أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 60
الفصل 60 : أبنةُ الأب ⁵
“هل انتظرتِ طويلاً؟”
“لا. أنا أيضًا ق. وصلتُ للتو. ولكن…”
بمجرد أنْ تركت كورديليا ذراع بيلوتشي تعثرت بسرعة نحو ليديا. عندما رأت ليديا ذَلك، تبدلت ملامحُها إلى القلق.
“أوه، يبدو أنْ ساقكِ لَمْ تُشفَ تمامًا بعد. كان بإمكاننا تأجيلُ اللقاء.”
“لا، لقد شفيتُ تمامًا. أنا بخيرٍ حقًا.”
عندها قال بيلوتشي بحدةٍ:
“شُفتي؟ إذا واصلتِ التجول كما لو كنتِ كلبًا ضالاً، فسوف تزداد حالتكِ سوءًا.”
“أوه، السيد إينغريون قد جاء أيضًا. لقد مضى وقتٌ طويل، أليس كذلك؟ السيد إينغريون.”
التفتت ليديا بابتسامةٍ أنيقة نحو بيلوتشي الذي كان يتمايلُ خلفها. انحنى بيلوتشي لها وحياها، لكن لَمْ يبدو أنهُ قد بذل جهدًا كبيرًا في إظهار الاحترام.
“لا تهتمي لهُ. فقط اعتبريه مثل عكازي.”
“عكاز؟”
“عكازٌ يتحدث كثيرًا. أيها العكاز، هل يمكنكَ التراجع قليلاً؟”
كان بيلوتشي يبدو منزعجًا حقًا، لكنهُ تنحت إلى جانبًا عندما أعطتهُ كورديليا إشارةً قوية.
“كنتُ قلقةً جدًا ذَلك اليوم.”
“ذَلك اليوم؟ أوه، نعم، يبدو أنني كنتُ متوترةً جدًا لأنها كانت الحفلة الأولى التي أحضرها في حياتي. فجأةً شعرتُ بدوار وسقطت…”
“هل تشعرُين بتحسنٍ الآن؟”
“أنا بخيرٍ حقًا. المُشكلة فقط أنْ مُعلمي قد زاد واجباتي أكثر.”
لحسن الحظ، لَمْ تشكَ ليديا في العذر الذي قدمتهُ كورديليا. بل كانت قلقةً بصدقٍ على حالتها.
“ليو صارمٌ جدًا، أليس كذَلك؟ لا يترُككِ حتى تستريحي رغم أنكِ مريضة.”
“هَذا ما أقوله! مُعلمي الشرير يمنعني حتى مِن الخروج، لذَلك تسللتُ اليوم…”
“تسللتِ؟ لَمْ تُخبري ليو أنكِ قد خرجت؟”
“نعم، هو يُعارض بشدةٍ خروجي إلى الحديقة. يُطالبني بإنهاء واجباتي فقط، ولا تعرفين كم يضغطُ عليّ.”
استغلت كورديليا الفرصة للتذمر عن ليونارد. وبينما كانت ليديا تستمع إليها، قالت بهدوء:
“أنا أغبِطُكِ، كورديليا.”
“تغبطينني؟ لماذا؟”
“لديكِ موهبةٌ سحريةٌ رائعةٌ لدرجة أنكِ أصبحتِ تلميذة ليو.”
“وأنا أغبِطُكِ أكثر، ليديا.”
قالت كورديليا بصدق.
لو أن الحاكم قد منحها فرصةً الاختيار بين حياة ليديا إلفينباوم وكورديليا فاسكويز ذاتُ الموهبةِ السحرية، لاختارت حياة ليديا دوّن تردد.
“أنتِ جميلةٌ حقًا، ومِن عائلةٍ غنية، ولديكِ شقيقٌ يهتمُ بكِ بعناية. أليستِ هَذهِ صورةً مثاليةً للمرأة التي يحلم بها الجميع في إيرشيه؟”
“شكرًا لكِ على قول ذَلك. لكنني…”
ابتسمت ليديا بخجلٍ وقطعت حديثها. لتعزيز الجو، تحدثت كورديليا بنشاطٍ أكبر.
“صحيح، ماذا لو ذهبنا إلى متجر الحلوى الذي ذكرتيهِ في رسالتكِ؟”
“فكرةٌ رائعة. أنهُ ليس بعيدًا، يُمكننا الذهاب سيرًا.”
استندت كورديليا على ليديا وتوجها معًا نحو متجر الحلوى. تبعهما بيلوتشي بهدوءٍ مِن الخلف.
وكما قالت ليديا، لم يكُن المتجرُ بعيدًا. سرعان ما وصلوا إليه، وعندما تعرف المالك على ليديا، قدم لهما أفضل طاولة.
“أفضلُ شيءٍ هُنا هو تارت تاتان.”
“تارت، ماذا؟”
“تارت تاتان. إنها فطيرةُ تفاحٍ مقلوبة.”
دوّن أنْ يطلبوا، قدم لهم الشاي وتارت تاتان ساخن.
“تذوقيها بسرعة. إنها ألذ تارت تاتان في العاصمة.”
قطعت كورديليا قطعةً صغيرةً وتذوقتها. بمُجرد أنْ وضعتها في فمها، ذابت نكهةُ التفاح العطرة على لسانها.
“لذيذ!”
“هاه، أليس كذلك؟”
لحسن الحظ، أثناء تناول الحلوى، بدأت ليديا تسترخي وتبتسم مُجددًا. استمرتا في تناول الشاي والحلوى بينما تتبادلان الأحاديث الخفيفة.
شعرت كورديليا فجأةً بالسعادة في تلكَ اللحظة. كانت لحظات لَمْ تتخيلها مُطلقًا قبل بضعة أشهر عندما كانت في إبرامز.
ثم وضعت ليديا فنجان الشاي جانبًا وقالت:
“ألَم تقولي إنكِ تُريدين زيارة العديدٍ مِن الأماكن في العاصمة؟”
“نعم، أخبروني أنْ نافورة الملاك وساحة إيمانويل تستحقان الزيارة.”
“هل تُريدين أنْ نذهب معًا؟ يُمكنني أنْ أكون مُرشدكِ.”
“أوه، حقً؟ لكني لا أريدُ أنْ أكون عبئًا عليكِ…”
“عبء؟ نحنُ صديقتان، أليس كذلك؟”
“صديقتان؟”
“أوه، هل كان مِن المُبكر جدًا تعريفُ علاقتنا بهَذهِ الكلمة؟”
“لا، لَمْ أستخدم هَذهِ الكلمة مِن قبل. صديقات، صديقات… أشعر بسعادةٍ غامرة.”
مُجرد نطق كورديليا لكلمة “صديقة” جعل ابتسامتها تتسع.
على الرغم مِن حضورها بعض اللقاءات الاجتماعية، لَمْ يكُن لديها أيُّ شخصٍ يُمكن أنْ تسميه صديقًا.
“لذا، لا تشعري بالضغط. أنا أستمتع كثيرًا بصحبتكِ.”
“أنا أيضًا أستمتع، لكن قد تخسرين شيئًا إذا كنتِ معي خلال الموسم الاجتماعي… بالمناسبة، هل لديكِ خطيب بالفعل؟”
“لا، ليس بعد.”
“يا للعجب! كيف لشخصٍ جميلٍ ولطيفٍ مثلكِ ألا يكون لديهِ خطيب؟ هل الرجال في العاصمة عُميان؟”
“ليس الأمر كذَلك. إنما أنا…”
احمرّت وجنتا ليديا ولَمْ تستطع إخفاء خجلها، مما جعلها تبدو وكأنها وقعت في الحب.
“هل لديكِ شخصٌ في قلبكِ؟”
“… نعم.”
بالنسبة لكورديليا التي لَمْ يكُن لديها صديقاتٌ قريبات، كانت هَذهِ المحادثة حول الحب مثيرةٌ للغاية.
فسألت بفضول:
“مَن هو الشخصُ المحظوظ الذي خطف قلبكِ؟”
“إنهُ شخصٌ تعرفينهُ جيدًا، كورديليا.”
“أنا؟ لا أعرفُ الكثير مِن الناس… لا أصدق.”
الشخصان الوحيدان اللذان تعرفهما هما روزنبلوم وليونارد. إذًا، لا يُمكن أنْ يكون روزنبلوم…
تنفست ليديا بعمقٍ وقالت ببطء:
“نعم. في الحقيقة، أنا قد أحببتُ ليو لفترةٍ طويلةٍ جدًا.”
“ماذا… مُعلمي؟”
“لذا يا كورديليا، هل يُمكن أنْ تُساعديني؟”
***
“روزالين، أين هي؟”
“أعتذر يا سيدي. لقد شربت قليلاً مِن الماء صباحًا، لكنها لَمْ تأكل شيئًا بعد …”
“لَمْ تأكل بعد؟ يا لكِ مِن عديمة الفائدة. لا تستطيعين حتى رعاية سيدتكِ بشكلٍ صحيح.”
حنت المُربية التي ربت روزالين منذُ طفولتها رأس. نظر أنطون إليها بغضب، ثمَ توجه إلى غرفة ابنته.
كانت الباب نصف مفتوح. طرق أنطون بخفة ثمَ دخل.
“لماذا لا تأكلين؟”
“أبي…”
رفعت روزالين، التي كانت مُستلقيةً في السرير، جسدها الضعيف وشاحبة الوجه. جرّ أنطون كرسيًا وجلس بجانب السرير.
“سمعتُ أنكِ تشربين الماء فقط منذُ يومين. هل الطعام لا يُعجبكِ؟ هل أُحضر طاهيًا مِن القصر؟”
“ليس خطأ الطاهي. هَذا فقط… أنا فقط…”
توقفت روزالين عن الكلام فجأة وبدأت تذرفُ الدموع بغزارةٍ. كانت تبدو غيرَ قادرةٍ على التحكم في مشاعرها المُتغيرة، فغطت وجهها بيديها وانفجرت بالبكاء.
قام أنطون بتهدئتها دوّن كلام، وهو يمسحُ على ظهرها برفق.
“أنا مُشتاقةٌ لماكسيميليان…”
“كم مرةً أخبرتكِ أنْ هَذا مُستحيل.”
“أبي، أنا أشتاقُ إليّهِ حقًا. إذا ذهبتُ إلى أنسين الآن، لن أراهُ مرةً أخرى، ولا أذكر حتى كيف افترقنا في المرة الأخيرة…”
كان الحوار يُكرر نفسه.
منذُ ذَلك اليوم، حاولت روزالين بكُل الطرق أنْ تُقنع أنطون بالتدخل لإنقاذ ماكسيميليان. لكن أنطون كان يرفضُ بشدة. كان يرى أنْ ذَلك الرجل المُخادع ليس لهُ أيُّ فائدةٍ في حياة ابنته.
“رجاءًا، انسِ ذَلك الرجل وعيشي مِن أجل نفسكِ ومِن أجل طفلكِ، روزي. سأجدُ لكِ رجلاً أفضل بكثير مِنه، أعدُكِ.”
“أنا لا أريدُ أحدًا أخر غير ماكسيميليان.”
“لقد كان يلعبُ بكِ فقط. لقد استغلكِ واستغل إيمبلي مِن أجل مصالحهِ الخاصة. كيف لا تُدركين ذَلك؟ لماذا؟”
“هَذا ليس صحيحًا!”
ضرب أنطون صدرهُ بإحباط.
دفعت روزالين ذراع والدها بعيدًا بغضب، وكأن قوتها قد جاءت فجأةً مِن جسدها الضعيف، وصرخت بأعلى صوتها:
“ماكسيميليان ليس كذَلك! لقد وعدني. وعدني أننا سنتزوج ونُربي طفلنا معًا. قال إنهُ يُحبني، قال ذَلك… آه، آه…”
“روزي!”
أصابها فرطٌ في التنفس. بدأت روزالين تتنفسُ بسرعةٍ شديدة. أصيب أنطون بالذعر وسحب الجرس بسرعة.
وصل الطبيب المُقيم هُنا بسرعةٍ لتفقد حالة روزالين. لحسن الحظ، عاد تنفُسها إلى طبيعته، لكن وجهُ الطبيب ظل مشوبًا بالقلق.
بعد خروجهِ مِن غرفة روزالين، انحنى الطبيب لأنطون وقال:
“سمعتُ أنْ الآنسة لَمْ تتناول طعامها اليوم أيضًا، سيدي.”
“نعم. لا تعرفُ ما الذي يحدُث داخل قلبِ والدها.”
“جسدُها كان ضعيفًا منذُ البداية. في الواقع، صمودها حتى الآن هو بمثابة معجزةٍ. والأمر يزدادُ سوءًا مع الحمل…”
جلس أنطون مُترنحًا على كرسي في غرفة الجلوس. شعر أنْ العالم مِن حوله يغرقُ في الظلام. إذا فقد ابنته أيضًا، لَنْ يستطيع العيش.
“أعرفُ أنْ ما سأقولهُ وقح، لكن ربما يجبُ أن تفكر في الاستجابة لرغبتها.”
“ماذا؟”
“سيدي، أعلم أنْ هَذا الكلامٌ صعب. لكن قلبُ الآنسة يقتربُ مِن حدوده.”
“لقد سمعتُ هَذا الكلام منذُ أن كانت روزي في الخامسة.”
“لقد فقدت وعيها خمس مراتٍ هِذا الشهر. المرضى الذين يُعانون مِن نفس أعراضها لَمْ يبقوا على قيد الحياة لأكثر مِن ثلاثة أشهر.”
“وماذا؟ ما الذي تريدُ أنْ تقوله؟”
نظر أنطون إلى الطبيب بعينين متوهجتين بالدموع. الطبيب العجوز، الذي خدم عائلة إيمبلي لسنواتٍ طويلة، لَمْ يتراجع أمام غضب أنطون.
“يجبُ أن تكون مستعدًا للأسوأ.”
“مُستعد؟ مُستعدٌ لماذا؟ ماذا تُريدني أنْ أستعد له؟”
صرخ أنطون بغضب. أمسك بمقبض الكرسي وألقى نظراتٍ قاتلةٍ نحو الطبيب العجوز.
لَمْ يكُن يريدُ تصديق ذَلك. أراد أنْ يصرخ بأن الطبيب مُخطئ. أراد أنْ يؤكد أنْ ابنتهُ، روزالين، ستلدُ طفلها وتعيش حياةً طويلةً وسعيدة حتى الشيخوخة.
لكن كُل ما خرج مِن فمه كان مُجرد أنينٍ غامضٍ بلا معنى.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة