أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 58
الفصل 58 : أبنةُ الأب ³
“ماذا؟ فاسكويز؟ آه، فهمت.”
أدرك صاحبُ الفندق مُتأخرًا مَن يقصدهُ ليونارد، فتقدم للأمام.
“إنهُ يُقيّم في الغرفة الأخيرة في الطابق الثاني. لقد منحناهُ أفضل غرفةٍ في الفندق.”
“لقد قمتَ بفعلٍ غيرُ ضروري.”
“عذرًا؟”
رمش صاحبُ الفندق، غيرُ قادرٍ على فهم مقصده. أشار البارون بصمتٍ إليّه ليتراجع. ففهم صاحبُ الفندق الإشارة واختفى بسرعة.
وقف ليونارد أمام الباب. ثمَ فتحهُ فجأةً دون أيِّ تحذير.
“مَنْ هُناك؟”
بالرغم مِن أنْ الوقت كان في مُنتصفِ النهار، إلا أنْ رائحة الكحول كانت قويةً للغاية. غطى البارون أنفهُ تلقائيًا بكمهِ. كان هُناك عددٌ لا يُحصى مِن زجاجات الخمر الفارغة مُتناثرةٌ في الغرفة، مما يدُل على الكمية الهائلة التي تم شُربها.
“أتيلي؟”
“نعم. لقد جئتُ لأنني سمعتُ أنكَ أخيرًا مُستعدٌ للحديث معي، لكن حالتكَ مزرية.”
“إذا كان لديكَ ما تقولهُ، فقله.”
“لا تتحجج بعدم تذكُر الأمور بسبب الكحول لاحقًا. دعنا نتحدثُ وانتَ بعقلٍ صافي.”
“أنا في كامل وعيي. قُل ما لديكَ.”
تجاهل ليونارد ثرثرة فاسكويز وأشار بذقنهِ إلى الرجل المُترنح. فهم البارون إشارة سيده وتقدم خطوةً إلى الأمام. ثم أحضر الماء وسكبهُ فوق رأس الرجل المليئ بالكحول.
“ما هَذا؟! ماذا تفعل؟”
“لا تقترب. أخشى أن تعلق بي رائحتُكَ.”
“ما هَذا الجنون؟! فجأةً تغمُرني بالماء!”
“هل استعدتَ وعيّكَ الآن؟”
“ماذا؟”
“إذا كنتَ قد أفاقت، فاجلس هُناك.”
جلب البارون كرسيين نظيفين نسبيًا مِن الغرفة، ووضع أحدهما أمام سيدهِ والآخر أمام فاسكويز.
هزّ فاسكويز رأسهُ بعنفٍ لتجفيف نفسه، وبدأ الماء يتساقط مِن جسدهِ على الأرض. بالتأكيد، بدا أنْ عينيه قد أصبحتا أكثرُ وضوحًا مُقارنةً بما كان عليه.
نظر نحو ليونارد والكرسي بحدةٍ.
“هل أصبحتَ أصمًا؟ قُلت أجلس.”
“كنتُ أستجديكَ للقاء، والآن تُعاملني بهَذهِ الطريقة؟ هل تظنُ بأنني سأستمعُ لكَ بسهولة؟”
“هل تُفضل أن أحضر نارًا هَذهِ المرة بدلًا مِن الماء؟”
رغم النبرة الهادئة، إلا أن فاسكويز قد أدرك جديتهُ. تنهد ثم جلس على الكرسي بهدوء.
“إذن، أين المال الذي أرسلتهُ لكَ؟”
ألقى ليونارد نظرةً حوله وسخر.
“يبدو أنكَ قد أنفقتهُ كُله على الخمر.”
“إذا كان لديكَ ما تقوله، فقُل وانصرف. لا أحبُ رؤية وجهكَ أيضًا.”
“فكرةٌ جيدة، فاسكويز. أنا أيضًا أريدُ الخروج مِن هَذا المكان القذر بأسرع وقت.”
أخرج دفتر شيكات وقلمًا مِن جيبه، ثم نظر إلى فاسكويز.
“هل لديكَ رقمٌ مُفضل؟”
“ماذا؟”
“قل أيَّ رقم.”
“أربعة… ثلاثة؟ لا، تسعة!”
ظهر الجشعُ في عيني فاسكويز عندما رأى دفتر الشيكات. كتب ليونارد شيئًا استنادًا إلى الرقم الذي ذكرهُ فاسكويز، ثمَ مزقَ الشيك.
“ما رأيُكَ؟ هل يُعجبك؟”
خطف فاسكويز الشيك بسرعةٍ، ووجههُ يضيء بالسعادة.
كان يتوقع أنْ المبلغ سيكون حوالي ثلاثة آلاف أو تسعة آلاف رينغيت، لكن الشيك كان بمبلغ 39 ألف رينغيت. هَذا المبلغ يكفي لشراء عربةِ فاخرة.
“حم، حم…”
“لا يهمُني لماذا أتيت إلى العاصمة. كُل ما يهمُني هو أنْ تلتزم بشروطي، فاسكويز.”
“وما هي هَذهِ الشروط؟ أخبرني. سأفعل قدرَ الإمكان.”
بعد أنْ حصل على المال، نسي فاسكويز أنهُ قد تلقى ماءًا على رأسهِ، وتحدث بنبرةٍ أكثر سخاءًا.
“لا تقترب مِن كورديليا مرةً أخرى.”
“كورديليا هي ابنتي. مَن أنتَ لتأمرني بهَذا؟ أوه، مالي!”
قبل أنْ يُكمل كلامه، اشتعلت النيران في الشيك الذي كان في يده. تفاجأ فاسكويز وألقى بالشيك على الأرض المُبللة محاولًا إطفاءه، لكنهُ قد انتهى الى رماد.
جلس ليونارد واضعًا ساقًا فوق الأخرى وقال بهدوء:
“يبدو أنكَ مُخطئ. لم آت هُنا للتفاوض أو المساومة معكَ. هَذا المال كان مُجرد مُقابل لتلبية طلبي.”
“طلب؟ هل تعتقدُ أنْ عدم لقائي بابنتي طلبٌ منطقي؟”
“ابنتُكَ؟ لا أعتقد أنْ مَن باع ابنتهُ مُقابل 500 ألف رينغيت إلى إبرامز يملكُ الحق في قول ذَلك.”
“تزويج ابنتي هو حقيّ كأب!”
صرخ فاسكويز بغضبٍ موجهًا إصبعهُ نحو ليونارد.
ملابسهُ القذرة، ورائحة الكحول التي تفوحُ منه حتى في وضح النهار، لَمْ يكُن هُناك شيءٌ في مظهرهِ يوحي بأنهُ والدُ كورديليا.
نعم، والدُ كورديليا.
هَذا هو السبب الوحيد الذي جعلهُ يتحَمَلُه حتى الآن.
“وبِكَم ستتخلى عن هَذا الحق؟”
“عن ماذا؟”
“ذَلك الحقُ البغيض كأب.”
تذبذبت نظرات فاسكويز. لقد شاهد لتوه ليونارد وهو يُنفق 39 ألف كما لو كانت مُجرد ماء.
أدرك ليونارد أنْ فاسكويز لَن يتردد بشأن التخلي عن حقهِ كأب، بل كان يُفكر في المبلغ الذي سيطلبُه، مما جعلهُ يضحكُ بسخرية.
بعد أن قام فاسكويز بحساباتهِ بجدية في عقله، نطق أخيرًا بالرقم:
“عندما ذهبتُ إلى إبرامز، حصلتُ على 500 ألف رينغيت، لذا يجبُ أنْ أحصل على مليون رينغيت على الأقل مِن أتيلي.”
“مليون رينغيت؟”
نظر ليونارد إلى عيني فاسكويز بلا مُبالاة. وعندما لَمْ يأت الرد بسرعة، شعر فاسكويز بالندم داخليًا، مُتسائلًا إنْ كان قد طلب مبلغًا كبيرًا جدًا.
لكن المُفاجأة كانت عندما خرج مِن فمِ ليونارد عرضٌ أكثر سخاءًا.
“ما رأيكَ أنْ أرسل لكَ 50 ألف رينغيت شهريًا؟”
“خمسون ألفًا شهريًا؟”
خمسون ألفًا في الشهر تعني 600 ألف في السنة. كان مبلغًا يكفي للعيش براحةٍ وربما بثراءٍ أيضًا. بعد أنْ أنهى حساباته بسرعة، ارتسمت ابتسامةٌ غير إراديةٍ على شفتي فاسكويز.
“نعم، ولكن بالمُقابل، لا تقترب مُجددًا مِن كورديليا وتدعي بأنكَ والدها. لا تُرسل رسائل ولا ترسل أشخاصًا للتواصل معها.”
“بالطبع!”
تنازل فاسكويز بسهولةٍ عن حقهِ كأب. كانت عيناهُ مُثبتتان على دفتر الشيكات الموجود على الطاولة، وكانت نظراتهُ واضحةً لدرجة أنْ حتى البارون قد وجد الأمر مثيرًا للدهشة.
“لو كنتُ أعلم أنكَ تهتمُ بابنتي بهَذا الشكل، لكنتُ قد أرسلتُها إلى أتيلي بدلاً مِن إبرامز.”
“توقف عن قول هَذا الهراء. إنها تلميذتي.”
“حسناً، سواءًا اعتبرتها تلميذةً أو عشيقة، افعل ما تُريد.”
نظر ليونارد إلى فاسكويز بحدةٍ، لكن فاسكويز لم يهتم، وظل ينظرُ إلى الشيك بنهم.
“إذاً، هل يُمكننا البدءُ مِن اليوم؟ وأتمنى أن يتم الدفعُ اليوم أيضًا…”
“بالطبع.”
كتب ليونارد شيكًا بقيّمة 50 ألف رينغيت ووقع عليه، ثمَ مزقهُ وناولهُ إلى فاسكويز.
أخذ فاسكويز الشيك وحدق فيهِ طويلاً مُبتسمًا بسعادةٍ. ثمَ فجأةً شعر بالقلق، فنظر إلى ليونارد.
“ألا يجبُ توثيق هَذا الاتفاق؟ إنهُ أمرٌ مهم.”
“لماذا؟ إذا لم أرسل لكَ 50 ألفًا شهريًا، يُمكنكَ رؤية ابنتكَ كما تُريد. وإذا خالفت وعدكَ واقتربتَ مِن كورديليا، فَسأقتُلكَ.”
“…..”
كانت العقوبة على خرق الاتفاق أشدَ مما توقع. شحُب وجهُ فاسكويز.
تذكر شائعاتٍ عن أتيلي، حيثُ قيّل إنْ ليونارد سلب شقيقهُ الأصغر كُل قواه السحرية وسجنهُ في صندوق…
“لكن، لم نتفق على هَذا!”
صرخ فاسكويز بِتلعثم. وقف ليونارد ورتب ثيابه، مُحاولاً الابتعاد عن الرائحة الكريهة للمكان.
“ماذا؟ هل تشعرُ بالخوف الآن؟ طالما تلتزمُ بوعدكَ، فَلَنْ تموت بسبب حادثٍ أو مرض.”
“هـ… هَـذا.”
“أوه، لقد كدتُ أنسى.”
عندما كان ليونارد على وشكِ مُغادرة الغرفة، تذكر شيئًا ما واستدار نحو فاسكويز.
“مُد قدمكَ قليلاً.”
“قدمي؟”
“لا، ليس هَذهِ، القدم اليمنى.”
رغم ارتباكه، مَد فاسكويز قدمهُ اليمنى دون اعتراض. مشى ليونارد نحوهُ بخطوات ثابتة وداس عليها فورًا.
“ما الذي تفعلهُ، آه!!”
مع صوتِ طقطقةٍ واضح، تحطم كاحل قدمهِ اليُمنى. كان قد داس عليهِ بقوةٍ لدرجة أن الكاحل فقد شكلهُ الطبيعي وأصبح مُشوهًا بشكلٍ غريب. سرعان ما تلطخت الأرضية الخشبية بالدماء.
أدار البارون رأسهُ قليلاً مُتظاهرًا بأنهُ لَمْ يُشهد هَذا المشهد الرهيب.
أخرج ليونارد شيكًا آخر مِن جيبه وكتب مبلغ 39 ألف رينغيت وألقاهُ على فاسكويز.
“هَذا ثمنُ كاحِلكَ.”
“هَـ… هَـذا… غيييك!”
“آمُل أنْ تكون شخصًا يحترمُ الاتفاقات يا فاسكويز، وإلا في المرة القادمة لن يكون كاحِلُكَ مَن يُكسر، بل عُنقك.”
صارع فاسكويز الألم وحرك بجسده بشكلٍ مُضطرب. أما ليونارد، فتركهُ دوّن أيِّ تردد واستدار وخرج مِن الغرفة.
تبعهُ البارون بصمت، ولَمْ يفتح فمهُ إلا بعد أنْ صعدا إلى العربة.
“ألا ترى أنْ 50 ألفًا شهريًا مُبالغٌ فيها قليلاً؟”
“إذا كان بإمكانكَ التخلص مِن القمامة بهَذا المبلغ الضئيل، فالأمر يستحق. دفعُ مبلغٍ كبير مرةً واحدة قد يجعلهُ يعود عندما ينفذ المال، لكن دفعُ مبلغٍ شهريًا للسيطرة عليه أفضل بمئة مرة.”
“لكن لو علمت الآنسة كورديليا…”
“وكيف ستعلم؟ فاسكويز لَن يقتربَ منها بعد الآن، وإذا لم تتحدث أنتَ أو أنا، فلَنْ تعلم أبدًا.”
أغلق عينيهُ وأسند ظهرهُ إلى الحائط، وكأنهُ لا يرغبُ في الرد على أيِّ اعتراضٍ آخر.
أدركِ البارون أنْ اهتمام ليونارد الزائد هو حُب، أو ربما كان مهووسًا بكورديليا، كان ذَلك أكبر مما كان يتصور.
لكن الأمر المُقلق هو أنْ ليونارد يبدو غيرَ مُدركٍ تمامًا للمشاعر التي يكُنها لكورديليا.
“كيف تسير الأمور مع إيمبلي؟”
“كنتُ قد سألتُ موظفي إيمبلي، لكن يبدو أنهم حذرون للغاية ولا يتحدثون بسهولة. لكن هُناك شيءٌ غريب.”
“ما هو؟”
“إنها روزالين إمبلي.”
“ابنةُ إمبلي؟ مابها؟”
“لقد راقبتُ قصر إمبلي لعشرة أيام تقريبًا، ولم أرَها تُغادر المنزل مرةً واحدة. هي غيرُ متزوجة، والآن هو الموسم الاجتماعي.”
“ربما تكون مريضةً؟ سمعتُ أن قلبها كان ضعيفًا منذُ ولادتها.”
“قد يكون ذَلك، ولكن… عندما سألتُ عن روزالين إمبلي، كانت ردود أفعال الموظفين غريبةً حقًا. يبدو أنهم شديدو الحساسية تجاه هَذا الموضوع، وكأنني قد سألتُ عن أسرارهم.”
“همممم.”
لمس ليونارد ذقنهُ بتفكير. كان هُناك شيءٌ يُزعجه، لكنهُ كان غامضًا وغيرُ واضح، مثل الضباب.
“غيرَ ذَلك؟”
“لا شيء مُميز. أعتقدُ أنني سأحتاجُ للتحقيق في القصر الرئيسي.”
“افعل ذَلك. بالمناسبة، كم الساعة الآن؟”
“آه.”
أدرك البارون أنْ ليونارد لم يكُن يسأل عن الوقت الحالي، بل عن المدة المُتبقية مِن الثلاث ساعات التي وعد بها كورديليا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة