أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 53
الفصل 53 : العاصمة ⁸
“يا معلمي!”
سحبت كورديليا كم ليونارد بقوةٍ. بالطبع، هَذا لَمْ يجعل ليونارد يتراجع إلى الخلف أو يتعثر، بل اكتفى بإمالة رأسهِ قليلاً إلى الخلف، لكن ذَلك كان كافيًا.
تحدثت كورديليا بسرعة.
“السيد روزنبلور كان يمزح، إنها مزحةٌ فقط.”
“أنا لا أمزح، ولا أتعاملُ بالمزاح يا كورديليا.”
“لكنهُ يقول عكس ذَلك؟”
ظل ليونارد ينظرُ إلى روزنبلور بنظرةٍ حادةٍ ومُخيفة. قامت كورديليا بسحبِ كم ليونارد مرةً أخرى.
“أسمعتها هَكذا؟ أنتَ لَن تأخذ كلماتهِ على محمل الجد، أليس كذلك؟”
لحسن الحظ، بدا أن كلماتُ كورديليا القصيرة قد أعجبتهُ إلى حدٍ ما. أخيرًا، التفت ليونارد إليها. بابتسامةٍ عريضة، أجلست كورديليا ليونارد على الأريكة.
“تفضل، تفضل. اجلس هُنا بسرعة. هُنا، صحن السوربيه. أحضروا صحنًا آخر.”
“حسنًا.”
اختفت الخادمة التي كانت تقفُ خلفها بسرعة، وكأنها قد أدركت العجلة في صوت كورديليا.
“جرب سوربيه الخوخ. أنا قد جربتهُ لأول مرةٍ اليوم هُنا وكان لذيذًا حقًا.”
“همف. كأنكِ مولودٌ جديد، كُل شيءٍ جديدٌ عليكِ؟”
“أجل. أنا محظوظةٌ لأني حصلتُ على معلمٍ مثلكَ، ها.”
لم تُخفف كورديليا مِن حذرها. لذَلك، عمدت إلى إدارت جسدها بالكامل نحو ليونارد وتجنبت النظر إلى روزنبلور.
“ليو… مِن الجيد أنكَ تبدو بصحةٍ جيدة.”
في تلكَ اللحظة، تحدثت ليديا بصوتٍ مخنوقٍ بالدموع بينما كانت تتحدث إلى ليونارد. تنهدت كورديليا بارتياح في قلبها.
“نعم. مضى وقتٌ طويل.”
“هل تعرفُ كم بكيتُ عندما سمعتُ أنكَ ميت؟ لو كنتَ فقط قد أعطيتني تلميحًا مُسبقًا… ظننتُ، ظننتُ حقًا أنكَ…”
أدركت كورديليا لأول مرة أنْ الشخص الجميل يُمكن أنْ يكون أجمل عند البكاء. ليديا ذرفت دموعها بطريقةٍ حزينةٍ وكأنها بطلةُ مسرحيةٍ درامية، وكان ذَلك يُسبب ألمًا في قلب كورديليا عندما تُشاهدها.
لكن سواء كان ذَلك بسبب عدم وجود قلبٍ أو تعاطف أو ربما كليهما، لم يرف جفنُ مُعلمها.
“لمْ يكُن هُناك داعٍ للقلق. انتِ لَمْ تحضري جنازةً ولَمْ تري جثة؟”
“ليو، كانت ليديا قلقةً عليكَ كثيرًا. لأنها ظنت بأنكَ إذا لم تكُن ميتًا، فقد تكون قد تعرضتَ لإصابةٍ خطيرة ولم تستطع الظهور.”
“آه، حسنًا.”
كان ليونارد غيرُ مبالٍ للغاية، بل وكان مُتجردًا مِن الاهتمام. كيف يُمكن لشخصٍ أن يكون قاسيًا إلى هَذا الحد بينما هُناك شخصٌ بهَذا الجمال يبكي بجانبه؟ حتى أن كورديليا قد شعرت بالحرج.
استدارت كورديليا نحو ليونارد وعبست.
“رائحةُ دم…”
“ماذا؟”
“لا شيء. فقط شممتُ رائحة دمٍ في مكان ما.”
“أنفكِ حساسٌ بلا داعٍ. هل تعرفين كم مرةً ذهبتُ إلى الغابة بسببكِ؟”
“الغابة؟ هل كنتَ تصطاد أم ماذا؟”
“إذا كنتِ تسمين هَذا صيدًا، فهو كذَلك.”
أرجع ليونارد جسده للخلف وخطف سوربيه كورديليا ليأكله.
“آه، هَذا يخصني!”
“لا شيء هُنا يخصكِ. كُل ما في هذا القصر مُلكي.”
“هَذا صحيح، لكن… هَذا قاسٍ.”
“حتى العاصمة جديدة عليكِ. السوربيه جديد. ربما حتى حفلات الرقص جديدة عليكِ؟”
“إنها كذَلك.”
“ماذا؟”
ربما كان يُمازحها، لكن ليونارد قد تحدث بسخرية، وبكُل أسف لم تستطع كورديليا أن ترُد عليه.
“لقد أُقيمت بعض الحفلات في المنزل عندما كنتُ صغيرةً جدًا، لذا لَمْ أستطع المشاركة.”
“لكن لا بد مِن أنكِ قد حضرت حفل بلوغكِ.”
“مِن أين لنا المال لمثل هَذهِ الأمور؟ بالإضافة إلى أنني بعتُ-، عفوًا، قد تزوجت مِن أبرامز فور بلوغي سن الرشد.”
كانت على وشك استخدام كلمة “بعت” وكأنهما وحدهما. كانت قريبةً مِن روزنبلور، لكن ليس بما يكفي لكشف أسرارها أمامه.
تغيّر تعبير وجه روزنبلور فجأة إلى الجدية.
“حقًا؟ إذًا الحفلة الرقص في ساراسين بعد بضعة أيام ستكون أول حفلةٍ تحضرينها؟ ماذا عن الملابس؟ هل جهزتِ فستانكِ؟”
“لا؟ ليس هُناك حاجةٌ لذَلك. لحسن الحظ، خياطوا أتيلي صنعوا لي الكثير مِن الملابس، يُمكنني ارتداء أيِّ شيء مِنهم.”
“لماذا تقولين هَذا الآن؟”
وضع ليونارد السوربيه على الطاولة بعنف ونظر إلى كورديليا بغضب. بدت كورديليا مُتفاجئةً مِن سؤاله.
“لم تسأل؟”
“هَذا أمرٌ بديهي أنْ اسأل…! متى حفل ساراسين؟”
“بعد يومين.”
قالت كورديليا وهي ترمش. ما إن سمع ذَلك حتى أمسك ليونارد بحبل الاستدعاء بعصبية. بعد لحظات، دخلت رئيسةُ الخدم، آنا.
“يومين؟ ها. لماذا تقولين هَذا الآن…؟”
“هل استدعيتني، سيدي؟”
“آنا، اجمعي كل الخياطين في العاصمة حالاً.”
“ماذا؟”
“يجبُ تجهيزُ فستانٍ خلال يومين.”
“هل تقصدُ الفستان الذي سترتديه السيدة كورديليا؟”
“انتظر لحظة، مُعلمي. أنا حقًا بخير. يُمكنني ارتداء أيِّ شيء، بل يُمكنني الذهاب بالملابس التي أرتديها الآن.”
“المكان الذي سأقدّمكِ فيه كـ تلميذتي، هل تذهبين إليّه بملابسٍ غيرُ لائقة كهَذهِ؟”
“غيرُ لائقة؟ تذكّر أن كُل هَذهِ الملابس صُنعت هُنا في أتيلي!”
انحبس الكلام في حلق كورديليا مِن شدة دهشتها. كان لا يهتم أبدًا بما إذا كانت ستذهب إلى حفلة ساراسين أو لا، وها هو فجأةً يُحدث هَذهِ الضجة.
بالإضافة إلى ذَلك، جميع الملابس التي لديها الآن هي ملابس جديدة تم خياطتها بعد أن استدعت خياطًا في أتيلي.
“همم. يومان مدةٌ قصيرة، لكن يُمكننا إجراء بعض التعديلات على فستان جاهز ليُناسبها.”
“يجبُ أن يكون جاهزًا حينها. نحُن ذاهبون إلى حفل ساراسين بعد يومين.”
“أنا اخبركم بأنني حقًا لا أهتم!”
“حسنًا. سأستدعي الخياطين على الفور.”
للأسف، تم تجاهل رأيّ كورديليا مِن قبل الاثنين معًا. تذمرت كورديليا بصوت منخفض.
“لَمْ يكترث بي منذُ وصولي إلى هُنا…”
“هل تقصدين أنكِ تفعلين هَذا لأنني لَمْ أهتم بكِ؟”
“آه، ليس كذلك!”
لَمْ تستطع كورديليا إنكار الحقيقة، فبدأت تنظر إلى مكانٍ بعيد مُتظاهرةً بالانشغال. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى وضع ليونارد تحذيرًا جادًا.
“لا تضيعي وقتكِ في التراخي لمجرد أنني لا أتحققُ منكِ. اجتهدي في دراستكِ، لأنني بمجرد أن أنتهي مِن عملي، سنعود إلى روبال مُباشرةً.”
“بهَذهِ السرعة؟ الموسم الاجتماعي قد بدأ للتو.”
“ما سبب بقائكِ في العاصمة خلال الموسم الاجتماعي؟ ليس وكأنكِ ستتزوجين.”
“هَذا صحيح، ولكن…”
رفعت كورديليا رأسها بحزن. العاصمة التي جاءت إليها لأول مرة كانت مليئةً بأشياء جديدة ومثيرة. كانت تتوقع أن تبقى لفترةٍ أطول.
سألت ليديا بعيونٍ مُتفاجئة.
“هل ستعود بهَذهِ السرعة؟ لم يمر وقتٌ طويل منذُ وصولكَ إلى هُنا، أليس كذلك؟”
“تلقيتُ رسالةً مِن اتحاد السحر أمس. يبدو أنهم سمعوا أنني ما زلتُ على قيد الحياة.”
“أوه، لا شك أن هُناك فوضى في روبال أيضًا.”
“عليّ أن أؤكد تعيينها كخليفتي هُناك. هُناك الكثير مِن الأمور التي يجبُ التعامل معها.”
وأشار إلى كورديليا بذقنه وهو يتحدث.
“أخيرًا، سيحصل أكيرون على خليفة رسمي.”
“رغم أنني قلقةٌ مِن أن يكون عقلها كـ الحجر، لكن لا بأس.”
“هَذا قاسٍ يا مُعلمي، أن تقول عني هَذا.”
قالت كورديليا التي كانت تستمع بجانبهما بوجهٍ غاضب. ضحك روزنبلور بخفة.
“رغم أنهُ يقول ذَلك، يبدو أنهُ يهتمُ بكِ يا كورديليا كثيرًا. السوار على معصمكِ، أليس هو جوهرة إيفراد؟”
“آه، هَذا…”
“أتذكر أن ليو قضى أكثر مِن عامٍ وهو يبحثُ عنه لقد وجدهُ بصعوبةٍ حقًا، وقد أعطاه لكورديليا. أليس هَذا رمزًا للاهتمام؟”
“… ليس كذَلك حقًا.”
لم تستطع أن تعترف بأنها قد أخذته عنوة ولم يعطه ليونارد لها. ضحكت بخجل، وهي تُراقب تعبير مُعلمها.
“على أيِّ حال، لستُ بحاجةٍ إليّه.”
“إذا لم تكُن بحاجةٍ إليّه، فلماذا بذلتَ جُهدكَ في البحث عنه؟”
علق روزنبلور مازحًا على ليونارد، لكن الأخرلم يُجب واكتفى بالتجاهل، ولم يقُل إن السوار قد أعطي لكورديليا عن طريق الخطأ.
بينما كانوا يتحدثون، جاءت آنا وأبلغت بأن الخياطين قد وصلوا. وقفت كورديليا وكانت على وشك الخروج. ودعها الشقيقان بلطف.
“أراكِ في حفل ساراسين، كورديليا.”
“لقد استمتعتُ بلقائكِ اليوم، سيدة كورديليا.”
“وأنا كذَلك، سررتُ بلقائكما…”
“ما الذي تفعلينه؟ لا تتباطئي، اذهبي بسرعة.”
“… لَمْ يسمح لي بإنهاء تحيتي حتى.”
بسبب مقاطعة مُعلمها لها، لم تتمكن كورديليا مِن إنهاء تحياتها. خرجت مِن الغرفة بينما كانت تنظر إلى ليونارد بنظرةٍ غاضبة وشفتيها مزمومتين معًا.
ما إن خرجت مِن الغرفة حتى ابتسم ليونارد بنعومةٍ واستمر في النظر طويلاً إلى المكان الذي غادرت مِنه كورديليا.
* * *
مِن الواضح أن حفل ساراسين الراقص سيُقام في المساء، لكن الخدم كانوا يعملون منذُ الصباح الباكر. وبسبب ذَلك، استيقظت كورديليا في فجر لتستحم بماء الورد وتدهن جسدها بزيوتٍ عطرية.
“لحُسن الحظ، الفستان يناسبكِ تمامًا.”
الفستان الذي صنعه أشهر خمسة خياطين في العاصمة كان يبدو مُبالغًا فيه وجميلًا جدًا مِن وجهة نظر كورديليا.
وما زاد الأمر، أن تقنيات التجميل في العاصمة كانت مذهلةً وكأنها سحر. كلما غفلت قليلًا، كان وجهها يتغيّر.
شعرها، الذي كان دائمًا يبدو اشعثًا، أصبح الآن أملسًا وبراقًا، وحواجبها تم الاعتناء بها بعناية مما جعل ملامحها تبدو أنظف بكثير. شفتيها كانت لامعةً وكأنها قد تعرضت لسحرٍ ما، وخديها أصبحا مصبوغان بلونٍ أحمر مما منحها مظهرًا حيويًا.
“أنا جائعة.”
“آه، لحظةً فقط. لقد أعددنا شيئًا مُسبقًا.”
ضحكت ليلى بمرح وقدمت لها كعكةً صغيرة بحجم راحة اليد. نظرت كورديليا إلى الكعكة لفترة.
“ما هَذا؟”
“إنها للإفطار والغداء والعشاء.”
“….”
بعد تلكَ التحضيرات القاسية، وبشكلٍ مُدهش، حان وقت التوجه إلى الحفل.
كانت كورديليا غير مُتزنةٍ في مشيتها لأنها كانت ترتدي كعبًا عاليًا بعد وقتٍ طويل. بمساعدة الخادمة، وقفت أمام المرآة.
“هل هَذهِ حقًا أنا؟ يبدو وكأنني قد ولدتُ مِن جديد!”
“هاهاها، ليس إلى هَذا الحد. الأمرُ فقط أن الكونتيسة كانت تُبقي مظهرًا بسيطًا، بينما فتيات العاصمة يتزيّن أكثر بكثير.”
“إنهنَ جميعًا مُجتهدات.”
نقرت كورديليا لسانها بدهشة. في تلكَ اللحظة، جاء خادم ليستفسر.
“يسألُ السيد متى ستكونين جاهزة.”
“سأنزل الآن.”
عندما نزلت إلى الطابق الأول، كان ليونارد يقف هُناك وعلى وجههِ نظرٌ مِن ملل. كان هو الآخر يرتدي زيهُ الرسمي، وعلى الرغم مِن أنهُ كان وسيمًا عادةً، إلا أن ملابسه زادته جاذبيةً وكأن هالةً مِن الضوء تُحيط به.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة