أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 52
الفصل 52: العاصمة⁷
***
عصفت رياحُ الدم في أتيلي.
كان الشعار الأبيض الذي أطلقهُ ليونارد في سماء العاصمة بمثابة إشارةٍ لبدء ذَلك.
بعد عودة ليونارد، بدأ أتباعهُ الذين خرجوا مِن أراضي أتيلي في الوصول واحدًا تلو الآخر. بالطبع، بعضهم لَمْ يأتِ بإرادته. تحدث بيلوتشي وهو يقفُ بجانب ليونارد حاملاً سيفه:
“ديميروسيل هاندل، الخائنُ الذي كان أول مَنْ ركضَ إلى ماكسيميليان عندما سمع خبر وفاتكَ يا سيدي.”
“لا، هَذا غيرُ صحيح! لقد أسئت الفهم، أعني أنني كنتُ متأكدًا مِن عودتكَ…”
زحف ديميروسيل على ركبتيهِ باتجاه ليونارد، وقد شحب لونه، وبدأ يطلبُ المغفرة والدموع تتدفق مِن عينيه.
نظر ليونارد إليه بملل.
“ديميروسيل.”
“نعم، نعم.”
“هل لديكَ عائلة؟”
“نعم! لديّ. أمي المريضة، وزوجتي، وثلاثة أبناء. أرجوكَ، يا سيدي. إذا سامحتني هَذهِ المرة، لن أنسى أبدًا كرمكِ. أرجوك، أرجوك، ارحمني.”
“ستكونُ طعامًا للكلاب.”
“ماذا…؟”
كانت تلكَ كلمات ديميروسيل هاندل الأخيرة.
اخترق سيفُ بيلوتشي قلبهُ في لحظة. كان السيفُ عالقًا بإحكام فلم يستطع إخراجهُ. وضع بيلوتشي قدمهُ على صدر ديميروسيل ودفعه بقوة.
تراجع ليونارد بسرعةِ لتجنب الدم المتدفق مِن جسد ديميروسيل، الذي غمر الغابة تمامًا.
“ماذا عن رايمي؟”
“نحنُ نُطارده في الوقت الحالي. أما غونر وهايدن فقد قبضنا عليهما بالفعل ونقلهما إلى إيبو ديليم.”
“لا أستطيعُ أن أصدق أن هُناك العديد مِن الأشخاص الذين يجبُ قتلهم.”
هزّ ليونارد رأسهُ باستياء.
كانت الغابة الكثيفة والمليئة بالأشجار تجعلُ مِن الصعب تحديدُ موقع الشمس. سأل بيلوتشي:
“هل تجاوز الوقتُ الظهيرة الآن؟”
“نعم، لقد تجاوزها بالفعل.”
“نسيتُ أن الإخوان إلفنباوم سيصلون اليوم. تعاون مع غاشيل وأحضر كُل مِن تبقى. إذا قاوموا، فلا داعي لإبقائهم على قيّد الحياة.”
“حسنًا.”
أجاب بيلوتشي بابتسامةٍ عريضة.
***
لأول مرةٍ في حياتها، عرفتْ كورديليا ما معنى “الراحة في المنزل”
كان الناس في منزل أتيلي يُعاملونها بلطفٍ وكرمٍ كبيرين، لدرجة أن كورديليا شعرت وكأنها تسيرُ على السحاب كُل يوم.
“إلى أين ذهبتِ؟”
“آه، لا شيء. كنتُ أتجول هُنا وهُناك.”
لم تستطع أن تقول إنها كانت تتفقدُ جثة زوجها في القبو.
منذُ وصولها إلى العاصمة، كانت كورديليا مُحتارةٌ بشأن ما يجبُ فعله بجثة كريج. لم تتمكن مِن العثور على طريقةٍ مُناسبة للتخلص منها.
“كيف أجعلهُ ميتًا بطريقةٍ لا تُثير الشائعات؟”
الآن بعد أن رأتهُ هَكذا، بدا وجهُ كريج مُسالمًا جدًا لدرجة أنه كان مِن الصعب القول بأنهُ قد مات بسببِ المرض.
“هل يجبُ أن أدفعهُ مِن على مُنحدرٍ صخري أو شيء مِن هَذا القبيل؟”
“ماذا؟”
“آه، لا شيء.”
هزّت كورديليا رأسها بابتسامةٍ مُشرقة. ليلى، التي لَمْ تكُن على علمٍ بخططات كورديليا الشنيعة، قد اقترحت عليها بعض الحلوى باردة.
“أنْ اليوم حارٌ جدًا. هل أُحضِر لكِ بعض السوربيه البارد؟”
“السوربيه؟ ما هَذا؟”
“إنها حلوى تُؤكل بعد الطعام، وهي عبارة عن عصير فواكه يُخلط بالسكر ثم يُجمد. بالمناسبة، لديّ بعضُ الخوخ الناضج، وكنتُ أفكرُ في إعداد سوربيه الخوخ. هل تُفضلين أنْ احضرهُ لكِ؟”
[السوربيه: نوع من انواع المثلجات]
“أحبُ ذَلك.”
هزّت كورديليا رأسها بسعادةٍ. كانت ليلى في طريقها إلى المطبخ عندما توقفت فجأة.
“أوه، يبدو أن لدينا زوار.”
“زوار؟”
رأت ليلى خادمًا شابًا يركضُ مِن بعيد وقالت، “عربةُ إلفينباوم قد وصلت للتو.”
“إلفينباوم؟ هل يُمكن أن يكون السيد روزنبلور؟ لكن المُعلم ليس في المنزل الآن. حسنًا، اذهبوا واستقبلوه.”
“أمرك.”
منذُ عودتهِ مِن القصر، كان ليونارد مشغولًا للغاية، يتنقلُ مِن مكانٍ إلى آخر، لذَلك نادرًا ما كان في المنزل. حتى بارون وبيلوتشي كانا خارج المنزل للقيام بمهماتٍ بناءً على أوامره، ولذَلك، كان على كورديليا وحدها استقبال الضيوف في منزل العاصمة.
“أخبري الطباخ أن يصنع كميةً كافية مِن السوربيه للضيوف أيضًا.”
“كما تأمرين.”
بعد قليلٍ مِن الانتظار عند المدخل، توقفت عربةٌ سوداء مزينةٌ بشعار إلفينباوم الذي لمحتهُ كورديليا مِن قبل.
فُتِحَ الباب ونزل روزنبلور أولاً. استقبلتهُ كورديليا بانحناءةٍ خفيفة.
“السيد روزنبلور، مرحبًا بك.”
“شكرًا لكِ على الترحيب، كورديليا. آه، وهَذهِ…”
“مَنْ هَذهِ؟”
مد روزنبلور يدهُ داخل العربة. عندها فقط أدركت أنْ هُناك شخصًا برفقته. أمسكت امرأة بيدهِ ونزلت مِن العربة.
في تلكَ اللحظة، شعرت كورديليا بصدمة.
كانت أجمل امرأةٍ رأتها كورديليا في حياتها. كان شعرها الأسود الطويل الذي يصل إلى صدرها بسيطًا، لكنهُ بدا كـ سماء الليل، وعيناها البنية كانت تُشبه أشعة الشمس في فصل الربيع.
لبضع لحظات، بقيت كورديليا تنظرُ إليها بلا وعيّ.
“هَذهِ أختي، ليديا. ليديا، عرفي نفسكِ. هَذهِ هي السيدة كورديليا إبرامز، زوجة الكونت وتلميذةُ ليو.”
“مرحبًا، أنا ليديا إلفينباوم. كورديليا! أوه، أنا آسفة. سمعتُ عنكِ كثيرًا مِن أخي، فشعرتُ كأنني أعرفكِ. أرجو أن تسامحيني.”
“لا بأس. أنا أيضًا أفضلُ أن يُناديني الآخرون بكورديليا. يُمكنكِ أن تناديني كما تريدين بحرية.”
“حقًا؟ شكرًا جزيلاً! إذًا ناديني بليديا.”
على عكس الانطباع الأولي الذي بدت فيه خجولة وبريئة، كانت ليديا حيويةً واجتماعية إلى حدٍ ما.
ذهبت كورديليا معهما إلى غرفة الاستقبال للترحيب بالضيوف.
“لكن، ما الذي أتى بكما اليوم؟ المُعلم ليس في المنزل.”
“ليس في المنزل؟ كنتُ قد أرسلتُ رسالةً أخبرهُ فيها بأنني سأزوره اليوم مع ليديا. يا للأسف، يبدو أننا فاجأناكِ.”
فهمت كورديليا الأمر عندئذٍ.
بالفعل، لم يكُن مِن المعقول أن يقوم هَذا الرجل المُهذب واللطيف بزيارة منزل شخصٍ آخر دون موعدٍ مُسبق.
“المُعلم قد خرج لبعض الوقت. أرجو أن تسامحوا مُعلمي على عدم وجودهِ هُنا لاستقبالكم رغم معرفتهِ بقدومكم.”
“هاها. لا بأس، فقد استقبلتنا كورديليا جيدًا.”
ابتسم روزنبلور بلطفٍ. وفي تلكَ اللحظة، أحضرت الخادمة السوربيه. بدأت عينا ليديا تتلألآن كأنها نجوم.
“واو، إنهُ سوربيه الخوخ.”
“تفضلي وتذوقي. إنهُ الخوخ المُفضل لديكِ.”
بدا أنها أخوان مُتحابان جدًا، وكان ذَلك يبدو رائعًا ويثيرُ الإعجاب. كان الأمرُ يثيرُ غيرة كورديليا، إذ ربما لا يعرفُ شقيقُها دينيس حتى أنها تُعاني مِن حساسيةٍ تجاه الفول السوداني.
“بالمناسبة، أين تتدربين على السحر هَذهِ الأيام؟ إذا كان هُناك جزءٌ صعب، يُمكنني مُساعدتكِ.”
“أوه، في الواقع، نصفُ الوقت أمضيه في اللعب. كنتُ أرسم بعض الدوائر السحرية، وبالمُناسبة، أتدربُ حاليًا على تعاويذ الحماية. يُمكنني الآن صدّ الأشياء الخفيفة.”
“همم. إلى أيِّ مدىً يُمكن أن تُكون الدوائر السحرية مُتعددة الطبقات؟ قلتِ بإنكِ كنتِ تتدربين على السحر منذُ حوالي عام…”
“ثلاث، لا، أربعُ طبقات.”
“أربع طبقات الآن؟”
“نعم.”
“خلال سنةٍ واحدةٍ فقط؟”
سأل روزنبلور بوجهٍ جاد، مما جعل كورديليا تشعرُ بالخوف. لو كان ليونارد هُنا، لكان الآن قد وبخها لأنها كسولةٌ جدًا، أو كان سيقولُ بأن عقلها كالصخرة.
لذَلك، سارعت بإضافة عذر.
“لا، لقد بدأت بتعلم دوائر السحر بشكلٍ جدي منذُ حوالي شهرٍ فقط.”
“شهرٍ واحد؟ لا أستطيعُ أن أُصدق ذَلك.”
“هَذا… ربما لأنني كنتُ كسولةً في الآونة الأخيرة، ولكن إذا اجتهدتُ أكثر…”
“كورديليا.”
“نعم؟”
“هل فكرتِ حقًا أن تكوني تلميذتي؟”
“ماذا؟”
فجأة، انحنى روزنبلور نحوها قليلاً واستمر في حديثه بنظرةٍ مُفعمةٍ بالحماس.
“لم أتمكن مِن شرح الأمر جيدًا في السابق، لكن ديدواسل، مدرستنا، تُركز بشكلٍ أساسي على دراسة دوائر السحر. حتى أنا، الذي أُعتبرُ موهوبًا، استغرق الأمرُ مني عامان لرسم دائرةٍ سحرية رُباعية الطبقات.”
“آه، حقًا؟”
“ربما سمعتِ ذَلك عدة مرات، لكن موهبتكِ استثنائية حقًا. لو علم اللورد كاينون، رئيس ديدواسل، بذَلك، لأتى ليختطفكِ فورًا ولقام بُضع ختم ديدواسل عليكِ.”
كانت كورديليا مذهولةً، ولم تستطع سوى أن ترمش عينيها بارتباك. توقعت أن تتلقى توبيخًا على كسلها، لكن بدلًا مِن ذَلك قد سمعت مديحًا غيرَ مُتوقع، مما جعلها تشعرُ بالخجل.
“أنا فقط… الأمر هو، إذا ركزتُ أكثر، قد يُصبح الرسم سهلًا.”
“فكري بجديةٍ في اقتراحي. لم يكُن مِن النادر وجودُ ساحرٍ يحملُ ختمين.”
كان اقتراح روزنبلور مؤثرًا للغاية، ولكن كان مِن الواضح أن معلمها الغيور لو اكتشف هذا الأمر، فلن يُسمح لها برؤية وجه روزينبلور مجددًا.
“هل كورديليا ساحرةٌ رائعةٌ حقًا؟”
تساءلت ليديا، التي كانت مُستبعدةً مِن المُحادثة حتى تلكَ اللحظة، بحذرٍ. أومأ روزنبلور برأسه.
“نعم، لم أكُن أعتقد أنني سأشعرُ بفجوةٍ في الموهبة مع شخصٍ آخر غير ليونارد.”
“إذًا، يبدو أن السحر شيءٌ فطري. مِن الجيد أنني توقفتُ في وقتٍ مُبكر.”
“آه، هل ليديا ساحرةٌ أيضًا؟”
“لقد تعلمتُ قليلاً عندما كنتُ صغيرة، لكنني توقفت، لذا مِن المُحرج أن يُطلق عليّ لقبُ ساحرة.”
“لكن حصولكِ على الختم يعني أنكِ لم تكوني بلا موهبة. لو واصلتِ، لربما وصلتِ إلى مستوى عالٍ.”
سارع شقيقها للدفاع عنها. أخذت ليديا ملعقةً مِن السوربيه وأكلت قبل أن تقول.
“لا أعتقد ذَلك. مُعلمي الأول قال نفس الشيء، إن حدود موهبتي تتوقف عند السحر المتوسط.”
“أخ وأخت كلاهما ساحران؟ هَذا أمرٌ رائع.”
“إن سماع ذَلك مِن كورديليا يجعلُني أشعرُ بغرابةٍ. أشعرُ أننا، أنا وأختي، لن نكون ندًا لكِ حتى لو اجتمعنا.”
قال روزنبلور مازحًا.
“آه، هاهاه.”
ابتسمت كورديليا بتوترٍ وانحنت قليلاً. لم تعتد بعد على مثل هَذهِ المُجاملات.
“رجاءً فكري بجديةٍ في عرضي. موهبتكِ لا تستحق أن تبقى في أكيرون.”
“فلتُفكر في حياتكَ الخاصة أولاً، روزنبلور.”
“ليو!”
كانت ليديا أول مَن لاحظ وجود ليونارد. ابتسمت واقتربت منهُ بحماسٍ، لكن ليونارد تجاهلها وتوجه مباشرةً نحو روزنبلور.
“ألم أقُل لكَ منذُ وقتٍ قصير أن تبتعدَ عن تلميذتي؟ هل ذاكرتُكَ قصيرةٌ أم أِنكَ شجاعٌ جدًا؟”
“هل عُدت؟ أين كنتَ تاركًا الضيوف وحدهم هَكذا؟”
“لا تُغير الموضوع. أجبني، روزنبلور إلفينباوم.”
اشتعل الجو بين الرجُلين. كان التوترُ مُرتفعًت لدرجة أن كورديليا التي كانت تقفُ خلفهما قد شعرت بالقلق.
“بصراحةٍ، مِن المؤسف أن تبقى موهبتها محصورةً في أكيرون. إذا جاءت إلى ديدواسل، فستُحقق أقصى استفادةٍ مِن موهبتها.”
“محصورةً؟ محصورةً أين؟”
“موهبتها يُمكن أن تتألق في ديدواسل بأقصى ما يُمكن. ألا تعرفُ ذَلك جيدًا؟”
ارتفعت أحدى زوايا فمِ ليونارد. مِن خلال تجارِبها العديدة، عرفت كورديليا أنْ هِذهِ كانت إشارةً لقُرب انفجارِ غضبه، حتى وإن كانت لا ترغبُ في معرفة ذُلك.
.
.
أحب يونارد الغيور 🙈💕
رايكم؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة