أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 62
الفصل 62 : أبنةُ الأب ⁷
“أما هيلاريست فلا بأس به، لكن فاسكويز ليس سوى مُجرد عددٍ إضافي للضغط على جلالتُك. أنتَ تعلمُ ذَلك، أليس كذلك؟”
“نعم، أعلم. إنهُ عائلةٌ لَمْ تعُد جزءًا مِن المجلس العام. ولكن حتى لو كانت العائلة مُنهارة، لا يُمكن تجاهل اسمها، فهي واحدةٌ مِن العائلات الثمانية المُقدسة.”
“سوف أتأكدُ مِن أنهُ لَن يكون عليكَ القلق بشأنهِ قريبًا.”
“إذًا، هل لهَذا السبب قمتَ بكسر كاحل فاسكويز؟”
عندما ذُكِر هَذا الأمر، أغلق ليونارد فمهُ فجأةً. لاحظ غابرييل تغيّر حالتهِ وابتسم بخبث.
“هل تظُن بأنني لا أعلم ما يحدُث في العاصمة؟”
“يبدو أنْ مهام الدولة ليست كثيرةً هَذهِ الأيام. لذا أنتَ قد بدأت تهتمُ بهَذهِ الأمور الصغيرة.”
“حينما فكرتُ في سبب ذهابكَ إلى فاسكويز وكسر كاحلهِ، تذكرتُ أنْ تلميذتكَ هي مِن عائلة فاسكويز.”
“لقد كان فقط شيئًا يُضايُقني.”
“هاها، أنتِ؟ لو كان الأمر يُضايقكَ حقًا، كنتَ ستقتُله ولَن تقوم فقط بكسر كاحله. إنهُ مِن عائلةٍ على وشك الانهيار، وحتى لو مات فاسكويز فجأةً، هل سيهتُم أحد؟”
كان كلامُ غابرييل دقيقًا لدرجة أنْ ليونارد لَمْ يجد ما يردُ به. كان غابرييل مُستمتعًا بحديثه، غيرُ مهتمٍ بما قد يقولهُ ليونارد.
“حينما سمعتُ عن هَذا الأمر، لَمْ أستطع إلا التساؤل. لماذا كاحلهُ بالذات، وليس رقبته؟ لكن تصادف أنْ تلميذتكَ تُعاني مِن إصابةٍ في كاحلها وهي تتعافى الآن في المنزل، وذَلك قبل أيامٍ قليلةٍ مِن كسر كاحل فاسكويز. يا لها مِن صدفةٍ مُذهلة، أليس كذلك؟”
“نعم، هي كذَلك.”
تظاهر ليونارد بعدم المُبالاة أمام كلام غابرييل.
“وليس هَذا فقط، سمعتُ بأنكَ قد حملتَ تلميذتكَ وغادرت الحفل في منتصفه. أنتَ، الذي كنتَ تتجاهلُ النساء! حتى تلكَ المرأة مِن عائلة إلفينباوم لَمْ تُثر انتباهك.”
“كورديليا ليست مُجرد امرأة، إنها تلميذتي.”
“هل يهمُ الناس بذَلك؟ كُل ما يرونهُ هو أنكَ قد حملتِ امرأةً وغادرت الحفل، وسيتحدثون عن ذَلك.”
ضحك الملك بشدة، حتى أنهُ بدأ يضربِ ذراعي كرسيه مِن شدة الضحك. أما ليونارد، فقد رفع حاجبًا واحدًا وهو يُراقب غابرييل بتمعن.
“حقًا، جلالتُك…”
“ماذا؟”
“يبدو بأنكَ سعيدٌ بعودتي إلى الحياة. لدرجة أنكَ تعرفُ كُل تفاصيل أفعالي.”
“آه، لَمْ أخبركِ بعد. أتيلي، أنا سعيدٌ جدًا بعودتك. تمنحُني دائمًا قصصًا مُسليةً في هَذا القصر المُمل. هل تعلم كم كنتُ أشعرُ بالملل خلال الأشهُر الثلاثة التي غبتَ فيها؟”
“إذا كنتَ تشعرُ بالملل، فعليكَ الزواج. بدلًا مِن التمسُك بي بهَذا الشكل.”
“هاه، الزواج مِن أجل التسلية؟ لطالما حلمتُ بأن ألتقي بامرأةٍ في حديقةٍ مليئةٍ بالأزهار، تُسقط منديلها بسبب الرياح وألتقطهُ مِن اجلها، ثم أقول: ‘لقد انتظرتُكِ طويلًا!'”
“تُريد الوقوع في حب امرأةٍ تسللت إلى حديقة الملك وأسقطت منديلها عن غير قصد؟”
“… يبدو أنكَ تُفسر الأمور بطريقةٍ مُختلفة.”
عند تهكم ليونارد، سعل غابرييل مُتعمدًا إخفاء أحراجه.
مِن منظور ليونارد، كان هَذا التهكم مُعتدلًا. لو كان شخصًا آخر، لربما انفجر غاضبًا وغادر الغرفة. لكنهُ تحمّل ذَلك لأن تعاونهُ مع الملك كان ضروريًا للقيام بالمُحاكمة.
“إذًا، ألا تفكر أنتِ في الزواج حقًا؟”
“لَمْ أصبحت الآن تهتمُ بزواجي؟”
“أنا لستُ الوحيد المُهتم. أراهنُ أنْ نصف النُبلاء في العاصمة يُراهنون على موعد زواجكَ.”
“مَن؟”
“بالطبع، ليديا إلفينباوم! لماذا؟ هل هُناك مرشحةٌ أخرى؟ إذا كانت هُناك، فأخبرني. أنا أيضًا قد راهنت.”
“… آه.”
لو لَمْ يكُن الأمر مُتعلقًا بالمحاكمة، لكان ليونارد قد غادر منذُ مدةٍ حقًا. لكنهُ تحمل تلكَ اللحظة الصعبة، مُجبرًا نفسهُ على مُجاراة نكات الملك. كان غابرييل يُدرك هَذا تمامًا، مما جعلهُ يزداد في مضايقة ليونارد.
***
“لماذا تبدين شاردة هَكذا؟”
“…لا شيء.”
بدأت كورديليا في التحرك مُجددًا بعد أن توقفت. شعرت بوخزٍ في كاحلها، وكأن الألم قد ازداد مُقارنةً بالصباح. لَمْ يكُن هُناك الكثير مِن عربات الأجرة تمُرّ في الطريق في هَذا الوقت غيرِ المُعتاد.
أجلسها بيلوتشي على مقعدٍ عند مدخل الحديقة.
“سأذهبُ لأجلب عربةً، انتظري هُنا.”
“فهمت، لستُ بطفلة. سأنتظرُ هُنا بهدوء، أسرع فقط في إحضار العربة. قدمي تؤلمني.”
“لو لَمْ تخرجي مِن المنزل منذُ البداية … آه، لا بأس.”
جلست كورديليا على المقعد مطمئنة بيلوتشي. بدا أنْ بيلوتشي قلق، فاستمر في الالتفات إلى الوراء قبل أنْ يختفي عن الأنظار.
‘أنا أحبُ ليو.’
مع حلول الهدوء حولها، استمر وجهُ ليديا المليء بالدموع، والمُفعم باليقين، في الظهور في ذهنها.
كانت ليديا قد أمسكت بيد كورديليا بإحكام، وطلبت منها أنْ تُساعدها. وافقت كورديليا على الفور، لكن كان هُناك شعورٌ غريبٌ بعدم الراحة ظلّ يتسللُ إلى أعماقها.
‘هل أنا مصدومةٌ لأن ليديا تُحب مُعلمي؟’
لكن، لا يوجد سببٌ لـ كورديليا لتكون مصدومة. بل كان ينبغي عليها أنْ تُبارك لهما، وتؤكد كم هُما مُناسبان لبعضهما البعض.
ومع ذَلك، لسببٍ ما، لَمْ تستطع كورديليا أنْ تنطق بأيِّ كلمة تهنئة.
شعورٌ غريبٌ بعدم الارتياح كان يُعذبها مِن الداخل، ولَمْ تستطع تفسيره.
‘هل أنا أشعرُ بالغيرة؟’
ربما مثلما يتفاجأ الأخ حين يعلم أنْ شقيقهُ المُقرب سيتزوج، أو كالشخص الذي يشعرُ بالغيرة عندما يعلمُ أنْ والدهُ قد وجد امرأةً يُحبها.
‘استفيقي يا كورديليا، زواج مُعلمكِ شيءٌ يستحق التهنئة.’
حاولت أنْ تُشتت نفسها بمشاهدة فراشتين تُحلقان بلطفٍ أمامها. ثمَ، مِن بعيدٍ، رأت رجُلًا تعرفهُ. رغم أنهُ كان يوليها ظهرهُ، فقد عرفتهُ بوضوح.
لَمْ تكُن تعرفُ الكثير مِن الأشخاص في العاصمة، فبدأت تفكر في مَن يكون، حتى أنْ اسمه برز في ذهنها فجأة.
“دينيس!”
كان شقيقُها، الشخص الذي لَمْ تتوقع أبدًا أنْ تراهُ في العاصمة.
نسيت كورديليا كلمات بيلوتشي، ووقفت فجأةً مِن مكانها.
لَمْ يكُن الفرح هو الشعور الذي طغى عليها، بل القلق.
‘متى جاء دينيس إلى العاصمة؟ هل أتى مع والدي؟ ولماذا؟’
بدأت كورديليا تتبعهُ بخطواتٍ عرجاء، ولكن المسافة بينهما استمرت في الاتساع. حتى وإنْ كانت في حالةٍ جيدة، كان مِن الصعب اللحاق به، فما بالكَ مع كاحلها المُصاب.
ألمُ كاحلها ازداد مع كُل خطوةٍ خطتها، فتوقفت عن السير وهي تشعرُ بألمٍ شديد.
قررت أنْ تُفكر في سببٍ لوجود دينيس في العاصمة لاحقًا، وعادت إلى المكان الذي طلب منها بيلوتشي أنْ تنتظرهُ فيه.
لكن عندما التفتت، شهقت. لا تدري لماذا هَذا اليوم مليءٌ بالمفاجآت.
“م- مُعلمي.”
“ما السبب الذي يجعلكِ تخرجين مِن المنزل بمفردكِ؟”
“أه، حسنًا… الأمر هَذا…”
“اشرحي.”
نظر إليّها ليونارد بنظرةٍ جامدةٍ. رغم أنْ الجو لَمْ يكُن حارًا، كانت هُناك قطراتٌ مِن العرق على جبينها. بدأت كورديليا تهمسُ لنفسها بخجلٍ وهي تخفضُ رأسها.
“كان لديّ موعد.”
“موعد مع مَن؟”
“كنتُ سألتقي بليديا. أخبرتني عن محل حلوياتٍ لذيذة.”
“ولَمْ تُخبريني بذَلك؟”
“لأنكَ لَمْ تسمح ليّ أنْ اخرج للحديقة حتى… كنتُ سأعود سريعًا.”
في تلكَ اللحظة، عاد بيلوتشي بعد أنْ ذهب ليجلب العربة. يبدو أنهُ أدرك الوضع بمُجرد أنْ رأى ليونارد.
“سيدي.”
“بيلوتشي، ألم أُعطيكَ أمرًا قبل مُغادرتي؟”
“أعتذر.”
انحنى على الفور دوّن أيِّ تبرير. نظر ليونارد إليّه ببرود.
“أنتَ مُعاقبٌ لمدة أسبوع.”
“نعم، مفهوم.”
“مهلاً، بيلوتشي لَمْ يفعل شيئًا. أنا مَن أصررتُ على الخروج.”
“هَذا جزءٌ مِن مسؤوليتهِ أيضًا.”
قال ليونارد ذَلك، ثمَ استدار وغادر. لَمْ يكُن يسيرُ بالسرعة المُعتادة التي تتناسبُ مع خطوات كورديليا، مما أوضح بأنهُ كان غاضبًا.
شعرت كورديليا بالإحباط وهي تتبعُ ليونارد برأسٍ مُنخفض. اقترب بيلوتشي منها ومد يده.
“ألَمْ أخبركِ أنْ تبقي جالسة؟”
“آسفة، بيلوتشي. رأيتُ شخصًا أعرفهُ، وكنتُ أريدُ التأكد منهُ فقط.”
“ومَن الذي تعرفينهُ في العاصمة؟ هيا، أمسكي بذراعي. في البداية كنتِ تطلبين مساعدتي بغضب.”
استندت كورديليا على ذراعهِ بخجل، كانت تشعرُ بالامتنان والندم.
كان ليونارد قد صعد بالفعل إلى عربة أتيلي. دخلت كورديليا العربة بمساعدة بيلوتشي، وانطلقت العربة فور إغلاق الباب.
لَمْ ينظر ليونارد إلى كورديليا حتى. تمتمت كورديليا بصوتٍ مُنخفضٍ.
“آسفة، مُعلمي.”
“لا تستطيعين الجلوس بهدوءٍ أبدًا. هل كان مِن الصعب عليكِ البقاء في المنزل؟”
“كنتُ سأعود فورًا بعد مقابلة ليديا، أنا آسفة لخروجي دوّن إذن، لكنكَ دائمًا توبيخني.”
“هل هَذا يعني أنني السبب؟”
“لا، ليس هَكذا. ما أقصدهُ هو…”
شعرت أنها تُقدم أعذارًا. قررت كورديليا التزام الصمت.
وفي صمتٍ، وصلت العربة إلى منزل أتيلي. عندما توقفت العربة، غادر ليونارد دوّن أنْ ينطق بكلمة.
‘هل الأمرُ يستحق كُل هَذا الغضب؟’
شعرت كورديليا بالمرارة وهي ترى ظهرهُ يبتعد. صحيحٌ أنها أخطأت بالخروج دوّن إبلاغهِ، لكنها لَمْ تشعر أنْ خطأها يستحقُ كُل هَذا التوبيخ.
“آنسة كورديليا!”
هرعت إليها الخادمة المُخصصة لها، ليلى، وهي تلّهث. بدأت ليلى تفحصُها بعناية.
“أخيرًا عدتِ. هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير. لماذا كُل هِذا القلق، ليلى؟”
“آه، لا يمكنكِ تخيل ما حدث. عندما عاد السيد إلى القصر ولَمْ يجدكِ، كان غاضبًا جدًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة