أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 49
الفصل 49: العاصمة⁴
ابتسم روزنبلور بخفةٍ وقال:
“كُنتُ أبحثُ عن كورديليا، وها هي هُنا.”
“أنا؟ لماذا كُنتَ تبحثُ عني؟”
“في جمعية السحرة، ساد الذُعر عندما لم تعُدي بعد أن قلتِ إنكِ ستخرجين قليلاً. بالكاد تمكنتُ مِن منعهم مِن إرسال أشخاصٍ للبحث عنكٍ.”
“حقًا؟”
“لكن لم أكُن أتوقع أن أجدكِ مع ليونارد هُنا. على أيِّ حال، هل عاد الكونت إبرامز أيضًا إلى العاصمة؟ لقد بدوتما مُقربين جدًا في المرة الأخيرة التي رأيتُكما فيها.”
قال ليونارد بتحفظٍ، وهو يدفعُ كورديليا خلفه: “أنتَ.”
“ما بالُكَ تتظاهرُ بأنكَ مُقربٌ منها؟ كم مرةً رأيتها حتى تدعي بهَذهِ الصداقة؟”
“أتظاهر؟ هَذا مؤسف. هل يُضايُقكَ أنني أتعامل مع كورديليا بلطف؟”
“ومَن أنتَ لتتعامل بلطفٍ مع تلميذتي؟ هل لديكَ نوايا خفية؟”
“نوايا خفية؟ بل هو مُجردُ لطفٍ بريء.”
كان ردُ فعل ليونارد مُبالغًا؛ كل ما فعلهُ روزنبلور قول بضع كلمات. إذا رآهُ أحدهم، لظنهُ زوجًا غيورًا، مما جعل روزنبلور يشعرُ بالدهشة والغرابة.
رغم أن روزنبلور عرف ليونارد طوال حياته، إلا أن هَذهِ كانت المرة الأولى التي يراهُ يتصرفُ بهَذهِ الطريقة مع أحدهم.
قال روزنبلور مبتسمًا: “على أيِّ حال، لقد أطلقت الألعاب النارية، مما سيجعلُ الجميع يُجنون.”
“في الواقع، قبل مجيئكَ بقليل، وصل رسولٌ مِن القصر الملكي.”
“بالفعل؟”
التقط ليونارد رسالةً أنيقة مِن على صينيةٍ فضية ووضعها برفقٍ على الطاولة. كان عليها رمز العائلة الملكية: غزالٌ فضي.
“صاحب الجلالة، الذي يعيشُ حياةً هادئة، يريدُ التأكد مِن أنني حقًا قد عدُت إلى الحياة، ويدعوني إلى القصر فورًا.”
“متى تُخطط للذهاب إلى القصر؟”
“غدًا. في الصباح الباكر. كتبوا أن علي الحضور مع طلوع الشمس.”
“بهَذهِ السرعة؟ حسنًا، لا يُمكن لصاحب الجلالة أن يُفوت حدثًا مُثيرًا كهَذا.”
بينما كان الرجلان يتبادلان الحديث، كانت كورديليا تنظر بفضول إلى الرسالة التي عليها رمزُ الغزال الفضي. كانت هَذهِ هي المرة الأولى التي ترى فيها شعار العائلة الملكية عن قرب.
ثم التفت ليونارد إليها قائلاً: “عليكِ أن تستعدي أيضًا.”
“لِمَ؟”
“سندخلُ القصر غدًا. استعدي.”
“حسنًا، سأستعد… ماذا؟ القصر؟ غدًا؟”
رغم أنها سمعت مِن البارون بعض التفاصيل وتحضرت نفسيًا إلى حد ما، إلا أنها لم تتوقع أن تذهب بهَذهِ السرعة. أصابها الذُعر، ولم تستطع سوى أن تُحرك شفتيها بقلق.
“لكنني لا أعرف آداب القصر.”
“لا يهمُ، لن يهتموا بانحناءتكِ، فسيركزون فقط على وجهي.”
“ولكني لا أملكُ حتى ثيابًا مُناسبة.”
“أخبري آنا، وستوفر لكِ ما يلزم.”
نفدت منها كُل الأعذار. بدأت كورديليا تشعرُ بالقلق وهي تُحرك أصابعها بتوتر.
قبل شهرٍ واحد فقط، كانت تعيشُ في أرض إبرامز الريفية النائية، وفجأةً يُطلبُ منها الذهاب إلى القصر الملكي. كانت خائفةً مِن أن ترتكب خطأً كبيرًا هُناك.
“هل يجبُ أن أذهب حقًا؟”
“بالطبع، عليكِ الذهاب. يجبُ أن يعرف الجميع أنكِ تلميذتي. هل هُناك مُشكلةٌ في ذَلك؟”
“لكنني لستُ جيدةً في الآداب، ولا أعرف كيف أتصرف. أخشى أن أسبب لكَ الإزعاج، يا مُعلمي.”
نادى روزنبلور باسمها بصوتٍ خافت: “كورديليا.”
ثم شرح لها بلطف: “صاحب الجلالة ليس شخصًا صعب الإرضاء. طالما تُحافظين على الاحترام أمامه، فلن يكون هُناك ما يدعو للقلق. والأهم مِن ذَلك، أنكِ ستذهبين كتلميذة ليونارد، لذَلك حتى لو ارتكبتِ خطأ، فسيكون ليونارد هو مَن يتلقى العقاب بدلًا منكِ.”
“حقًا؟”
رغم أن جملتهُ الأخيرة كانت مزحة، إلا أن كلمات روزنبلور جعلتها تشعرُ بالاطمئنان.
بمجرد أن لاحظ ليونارد ارتياحها الظاهر، أمسك بمعصمها فجأةً ونهض مِن مقعده، مما جعل كورديليا تقف بدورها.
“لماذا؟”
“عودي إلى غرفتكِ.”
“الآن؟”
“قلتُ لكِ عودي، سنُغادر إلى القصر غدًا في الصباح الباكر، لذا اذهبي للنوم.”
أخذها ليونارد مِن معصمها وسحبها حتى الباب. وعندما كانت كورديليا على وشك مُغادرة الغرفة، تذكرت فجأة السبب الذي جاء بها إلى هُنا.
“صحيح، مُعلمي، هل يُمكنني استخدام تلكَ الغرفة حقًا؟”
“لماذا؟ هل لم تعجبكِ؟”
“لا، بالعكس، أحببتها كثيرًا. كُنتُ أتساءل فقط إذا كان يحقُ لي استخدامُها.”
“يا للغرابة. أعطيتكِ غرفةً جيدة، وتشتكين؟ إنها غرفةٌ فارغة بلا صاحب، فاستخدميها.”
بعد أن طردها إلى غرفتها، جلس ليونارد مُجددًا أمام روزنبلور وأصدر تحذيرًا جادًا:
“لا تتجرأ على الاقتراب مِن تلميذتي، روزنبلور إلفنباوم.”
“ماذا؟ أقتراب؟ هَذا سخيف.”
“سخيف؟ يبدو أنكَ قد نسيت ما قُلتهُ لتلميذتي.”
“ماذا قُلت؟”
“تتصرفُ وكأنكَ بريء. قُلت لها إنكَ ترغبُ في أن تكون مُعلمها، وأنكَ تجدُها مُميزةً. لقد أخبرتني كورديليا بكُل شيء.”
“آه.”
بعد أن تذكر على ما يبدو ما قاله، تحدث روزنبلور بصوتٍ مازح:
“قلتُ ذَلك لأنني كُنتُ أعتقدُ أنكَ ميت، كيف يُمكن لساحرة مُبتدئة أن يعيش في جمعية السحرية دون مُعلم؟”
“الآن بعد أن تأكدت مِن أنني حي، لا تجرؤ على التحدث معها مرةً أخرى.”
“يا رجل، ألا تعتقدُ أنكَ تُبالغ في حذرك؟”
روزنبلور ظن أن ما يقولهُ ليونارد مُجرد مُزحة، فضحك بصوتٍ عالٍ، ولكن ملامحُ وجه ليونارد لم تتغير. أوقف روزنبلور ضحكته وسأله مُجددًا:
“لا يُمكن أن تكون جادًا، أليس كذلك؟”
“ولماذا تعتقدُ أنني لستُ جادًا؟”
“حسنًا، حسنًا، فهمت. أتعلم، مِن الصعب أن يعيش الساحر بدون تلميذ.”
بالطبع، بالنسبة للسحرة، التلميذ الأول لهُ مكانةٌ خاصة. لكن روزنبلور لم يكُن يتوقع أبدًا أن يتغير ليونارد، الذي كان دائمًا غير مُهتم باخذ تلاميذ، بهَذهِ الطريقة.
ثم قال: “هل تعلم أن ليديا كانت قلقةً عليكَ كثيرًا؟”
“لماذا؟”
“كيف لماذا؟ هل نسيتِ أن ليديا مُعجبةٌ بكَ؟”
“أمازالت كذَلك؟”
رد ليونارد ببرود، فظهرت على وجه روزنبلور علاماتُ الاستياء مِن تلكَ اللامبالاة.
“إنها حقًا مسألةٌ مؤسفة. الجميع في العاصمة يعرفون أنها تُحبكَ مِن طرفٍ واحد منذُ فترةٍ طويلة.”
“أنا أعلم. لكن إلى متى ستستمرُ في ملاحقتي؟ ألم تُصبح بالغةً الآن؟”
“آه.”
بالرغم مِن العلاقة الطويلة بين روزنبلور وليونارد، إلا أن موضوع شقيقتهِ كان دائمًا يجعلهُ يفقد السيطرة على مشاعره.
وبما أنهُ سبق وأن تشاجر مع ليونارد عدة مرات بشأن هَذا الموضوع، تنهد بإحباطٍ وحاول تغيير الموضوع.
“على أيِّ حال، ما الذي ستفعلهُ بخصوص ماكسيميليان؟ هل أرسلتَ فرقة مُطاردة؟”
“لا.”
“لم تفعل بعد؟ آخر مرةٍ رأيتهُ كان في جزيرة ويلآس، لذَلك ربما يجب أن تُرسل أشخاصًا إلى هُناك…”
“لا حاجة لذَلك. إنهُ هُنا في هَذا القصر.”
“في القصر؟ هل قبضت عليه بالفعل؟”
أشار ليونارد برأسه نحو صندوق كبير في زاوية غرفة الاستقبال. روزنبلور لم يُدرك ما الذي يعنيه في البداية، ولكن سرعان ما أدرك الحقيقة.
“يا إلهي! هل ماكسيميليان في ذَلك الصندوق؟ كيف تمكنتَ مِن نقله هَكذا وكأنهُ حيوان؟”
أجاب ليونارد ببرود: “حتى الحيوانات لا تقتل أشقاءها الذين وُلِدوا مِن نفس الوالدين، لذا هو ليس حيوانًا، بالطبع.”
نظر روزنبلور بين الصندوق ووجه ليونارد، وهز رأسه باستغراب.
“إذا كان مُحتجزًا هُناك، فيبدو أنهُ لا يزال على قيد الحياة. هل تُخطط لأخذه إلى قلعة أتيلي لتنفيذ حكم الإعدام؟”
“لا، سأعقد مُحاكمة.”
“مُحاكمة؟ هل ستجمع مجلس السحرة لعقد مُحاكمة؟ ولماذا؟”
كان استغراب روزنبلور مُبررًا.
فعقد المحاكمة سيستغرقُ سنواتٍ مِن الجدل القانوني الطويل والمُمل. ورغم أن الأدلة واضحة وستؤدي إلى حكم بالإعدام، إلا أن روزنبلور لم يفهم لماذا لم يتم التخلص مِن مصدر النزاع فورًا.
لكن ليونارد ابتسم ابتسامةً ماكرة.
“أريد أن أقدم لماكسيميليان جحيمًا حيًا.”
“أفهم ما تقصدهُ، ولكن ماذا لو استخدم السحر للهرب؟”
“لن يستطيع ذَلك. لقد استخدمتُ جسدهُ كوسيطٍ لألقى تعويذة نقل الروح.”
“أرى أن قسوتكِ بلا حدود.”
عدم قدرته على استخدام السحر يعني عمليًا حكمًا بالإعدام بالنسبة للساحر. ومع ذَلك، إبقاؤهُ على قيد الحياة في تلكَ الحالة هو بالتأكيد كما قال ليونارد: “جحيمٌ حي”.
رُبما ماكسيميليان، وهو مُحبوسٌ في ذَلك الصندوق، يتمنى الموت بدلاً مِن العيش في تلكِ الحالة.
“هُناك شيءٌ آخر يُقلقني.”
“ما هو؟”
“يبدو أن إمبلي كانت تدعمُ ماكسيميليان.”
“إمبلي؟ هل تقول أن إمبلي تعاونت مع ماكسيميليان؟ ما هو السبب الذي قد يدفعهم للتورط في أمور أتيلي؟”
بين العائلات الثمانية المُقدسة هُناك قاعدةٌ غيرُ مكتوبة تحظرُ التدخل في خلافة العائلات الأخرى.
“وفوق ذِلك، نحنُ نتحدث عن ليونارد أتيلي بنفسه؟”
“لهذا السبب أنا أيضًا أشعرُ بالفضول. ما الذي دفع إمبلي للانضمام إلى ماكسيميليان؟”
“حتى لو قتلوكَ، ما الفائدة التي سيحصلون عليها؟ هل وعدهم ماكسيميليان بحقوق تعدينٍ كاملة؟”
عوضًا عن الرد، قاطع ليونارد ساقيه واتكأ على ظهر الكرسي. في تلكَ اللحظة، خطرت فكرةُ في ذهن روزنبلور.
“السبب وراء رغبتكَ في عقد المًحاكمة هو بسبب إمبلي.”
“نعم، جزئيًا.”
أومأ ليونارد برأسه بخفة. لو قتل ماكسيميليان على الفور، سيفقد ارتباطهُ بإمبلي.
لكن بعقد المُحاكمة، يُمكنه الحصول على الصلاحية الرسمية للتحقيق في أمر إمبلي.
وبالإضافة إلى ذَلك، مُجرد وقوف إمبلي أمام المُحكمة سيكون إذلالًا كبيرًا لهم وسيطيح بسمعتهم إلى الحضيض.
لقد قرر ليونارد المُخاطرة قليلاً لإحضار إمبلي إلى ساحة الإعدام.
كُل خيار يتبعهُ مسؤولية، والآن حان الوقت لتحميل إمبلي مسؤولية التدخل في شؤون أتيلي.
***
“هاه، هاه.”
“توقفي عن هَذا.”
“لا أستطيع التحكم في توتري.”
كلما اقتربت كورديليا مِن القصر الملكي، ازداد تنفسُها صعوبةً. حاولت بشدة تهدئة نفسها، ولكن دون جدوى.
كونها ساحرةً تذهبُ لمُقابلة ملك إيرشيه، لم يكُن شيئًا يُمكن أن تتخيله قبل عام. لو أخبرها أحدهم حينها، لظنت أنه قد فقد عقله.
ولكن الآن، تحقق الحلم الذي كان يبدو مُستحيلاً.