أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 50
الفصل 50: العاصمة⁵
“الملك ليس بشيءٍ مُميز، فنحنُ العائلات الثماني نتناوب على الحُكم على أيِّ حال.”
“خلال الخمسمئة عام الماضية، لم يُصبح أيُّ أحدٍ مِن عائلة باسكويز ملكًا سوى مرةٍ واحدة.”
“يا للأسف، يجبُ أن تبذلوا جهدًا أكبر، يا عائلة باسكويز.”
“حقًا!”
كانت إجابةً خاليةً مِن الحماس، لدرجة أنها بدت غير مُعقولة. دون أن تُدرك، تسربت ابتسامةٌ مِن كورديليا، مما خفف قليلًا مِن توترها.
في تلكَ الأثناء، توقفت العربة، وفتح أحد خدم القصر الباب.
في تلكَ اللحظة، عادت كورديليا لتتوتر مِن جديد، فقد تصلب جسدها. نزل ليونارد أولًا، ثم مد يدهُ إليها.
“تعالي.”
أسرعت كورديليا بالتمسك بذراعه، كانت تُمسكها بقوةٍ لدرجة أنها أسندت نصف جسدها عليه. ورغم ذَلك، لم يزُل توترها، واستمرت ساقاها في الارتجاف.
“لماذا لا تبتعدين قليلًا؟”
“سأستعيرَ ذراعكَ للحظة.”
“هَذهِ لا تبدو كاستعارة، بل كأنكَ تريدين أخذها؟”
“عذرًا. جلالة الملك ينتظركما في الداخل، أيها الدوق، والسيدة.”
نظر الخادم بدهشةٍ إلى المرأة التي كانت تتصرفُ براحةٍ مع ليونارد. وكان مِن المدهش أكثر أن ليونارد، الذي اعتُقد أنهُ ميت، قد دخل القصر معها.
“بالمناسبة، هل ترون ذَلك الصندوق خلف العربة؟”
“نعم؟ آه، نعم.”
“إنه هديةٌ لجلالته، احرصوا على نقلهِ بعناية.”
“حسنًا.”
تبعوا الخادم إلى أعماق القصر. كانت الحديقة مليئةً بالأزهار المُتفتحة حديثًا، والداخل كان مزينًا بالذهب والجواهر، لكن كورديليا لم تستطع رؤية أيِّ شيءٍ مِن جمالها.
أخيرًا، بقي بابٌ واحد فقط. عندما حاول الخادم فتحه، لم ينتظر ليونارد، بل فتحهُ بقوة. أخذت كورديليا نفسًا عميقًا وتبعته.
“أردتُ التأكد مِن أن رمز الثعبان الأبيض ليس مزيفًا.”
“الدوق أتيلي.”
“……أتيلي.”
داخل الغرفة، لم يكُن هُناك فقط الملك غابرييل مِن إيرشيه، بل أيضًا ديانا سارسون رئيسة عائلة سارسون، وأنطون إمبلي رئيس عائلة إمبلي.
بدا الملك غابرييل، الذي كان جالسًا على العرش، مُتفاجئًا برؤية ليونارد في حالةٍ سليمةٍ تمامًا، فعبّر عن دهشته.
“لم أتخيل يومًا أن أشُك في نظري. هل هَذا حقًا أنتَ، ليونارد أتيلي؟”
“نعم، جلالتكَ. يبدو أن لقاء اليوم ليس خاصًا كما كُنتُ أعتقد.”
ألقى ليونارد نظرة على سارسون وإمبلي، ثم تحدثت ديانا، التي كانت تُراقبه باهتمام.
“كُنتُ أتساءل حقًا إذا كانت العلامة التي أرسلتها في سماء مساء أمس حقيقيةً. ولطفًا مِن جلالته، سمح لي ولأنطون بالدخول إلى القصر معًا.”
“لا بأس. لقد مضى أربعةُ أشهر فقط منذُ أن رأيتُ سارسون أخر مرة، لكن يبدو أنني لم سيد إمبلي منذُ زمنٍ طويل. كيف حالك؟”
“……لا يوجد سبب لعدم كوني بخير.”
تجنب أنطون إمبلي نظرة ليونارد بوجهٍ مُتجهم وكأنهُ يمضغُ الحجارة.
“إذا كُنتَ على قيد الحياة طوال هَذا الوقت، فلماذا لم تظهر؟”
“قبل أن أجيب، لديّ شخصٌ أودُ تقديمهُ لجلالتكَ.”
حتى تلكَ اللحظة، كانت كورديليا تقفُ خلف ليونارد ترتجف. أمسك ليونارد بكتفيها ودفعها إلى الأمام.
تذكرت كورديليا بسرعة ما تعلمتهُ بالأمس مِن آداب، وانحنت أمام الملك.
“إنهُ لشرفٌ لي أن أقدم التحتي لكَ، جلالتك. اسمي كورديليا إبرامز. قبل الزواج، كُنتُ مِن عائلة باسكويز.”
“باسكويز؟”
إنهُ اسمٌ لم أسمعهُ منذُ زمنٍ طويل. إنهم سيفُ إيرشيه الذي يكاد يختفي.
غابرييل، الذي جلس على العرش منذُ ما يقارب العشر سنوات، لم يرَ سيد عائلة باسكويز سوى مراتٍ قليلة. إذا لم يكن السيد السابق قد مات، فلا بد أن هَذهِ المرأة هي ابنته.
نظر الملك غابرييل إلى ليونارد وكأنهُ يسأل: لماذا تُقدمها لي الآن؟
تقدم ليونارد خطوة إلى الأمام وقال:
“إنها تلميذتي.”
كانت كلماتُ قصيرةً جدًا، لكن تأثيرها لم يكُن بسيطًا. أصابت الدهشة جميع الحاضرين في الغرفة.
“ماذا؟ أتيلي، هل قُلت إنكَ قبلت تلميذة؟”
“مِن الصعب التصديق. أن تكون تلميذتك يا أتيلي؟ ألم ترفض حتى الدوق الكبير؟”
جميع السحرة كانوا يتمنون أن يصبحوا تلاميذ ليونارد، لكن كان معروفًا أنهُ أعلن بأنهُ لن يقبل تلاميذًا. والآن، فجأة، يقبلُ امرأةً بالغة كتلميذة؟
توجهت كُل الأنظار المليئة بالفضول نحو كورديليا. كانت تشعرُ بالحرج، فخفضت رأسها بشدة. وعندما جلس ليونارد، جلست بسرعةٍ إلى جانبه.
في تلكَ اللحظة، سمعوا طرقًا خفيفًا على الباب، ثم اقترب خادم الملك مِن غابرييل وهمس في أذنه. عبس غابرييل وسأل:
“ماذا أحضرت يا أتيلي؟”
“يبدو أن هديتي لجلالتكَ قد وصلت.”
أشار غابرييل بإيماءة بسيطة ليُحضروا الهدية. فجاء رجلان قويان وهما يكافحان لحمل صندوقٍ كبير إلى الداخل.
لأول مرةٍ منذُ دخولهِ القصر، ابتسم ليونارد.
“سألتني لماذا لم أظهر طوال هَذا الوقت، أليس كذلك؟”
وقف بجانب الصندوق وأمسك الهواء بقبضته بقوة. في تلكُ اللحظة، تحطم الصندوق إلى قطع، وانتشرت رائحةٌ كريهةٌ في المكان.
“هَذا هو جوابي.”
“أوه.”
“يا إلهي. ما هَذا بحق السماء؟”
“ما الذي أحضرته إلى القصر؟”
داخل بقايا الصندوق المهشمة، كان هُناك شخصٌ بالكاد حافظ على شكلهِ البشري.
لم تستطع كورديليا التعرف على ماكسيميليان حتى بسبب مظهره البائس، حيثُ كان شعرهُ مُتشابكًا مِن عدم الاغتسال لفترةٍ طويلة، وجسمهُ هزيلًا، وملابسهُ مُمزقة في أماكنٍ عديدة.
سأل غابرييل وهو يغطي أنفه بكمه، “ما هَذا الشيء؟”
فقام ليونارد بسحب أخيه مِن الصندوق الذي كان بداخله ورماه في المنتصف.
“إنه القاتل الذي حاول قتلي. أخي، ماكسيميليان.”
“ما الذي تقوله؟”
لم يستطع الملك إغلاق فمهِ مِن الصدمة، بينما لم يصدق أنطون إمبلي أن هَذا الشخص الذي يبدو كحيوانٍ قذر هو ماكسيميليان، حيثُ لم يستطع إبعاد نظرهِ عنه. لم يستطع ماكسيميليان حتى فتح عينيه بشكلٍ صحيح بسبب الضوء المُفاجئ، وزحف على الأرض.
“اكك…”
قال ليونارد، “أخي هو الذي قام بنبش قبر والدتنا وأخرج رُفاتها واستخدمها كطُعمٍ للإيقاع بي وقتلي. ولهَذا السبب لم أتمكن مِن الظهور طوال هَذهِ الفترة.”
سارسون، التي لم تفهم، نظرت إلى ليونارد وماكسيميليان بالتناوب ثم سألت، “قتل؟ تقصدُ أنهُ تسبب لكَ بإصابةٍ خطيرة كادت تقتُلكَ؟”
“لا. أعني أنهُ قتلني حرفيًا.”
“إذن الشخص الذي أمامي هو شبحُك؟”
أجاب ليونارد، “عندما طعنني ماكسيميليان وقتلني، تخلخلت الرابطة بين روحي وجسدي، وفي تلكَ اللحظة استخدمتُ سحر نقل الأرواح لنقل روحي مؤقتًا إلى جسدٍ آخر ثم عدُت إلى جسدي الأصلي.”
“نقل الأرواح؟ ماذا؟”
لم يفهم الثلاثة الآخرون، باستثناء كورديليا، حتى نصف ما قاله ليونارد. عندها لوّح ليونارد بيده كأنهُ يشعر بالملل مِن الشرح.
“فقط افهموا أن هَذا اللعين قتلني، لكنني عدُت للحياة.”
“هل هُذا مُمكن؟”
“لا تسأليني، سارسون. حتى لو شرحتُ هَذا لكِ، لن تفهمي.”
وعلى الرغم مِن الإهانة المًباشرة، لم تتأثر سارسون ووافقت بدون تردد.
“حقًا، هَذا ليس المُهمًا.”
قال الملك، “حسنًا، أفهم أنكَ مررت بتجربةٍ غيرُ سارةٍ خلال الثلاثة أشهر الماضية، أيها الدوق أتيلي. ولكن لماذا أحضرتهُ أمامي؟ كان بإمكانك التعامل معهُ بنفسكَ.”
“بالطبع، لقد جلبتهُ للمُحاكمة. أرجو مِن جلالتكَ عقد جلسةٍ لمجلس النبلاء مِن أجل مُحاكمته.”
يعقدُ مجلس النبلاء اجتماعًا دوريًا كًل ثلاثة أشهر لمُعالجة الأمور، لكن عقدُ جلسة مُحاكمة كما طلب ليونارد يتطلبُ استدعاءً خاصًا مِن الملك.
تغيرت تعابيرُ الجميع عند سماع كلمة “مُحاكمة”. تنهد غابرييل كما لو أن الأمر مُرهقٌ له، بينما نظرت سارسون بفضول، وكان أنطون إمبلي يحدقُ في ماكسيميليان بنظراتٍ حاقدة.
“مُحاكمة؟ هل هَذا ضروري حقًا؟”
“نعم، ضروري.”
“ستفتح مُحاكمةٌ تستمر على الأقل عامًا مِن الدفاع وتقديم الأدلة والإجراءات المُزعجة؟”
“نعم، سأفعل ذِلك.”
“لماذا؟”
أشار غابرييل إلى ماكسيميليان بنظرةٍ ملؤها الضجر وقال، “فقط خذهُ واقتلهُ. افعل ما تشاء بهِ في قصر أتيلي. أو أقطع رأسه، لن أعترض.”
“بالطبع، سيكون ذَلك أسرع وأسهل، لكن إذا أردتُ مُعاقبة المتواطئين الذين ساعدوه، فلا خيار أمامي سوى هَذهِ الطريقة.”
“متواطئون؟”
“ماذا تعني؟” سأل أنطون بعد فترةٍ طويلةٍ مِن الصمت.
نظر ليونارد مُباشرةً في عينا أنطون إمبلي، وبدأ التوتر يتصاعد بينهما.
“أعني أن هُناك مَن ساعد ماكسيميليان وتدخل في شؤون عائلة أتيلي.”
“……”
“أخططُ لمُحاسبة ذَلك الشخص بدمه.”
عض أنطون داخل فمه بقوة، وبدأت الأنظار تتجهُ نحوه، حيث كان ليونارد ينظرُ إليهِ بطريقةٍ تُشير بوضوحٍ إلى أنهُ يتهمُه.
لكن ليونارد لم يكشف عن هوية الشخص، بل استدار نحو غابرييل وقال، لهَذا السبب أطلبُ عقد مُحاكمةٍ، جلالتك.”
“…. سأستدعي مجلس النبلاء بناءًا على طلب الدوق أتيلي.”
كان طلبُ ليونارد منطقيًا، ولم يكُن هُناك أيُّ مُبررٍ لرفضه أعلن غابرييل عن استدعاء مجلس النبلاء وهو يُظهر علامات الضجر الشديد.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿