أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 46
الفصل 46: العاصمة¹
“لكن إذا مرَّت ثلاثة أيام، ألن يكون جسد كريج قد تعفَّن؟”
“لا تقلقي، لقد وضعتُ عليهِ تعويذة تجميد.”
“واو، هل هُناك تعويذةٌ كهَذهِ؟ هَذا مُذهل.”
“لن تكون مُذهلةً مُقارنةً بما ستتعلمينه مِن تعاويذ لاحقًا.”
اعتقدت كورديليا أن ليونارد قد نسي تمامًا أمر التدريب الخاص، لكن يبدو أنهُ لم ينسَ على الإطلاق.
فجأةً، تغيرت ملامح كورديليا وأصبحت قاتمةً.
“لقد استيقظتُ للتو مِن إصابةٍ خطيرة…”
“وماذا في ذَلك؟ هل لا يزال الجُرح يؤلمكِ؟ هل لا تستطيعين حتى رفع قلم؟”
“لا، ليس مؤلمًا، لكنني مُصابة بجُرحٍ كبيرٍ في قلبي…”
“الذي تلقى الجُرح الكبير في قلبهِ هو أنا. أنتِ فقط تخيلتِ الأمور في رأسكِ وأسأتِ الفهم.”
“م مُعلمي، ما الجرح الذي تلقيته؟”
“اتهمتني بأنني شخصٌ بلا قلب وبلا إحساس يستخدمُ تلميذتهُ كوسيطٍ ويتخلى عنها. ألا تعتقدين أن هَذا سيجرحُ مشاعري؟”
“هَذا… هَذا…”
لم تجد كورديليا ما تقوله، فبدأت تُحركُ شفتيها بلا جدوى. ثم خفضت رأسها بشدة.
“أنا آسفة. لقد كان ذَلك مُجرد سوء فهم مني. مُعلمي لا يُمكن أن يفعل شيئًا كهَذا أبدًا.”
“همف.”
“لكن حتى لو كان مُعلمي قد استخدمني كوسيط، لكُنتُ قد تقبلتُ ذَلك.”
“لماذا؟”
“ماذا؟”
“لماذا كُنتِ ستقبلين؟ كان عليكِ أن تتمردي، أو تهربي، أو تُقاتلي على الأقل.”
“أممم… هل لا يُعجبكَ أنني أطيعُ أوامرك؟”
“في العادة، ترفضين الاستماع إليَّ، ولكنكِ الآن فقط تُقررين طاعتي. هل تُحاولين استفزازي؟”
“متى لم أكُن أستمعُ إليكَ؟”
“عندما أطلب منكِ القيام بشيء ما، تبدأين بالتذمر. انظري إلى الآن، بمُجرد أن ذكرتُ التدريب الخاص، بدأتِ بالادعاء بأن لديكِ جُرحًا في قلبُكِ وتريدين الهرب.”
“لا، بما أننا نتحدث عن هَذا، قبل عشر دقائق فقط كُنتُ مريضةً. كيف يُمكنكَ أن تقترح تدريبًا خاصً فورًا أن استيقظتُ؟ أليس هَذا قاسيًا قليلاً؟”
“أعرف أنكِ بخير لأنني رأيتُكِ طوال ثلاثة أيامٍ كاملة. وأنا أيضًا، بما أننا نتحدث عن ذِلك، كيف تمكنتِ مِن تصديق كلام بيلوتشي والتصرف بجنون؟ ألم تُفكري حتى في سؤالي؟ ماذا كُنتِ تظنين، كمُعلم، هل سأفعل ذَلك؟”
لم يتراجع أيٌّ مِن المُعلم أو تلميذته. استمروا في تبادل الكلام الذي تراكم.
بهَذا الأسلوب مِن النقاش، بدأت كورديليا في التعبير عن مشاعرها بصدقٍ أكبر.
“عندما ذهبتُ إلى جمعيةالسحرة، نظر إليَّ الجميع بعيونٍ حاسدة لأنني كُنتُ تلميذة مُعلمي.”
“أخيرًا فهمتِ؟”
“لذَلك بدأتُ أفكر في ذَلك. لماذا قبلتني كتلميذة؟ هُناك أشخاصٌ أكثر ذكاءً وموهبةً مني. وعندما قال بيلوتشي تلكَ الكلمات، شعرتُ بأنني أفهم. آه، لهَذا السبب قبلني مُعلمي كتلميذته.”
“بالتأكيد، كان هُناك أشخاصٌ أكثر ذكاءًا وموهبةً منكِ.”
“…..”
“لكنهم لم يكونوا أنتِ.”
“…..”
“كُنتُ سأقبلكِ كتلميذتي حتى لو كُنتِ أقل ذكاءًا مما أنتِ عليه الآن، وبالطبع ليس مِن المُمكن أن تكوني أكثر غباءًا. حتى لو لم يكُن لديكِ موهبةٌ في رؤية الطاقة السحرية، كُنتُ سأقبلكِ. لقد قبلتُ شخصًا يُدعى كورديليا باسكويز كتلميذةٍ لي، وليس لأنكِ ذكيةٌ وموهوبة.”
“…..”
“هل تبكين؟”
“أوه، أنا مُتأثرةٌ، يا مُعلمي. أهاااا.”
لم تكُن هَذهِ مُجرد كلماتٍ عابرة، بل كانت تمُس قلبها بصدقٍ. لم تسمع مِن قبل أيَّ أحدٍ يقول أنهُ يقبلُها كـ كورديليا، كشخصيتها، كنفسها، لذَلك كانت أكثر تأثُرًا.
لم يكُن هُناك أحدٌ في العالم قد قال لكورديليا بإنها جيدةٌ كما هي.
والدُها كان دائمًا يقول إنها فتاة لا فائدة منها، وفي إبرامز كانت تُحتقر لأنها لم تستطع إنجاب الأطفال وتُعتبر طفيليةً لا فائدة منها. كان مِن الطبيعي أن تعتقد أنها ستُنبذ إذا لم تُثبت فائدتها.
كانت تعتقدُ أن ليونارد كان كذَلك، لكنهُ كان يُعاملها بصدقٍ. في الواقع، كانت كورديليا هي التي تُفكر في تعلُم بعض السحر والهروب. قد شعرت بالخجل.
“هل انتهيتِ مِن البُكاء؟”
“نعم. شكرًا، أنا حقًا سأعملُ بجد…”
“إذاً افتحي الكتاب. كُل الوقت الذي قمتِ بتضيعه سنُعوضُه أبتداءًا مِن اليوم.”
“…..”
كان لدى ليونارد موهبةُ في إيقاف دموع النساء. جفت دموعها بسرعةٍ واختفى الشعور الذي كانت تشعرُ به.
***
كانت مجموعتهم بحاجةٍ إلى الإسراع إذا كان ليونارد يرغبُ في استعادة أتيلي، لذِلك واصلوا التخييم في الغابات دون التوقف في القرى، محاولين الوصول إلى العاصمة بأقصر مسافةٍ مُمكنة.
“هاه…”
ترجلت كورديليا مِن العربة بتعب. عندما استيقظت، كان الوقت ظهرًا، ولكن الآن الشمسُ كانت تغرب.
عندما نزلت، اقترب البارون منها بوجهٍ مُفعمٍ بالترحيب.
“كيف حالكِ الآن، يا سيدة كورديليا؟”
“أوه، بارون.”
“لقد كان السيد قلقًا جدًا عليكِ. كانت أصابتُكِ أعمق مما توقعنا، لذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً لتضميدها.”
“حقًا؟”
لمست كورديليا مكان الجُرح بيدها. لا يزالُ يؤلمها إذا ضغطت عليه، لكنهُ لم يكُن يمنعها من ممارسة حياتها اليومية.
“لقد حاولتُ ألا يترُك أثرًا، لكن لا يزالُ هُناك أثرٌ بسيطٌ بسبب حجم الجرح.”
“لا بأس، على أيِّ حال، ليس لديّ نيةٌ للزواج مرةً أخرى.”
كان ندُب الجروح على جسد المرأة أمرًا سلبيًا في سوق الزواج، لكن كورديليا كانت متزوجةً بالفعل، لذا لم يكُن الأمر ذا أهميةٍ كبيرة.
“وبخصوص بيلوتشي…”
“ماذا بشأن بيلوتشي؟”
“لقد سألني أيضًا عن متى ستستيقظين، يا سيدة كورديليا.”
“ماذا؟”
ليس “متى ستموتين؟”
ضيقت كورديليا عينيها ونظرت إلى الفارس الذي كان يُقطع الحطب بعيدًا. ضحك البارون بصوتٍ مُنخفض.
“بيلوتشي هو مَن كان يحملُ كورديليا أثناء السفر، حتى دون أن يُطلب منهُ ذَلك.”
“حقًا؟”
لمعت عينا كورديليا واقتربت مِن بيلوتشي الذي كان بجانب الحطب. عندما بدأت تتسكعُ بلا سبب حول المكان، عبس بيلوتشي وقال بنبرةٍ غاضبة:
“ماذا تفعلين؟ ابتعدي، أنتِ تعيقيني.”
“هل كُنتَ قلقًا عليّ؟”
“قلق؟ لا، كُنتُ فقط أريدُ أخذ بالسوار إذا مُتِّ.”
رد بيلوتشي بجفاءٍ وأدار نظرهُ نحو الحطب. لكنهُ لم يكُن بنفس الحدة والتهكم المُعتاد.
“لكن سمعتُ مِن البارون بأنكَ كُنتَ قلقًا عليّ.”
“لا تُصدقي كلام هَذا الكلب العجوز. هو دائمًا يُبالغ في كُل شيء.”
“إذن لم تكُن قلقًا كثيرًا، رُبما فقط قليلاً؟”
“قلتُ لكِ لم أقلق.”
“على الأقل كُنتُ وفية، أليس كذلك؟ لم أترُك بيلوتشي وأهرب.”
“همف.”
أخذت تبتلعُ بصعوبةٍ الكلمات التي كادت أن تخرجُ عن كونها كانت على وشك الهروب. بغض النظر عن مشاعرها، لم تهرب منه، وهَذا هو الواقع.
بينما كانا يتجادلان، سمعا صوت ليونارد ينادي بيلوتشي مِن بعيد. هرع بيلوتشي نحوهُ فورًا.
“هل استدعيتني؟”
“أنزل هَذا.”
كان ليونارد يُشير إلى ماكسيمليان الذي كان مُقيدًا على سقف العربة. قام بيلوتشي بإنزالهِ بقسوةٍ لدرجة صدور صوتٍ حاد.
قام ليونارد بفك لجام ماكسيمليان وتحدث بصوتٍ لطيفٍ نوعًا ما.
“هل تشعرُ بالعطش؟”
ثم ألقى بزجاجة ماء جلدية كانت مُتدلية على حزامه إلى الأرض. حدق ماكسيمليان في الزجاجة بصمت.
راقبت كورديليا وجه ماكسيمليان بنظرةٍ جانبية.
لم يمر سوى ثلاثة أيام، لكن حالتهُ قد تغيرت بشكلٍ ملحوظ. كان في عينيهِ نظرةٌ شريرة، وخدودهُ غارت، وبدا وكأنهُ قد تقدم بالعمر عشر سنوات.
ظنت كورديليا أن ماكسيمليان سيرفض، لكنهُ قد زحف بهدوءٍ نحو الزجاجة وبدأ يشربُ منها. يبدو أنهُ كان عطشانًا للغاية.
“ما الذي تنتظرينه؟ جهزي العشاء.”
“أوه، نعم، نعم!”
قال ليونارد. ثم أبتعدت كورديليا عن ماكسيمليان بسرعةٍ لتُساعد في تحضير العشاء.
لم تكُن تعرفُ بالضبط ما حدث بين ليونارد وماكسيمليان في الغابة ذَلك اليوم، لكن بدا أن الأمور قد حُسمت.
كانت تتساءلُ لماذا لم يقتُل ماكسيمليان ولماذا يجرّهُ معهم وهو حي.
“هَذا لأننا نريدهُ أن يمتثل أمام المجلس ليُحاكم.”
كعادته، كان البارون هو مَن أجاب على تساؤلاتها.
“المجلس؟ هل نحنُ متجهون إلى العاصمة؟”
“أوه، لم أخبركِ بهَذا مِن قبل. نعم، نحنُ متجهون مُباشرةَ إلى يابو دايليم.”
يابو دايليم هي أعلى هيئة لاتخاذ القرارات في إيرشيه. هُناك، يجتمعُ أكثر مِن عشرين شخصٍ مِن أصحاب السلطة لاتخاذ قرارات حول خلافة الألقاب والمُحاكمات وسن القوانين والعديد مِن الأمور الأخرى.
ويقع المجلس بالطبع في العاصمة، يابو دايليم.
“يجب أن نعقد مُحاكمةً لكشف جرائم ماكسيمليان واستعادة مكانة سيدي.”
“وبعد ذَلك سيُقتل ماكسيمليان؟”
“ليس بِهَذهِ السرعة. المُحاكمة قد تستغرقُ مِن سنةِ إلى ثلاث سنوات على الأقل، وعلينا الانتظار حتى تُصدر جميع الأحكام.”
“إذاً لماذا قد تنتظرون إجراء مُحاكمةٍ له؟”
كانت كورديليا تتساءل ببراءةٍ. فليونارد لا يبدو أنه الشخص الذي سيُبقي ماكسيمليان حيًا لثلاث سنوات لمُجرد مُحاكمة.
“قتلهُ الآن سيكون مضيعة.”
بشكلٍ غير مُتوقع، جلس ليونارد بجانبها وقال. نظرت كورديليا إلى وجهه عن غير قصد، ثم أستدارت نحو النار لتُركز عليها. كان وجههُ يجعلها تشعرُ بالخفقان.
“مضيعة؟”
“نعم، لقد بذل ماكسيمليان الكثير مِن الجهد والتعب ليقتلني. إذا قتلتُه الآن، سأشعرُ بالسوء. سأجعلُ الناس في إيرشيه يبصقون عليه في مُحاكمةٍ علنية.”
كانت هَذهِ بالتأكيد طريقة ليونارد في التفكير. لم تستطع كورديليا إلا أن تُعجب بطبيعتهِ القاسية.
“ولكن ماذا لو هرب ماكسيمليان مِن السجن وانتقم منكَ، يا مًعلمي؟”
“ينتقم؟ هاهاها. لقد فقد سحره، ماذا سيفعل؟”
“ربما يتسللُ ويهاجمكَ خلسةً.”
“سيكون مِن المُثير للاهتمام إذا حاول ذَلك. ربما سأطلقُ كلابي لتأكل أطرافه واحدة تلو الأخرى.”
“…..”
“لقد عاش حياتهُ كلها كالساحر، هل تعتقدين أنهُ يمكنه العيش كإنسانٍ عادي ولو ليوم واحد؟ حياتهُ الآن جحيم، لهذا سأُجرهُ إلى المُحاكمة.”
بدأت تفهم أخيرًا سبب إبقائه حيًا. كما قال ليونارد، يبدو مِن المُستبعد أن يتمكن ماكسيمليان مِن مواجهته مُجددًا بعد أن فقد سحرهُ تمامًا.
“ولكن إذا عُقدت المٌحاكمة، هل سيحضر جميع رؤساء العائلات الثماني؟”
“قد يحضرون أو لا. لماذا تسألين؟”
“كنت أتساءل عما إذا كان والدي سيأتي أيضًا…”
سرعان ما أصبحت ملامح كورديليا داكنةً.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة