أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 54
الفصل 54 : العاصمة ⁹
كورديليا كانت مُتحمسةً قليلاً، فمشت مُسرعة نحو ليونارد. وفورًا اقترب ليونارد منها وأمسك بيدها.
“كوني حذرة. ستتعثرين.”
“مُعلمي، كيف أبدو؟”
أمسكت بفستانها بيديها ودارت حول نفسها أمامه. راقبها ليونارد مِن أعلى إلى أسفل بتعبيرٍ جديّ للغاية.
“يجبُ أن أكافئ الخادمات. لقد أعدن صنع تلميذتي.”
“صنع… لا أستطيع الاعتراض على ذَلك. لقد صُدمتُ عندما نظرتُ في المرآة.”
كانت تتوقع أن يقول بأنها لَمْ تتغيير وأنها أهدرت وقته، لكن ما قاله كان بمثابة أعلى درجات الثناء.
ضحكت كورديليا كـ فتاةٍ صغيرة.
مدّ ليونارد ذراعه بشكلٍ طبيعي لتستطيع الإمساك به. فأمسكت كورديليا بذراعه على الفور.
“مَن سيحضر حفل الليلة في ساراسين؟”
“لا أعلم. بما أنهم سمعوا أني سأكون هُناك، فَمِن المؤكد أن جميع المدعوين سيحضرون. رئيس عائلة أتيلي الذي ظن الجميع أنهُ مات قد عاد للحياة. أين يُمكن أن يجدوا شيئًا أكثر إثارة مِن هَذا؟”
قال ذَلك بلا مُبالاة، وكأنهُ شخصٌ آخر.
لم يكًن قصر ساراسين بعيدًا عن قصر أتيلي. بالكاد مرّ عشرون دقيقة منذُ أن ركبوا العربة، حتى توقفت العربة.
أخذت كورديليا نفسًا عميقًا.
على الرغم مِن أنها لم تخرج بعد، شعرت بالتوتر. ولاحظ ليونارد ارتجافها، فقال بصوتٍ مُنخفض:
“أنتِ تلميذتي. تذكري ذَلك. هَذا وحدهُ يكفي لجعل أيَّ شخصٍ هُنا غير قادر على تجاهلكِ أو التقليل منكِ.”
“نعم.”
فتح باب العربة وأمسك ليونارد بيدها ليساعدها في النزول.
لم تخطو سوى خطواتٍ قليلة حتى بدأت تشعرُ بالهمسات والنظرات القادمة مِن الخلف.
“يا إلهي، كان ذَلك صحيحًا!”
“عاد رئيس عائلة أتيلي إلى الحياة.”
“لكن مَن تكون السيدة التي بجانبه؟ هل لدى رئيس عائلة أتيلي قريبة؟”
“هل أحضر امرأة ليخطبها؟”
“مُستحيل. لديهِ ليديا إلفينباوم، أليس كذلك؟”
لكن كورديليا، التي كانت متوترةً جدًا، لم تسمع شيئًا. كانت فقط تعتمد على ليونارد بجانبها وهي تسير ببطء إلى الأمام.
مروا عبر البوابة الرئيسية ووصلوا إلى مدخل قاعة الحفل. قدم ليونارد الدعوة أولاً. وعندما تحقق منها الخادم، نادى بصوت عالٍ:
“الدوق ليونارد أتيلي والكونتيسة كورديليا إبرامز!”
توجهت جميع الأنظار نحوهم.
حاولت أن تأخذ نفسًا عميقًا وتقدمت خطوة بخطوة نحو الداخل.
ربما كان ذَلك بسبب ديكور قاعة الحفل، لكن قصر ساراسين بدا أكثر فخامةٍ مِن أيِّ مكانٍ آخر كانت قد زارتهُ مِن قبل.
كانت الأعمدة والأسقف تتلألأ بالذهب لدرجة أنها أزعجت عينيها.
لم تستطع كورديليا أن تُزيل نظرها عن كل تلكَ الزخارف. مُجرد وجودها في حفلٍ مُخصص للشخصيات الهامة في المجتمع كان يجعلُها سعيدةً ويشعرُها وكأنها في حلم.
أول مَن رحب بهم كانت ديانا ساراسين، صاحبة القصر.
“سعدتُ بحضوركِ الحفل، كونتيسة إبرامز. وأنتَ أيضًا، ليونارد.”
“شكرًا على دعوتكِ. لَمْ أرَ حفلاً بهَذا الجمال مِن قبل.”
“هاها. أنا سعيدةٌ لأنكِ أحببته. ليونارد، آمل أن تنسى مشاكل الحياة اليوم وتستمتع بالحفل.”
“بالطبع. يبدو أن الزخارف الذهبية جعلتني مشتتًا جدًا لدرجة أنني لن أتمكن مِن التفكير في أيِّ شيء آخر.”
“هَذهِ لفتةٌ صغيرةٌ مني لأجلكَ.”
لم يبدُ على ديانا أيُّ تأثرٍ رغم تعليقات ليونارد الساخرة. كانت كورديليا مُعجبةً بشخصيتها.
“بالمُناسبة، لقد دعوتُ ضيفًا آخر أظنكِ ستكونين سعيدةً برؤيته.”
“ضيفٌ سأكونُ سعيدةً برؤيته؟”
“نعم.”
كان عدد الأشخاص الذين تعرفهم في العاصمة قليلاً جدًا. مَن يُمكن أن يكون هَذا الشخص الذي ستسعد برؤيته؟
هل يُمكن أن يكون أحد الأشخاص مِن مسقط رأسها؟ شعرت كورديليا بالتوتر.
كانت على وشك أن تسأل عن هوية ذَلك الشخص، لكن ديانا غادرت لمواصلة استقبال ضيوفٍ آخرين.
بمجرد أن غادرت ديانا، ظهر أشخاصٌ آخرون أمام كورديليا وليونارد.
“دوق أتيلي! يا لها مِن نعمة أن نراك قد عدُت بصحةٍ جيدة. هل كنتَ بخيرٍ طوال تلكَ الفترة؟”
“الفيكونت ليتور.”
الرجل الذي كان في منتصف عمره برأس شُبه الأصلع وجسمه القصير، قدم التحيتهُ بحماس. كان ليونارد يبدو مُتضايقًا، لكنه لم يُحاول التهرب منه.
“عندما سمعت نبأ وفاتك، لم أصدق أبدًا. كنتُ متأكدًا مِن أنكَ ستعودُ بصحةٍ جيدة.”
“أشكُرك.”
ظل الفيكونت ليتور يتظاهر بالبكاء لبعض الوقت، ثم نظر إلى كورديليا بنظرةٍ فضولية.
“لو لَمْ يكُن هَذا تدخلاً، هل يُمكنني أن أعرف مَن تكون هَذهِ السيدة الجميلة التي بجانبك؟”
“آه، هَذهِ.”
بدا ليونارد، الذي كان يشعرُ بالملل، وكأنه وجد متعةً في الموقف، فوضع يدهُ على كتف كورديليا.
بالطبع، زادت الهمسات مِن حولهم، حيثُ بدأ الجميع يتساءلون عن علاقتهما عندما وضع يدهُ على كتفها.
“إنها تلميذتي.”
“ماذا؟”
“إنها تلميذتي الأولى. قدمي نفسكِ، كورديليا. هَذا هو الفيكونت فيكس ليتور.”
“تشرفتُ بلقائكَ، فيكونت ليتور. أنا كورديليا إبرامز.”
“يا إلهي! هل يعني أن ماركيز أتلاي قد اتخذ تلميذًا؟”
كان صوتهُ عاليًا لدرجة أن كُل مَن كان على بُعد عشر خطوات تقريبًا ركزوا أنظارهم على كورديليا.
منذُ قدومها إلى العاصمة وهي تسمع هَذهِ الكلمات في كُل مكان، ولم يكُن الأمر يختلف هُنا. فكرت أن ليونارد لو قال إنها زوجته المستقبلية لكانت المُفاجأة أقل.
“دوق أتليي لديهِ تلميذة؟”
مع تزايد الاهتمام حولها، شعرت كورديليا بالتوتر ورفعت رأسها بفخر.
“هَذا مُثيرٌ للاهتمام. حسبما أعلم، كان الدوق يقول بإنهُ لن يحصل على تلميذٍ أبدًا.”
“نعم، كان هَذا قبل أن ألتقي بكورديليا.”
كانت تتوقع مِنهُ أن ينتقدها أمام الناس كما يفعلُ عادةً ويقول إنها بطيئةٌ في التعلم، لكنها فوجئت بأنهُ قد أشاد بها أمام الجميع.
“عادةً، يكون السحراء صغار السن عندما يصبحون تلاميذ. لكن أن تصبح تلميذةً للدوق أتيلي في هَذا العمر يدلُ على موهبتها الكبيرة.”
“حسنًا.”
اتخذ ليونارد موقفًا غامضًا، فَلَمْ يؤكد ولَمِ ينفِ، مما زاد مِن فضول الحاضرين.
وبدأ الناس يقتربون منهم واحدًا تلو الآخر، بدءًا مِن الفيكونت ليتور.
“تشرفنا بلقائكِ، كونتيسة إبرامز. أنا…”
“سوف أقيمُ حفلاً الأسبوع المُقبل في منزلي، هل ستحضرين؟”
“هل ستصبحين ساحرةً في البلاط بعد الدوق أتيلي؟”
بدأت كورديليا تشعرُ بالجمود وهي تُحيي الجميع واحدًا تلو الآخر. تمكنت مِن حفظ بعض الأسماء والوجوه في البداية، لكن عندما تجاوز العدد العشرة، بدأت تفقدُ القدرة على التمييز بينهم.
سرعان ما تجمع حولها العديدُ مِن الناس حتى أحاطوها كالجدار. بدا أن ليونارد مُعتادٌ على مثل هَذهِ المواقف، لكن كورديليا شعرت بالاختناق بسبب الاهتمام المُفاجئ في أول حفل تحضره.
“مُعلمي.”
“ماذا؟”
“الناس… كثيرون جدًا.”
استطاعت أن تنطق ببضع كلمات فقط، لكن يبدو أن ليونارد فهمها فورًا.
فأخذها بهدوء مِن ذراعها واختلق عذرًا للخروج من الحشد.
“هاه.”
“لماذا كنتِ متوترةً إلى هَذا الحد؟”
“لأن هُناك الكثير مِن الناس.”
“يا للغرابة، يبدو حديثكِ كحديث أهل الريف.”
“ربما أكون مُناسبةً للحياة الريفية فقط. أن الحشود الكبيرة تخنقني وتخيفني.”
كان قلبها ينبضُ بشدةٍ لدرجة أنها شعرت وكأنهُ سيُحطم أضلاعها. كانت تظُن أن كُل ما عليها فعله هو تبادل التحية، لكنها شعرت بالخوف عندما أحاطها الكثير مِن الأشخاص الذين لم ترهم مِن قبل.
في تلكَ اللحظة، اقترب رجلٌ وامرأةٌ مِن بعيد. كانا يبدوان متألقين حتى مِن مسافةٍ بعيدة، وكان مِن الواضح أنهما شقيقا إلفينباوم.
“كورديليا!”
اقتربت ليديا بابتسامةٍ مُشرقة. كانت كورديليا تعتقدُ أنها تبدو جميلةً جدًا قبل حضور الحفل، لكن بمجرد أن رأت ليديا المُتألقة، شعرت بالتواضع فورًا.
“تبدين رائعةً اليوم، بالكاد عرفتُكِ.”
“شكرًا لكِ، ليديا.”
“رأيتِ كيف كانت الناس تتجمع حولكِ قبل قليل؟ يبدو أنكِ أكثر شهرةً مِن ليونارد.”
“وما فائدةُ ذَلك؟ فهي ترتجف مِن الخوف وسطهم.”
“متى كنتُ أرتجفُ مِن الخوف؟”
على الرغم مِن أن ساقيها كانتا ترتجفان قبل لحظات، إلا أن كورديليا أنكرت الأمر. ضحك ليونارد بسخرية.
بدأت الفرقة الموسيقية تعزف أغنيةً للرقص. قدم ليونارد كأس الشمبانيا الذي كان يشربه إلى الخادم وقال:
“هل تدربتِ على الرقص؟”
“الرقص؟ حسنًا، أعني… لا.”
بدأت كورديليا تتلعثم، بالكاد كانت تستطيع اتباع آداب البلاط، فما بالك بالرقص.
عندما رآها ليونارد تتلعثم، رفع ذقنه بفخر وقال:
“هَذا ما كنتُ أتوقعه. دعيني أنا…”
“ليونارد.”
قاطعت ليديا ليونارد بابتسامةٍ مُشرقة كالزهور.
“مرّ وقتٌ طويل، ألا تود أن ترقص معي؟”
“بالطبع.”
كان رفض طلب الرقص مِن امرأةٍ أمرًا غير لائق. نظر ليونارد إلى كورديليا لوهلة، ثم أمسكَ بيد ليديا.
تقدما نحو وسط القاعة. ألقى روزنبلور نظرةً جانبية على كورديليا.
“هل أنتِ بخير؟”
“ماذا؟ ماذا تقصد؟”
“ظننتُ أنكِ كنتِ تتوقعين أن ترقصي مع ليونارد.”
“آه، لا. لا أعرف هَذهِ الأغنية جيدًا، لذا لو رقصت، سأدهس قدميه فقط.”
قالت كورديليا بتساهل، ولم يظهر على وجهها أيُّ شعورٍ محدد، مما جعل روزنبلور يعضُ شفتيه قليلاً.
“ما الأغنية التي تشعرين بالراحة معها؟”
“المينويت؟”
أجابت كورديليا بخجل، وهي تحكُ أنفها بخفة. المينويت كانت أبسط أنواع الرقصات، ونادرًا ما تُؤدى هَذهِ الأيام.
“إذًا، سنرقص على تلكَ الأغنية في الرقصة التالية.”
“ماذا؟”
بدلاً مِن الإجابة، استدعى روزنبلور الخادم وأمره “لتقم الفرقة بأداء اغنية المينويت تاليًا.”
عندما رأت كورديليا ما حدث، فتحت فمها في دهشة وومضت عيناها.
“هل يُمكن تحديدُ الأغنية التي تُعزف هَكذا؟”
“لا، لقد استغللتُ سلطتي لاختيارها. لأتمكن مِن الرقص معكِ.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة