أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 55
الفصل 55 العاصمة ¹⁰
***
“يبدو أنكَ لا تستطيعُ رفع عينيكَ عنها.”
“ماذا؟”
“أقصدُ كورديليا.”
لم يكُن ليونارد قد أدرك أنهُ كان يُحدق في كورديليا حتى لفتت ليديا انتباهه. استدار ليونارد نحوها بلا مُبالاة.
“إنها مُشاغبة، وإذا غفلتُ عنها للحظة، قد تتورطُ في أمرٍ غريب.”
“مَن؟ كورديليا؟ هَذا مُستحيل. إنها هادئةٌ ولطيفةٌ جدًا.”
“هادئةٌ؟ في إبرامز كانت… لا، لا تهمي.”
“لماذا؟ ماذا حدث؟”
ضحك لوحده وهزّ رأسه عند سؤال ليديا.
“على أيِّ حال، هي أغربُ امرأةٍ عرفتها على الإطلاق، ولا أستطيعُ فهمها. عندما رأيتُها لأول مرة، كانت تبدو غامضةً للغاية، ولا أعرف كيف وصلنا إلى هُنا…”
“كيف التقيتَ بكورديليا؟ لِمَ ذهبتَ إلى أراضي إبرامز أصلاً؟”
بما أن عليهما الانفصال قليلًا للرقص مع شركاء آخرين، لم تحصل ليديا على إجابة فورًا.
“كان لديّ بعض الأعمال في الشمال. مررتُ بإراضيهم بالصدفة، وهُناك التقيتُ بكورديليا.”
“هل أدركتَ فورًا أنها موهوبةٌ؟”
“تقريبًا.”
“يبدو وكأنهُ قدر.”
ابتسمت ليديا ابتسامةً مُتكلفة، واهتزّت زوايا فمها. كلمةُ “قدر” كانت تتردد على طرف لسانها.
قدر. لماذا لا يُمكن أن تكون هي قدره؟
“ألا يبدو ذَلك الفستان الأصفر كأنهُ فستان طفلة؟”
“لماذا؟ إنهُ يناسب كورديليا.”
“اللون الأخضر يُناسبها أكثر.”
“مثلُ عينا كورديليا؟”
أومأ ليونارد دوّن تفكير.
كلما تحدثت معه، شعرت ليديا بإن قلقها يزداد. لقد عرفتهُ لما يُقارب عشرين عامًا، ولم ترهُ مهتمًا بشيء او شخصٍ بهَذا القدر مِن قبل.
باستثناء السحر.
ليونارد كان غيرُ مُهتمٍ بكًل شيءٍ آخر بشكلٍ لافت. ليديا كانت تُعتبر استثناءً لأنها مِن عائلة إلفينباوم، وكانت تعتقدُ أن هَذا القرب ليس سيئًا.
لم يأخذ تلاميذًا ولم يتزوج. لهَذا كانت تعتقدُ أنها ستكونُ دائمًا بجانبه في يوم ما.
“ليونارد.”
“نعم؟”
“أنا أفهم كُل شيء.”
“ماذا تقصدين فجأة؟”
“أفهم أنكَ ستبقى خمسة أيام فقط في العاصمة، وتعيش باقي الوقت في ويلآس. أفهم أن السحر هو شغفكَ الوحيد.”
أمسكت ليديا بيدهِ بقوة، ونظرت في عينيه مُباشرةً.
“لذا، تزوجني.”
“ليديا…”
“أنا الشخصُ الوحيد في هَذا العالم الذي يفهمكَ تمامًا. أنا الوحيدة التي تعرفُ ما تُحب وما تكره، ما يجعلكَ مُرتاحًا وما يُزعجكَ.”
“ألم ننتهِ مِن هَذا الحديث بالفعل؟”
بدا التعب واضحًا في صوته. لقد ناقشا هِذا الأمر مراتٍ لا تُحصى. كان يعتقدُ أن الموضوع قد انتهى، لكن يبدو أنهُ كان مُخطئًا.
“أنتِ بالنسبة لي مُجرد شقيقة صديقي. شقيقُ روزنبلور إلفينباوم، لا أكثر ولا أقل.”
“يُمكنكَ التفكير بذَلك إن شئت. لا يهمُني ما تشعرُ به تجاهي، طالما أستطيعُ أن أكون زوجتك.”
“استيقظي. ليديا إلفينباوم، أنتِ ابنةُ عائلة إلفينباوم. لماذا ترغبين في الزواج برجلٍ لا يُحبكِ؟”
“لأنني أُحبُكَ.”
انتهت الموسيقى. وبدأ الناس في الانحناء والابتسام. لكن ليونارد وليديا لم يبتسما، ولم ينحنيا، ولم يتحدثا. كانا ينظران فقط لبعضهما البعض.
كان ليونارد هو مَن صرف نظرهُ أولًا.
“أنا لا أنوي الزواج، لا منكِ ولا مِن أيِّ شخصٍ آخر.”
“ليونارد!”
في اللحظة التي نادته ليديا بيأس، بدأت المينويت البطيئة تُعزف. الناس أحتاروا مِن اختيار الموسيقى المُفاجئ، لكن سرعان ما انجذبوا إلى روزنبلور وكورديليا، اللذين كانا أول مَن بدأ بالرقص.
ولم يكُن ليونارد استثناءًا عن الآخرين.
***
“أنتِ بارعة.”
“لو لَمْ أتمكن مِن القيام بهَذا، لما استطعتُ الرقص في أيِّ حفلةٍ أخرى مدى حياتي.”
نظرًا لأن الإيقاع بطيء والخطوات بسيطة، كانت كورديليا قادرةً على الحديث أثناء الرقص.
ضحك روزنبلور بخفةٍ.
“هَذا لأنكِ مُبتدئة. عندما بدأتُ أنا، كنتُ مُرتبكًا جدًا في رقصة المينويت لدرجة أنني كنتُ أتعرق بغزارة.”
“أنتَ؟ لا أصدق ذَلك.”
“حتى أنا كنتُ أبدو ساذجًا وغبيًا في وقتٍ ما.”
حاولت كورديليا أن تتخيل روزنبلور في صِغَره، وهو أصغرُ وأكثرُ سذاجةً، لكنها لم تستطع تخيُل ذَلك بسهولةٍ.
“بما أنْ هَذهِ أول حفلةٍ لكِ، فهَذا يعني أنْ هَذهِ هي أول مرةٍ ترقصين فيها، صحيح؟”
“نعم. كُل شيءٍ جديدٌ عليّ. ارتداء هَذا الفستان الجميل والمجيء إلى حفلةٍ، والرقص مع رجُل.”
“إنهُ لشرفٌ ليّ أنْ أكون شريككِ الأول.”
استدارت كورديليا بلا وعي والتقت عيناها بعينيه، لوهلةٍ شعرت بأنفاسها تتوقف. رؤية وجههِ الوسيم عن قرب لم يكُن جيدًا لقلبها.
في تلكَ اللحظة، لاحظ روزنبلور شيئًا وضحك بهدوء.
“هُناك مَن يُحدق بنا بنظراتٍ مُخيفة.”
“مَن؟ لا تقُل إنهُ مُعلمي!”
في تلكَ اللحظة، انفصلت كورديليا عن روزنبلور قليلًا أثناء دورتهما، وبين الحشود رأت ليونارد عابسًا وذراعيه مُتقاطعتين. عند رؤيته، لم تستطع كورديليا إلا أنْ تبتسم.
“حقًا، مُعلمي غاضبٌ جدًا. بمُجرد أن تنتهي هَذهِ الرقصة، سأعود إليّه…”
ثم لاحظت شخصًا آخر لم تتوقع رؤيتهُ في هَذا المكان. توقفت كورديليا فجأة وأخذت نفسًا عميقًا.
“كورديليا؟”
“آسفة… كنتُ أفكر في شيءٍ آخر للحظة.”
لحسن الحظ، لم يتبقَ الكثير مِن الموسيقى. منذُ أنْ رأت ذَلك الشخص بين الحشد، أصبح عقلها فارغًا تمامًا. لم تعُد تسمع ما كان روزنبلور يقوله، على الرغم مِن نظرتهِ القلقة.
وبمُجرد انتهاء الرقصة، انحنت قليلاً لروزنبلور ثم ركضت بعيدًا.
نادى عليها روزنبلور مِن الخلف، لكنها لم تستطع التوقف. كان كُل ما تريدُه هو الابتعاد عن هَذا المكان.
“أنتِ!”
“آه.”
“تعالي إلى هُنا فورًا.”
في تلكَ اللحظة، قبضت يدٌ قويةٌ على معصمها. حاولت كورديليا تحرير يدها بكُل قوتها، لكنها لم تستطع.
“اتركني! أبي!”
“أغلقي فمكِ.”
كيف وصل والدها، بابلو فاسكويز، إلى هَذهِ الحفلة؟ تم سحب كورديليا إلى الحديقة المُظلمة، حيثُ قادها والدها بقوة.
“آه!”
كانت ترتدي كعبًا عالٍ، لذَلك كان عليها المشي بحذر، لكن السحبُ العنيف تسبب في التواء كاحلها.
لكن والدها لم يهتم لصراخها.
وجد زاويةً مهجورةً مِن الحديقة، ثم ألقى بها بعنف.
“ما هَذا كُله؟ تلميذةُ أتيلي؟ أنتِ ساحرة؟”
“نعم، صحيح.”
“لماذا! هل تعرفين كيف شعرتُ عندما سمعتُ هَذا مِن رئيس ساراسين؟”
تذكرت كورديليا ما قالتهُ ديانا في بداية الحفلة. ديانا، التي لم تكُن تعرفُ الحقيقة، اعتقدت أن والد كورديليا سيكونُ ضيفًا مُرحبًا به.
“كيف تجرأتِ على إخفاء هَذا عني! أنتِ تمامًا مثلُ أمكِ الماكرة!”
“ولماذا كان يجبُ عليّ أن أخبرك؟ ألم يكُن كافيًا أنكِ بعتني إلى إبرامز وقد حصلت على نصيبكَ بالفعل؟ هل تنوي الآن بيع ابنتكَ الساحرة أيضًا؟”
“أغلقي فمكِ!”
بصفعةٍ قوية، اهتزّ جسدُها. كورديليا عضتْ على شفتيها. لقد نسيت لبعض الوقت مدى سوء معاملة والدها لها.
وضعت يدها على خدها الذي بدأ يتورم بسرعة.
“وأين زوجكِ بينما ترقصين مع رجُل آخر؟ ألا تشعرين بالخجل؟ إذا قرر كونت إبرامز أن يتخلى عنكِ، لَن أستطيع أن ألومه.”
“لا تقلق. حتى لو تخلى عني زوجي أو قتلت، لن أعود إلى عائلة فاسكويز.”
“لا تختبري صبري.”
كان يتحدثُ مِن بين أسنانه، مُتوترًا. لو كانوا في المنزل، لكان قد استخدم الحزام لجلدها، لكنهُ تراجع بسبب وجودهما في منزل شخصٍ آخر.
“عودي إلى إبرامز الآن. لا تلطخي شرفي أكثر.”
“ألطخُ شرفكِ؟ أنا تلميذةُ ساحرٍ عظيم! التلميذةُ الوحيدة لأتيلي! الجميع يتحدثُ عني وعن عظمتي، كيف يمكنكَ… كيف يمكنكَ أن تُعاملني هَكذا؟”
صرخت كورديليا وسط الحديقة، غيرُ مُبالية بِمَن قد يسمع.
في أعماق قلبها، كانت تأمل أن يشعر والدها ببعض الفخر عندما يكتشفُ بأنها ساحرة. لكن بدلاً مِن ذَلك، ظهر في الواقع ليسحق كُل آمالها.
“اخفضي صوتكِ. لَمْ تعودي تمتلكين ذرةً مِن الأدب. لديكِ الجرأة لتلطيخي هَكذا!”
“آسفة، أبي. يبدو أنني لم أتعلم الأدب جيدًا في منزلك.”
كان خدها يؤلمها، لكنها لم تخضع لكلمات والدها. ازداد وجه فاسكويز احمرارًا مِن غضبه.
“أرى أنني أخطأت في تربيتكِ. حتى أنكِ لا تردين على رسائلي.”
“رسائل؟ ها! هل يتعلق الأمر بالمال مرةً أخرى؟ أين أنفقت المال الذي بعتني به؟ هل تعرفُ كم شعرتُ بالإذلال بسبب رسائلكَ تلكَ في إبرامز؟”
“لابد أنكِ فاشلةٌ لدرجة أن الآخرين يحتقرونكِ. لا عجب لأنكِ لم تتمكني حتى مِن كسب قلب زوجكِ ولم تنجبي طفلًا بعد.”
كانت كلماتهُ مثل سكاكين التي تخترقُ قلبها. فجأةً شعرت بالاختناق، وكأن شخصًا ما كان يضغطُ على أحشائها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة