُن التنبؤ بما ستفعلهُ إذا تُركت وحدها. بدا أنْ تصرفاتهِ تجاهها غيرُ طبيعية.
لَمْ يستطع ليونارد أنْ يُحدد اسم هَذا الشعور الذي يحملهُ تجاهها. كانت هَذهِ هي المرة الأولى التي يشعرُ فيها بهَذهِ الطريقة نحو شخصٍ آخر، وكان ذَلك يُربكه.
لَمْ يستطع التمييز إنْ كان ما يشعرُ به هو شفقةٌ، أو تعلق، أو مُجرد مشاعر ودٍّ تجاه تلميذته.
نقطةُ ضعفه.
تلكَ الكلمة وحدها كانت مغروسةً بعمقٍ في عقل ليونارد ولَمْ يستطع أنْ يُخرجها.
***
“ماذا عن العشاء…؟”
“ليس لديّ رغبةٌ في ذَلك، لذا لا تدعي أحدًا يدخُل الغرفة حتى أسمح بذَلك.”
مرّت كورديليا بسرعةٍ بجانب ليلى ودخلت إلى الغرفة. ثم اندفعت نحو السرير وغطت نفسها بالبطانية.
“لا بأس. هَذا ليسَ بشيء الكبير.”
تمتمت كما لو كانت تُحاول إقناع نفسها. لو فكرت بالأمر جيدًا، لَمْ يوجه إليّها أيَّ إهانةٍ أو يمُسها بأيِّ أذى. كُل ما في الأمر أنهُ قد قال بضع كلماتٍ حادة.
ومع ذَلك، لَمْ تستطع التخلص مِن شعور الحُزن الذي بداخلها. حاولت أنْ تكتُمَ دموعها، لكن بضع قطراتٍ قد تسللت مِن عينيها رغمًا عنها.
كان وجهُ ليونارد البارد وكلماتهُ القاسية عالقةً في ذهنها، مما زاد مِن شعورها بالحُزن والأسى.
“آه…!”
كان هُناك ألمٌ في قلبها. يبدو أنْ ردة فعل ليونارد الباردة كانت قد صدمتها أكثر مما اعتقدت. دفنت رأسها بين ركبتيها وهي جالسة.
في تلكَ اللحظة، سمعت صوتًا خفيفًا وشعرت بأنْ أحدهم قد جلس على حافة السرير. مسحت كورديليا دموعها وخرجت مِن تحت البطانية.
كان ذَلك لوتي.
“لو… لوتي. هل، هل أتيتِ؟ هل أنتِ جائعة؟ هل، هل أعد لكِ الطعام؟”
حاولت كورديليا التحدُث بابتسامة، لكنها لَمْ تكُن مُختلفة كثيرًا عن حالها قبل قليل.
نظرت الكلبةُ الرمادية إلى وجه كورديليا المُلطخ بالدموع واقتربت منها. شعرت كورديليا أنْ ذَلك كان وكأنهُ مواساة، فاحتضنت الكلبة وبكت كما لو كانت طفلةً صغيرة.
“مُعلمي، آه، كان قاسيًا جدًا. أعلمُ بأنني قد ارتكبت خطأ، لكن… آه، لا يجبُ أنْ يتحدث معي هَكذا…”
[“توقفي عن البكاء، أيتُها الصغيرة.”]
“لا أستطيع… دموعي لا تتوقف… مُعلمي قد دفع يدي وأخبرني أنْ أخرج…”
أفرغت كورديليا كُل مشاعرها المؤلمة التي شعرت بها. وبعد فترةٍ مِن الحُزن والتذمر، بدأت تشعرُ ببعض الراحة. وفجأةً تذكرت أنْ لوتي كانت تتحدث.
“لكن لوتي، هل تعلمتِ الكلام مُجددًا؟”
[“يبدو أنْ الاتصال بيننا قد أصبح أقوى.”]
“اتصال؟”
سألت عن معنى ذَلك، لكنها لَمْ تحصُل على إجابة. لأن ذَلك كان آخر مرةٍ سمعت فيها صوت لوتي في ذَلك اليوم.
“آه…”
غلبها النوم بعد أنْ بكت لفترةٍ طويلة. لكنها استيقظت في مُنتصف الليل بسبب الألم في كاحلها. يبدو أنْ التجول في أنحاء المدينة كان مُجهدًا أكثر مما كان ينبغي عليها تحمُله اليوم.
في العادة، كانت ستذهبُ إلى ليونارد وتطلبُ منه أنْ يستخدم سحر الشفاء على كاحلها، لكنها لَمْ تستطع أنْ تطلب شيئًا مِن ليونارد وهو غاضبٌ بشدة.
علاوةً على ذَلك، كان الوقتُ قد تأخر كثيرًا لاستدعاء الطبيب.
أمضت كورديليا الليلة وهي تتألمُ بصمتٍ، مُمسكةً بكاحلها المُتورم. وعند بزوغ الفجر، دخلت ليلى الغرفة ورأت كورديليا جالسةٍ بزاوية السرير فّفزعت.
“أوه، هل استيقظتِ بالفعل؟”
“ليلى…”
“لكن يبدو أنْ لون وجهكِ شاحبٌ جدًا. هل تشعرين بالألم في مكانٍ ما؟”
“كاحلي يؤلمني. هل يُمكنكِ استدعاء الطبيب؟”
“كاحلكِ؟”
رفعت ليلى البطانية وصُدمت. كان كاحل كورديليا الأيمن مُتورمًا إلى ضعفي حجمهِ مُقارنة بالأمس.
*الفصول حتى ١٠٣ متوفرة في حسابي في الواتباد*
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة